46/06/09
الموضوع: مبحث النواهي/ اجتماع الأمر والنهي/الدوران بين الحرمة والوجوب عند الحرمة
كان الكلام في ترجيح الحرمة على الوجوب استنادا الى ان دليل الحرمة استغراقي ودليل الوجوب عمومه بدلي بمقدمات الحكمة وهي من مرتبة الدلالة الجدية بينما التقريب الذي يذكر في العموم الاستغراقي كالنكرة في سياق النهي او النفي من الدلالة الاستعمالية او التفهيمية. ولو كانت عقلية لكن مر بنا ان القرينة العقلية اذا كانت في مرتبة متقدمة تتقدم على الدلالة والقرائن في المرتبة المتأخرة.
الصحيح ان هذا الوجه تام الا ان السيد الخوئي رحمة الله عليه كانما جعلهما في مرتبة واحدة والحال انهما ليسا في مرتبة واحدة. طبعا هنا كلام في باب التعارض من جهته اللفظية ان ما مر بنا امس من ان مراتب الدلالة متعددة بلحاظ الدليل الواحد متصور كالتقدم والتأخر اما اذا كان دليلان فهل القرينة الاستعمالية في الدليل الأول مقدم على القرينة الجدية في الدليل الثاني؟ عند النائيني نعم مقدم.
هذا مبحث حساس كلي في باب الالفاظ وشيئا ما يرتبط بالحجج. هل مراتب الدلالة في الدليل الواحد تراعى مع مراتب الدلالة في الدليل الثاني. ظاهر كلام الآخوند انه يقول أن كل دليل بمراتب دلالته له ظهور ذاتي والقرائن المنفصلة عند صاحب الكفاية لا تزعزع بنية الظهور لا اقل استعمالي والتفهيمي والتصوري. ان كان تزعزع فتزعزع الظهور الجدي الأول او الثاني النهائي. المراد الجدي قد يكون طبقات وليس طبقة واحدة.
هذا مبحث هل الأدلة المتعددة بمثابة دليل واحد في رعاية المراتب ام لا؟ ان لم يراعى كما هو مبنى صاحب الكفاية وليكن دليل بدلالته الاستعمالية دال على امر معين ودليل ثاني يدل على دلالة منافية بدلالة جدية فحسب كلام صاحب الكفاية هذا نوع من التعارض. مراتب الدلالة في الدليل الأول لا تلاحظ مع الدليل الثاني. يعني كانما صاحب الكفاية يقول ان الموازنة بين الأدلة المنفصلة هي بلحاظ مدلول الجدي النهائي والمحصل الجدي النهائي بين الأدلة المنفصلة يلاحظ لا المراتب السابقة بينما المرحوم النائيني عنده ان هذه الأدلة المنفصلة بمثابة الأدلة المتصلة وتراعى المراتب بينها. طبعا هذا المبحث حساس وتثبيته يحتاج الى دقة وتثبت.
طبعا الاعلام يعترفون ان الدلالة الوضعية في الدليل الأول المنفصل مقدمة على الدلالة العقلية في الدليل المنفصل الثاني باعتبار انها في مرتبة المراد الجدي. هذا المقدار من التفاوت يعترف به حتى صاحب الكفاية وسيأتي المزيد من التدقيق في باب العام والخاص ان شاء الله.
اجمالا يمكن النسبة الى الأكثر ان العموم الاستغراقي مقدم على العموم البدلي سواء تعارضا او تزاحما. مثلا احد الوجوه التي يستدل اليه الشيخ الانصاري والميرزا النائيني في تقديم الاستغراقي على البدلي ان الاستغراقي رفع اليد عنه رفع لبعض افراد الحكم التي هي تم انشاءها في الدليل الأول بينما رفع اليد عن دائرة العموم البدلي ليس رفعا لليد عن اصل الحكم المنشأ. لانه حكم واحد.
مثلا وجوب صلاة الظهر لهذا اليوم اذا ضيق هذا الوجوب عن الأماكن المحرمة فوجوب الصلاة لم يسقط ولم يرفع انشاءه بخلاف حرمة الغصب اذا رفع اليد عنها في بعض الافراد فرفع عن حكم منشأ. هذا وجه استند اليه العلمان.
الطرف الاخر يقول ان هناك حكم آخر تخيير شرعي او الجواز ولكن مر بنا ان التخيير عقلي وليس شرعيا والجواز حتى لو قيل انه شرعي فتبعي وديدن الفقهاء في الجمع بين الأدلة لا يكترسون بالدلالة التبعية اوالحكم التبعي في قبال الحكم الأصلي. هذا وجه آخر لترجيح العموم الاستغراقي على العموم البدلي.
عندما يعبرون العموم الاستغراقي ليس مرادهم العموم في مقابل الاطلاق. العموم مقابل الاطلاق يعني الدلالة الوضعية على السريان والشمول لكن هنا لمايقال العموم الاستغراقي مرادهم السريان والشمولية سواء بالوضع او بالقرائن حتى لو كانت القرينة مقدمات الحكمة. كما ان لفظة الشمول والسريان والعموم غير خاصة بالاستغراقي بل تشمل البدلي وغيره.
اجمالا هذا مناشئ متعددة في تقديم العموم الاستغراقي على العموم البدلي.
الوجه الثاني لتقديم الحرمة على الوجوب قاعدة عقلية او عقلائية وهي ان دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة. او قل دفع المضرة لكن معروف العبارة هي جلب المنفعة. بينما السيد الخوئي قرره ان دفع الضرر أولى من جلب المنفعة. فمن ثم استشكل ان هذه القاعدة في دفع الضرر وهذه غير المفسدة الموجودة في الحرمة والمصلحة الموجودة في الوجوب. فعندنا عنوان المفسدة وعندنا عنوان الضرر وعندنا عنوان المصلحة والمنفعة ولا تلازم بينهما. مثل تعبير القرآن الكريم حول خمر «فيه منافع للناس واثمهما اكبر من نفعهما» فكلمة منفعة لا تلازم المصلحة وكلمة الضرر لا تلازم المفسدة. لكن الموجود في عبارات الاعلام هو ان دفع المفسدة أولى من جلب المنفعة.
فاول اشكال اشكله السيد الخوئي ان الضرر لا يلازم المفسدة كما ان المصلحة لا تلازم المنفعة. ومثل ان الزكاة فيها ضرر وكذلك الخمس والجهاد لكنها فيها مصلحة. كثير من الاحكام فيها ضرر مادي دنيوي لكنها لا تلازم المفسدة. كما ان المنفعة ايضا لا تلازم المصلحة. هذا اشكال السيد الخوئي موضوعيا.
النراقي في كتاب العوائد في القواعد الفقهية والاصولية يبين ان الضرر الذي يبحث في قاعدة لا ضرر هل هو ضرر دنيوي او اخروي؟ اصل حكم العقل بلزوم الايمان بالله تعالى والدين الذي استدل به الوحي هو قضية الضرر الاخروي لا الدنيوي. فدعوى ان الضرر بالمعنى الاعم لا يلازم المفسدة انما اذا قصرنا بالضرر الدنيوي والمادي فماذا عن الضرر الاخروي. طبعا الضرر المادي مقابله الضرر الروحي والضرر الدنيوي مقابله الضرر الاخروي.
الغرب او غيرهم من الحضارات التقنية العصرية يدعون انهم العالم الأول اما العالم الإسلامي من العالم الثالث لكن من الجهة الروحية بالعكس ان الشرق والبلاد الإسلامية هم الأعظم من حيث الحضارة الروحية وكذلك في الايمان ان بلاد المؤمنين اعظم. يعني ان القضية نسبية. فاذا ان الضرر باي معنى؟ حرمة الضرر باي ضرر؟ هل الضرر الدنيوي؟ او يقال ان الضرر الاخروي اعظم.
هناك احكام كثيرة يلتزم المشهور انها مستحبة مع ان فيها ضرر اخروي ولو بلحاظ البرزخ. مثل ضغطة القبر وهي اشد على الانسان من الجرح في الدنيا. عقبات كؤودة في البرزخ او الصراط او القيامة مع انهم يحكمون باستحبابه. النراقي يستشكل بان هذا ضرر اخروي اشد من الضرر الدنيوي. كانما الفقهاء يعنون ان الضرر ان لم يكن في الابد و الجنة والنار لا يعامل معه معاملة الحرمة. هذه قاعدة عند المتكلمين والفقهاء وقد يتنظر فيها.
طبعا في بيانات اهل البيت ليس شر ان كانت عاقبته الجنة وليس الخير خيرا ان كانت عاقبته النار. او ان نظرية حبط العمل وهي محل الآراء عند المتكلمين وحتى عند كثير من المتكلمين محال لكن لو فسرنا الحبط بانه ليس بمعنى اسقاط الجزاء من رأس والا كيف يجمع مع قوله تعالى «من يعمل مثقال حبة خيرا يره» بل انما يعني حبط العمل عن ان يوصلك الى الجنة او هو لا يصل الى الجنة. بالتالي العمدة التركيز على الجنة الأبدية وليس على شي آخر او على النار. ربما غفران للذنوب فقط عن النار لكن العقوبة في البرزخ مقررة العياذ بالله وكذلك العقوبة في الممات او القيامة ولم يرفع اليد عنه وانما غفر عنها في بعضها فقط بالنسبة الى النار. هذه البحوث جدا مهمة ولها انعكاس على الفقه لكن الخوض فيها قليل وكذلك في علم التفسير. فقد يكون الغفران في الذنب بمعنى انه لا يوصلك الى النار الأبدية. يظهر من القرآن ان الغفران درجات. ليس من الغفران انه يمحى اثر الشيء تماما. بعض أنواع التوبة كذلك انه يبدل الله السيئات درجات وبعضها يمحي السيئات وبعضها يغطي السيئات مع انها موجودة. حسب الأدلة الغفران درجات والتوبة درجات. نعم المتعارف في استعمال ا لمتكلمين واللغة والاصوليين والفقهاء ان المنفعة تلاحظ فيها جانب الدنيوي والضرر يلاحظ فيها جانب الدنيوي بخلاف المصلحة والمفسدة. لكن النراقي يشكل على الاصطلاح ويقول ان الضرر اعم والمنفعة أيضا اعم.
القران في الخمر يقول فيه منافع للناس واثمهما اكبر من نفعهما. التعبير في القران هنا على المنفعة الدنيوية لا الاخروية.
الكلام هنا في هذه القاعدة دفع المفسدة او دفع الضرر؟ كما في قاعدة لا ضرر هل المراد الضرر الدنيوي او الضرر الاخروي. النراقي يقول هذه المباحث لم تنقح بشكل دقيق وكانه يقتصر على الضرر الدنيوي. هذا تأمل على اشكال السيد الخوئي بما ذكره النراقي. والمسألة تحتاج الى مزيد من التنقيح ويذكرونه في لا ضرر.
الاعتراض الثاني للسيد الخوئي او غيره من الاعلام قبله ان دفع المضرة او المفسدة أولى من جلب المنفعة هذه الأولوية عقلية او عقلائية وهل هي بنحو الالزام؟ العقل يرجح المنفعة البالغة لخطورة على المضرات المتوسط.هذا هو معنى باب التزاحم. هذا مؤول على أهمية درجة الملاك لا على كونه مصلحة او مفسدة.
الميرزا القمي عنده اعتراض آخر على هذه القاعدة ويقول ا ن ما عرف من ان الوجوب فيه مصلحة خطأ بل الوجوب في تركه مفسدة أيضا. وما عرف ان المفسدة في تركه مصلحة يقال ان امتثال الحرمة فيه مصلحة. طبعا السيد الخوئي استشكل عليه بان هذا خلاف قاموس وناموس الحرمة. الحرمة تعني المفسدة ولا يمكن ان تكون فيها مفسدة. وخلاف ناموس الوجوب لان الوجوب فيه مصلحة لا ان في تركه مفسدة. هذا البحث حساس. لانه في كثير من ادلة الأبواب عندنا ذكر مفاسد ترك الصلاة مفاسد ترك الصوم ومفاسد ترك الجهاد ومحاسن ترك الخمر. مثلا ترك الجهاد يوجب الضعف في المؤمنين والمسلمين. الجهاد بالمعنى الاعم الدفاعي او الابتدائي. طبعا احد الأدلة التي استدل بها السيد الخوئي في الجهاد الابتدائي في زمن الغيبة الكبرى بما ذكر بمفاسد ترك الجهاد. ما غزي قوم في عقد دارهم الا ذلوا. هذا جهاد دفاعي طبعا. يعني من الخطأ الموجود في تدوين الفقه حصر الجهاد الدفاعي ان تغزى فتدافع. الان في عرف البشر ان الحرب الاستباقية من الدفاع وليس من الجهاد الدفاعي. مبحث الجهاد موضوعا لم يكتب فيه كتابة وافية وعلماء الاعلام لم يكتبوا فيه حق كتابته. السيد الخوئي بغض النظر عن مبناه لا يلتزم بهذا الجهاد الابتدائي لكن بحثه في الجهاد في المنهاج الصالحين خطوةعلمية عظيمة. فقضية ان الوجوب تركه ليس فيه مفسدة خلاف ما هو موجود في كثير من الأبواب. او ان الحرمة امتثاله ليس فيه مصلحة خلاف ما هو موجود في كثير من الأبواب