45/06/19
الموضوع: القصص القرآني وكتب التاريخ والآثار
الايات اللاحقة في مجموعة ملحمة ايات طالوت وجالوت: تلك ايات الله يتلوها عليك بالحق وانك لمن المرسلين
يعني ما تقدم من ملحمة داوود وجالوت هذه هي الحقيقة
سؤال يثيره الحداثويون او غيرهم ان القرآن الكريم مشتمل على مقالات وكلمات البشر قال فرعون قال نمرود قال كذا قال عزيز مصر فبالتالي هذا الاستعراض في القرآن لكلمات البشر كيف يعد كلام الله ومقدس بالتالي هو كلام البشر او كلام مخلوقات اخرى ، كلام الجن وكذا فكيف يعتبر كلام الله او هذا السرد القصصي ما الفرق بينه وبين كتب التاريخ
فهذا تساؤل مطروح ان ما الفرق بين كتب التاريخ والسير واسلوب القصص في القرآن الكريم هو شيء واحد فاذن ما الميزة للقرآن باعتبار انه معجزة وكلام مقدس ؟ فهي احداث للبشر وكلمات البشر فكيف هذا نعتبره وحي وكلام الله? فالسرد القرآني لقصص البشر ما الفرق بينه وكتب التاريخ? القرآن ليس تراث تاريخي وانما هو وحي مقدس عظيم فما الفرق
مثل قول بني اسرائيل اذهب انت وربك فقاتلا انا ها هنا قاعدون قالوا ان فيها قوم جبارين وانا لن ندخلها ومن هذا القبيل كثير مثلا كلام ملكة سبأ وكلام عزيز مصر مع انهم ليسوا انبياء بل فراعنة او شيء اخر فكيف يعني يلون بصبغة الوحي وقدسية الوحي
الجواب ان هناك فرق كبير
اولا كتب التاريخ عندما تنقل شيئا سواء تنقل كلاما او تنقل احداث هل هذا النقل دقيق ليس بمعلوم لانه هل سمع الناقل بالدقة ما نقل او اشتبه? هذا الناقل هل ينقل اصوات الالفاظ او ينقل المعاني? انه ينقل الاصوات فماذا عن المعاني ومعاني المعاني لان المتكلم لديه طبقات من المعاني يريد ان يوصلها الى الانسان او المخاطب فهل يا ترى هذا السامع احاط بالمعاني التي تقترح عند المتكلم كلا انما سمع اصوات يعني انما هذا الناقل يوصل لك الامور الحسية اما الامور الماورائية لا يتمكن من الوصول اليها فاين من اين
المتكلم عندما يتلفظ بالفاظ كثيرا ما المتكلم تخونه العبارة ويخونه التعبير يعني عاجز عنه قد المعاني التي يتخاطرها المتكلم ليست هي ما يريده وان ما يريده شيء اخر وانى للناقل السامع ان يحيط بها وهو المتكلم غافل عن مرتكزاته الاصلية بينما الوحي يحيط بالسامع وبالمخاطب وبالمتكلم ويحيط بمعاني المتكلم حتى لو لم يتكلم المتكلم بلسان بدنه وانما تحدث مع نفسه في نفسه يحيط الله عز وجل به
تارة المتكلم يخونه التعبير اللساني واخرى يخونه المعاني لان دواعي المتكلم متعددة فكيف يساوى هو المتكلم لا يعي ما يريد حقيقة ، شبيه ان احدا يريد ان يتجه الى مدينة معينة لكن لا يهتدي الى الطريق فارادته الاصلية ليس هذا الطريق وانما اعياه التفكير والتدبير بينما الله يحيط بالمقاصد الاصلية والتبعية والفرعية ، فيحيط بالمتكلم اكثر مما يحيط المتكلم بنفسه ويحيط بالسامع اكثر ما يحيط السامع بنفسه
الان مثلا في حادثة كربلاء هل الرواة المتواجدون في مشهد واقعة الطفوف حينما ينقل مشهد معين يحيط بكل احداث كربلاء ؟ كلا ، حتى المشهد الجزئي لا يحيط به من كل الزوايا وانما من زاوية واحدة
قبل سنين اعلنت المؤسسة الدولية لرياضة كرة القدم اعلنت انه لابد من نصب كذا كاميرا في ملعب كرة القدم كي تنقل هذه الصور الى قاعات خلفية فيها محكمين لان هذا الحكم في وسط الملعب ومساعديه في جانبي الملعب لا يحيطون حسا بكل حدث خلال متر مربع ، حقيقة ما يحصل بين لاعبين او ثلاثة او اربعة لا يحيطون به حسا وتبين لهم ان سنين عديدة من الحكم بفوز دول معينة بكأس العالم كان خطأ في خطأ حيث مشهد حسي مترين مربع لا يستطيعون ان يلموا به حسا
فكيف انت تريد بواقعة كربلاء التي هي مئات الامتار المربعة او الاف ومشاهد عديدة فيها من راوي واحد وانما زاوية ضيقة يراقبون؟ الان مترين مربعين محكمين كثر قد يصلون الى الحقيقة وانت تريد الحقيقة في الاف الامتار فتنكر هذا وهذا وتشكك في هذا
فلاحظ الفرق بين نقل البشر للمشاهد ونقل الله ، لذلك لما يسند الله قصص معينة الان مثلا في المدن الضخمة ربما ملايين العدسات في عواصم دول العالم الاول لكي يرصدوا الاحداث ومع ذلك لا يرصدون كل صغيرة وكبيرة
اذن كتب التاريخ عندما تنقل امور تنقل سطح خاوي واما حقيقة الوقائع والامور فلا يتمكنون من نقلها وكنت انت الرقيب عليهم والشاهد لما خفي عنهم يعني عن الملائكة فنقل الرواة نقص في نقص ونقل الله يختلف عن البشر وسرده للقصص
ثم مثلا الحكم ربما يظن ان الكرة هي هنا ولكنها هي موجودة في مكان اخر يعني لا يركز على المحل الاصلي فمن قال ان المحور الجغرافي او الزماني الاصلي في كل هذا الحالات له ؟ هذا لا يمكن لاحد ان يحيط به
او مثلا عسكريا جيش مع جيش او امنيا الجيش يركز على جانب وجيش اخر على جانب اخر لم يستطيعوا ان يتنبهوا الى محور الاصل الجغرافي او الزماني بينما الله عز وجل ليس فقط يحيط بكل شيء وانما يحيط بالقلب النابض للحدث اين هو زمانا مكانا تأثيرا تموجا تداعياته
لذلك القرآن يقول نحن نقص عليك احسن القصص يعني اخطر مواقع الحدث ولب اللباب مثلا في الحادث الامني اين اللباب الامني? وكذا في الاداري وكذا في السياسي وكذا الفكري وكذا الحيواني الشهواني فمن يلم بالاحداث?
فلا قياس بين ما يسنده وحي الله عز وجل من كلمات او مع نقل البشر ولذلك قريش قالت اساطير اكتتبها تملى عليه
بل نقول زيادة عن ذلك سرد القصص الذي في القرآن اعظم واعظم من الاحداث التي في التوراة والانجيل يعني الدرجة المجهرية لكشف الحقائق في القرآن اعظم من التوراة والانجيل مع ان التوراة حق والانجيل قسميهما غير المحرف حق لكن درجة الكشف الموجودة في القرآن اعظم منهما
لذلك القرآن عندما يتعرض الى القرون الخالية لا يتعرض كل صغيرة وكبيرة وتافهة من توافه الاحداث وانما الى اللباب القلبي المركزي التي ذكرت والتي تؤثر على حضارات البشر والمسير والمسار والمصير لحضارات البشر انه لقول فصل وما هو بالهزل
اذن السرد القصصي في القرآن اصلا هو عبارة عن كشف وحياني لاحداث اصحاب الحدث انفسهم لا يحيطون بها شبيه قول الله تعالى اذ قلنا لك ان ربك قد احاط بالناس فالناس لا يحيطون بانفسهم وانما ربك احاط بالناس
وما جعلنا الرؤيا التي اريناك الا فتنة للبشر والشجرة الملعونة والتي هي بني امية في روايات الفريقين فالمقصود ان ربك احاط بالناس هو محيط بكل شيء اين هذا من نقل وسرد سطحي قشري ؟
فالله عز وجل ينقل لباب او حقائق الوقائع وما هو عبرة وحكمة فلا قياس بين الامرين
لذلك لقد كان في قصصهم عبرة اعتبار وحكمة ما كان حديثا يفترى فهو لباب الحكمة والعلم ولباب التربية العلمية والتربوية فيه تلك ايات الله نتلوها عليك بالحق وانك لمن المرسلين وليس فقط بالحق وانما حكمة وعظة لقد كان في قصصهم عبرة وغايات عظيمة وليست كل تافهة
مثلا كتاب الاغاني لابي الفرج الاصفهاني لاحظ ماذا ورد في هذا الكتاب ثم ماذا حيث كل تافهة و واردة مذكورة فيه مع انه لا يحيط بالحقيقة لذلك سرد القرآن واستعراضه لما هو مفيد ومربي ولباب وخطير تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض منهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات ، فهنا فضل و رفع شيئان ، واتينا عيسى ابن مريم البينات وايدناه بروح القدس فلماذا يثير القرآن هذا المبحث الجديد بعد ما استعرض طالوت وداوود وجالوت ؟
مر بنا ان الله عز وجل جعل الامام الناطق في زمن طالوت مع انه كان امام مع ذلك نقل امامة من طالوت في حياة طالوت الى داوود كما حصل بين النبي يعقوب والنبي يوسف مع انه طالوت او يعقوب لم يخرجوا عن شرائط الامامة لكن اتى من هو اكثر ففضلناه و اتى من هو الاكفأ ففضلنا الاكفأ ، فرفعنا درجات اذن موجود ذلك يكون الامام الناطق ويكون السابق صامت مع انه واجد لاهلية الامامة ان الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم ومع ذلك فلما قام داود بالمقام قال الله عز وجل له واتاه الله الملك والحكمة وعلمه مما يشاء ، يا داوود انا جعلناك خليفة في الارض فاحكم بين الناس بالعدل ، فقدم داوود على طالوت فكليهما امامين وخليفتين ولكن قدم داوود الذي اصطفي على طالوت الذي اصطفي
اذن نستفيد من هذه الاية الكريمة في ملحمة طالوت ان التفاضل بين الانبياء وفي ايات اخرى فضلنا بعض النبيين على بعض والرسل كذلك بل ليس فقط الانبياء والرسل الائمة كما في داوود وطالوت وان كان الرسل بالمعنى الاعم شامل للاوصياء ان الله بعث عليا بالعلم لا بالنبوة
لذلك يقال ان الامام سفير الله والا هو رسول بمعنى الاعم ، انتم السفراء بين الله وخلقه فالتفاضل في هذه الايات ليس فقط في الانبياء والرسل بالمعنى الاعم شامل للملوك الالهية وللائمة والتفاضل كما بين الانبياء تفاضل بين الرسل بالمعنى الاخص وبالمعنى العام تفاضل ، وبالمعنى الاعم شامل للائمة او المصطفين اذن بينهم تفاضل وبينهم درجات في حين في موضع اخر من القرآن الكريم يعبر الله عز وجل لا نفرق بين احد من رسله فلا نفرق ونفضل في حين هم في مسير واحد يصدق بعضهم بعضا ولكن درجات
هنا عملية تجاذب او تحدي من جهة هم في مسير واحد ومن جهة درجات ، من جهة انزل عليك الكتاب مصدقا لما بين يديه ومهيمنا كما يوجد تفاضل بين الانبياء والتفاضل بين الرسل وتفاضل بين الائمة هناك تفاضل بين الكتب السماوية ، في حين هناك تطابق في حين يوجد تفاضل؟ كيف يكون هذا سيما تطابق ليس بمعنى توثيق يعني يوثق نبي نبيا /، وانما مطابق ، الصدق في العقل النظري لا العملي ، فمطابق برهان وليس فقط توثيق
فالصدق النظري اعظم من الصدق العملي الصدق العملي يعني لا تعمل الكذب ربما يشتبه يخطأ اما الصدق النظري يتطابق المتن مع الواقع فالقرآن الكريم يصدق كل الكتب الذي قبله يعني يتطابقها ويطابقها وليس بينهم معادلات متنافية ينطقون عن الواحد الاحد ولو كان من غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا
فالصدق هنا في العقل النظري يعني صدق التطابق الواقعي والصدق العلمي وهذا فوق طاقة البشر وليس توثيق ، هذا اعظم من التوثيق ،
فتطابق المتن للواقع حجيته اعظم من وثاقة الناقل الان لما ننظر باعيننا الى الحس فالحس يقين ، هل اليقين اتى من العلم? او اتى لتطابق في الخارج ؟
طبعا يوجد في القرآن الكريم ما كذب الفؤاد ما رأى يعني ركز القرآن على المدرك على نفس الادراك ، افتمارونه على ما يرى ما زاغ البصر وما طغى ما الفرق بين زاغ وطغى