الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/06/08

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النواهي/ اجتماع الامر والنهي /بنية الظهور ومنهج الاستنباط بالتحليل والذوق

 

كان الكلام عند دوران الحكم او الامر بين الحرمة والوجوب عند اجتماع الامر والنهي مع الامتناع على التعارض او التزاحم فبالتالي دلالة الدليل في الحرمة بنحو العموم الاستغراقي ودلالة الدليل في الوجوب على نحو العموم البدلي، فهل يا ترى يقدم الدليل الدال على العموم الاستغراقي على البدلي؟

طبعا هنا العموم ليس بمعنى العموم اللفظي فقط بل العموم بمعنى السريان والشمول لان العموم له اصطلاح في مقابل الاطلاق فهو يراد به الدلالة اللفظية على الشمول اما العموم بمعنى السريان شامل للإطلاق والعموم اللفظي. فهنا العموم الاستغراقي والشمولية هل تقدم على الشمول البدلي ام لا؟ باعتبار ان الشمول البدلي بالإطلاق بينما الشمول الاستغراقي قد يقرر انه عموم لفظي. تقريبا بنى البلاغيون على ان النكرة الواقعة في سياق النفي او النهي تفيد العموم ومقصودهم انه ليس من باب الاطلاق. بالتالي دلالة الدليل على العموم الاستغراقي او الشمول الاستغراقي وضعية وان لم تكن وضعية في المفردات والمعنى التصوري فهي دلالة وضعية بحسب المعنى الاستعمالي.

هذه نكتة انه تارة لفظة وضعت للعموم مثل أي وكل ومن هذا القبيل وتارة لم توضع اللفظة للعموم لكن التركيب الموجود بين هذه اللفظة وبقية الالفاظ يدل على العموم لكنها ما زال دلالة لفظية لان الدلالة اللفظية ليست محصرة بالدلالة اللفظية في المفردات بل الدلالة الاستعمالية دلالة لفظية. او قل ان القرينة العقلية في مقام الاستعمال مقدمة على القرينة العقلية في مقام المراد الجدي كما مر بنا ان عناصر الدلالة اثباتا في مرحلة التصور مقدمة على عناصر الدلالة في مرحلة الاستعمال ولو العناصر العقلية وكذلك عناصر الدلالة في الاستعمالية مقدمة على التفهيمية. يعني ان القرينة العقلية او الحالية اذا كانت استعمالية فتقدم على القرينة اللفظية لو فرض انها تفهيمية.

كتاب القوانين عنده بسط جيد في هذا البحث وكان يدرس سابقا. فالقرينة العقلية او الحالية الاستعمالية تقدم على القرينة اللفظية اذا كانت تفهيمية. فليست كل قرينة لفظية تقدم على القرائن الحالية او العقلية. اذا كانتا في مرتبة واحدة في دليل واحد او دليلين فالقرائن العقلية والحالية اضعف من القرائن اللفظية بخلاف ما اذا كانت من مراتب متعددة.

الشاهد فهنا ان النكرة في سياق النهي او النفي عند البلاغيين في علم البيان او المعاني وان ذكروه قرينة عقلية لكنها ليست من القرائن الجدية بل من القرائن الاستعمالية او التفهيمية. هذه التحليلات في العناصر ومراتبها ضروري ان يتقنها الباحث في يوميات الاستنباط.

مثلا الأصول اللفظية شبيه الأصول العملية لكنها في الحقيقة ليست اصولا عملية بل هي أصول يرجع اليها عند الشك لكن في مراحل بنية الظهور. ذكر الاصوليون سيما في كتب الأصول المبسوطة ان الأصول اللفظية أيضا هي مراتب كاصول لفظية في مقام الدلالة التصورية واصول لفظية في مقام الدلالة الاستعمالية ثم التفهيمية ثم الجدية. فالاصول اللفظية في الدلالة التصورية تقدم على الأصول اللفظية المتاخرة رتبة. بعبارة أخرى باب بنية الظهور بنية مراتبية وطبقاتية وضروري جدا بتوسط علم البلاغة ان يشخص الانسان ان العنصر الدلالي او القرينة الدلالية من أي مرتبة هل هي مرتبة الاستعمال او التفهيم او الجد؟ لا سيما في باب الجمع بين الأدلة او التعارض ورفعه بل حتى هو ضروري في مقام الدليل الواحد اذا اردنا ان نتعرف على بنية الظهور فيه. يعني ان بنية الظهور طبقات وكل طبقة تعرف العناصر فيها يعني انه قد تكون بين الطبقات تأثير وتأثر والتقديم والتأخير.

اذا النكرة او الجنس في سياق النهي او النفي «لا رجل في الدار» و«لا رفث ولا فسوق في الحج» يفيد الاستغراق. في علم البلاغة والمعاني والبيان ذكروا انه مقتضى الحكم العقلي لكنها ليست في المراد الجدي بل هي في المراد الاستعمالي او التفهيمي.

لابأس ان اذكر هذا العنصر ان دلالة المفردات مقدمة على دلالة التركيب. ان كل مفردة لها دلالة وتركيب المفردات مؤخر عن المفردات في الدلالة. ان الظهور ليس ذوق بمعنى انه استنتاجي حدسي اجمالي ارتكازي لكنه يجب ان تعاضده بالتحليل.

ما الفرق بين الاستظهار التفصيلي والاستظهار الإجمالي؟ ذكره صاحب الفصول وله ثمرات عديدة. فدلالة المفردات مقدمةعلى التركيب الناقص ودلالة التركيب الناقص مقدمة على التركيب التام. هذه هندسة تحليلية في الظهور وتفيد.

ما الثمرة في هذه التحليلات مع الذوق والارتكاز الإجمالي؟ ما الفرق بين الاستظهار الإجمالي والاستظهار التفصيلي؟ مدعي يقول ان الشهادة الثالثة كلام آدمي. هل هي مصادرة بالمطلوب او تحليل؟ هل نخاطب الله او نخاطب النبي او من نخاطبه؟ المقصود لابد من التحليل والتدقيق. الاستدلال الإجمالي مهم لكنه ليس كافيا. الذوق مهم والارتكاز مهم لكنه بمفرده لا يعول عليه مطلقا. لماذا؟ هذا بحث كبروي ومنهجي في يوميات الاستنباط. في باب العام والخاص ذكروا تحليلات وهل هي ذوق او ارتكاز؟

فرق الحوزة عن الاكادميات ان الاكادميات لا يغوصون في التحليلات البنيوية في الظهور في نصوص القانون عكس الحوزة. ولو كانت البحوث الثبوتية عند الاكادميين جدا قوية عكس البحوث الاثباتية. هذه المباحث والتحليلات يأتي في العقائد كالشبهات في القرآن والاحاديث ولا يكفي ان تأخذ باجمالها.

صاحب الفصول في كتاب الفصول ذكر ان المنهج التحليلي امتن او المنهج الإجمالي امتن؟ هل يكفي الارتكاز الإجمالي والاستنتاج الإجمالي او لابد من التحليل؟ مختار صاحب الفصول هو ان الجمع ضروري بينهما.

ما الثمرات بين الاستظهار الإجمالي والتحليلي؟ الإجمالي يعطيك نتيجة اجمالية يكون منبها على خطأ الاستظهار التفصيلي سيما اذا كان الاستظهار الإجمالي الارتكازي بدرجة اطمئنانية قوية جدا فيكون منبها على خطأ التفصيلي. هذا البحث لا يبحثونه في الحجج بل يبحثونه في الالفاظ والثلث الأخير في الالفاظ كلها على هذا البحث ولعل بهذا التفصيل اول مرة نخوض فيه.

الظهور الإجمالي يسمونه الذوق سواء الذوق العرفي او الادبي او الفقهي والذوق يعني الحدس ان تستنتج بشكل اجمالي. ولابد من كليهما. لماذا؟ في المعادلات الرياضية ربما عشر مراحل لكنه بعض الأحيان تشتبه على ترتيب المعادلات وتنتج نتيجة خاطئة. او اشتبهت في التدقيق في مرحلة فالمؤمن عن عدم الخطأ في التحليل التفصيلي هو الحدس الإجمالي وينبهك عن اشكال في البين. وتجد الاشكال في التدقيق في التفصيلي.

الفائدة في التفصيلي كثيرة لانه يبين لك ان النتيجة ما هي دائرتها لكن النتيجة الاجمالية لا يعطيك هذه الدقة. دائما الشيء الإجمالي يعطيك الاجمال ولا يعطيك التفاصيل بينما التحليل التفصيلي يعطيك المساحات بالدقة والتفاصيل بالدقة والدلالات ومراحلها وتعيين المراحل والفائدة اذا قوبل بدلالة دليل آخر لابد من مراعاة المراتب او القرائن في دليل واحد قد يكون القرائن متنافية لابد من معرفة كيفية التأليف بينها. اذا لكل من المنهجين ثمار ضرورية سواء في بنية الظهور ومباحث الالفاظ او لتحليلات القواعدية في الصناعة الأصولية او الفقهية او الكلامية.

مثلا بحوث الخلل في الصلاة او الطواف او الحج لازم ان تأخذ التفاصيل فيها بالتحليل التفصيلي. لابد من تركيب الدلالات بالتنظيم والنظم كي يستنتج. كل عقدة ابهامية في دليل عقائدي او فقهي او اصولي لابد فيها من التحليل التفصيلي سواء في علوم الادب او في علم الأصول او علم الفقه. فصناعة التحليل والتركيب يعني تحليلا تفصيليا والدقة في المراتب والمعادلات والمحاسبات. مثلا في باب الإرث واثبات الهلال مثلا صحيح انه اجمالا استفاضة لكنه لابد من الدقة فيها.

لذلك استصحاب العدم الازلي هو محل الابتلاء عند الاعلام في الشبهات الموضوعية او الشبهات الحكمية الكلية اذا كانت صغرى لكبرى أخرى، ولايبحثونه في باب الاستصحاب ومن المباحث الممتحن بها الاجتهاد او الاعلمية ويبحثونها في العام والخاص. هو استصحاب واصل عملي لكن العقدة فيه راجعة الى ان الخاص بعد ما يخصص العام ماذا يحدث في العام؟ ما ينتجه تخصيص الخاص للعام او المقيد للمطلق اذا حللناها بتحليل بنيوي ظهوري سنعلم ان الاستصحاب العدم الازلي ممكن او غير ممكن لان العقدة في تقرير المستصحب لا الاستصحاب او قل ان العقدة في الأدلة اللفظية والبحث فيه تحليلي دقي مجهري بالدقة العجيبة والاصوليون اعملوا الدقة بشكل عجيب في بنية الظهور. حتى الشهيد الصدر قال ان هذا متين لكن هذه الدقة فوق الدقة العقلية وانا ما اقدر ان اتمسك بعموم الاستصحاب لها لانها ليس عرفيا. طبعا هذا المبنى ليس صحيحا لكن مبناه هو انه لابد من العرفية في الاستظهار. لكن مر بنا مرارا ان عرفية الاستظهار بماذا؟

مثلا الزمخشري تفسيره البلاغي معروف وعدة تفاسير مهمة في البعد البلاغي وبعض التفاسير تتكفل البعد النحوي كوجوه الإعراب في القرآن كأئمة النحو في الشيعة الاثناعشرية وتفسير في الصرف وهذه التحليلات التفسيرية مهمة وليست لعبة لانها هي الدلالات. هيئة صرفية للفظة دلالة وكذلك الهيئة النحوية دلالة.

في البسمة ربما عشرة وجوه من الاعراب كلها على الموازين النحوية. أيها صحيحة؟ هل كلها صحيحة؟ وجوه الاعراب ووجوه الصرف والتصريف ووجوه الاشتقاق ووجوه البلاغة في النص الروائية او النص القرآنية. لابد من التحليل التفصيلي. هذان المنهجان جدا مهمان.

في سوق العكاظ في أيام الجاهلية في أيام الحج دائما كان يجري المصارعات الأدبية مع الناقد الادبي. ان الناقد الادبي يفتهم الشيء الادبي اكثر من شاعره. تعرف تحليلا تفسيريا اكثر من امرء القيس. الناقد الادبي دائما شغلته التحليل التفصيلي بينما امرء القيس والشعراء الاخرين دائما يركزون على الإجمالي.

هذا في كل العلوم ومنهجان فيها. منهج اجمالي ومنهج تفصيلي تحليلي. كل له دوره. بعض الاعلام له قوة في المنهج الإجمالي لكن في التحليل التفصيلي متوسط لكن في بعض الاعلام في التحليل التفصيلي عجيب لكن في الذوق الإجمالي والعارضة ليس قويا.

دخلنا في هذا التحليل لانه بحث منهجي في بنية الظهور او في صناعة الأصول او الفقه او الكلام التي هي ما وراء الدلالة والظهور في النصوص الفقهية والكلامية والتفسيرية. بحوث ثبوتية وهندسة صناعية ما وراء الدلالة. في كلاهما يحتاج الى منهجين وامتن من ان يسلم على منهج واحد.

كلمة واحدة واختم: احد المتاخرين يقول اذا استظهر العلامة الحلي والمحقق الحلي والمحقق الكركي شيئا اعرف المفاد الإجمالي ولازم اوفق بين التحليل الصناعي مع هذا الذوق والقريحة العربية الموجودة عند هؤلاء الاعلام.

مثلا في الصناعة الشيخ الانصاري والمحقق القمي قوي لكن في الذوق الإجمالي هؤلاء الاعلام اقوى. مثلا الزمخشري ليس عربيا لكن التحليل الموجود عنده اقوى من العرب.