الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/06/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النواهي/ اجتماع الأمر والنهي/ قاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار والابعاد

 

كان الكلام في قاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا وخطابا وهي قاعدة كلامية تفند نظريات كثيرة في علم الاخلاق او علم الأصول او العلوم العديدة من ان الملكات ليست اختيارية والحال ان اختيارية الفعل او الحالة الانسانية ليست مقطعية بل يمكن ان تكون ممتدة طيلة السنين كما يقول الامام الصادق عليه السلام: رب اكلة منعت اكلات.

بالتالي درجات الاختيار تتفاوت وكذلك درجات القدرة لكن كلها محل الاختيار والعجيب ان الشيخ الانصاري في حديث الرفع في البرائة يسلم ان الرفع هنا شرعي امتناني في النسيان والخطأ والاضطرار ويطرح اشكالا بان النسيان عجز عقلي وكذلك الاضطرار والسهو والخطأ فكيف انه رفع شرعي امتناني؟ فهو عقلا عاجز.

يجيب الشيخ الانصاري وغيره قبله وبعده بان الرفع يصح ان يكون امتنانيا بان النسيان مقدماته اختيارية وليس كل نسيان مقدماته غير اختيارية. يعني اذا أراد الانسان أن يكون على تحفظ وذكر بالتالي يمكنه ان يتجنب النسيان او الخطأ او الغفلة وللشارع ان يعاقب عليها. من ثم في موارد الخطيرة قد لا يعذر الشارع من النسيان وان كان عموم حديث الرفع موجود لكن اذا كان بسوء الاختيار وفي موارد ان الملاك جدا هام وخطير كالعقائد يؤاخذ على النسيان والخطأ. على كل ان النسيان على درجات وكذلك الخطأ والسهو مثلا وصي موسى على نبينا واله وعليه السلام نسي الحوت ومعنى النسيان لا تنافي العصمة بل بمعنى عدم التحفظ والنسيان يستخدم بلحاظ مقدماته يعني لم اتحفظ.

«نسوا الله والله انساهم» بمعنى انهم لم يتحفظوا. لذلك احد فلسفات العظيمة للصلاة اليومية انها للذكر والتذكر لله تعالى والنبي كما انه ورد روايات ان الصلاة شرعت لذكر الله وذكر الرسول وبالتالي ذكر اهل البيت عليهم السلام. من ثم جعل جزء التشهد الصلوات على النبي والآل عند كافة المسلمين. وهي تشهد عليهم وولايتهم وتوليهم. فالصلاة ايمانية وليست إسلامية صورية. فمن ثم لا بد ان تكون الصلاة متلونة بالايمان وشرط صحة الصلاة الايمان والولاية عند اغلب علماء الامامية ويدل عليه الروايات التي نقلها صاحب الرسائل في مقدمات العبادات بخمسة او ستة وجوه.

اذا النسيان له مقدمات اختيارية وكذلك الخطأ والاضطرار ويصدق عليها بسوء الاختيار او لا بسوء الاختيار.

هذا البحث في باب الضمانات وباب الديات وباب القتل ان المقدمات البعيدة للإنسان مسؤولية تجاهها ولو كلما ابتعدت المقدمات يخفف المسؤولية لكنها موجودة لكن الله يؤاخذ عليها.

اذا اجمالا الامتناع الفعلي في الملكات والافعال والشؤون المختلفة لا ينافي ان يكون سبب الامتناع اختياريا ولو بمقدمات بعيدة. صحيح ان المقدمات يمكن ان تكون بعيدة او يقال ان التقصير درجات وليس درجة واحدة وصحيح بلحاظ إما متعلق المخالفة ملاكا اوبلحاظ امتداد ابتعاد المقدمات الاختيارية كما ان القصور أيضا درجات كما بين في الروايات الواردة في «من نكح امرأة في عدتها» ان القصور درجات بالعذر و الأعذر.

فبهذا اللحاظ باب الأفق مفتوح للمحاسبة العقلية والحق الإلهي الا ان الشارع منة في موارد النسيان بسوء الاختيار او المقدمات الاختيارية ما لم يكن المورد من الأمور الخطيرة كبيضة الدين والاعراض والدماء رفع عنه العقاب.

مثلا عدم إعداد العدة لحماية الاعراض والدماء من البعيد كل المساؤلة عليه وكل كلمة خذولة يسأل الانسان عنها سؤالا حصيصا فالإعداد من بعيد. «أعدوا لهم ما استطعتم من قوة» كما في دعاء الندبة «يخذلك الورى» ان صاحب العصر والزمان الف سنة مخذول من المؤمنين في الدرجة الأولى ومن المسلمين ومن قبل كل البشرية. يعني خذله البشر ولا زال هو في خزلان.

اذا لا تقول انك في المقدمات البعيدة لست مسؤولا. ولو بكلمة وتخذيل كلها له حساب. اذا الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار سيما المسائل الخطيرة في الاعراض والدماء والأموال وبيضة الدين. اذا العقوبة مسلمة الا ما تفضل الشارع وامتن والا الانسان محاسب.

تعبير المرحوم صاحب الكفاية حتى في بحث التجري ان التجري يحاسب الانسان عليه لكن الله يعفو منة في جملة من صور التجري. يعفو منة ليس معناها انه ليس بحرام. الحرمة شيء ورفع العقوبة شيء آخر. خلافا للشيخ الانصاري انه ذهب ان بعض صور التجري ليس باختياري والحال انه اختياري ولو بسبب الملكات.

اذا الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا مسلم عند الاعلام الا ما امتن به الشارع حتى لو امتن الشارع ورفع العقوبة لا يعني رفع الحكم والحرمة. غاية ما يمتن انه ترفع العقوبة والتنجيز او ترفع الفاعلية او الفعلية التامة. لكن الملاك على حاله والحرمة على حاله. سقوط الفاعلية بمعنى ان الشارع لا يحركه نحو العمل مثل ان يقال انه كيف الشارع يخاطبه وهو لا يقدر فعلا. مثل «لا تلقوا بايديكم من التهلكة» لا يمكن خطاب الشاهق في وسط الطريق ما بين السماء والأرض لكن لا يعني ان الحكم ما موجود. فالصحيح في هذه القاعدة هو ان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا الا ان يمتن الشارع وموارد المنة أيضا ليس موارد تخصيص الحكم الشرعي وانما هي عفو منة من الشارع كما في الصبي ان رفع الشارع عنه منة والا اصل الملاك موجود او في النائم بلحاظ مقدماته. يعني يجب للإنسان ان يتحفظ.

الشيخ الانصاري يذكر انه اذا كان السهو والنسيان والخطأ والنوم والجنون مقدماتها ولو البعيدة غير اختيارية فالعجز عقلي والسقوط عقلي للعقوبة والسقوط للفاعلية والفعلية التامة عقلي لكن اصل الملاك موجود. يعني حتى في موارد العذرية العقلية اصل الملاك موجود. مثلا المجنون يريد ان يقتل شخصا آخر محترم الدم بالتالي الحرمة موجودة وان كان المجنون معذور.

اذا الامتناع بالاختيار او لا بالاختيار في اصله لا يسقط كل مراحل الحكم واذا كان يسقط فيسقط التنجيز والعقوبة. إما يسقطها عقلا او يسقطها امتنانا من الشارع. اذا اصل الامتناع على المشهور وامتناع امتثال الحكم لا يمحو الحكم من أساسه. العذرية وعدم العذرية لا صلة له بوجود الحكم او عدمه غاية الامر يرفع العقوبة. وفي حديث الرفع امتنان من الشارع بلحاظ مقدماته البعيدة ولو كانت بسوء الاختيار لكن بلحاظ مقدماته القريبة بسوء الاختيار لا يشملها حديث الرفع. فتوى أصولية عند الاعلام ان حديث الرفع لا يشمل موارد سوء الاختيار في المقدمات القريبة جدا. لذلك في باب الصلاة نسيان الطهارة الخبثية يوجب الشارع القضاء داخل الوقت وفيه قول بالقضاء حتى خارج الوقت. اذا تفصيل في رفع العقوبة والعذرية والرفع لا يزعزع أساس الحكم والفعلية الناقصة. فاصل الملاك موجود ومحل الكلام في الرفع هو الفعلية التامة والفاعلية والتنجيز. هذا هو الصحيح على المشهور

فليس كما تبناه الميرزا النائيني ان هذه القاعدة تجري في العقاب ان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا لكن ينافيه الخطاب اذا كان الحكم موجود. فالحكم موجود لان الملاك موجود وهو الفعلية الناقصة فكيف تبنى الميرزا النائيني في هذا المورد ان الحرمة ما موجودة أصلا والحرمة الساقطة أيضا ما موجودة. مر بنا ان الحرمة الساقطة بمعنى سقوط الفعلية التامة او الفاعلية او التنجيز لا ان اصل الحرمة ساقطة. فاذا حتى على كل هذه التفاصيل في هذه القاعدة لا تثبت مدعى الميرزا النائيني رحمة الله عليه من ان الخروج واجب لكنه لا حرمة فيه لا حرمة فعلية ولا حرمة ساقطة.

من ثم يتأتى القول الخامس وهو قول صاحب الكفاية والسيد الخوئي ان الوجوب والحرمة ليستا فعليتين. هذا الفعل وهو الخروج ليس محكوما بحكم فعلي الان. ومقصود صاحب الكفاية هو الفعلية التامة والتنجيز. اذا الفعلية التامة والفاعلية والتنجيز تسقط اما اصل الفعلية الناقصة او الحكم الاقتضائي عند صاحب الكفاية موجود وعلى ضوء وجود الحكم الاقتضائي يعاقب عليه. هنا حكم ثالث عقلي والاعلام ما عبروا عنه لكنه دفع الافسد بالفاسد تقريبا وقريب الأفق بهذا الحكم. لانه في الحقيقة جامع بين المكث والتصرف في الغصب او الخروج لكن المكث يترتب عليه تصرف زائد اما الخروج سيترتب عليه انقطاع وانتهاء للغصب. الانتهاء للغصب يلزم العقل بذلك. يلزم العقل انك ليست لديك القدرة من انتهاء ارتكاب الحرام رأس لكن لديك قدرة لانتهاء الحرام الأكثر. فارتكب الحرام الأقل لكي تنتهي من الحرام. هذه الصورة الان ليست اختيارية للإنسان فالعقل يلزم باختيار الأقل ضررا. ارتكاب الجامع من الغصب ليس اختياريا بالفعل وان كان اختاريا بالواسطة.

عندنا جامع في الغصب بين المكث والخروج. هذه المسألة في الحقيقة محل الابتلاء في أبواب أخرى. هذا الغصب الجامع من المكث او الخروج الان ليس اختياريا بل هو قهري الوقوع. وان كانت هذه الإرادة بلحاظ المقدمات وهي اصل الدخول لكن الان بلحاظ الخروج او المكث قهري الوقوع الان. هذا يختلف عن الاضطرار الاخر. هذا اضطرار عقلي بخلاف لو افترض انه هدد بالقتل او يرتكب جريمة. فارتكاب الجريمة ليس قهريا وانما اضطرار قانوني من باب التزاحم. اقصد فيه فرق بين الاضطرار القهري وبين الاضطرار الحكمي. اذا هدد ليس اضطرارا قهريا. فاذا الغصب في الخروج الان ليس اختياريا. فرد الخروج اختياري تكويني لكن الجامع في الغصب بين الخروج والمكث قهري تكويني الان وان كان بلحاظ المقدمات هو اختياري. هو قبل ان يدخل كان انتهاء عن التصرف في الدار الغصبية اختياري بان لا يدخل لكن لما دخل بسوء الاختيار فبعد دخوله في مقدار من التصرف مقهور تكويني. هذا القهر التكويني في الجامع اختياري في اختيار الفرد منه. كل هذه القوالب التدقيقية بحساب العقل في الحكم الشرعي. بخلاف الاضطرار الحكمي مثل ما هدد بارتكاب الجريمة او يقتل. هل يا ترى ان الاضطرار الحكمي كالاضطرار القهري. في الاضطرار الحكمي المشهور يقولون لا يجوز لك ان ترتكب الجريمة والقتل. السيد الخوئي يدخله في باب التزاحم ويقول مخير فيهما. بالتالي الاضطرار التكويني ليس كالاضطرار الحكمي.

هل هنا دفع الافسد بالفاسد يجري في القهر الحكمي كما يجري في القهر التكويني؟ لان هنا تسالم جريان القاعدة في القهر التكويني.