الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث التفسیر

45/08/04

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: اليوم والليل و العوالم النازلة و الصاعدة

 

كنا في هذه الاية الكريمة 254 من سورة البقرة :

﴿يا ايها الذين امنوا انفقوا مما رزقناكم من قبل ان ياتي يوم لا بيع فيه ولا خلة ولا شفاعة والكافرون هم الظالمون﴾

ان المراد هنا من اليوم هو عالم ، وهذا العالم اي عالم ؟

بحسب بيانات الوحي نفس عالم الدنيا عوالم وليس عالم واحد ، مثلا عالم الاصلاب والارحام كلها من عوالم الدنيا وحسب بيان القران خلافا للفلاسفة الانسان قبل ان ينفخ بروحه في بدنه له كينونة في عالم الدنيا ونوع من التعلق ، بعض عوالم الذر والميثاق وبعض العوالم الاخيرة من الميثاق هي من عالم الدنيا بالتالي الانسان له كينونة قبل عالم الدنيا .

خلق الله الارواح قبل الاجساد ب 2000 عام /، وهذا احتار فيه الفلاسفة والمتكلمون كذلك ، ولم يمكنهم تصور كينونة نشاة الارواح بدون الاجساد الغليظة توهما من الفلاسفة او المتكلمين عموما ان الجسد الذي تتعلق به الروح هو الجسد الغليظ وهذه غفلة يعني عقلا يقولون كيف نتصور تكثر ارواح وتكثر الجوهر بدون مادة لا يمكن تصور تكثر المجردات بدون مادة .

والحال انه اولا المادة غير منحصر بالمادة الغليظة فالاجسام الطف الطف الطف ويجب ان تؤولون عوالم الطينة وعوالم الميثاق والاشباح والاظلة الواردة في الكتب المعتبرة في تراث اهل البيت ومتواترة ، فنشاة قبل عالم الجسم لا يتصوروه ، فعوالم الدنيا عديدة وكذا عوالم ما قبل الدنيا .

وهذا نتيجة الابتعاد عن البيانات العقلية الوحدانية الموجودة في الروايات والايات والاحتباس والعكوف على نتاج الفلاسفة والمتكلمين ، الانسان يحبس نفسه عن افاق واسعة .

فاذن عوالم الدنيا ليس عالم واحد وكذا عوالم البرزخ هي برازخ كما ان الرجعة رجعات وليست رجعة واحدة كما ان القيامة عوالم وليست عالم واحد 50،000 سنة وكل حقبة 1000 سنة وبعد عوالم يوم القيامة ورد بعث الى الجنة او بعث الى النار هذا غير بعث يوم القيامة وانما عالم اخر .

ولعل احد التاويلات للصيحة الثانية والنفخ الثاني في الصور ربما بلحاظ امور اخرى ، الان النفخ في الصور والصور وكذا بلحظ عوالم القيامة هذا شان وماذا عن بعث بعده ؟ وعوالم القيامة ؟

هذه بحوث مطمورة في الوحي لم يخض فيها المتكلمون ولا الفلاسفة ولا العرفاء بما هو موجود من مواد الوحي ، فمائدة وحيانية موجودة ليس هناك من يجلس عليها ويتناول تلك المواد بل هم عن الذكر لمعرضون

احد المستشكلين وان لم يكن زنديق لكن ينقل اشكالات الفلاسفة لكن اطلق عليه اشكالات الزنديق وليس بزنديق فهو ينقل اسئلة لامير المؤمنين والاسئلة دقيقة عقلية والرواية طويلة الذيل وانى للمتكلمين في ذلك العصر ان يجيبوا عنه هم اصلا لم يكن موجودين اما الصحابة فلا .

لذلك حق ان يقول ابن سينا في كتاب له باللغة الفارسية علي بين الصحابة كالعقل بين الاجسام ، فعلوم اهل البيت شواهد اعجازية لريادة اهل البيت على كل المدارس البشرية وهذا الادعاء يثبت نفسه بحقائق العلوم ، يا ابن المعالم الماثورة فهذا التراث اعجاز ماثور بعلوم من اهل البيت علوم لم يدركها البشر الى الان بمستواها .

فقواعدهم العلمية معلم للدين الماثور ، هذه احد براهين الحاضرة لامامة اهل البيت ، فالشاهد ان في بيان اهل البيت ما في القران ولا يدري ما في القران الا اهله ان هناك عوالم ، فبين عوالم القيامة وعوالم ما بعد بعد القيامة شؤون مختلفة .

هنا عندما يقول الله عز وجل من قبل ان ياتي يوم ولم يقل ايام ، يوم يعني عالم او في هذا الحديث الذي عند الزنديق يقول القران يصف القيام بشؤون وحالات مختلفة ومتناقضة ؟

هناك بين امير المؤمنين ان هذه الشؤون ليس لمشهد واحد وعالم واحد بل هي في مشاهد او مواقف او منازل او عوالم مختلفة في مشهد كذا احكام تكوينية وفي مشهد اخر احكام اخرى ، البشرية لا يمكنها ان تفهم هذا لولاهم ولا يعلم تاويله الا الله والراسخون في العلم .

وهذه الاية على وزان لا يمسه الا المطهرون او في سورة ثالثة بل هو ايات بينات في صدور الذين اوتوا العلم هذه في سورة العنكبوت ، فاذن هي ايام وذكرهم بايام الله فهي عوالم لله .

هناك تساؤل لطيف ذكره بعض فلاسفة الشيعة لماذا في القران يقول يوم ولم يقل ليلة؟ لم يقل انا انزلناة في يوم القدر وما ادراك ما يوم القدر ؟ فما المراد من الليل في مصطلح الوحي ؟ او انا انزلناه في ليلة مباركة ولم يقل يوم مبارك ، بينما هنا يقول يوم يوم ولم يقل ليلة ، ما الفرق بين اليوم والليلة ؟

مر بنا اصطلاحات بشواهد وتعليمات وحيانية ان اليوم يستخدم بمعاني والطعام يستعمل بمعاني وكذا الرزق والنعمة كذلك فما فرق اليوم عن الليل ؟

احد الفوارق وهذا التقسيم موجود في بيانات الوحي اصطلح عليه الفلاسفة وفاقا للوحي ان قوس النزول في العوالم وقوس الصعود ، فعندنا قوس نزول وقوس صعود ، انزلنا او اليه يصعد نزول وصعود نزول الملائكة وعروج الملائكة ، هذا اصطلاح وحياني ، فقوس النزول يسمى الليل وقوس الصعود في العوالم يسمى يوم .

هذا اصطلاح وحياني ، فلا يقال ليل القيامة بينما في نزول القران يقال ليلة القدر فما هو السر في ذلك ؟

ان العوالم النازلة تسمى ليل لان فيها تقدير لما ياتي فهي سابقة لليوم من جهة ، فهنا الليل يعني الخفي خفاء وهو سابق وفيه تقدير لما ياتي ، مثلا عالم القدر يسمى الليل ، اصلا ليلة القدر معناه ان تقدر فيها هذه الاشياء ، اما اليوم ، يوم ياتي تاويله اليوم مشاهد لاحق من العوالم .

فالعوالم السابقة الخفية وتقدر فيها ما ياتي من عوالم لاحقة ومتنزله بينما اليوم عوالم لاحقة اتية تشاهد وتتحقق فيها الامور مثل يمين العرش ، اليمين يعني ماذا ؟ هل هو يمين جغرافي ؟ كلا ، على يسار العرش هل هو يسار جغرافي ؟ كلا ، بل في موارد عديدة الوحي يقول يمين ويسار ، ويمين ويسار ليس جغرافي فما المراد بيمين او اصحاب اليمين اليمين ماخوذ من اليمن واليمن من العلو ، يمين العرش يعني عالي العرش ويسار العرش عن ادنى العرش وليس هو يمين ويسار .

فأعلى العرش اربعة سيد الانبياء وسيد الاوصياء وسيدا شباب اهل الجنه ، وادنى العرش بيد ابراهيم وموسى وعيسى ونوح اما ما بينهما فالحديث النبوي ساكت ، لا ان النبي نوح وموسى وعيسى وابراهيم اعلى من السجاد والتسعة ع وانما هذا نوع من البيان لاعلى العرش وادناه ان العرش بيد بقية اولي العزم الاربع واعلى العرش بيد الاربعة ثم السجاد ثم الباقر ثم بقية سلسلة المعصومين ثم صاحب العصر والزمان وفي جملة من البيانات ان فاطمة ورثت علمها وولدها .

فاليمين واليسار ليس الجغرافي وانما العلو كما ان الليل واليوم ليس المراد به الظلمة ونور وانما خفاء وبروز ، دائما في المعارف الوحيانية الليل هو تقدير لما سياتي اما اليوم فلا ليس فيه خفاء ، فبصرك اليوم حديد ، يوم الشاهد والمشهود وليس مخفي.

فالعوالم اللاحقة المشهودة الليل هو العوالم السابقة الخفية انت لا تذكرها بالتفصيل وهي ستؤثر على ما ياتي .

ليلة القدر وما ادراك ما ليلة القدر والفجر وليال عشر والشفع والوتر فهو تقدير .

مر مرارا هذا البحث ان العناوين في المعارف لا يراد بها المعارف المصطلحة المانوسة في الاذهان المادية ، خذ الايات واترك المبادئ مالك لا تسجد لما خلقت بيدي ؟ ليس اليد الجارحة يعني قدرة التصرف ، والغاية من العين ليس البصر لعله عين لا تبصر لا تسمى عين انما تسمى عين اذا تبصر وهذه القاعدة ضرورية في باب المعارف والوحي .

اذن المراد من اليوم عالم مشهود لاحق لم يقل في كل الايام وانما في غالب الايام هكذا وهذا لا ينافي ما قاله القران لا يشاؤون الا باذنه ليس استثناء وعدم استثناء وتضارب وانما العوالم مختلفة .

كما ان البرزخ عالم ليس فيه شفاعة الغالب يعني الا ما استثني عكس يوم القيامة هو عالم شفاعة ، مثلا القيامة فيها اهوال عجيبة وفي عوالم القيامة غير الاهوال ، مثلا في عالم قيام يفرح المؤمنون وكيف هو يوم الفزع الاكبر ؟ لان القيامة عوالم وليس عالم واحد ولكل عالم منه شؤون .

فهنا التعبير في الاية ليس يوم ياتي وايام تاتي يوم وليس ايام وانما عوالم مختلفة يوم يقوم الاشهاد مثلا ، فلا بد من التدقيق في الاصطلاحات يمين ويسار العرش .