الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/06/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النواهي/ اجتماع الأمر والنهي/ موازنة اجتماع الاحكام المتعددة المشتبكة

 

كان الكلام في حكم الخروج من الدار الغصبية ومرت الاقوال فيها ووصلنا الى القول الرابع للشيخ الانصاري والميرزا النائيني وبنى العلمان على ان الخروج واجب فقط وليس محكوما بحرمة ساقطة ولا حرمة غير ساقطة.

اللطيف ان هذا الاصطلاح في الحكم الساقط و غير ساقط ليس بمعنى الحكم الممحى والمنفي تشريعا بل بمعنى انتفاء بعض مراحله وهذا مما يدل على مبنى المشهور من ان الحكم له مراحل وسقوط بعض مراحله لا يعني السقوط من رأس انشاءً. من ثم هنا التزم الشيخ الانصاري والميرزا النائيني بان الخروج محكوم بالوجوب من دون الحرمة الساقطة. هذا ينبه على ان عدم فعلية الحكم لا تعني عدم الحكم بل عدم فعلية الحكم تعني عدم الفعلية التامة نظير ما التزمنا في كل الاحكام او بعض الاحكام لا اقل بوجود مرحلة قبل الفعلية الناقصة وهي الحكم المعلق كما التزم به السيد بحر العلوم على نحو الكلية والعموم.

هذا غير الواجب المعلق الذي هو اصطلاح صاحب الفصول بمعنى ان الواجب نفسه معلق لا الوجوب مثل الحج انه يقينا يجب قبل اشهر الحج «اشهر معلومات» والمشهور ربما التزموا ان زمان وجوب الحج هو زمان خروج القافلة للحج وهو قبل زمان الأشهر المعلومات غالبا والصحيح انه قبل خروج القافلة وهو زمان إمكانية تهيئة أسباب السفر وان كان لسنين سابقة.

ففي وجوب الحج ان الوجوب غير معلق بل فعلي لكن الواجب معلق بخلاف الواجب المشروط انه وصف بحال الوجوب يعني ان وجوبه مشروط وان كان يبحثون عن الشرط المتأخر ما لو كان الواجب نفسه مشروط بشرط متأخر. على أي حال الواجب المشروط يطلق على معنيين الوجوب المشروط والواجب المشروط نفسه.

اما الوجوب المعلق او الحكم المعلق اصطلاح بلوره او قولبه بحر العلوم بمعنى ان الحكم نفسه معلق وهو مرتبة من الحكم قبل الفعلية الناقصة يعني حكما جزئيا معلقا له حظ من الوجود ما بين المرحلة الانشائية وبين الفعلية الناقصة فبالتالي نستطيع ان نعبر ان الفعلية على ثلاثة اقسام الفعلية المعلق مثل «العصير العنبي اذا على يحرم» انه اذا وجد العنب ولم يصر زبيبا بعد ولم يغل بعد فالحرمة الجزئية تعلقت به بنحو التعليق عند بحر العلوم. فهذا نوع من الحكم يسمى الحكم المعلق.

لاحظوا ان هذا البحث بالدقة ليس في حكم الخروج في خصوصه بل هذا البحث في اشتباك الاحكام مع بعضها البعض وتصادقها في مصداق وتنازعها وورود الحكم العقلي في البين وكيفية ترتيب الاستنباط في البحث عند الفقيه. واذا كان بسوء الاختيار يشتبك القواعد الثانوية وغيرها ولابد من الفقاهة في الموازنة في البحث. وليس المراد من الفقيه من يفقه في الفروع الفرعية بل لا سيما الوالي في موارد التنفيذ يغلب هذا النمط من الابتلاءات وليس نادرا ويشتبك دائما قوانين متعددة ومصالح ومفاسد متعددة ودخول حكم عقلي في البين في المدير الاجرائي والتنفيذي و القاضي والمفتي. فهذا البحث ليس بحثا في خصوص مثال التوسط في الدار الغصبية بل بحث عام في كيفية الموازنة في الاستنباط عند تشابك القواعد.

اذا تصور الاقوال مفيد صناعيا في هذا البحث. قد يكون عند الانسان قناعة مسبقة على ان احد الاقوال صحيح ولكن الخوض في بقية الاقوال وإن لم يلتزم به في ذلك المورد والمسألة ولم يصحح لكن الخوض فيها والتعرف فيها تصورا مثمر في موارد ومواطن أخرى. يعني نوعا من الهندسات الصناعية في القوانين.

كل مسألة اجتماع الامر والنهي وكذلك المسائل الخمس العقلية في الالفاظ هي مسائل فوقية من أصول القانون بامتياز بكل فصولها وتفريعاتها ونكاتها وطبيعة القوانين اثباتا وثبوتا وهذا البحث بحث ثبوتي اطلاقا وفرق بين المباحث الثبوتية والمباحث الاثباتية.

فاذاً اصل تصور القول الرابع هذا ان يلتزم الشيخ الانصاري والنائيني بالوجوب فقط وليس هناك حرمة فعلية ولا حرمة غير فعلية يعني ساقطة ومقصودهم من الحرمة الساقطة يعني التي ارتفعت بعض مراحلها السابقة.

نفس اعتراف الميرزا النائيني والسيد الخوئي بالحرمة الساقطة وغير الساقطة يعني ان الحرمة ليست منحصرة بالفعلية التامة بل لها مراتب. ولماذا لا يعتني المرحوم النائيني بها وهو من انظم الأصوليين في مدرسته وكذلك السيد الخوئي تلميذه. هذه دقائق يجب الالتفات اليه جيدا.

فاذا كلام الاعلام في القول الرابع هو الوجوب من دون ان يكون محكوما بالحرمة. ودليله عدة نكات.

طبعا الالتزام بالحرمة الساقطة غير الفعلية ليس بمعنى الحرمة المعدومة من رأس في اصطلاح الأصوليين و الفقهاء ولها حظ من الوجود. واستدلال الشيخ الانصاري والميرزا النائيني هنا لا يقبلون الحرمة الساقطة أيضا لعدة نكات وعدة مناشئ. وقولهم بالوجوب لان رد المال واجب شرعي اما عدم الحرمة لعدة مناشئ.

المنشأ الأول: قاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا وخطابا او عقابا فقط. هذه القاعدة فيها بحث مهم وهي قاعدة كلامية ترتبط بعلم القانون. مبحث عقائدي وكلامي يؤثر صميمياا في علم الأصول وعلم الفقه ومما يدل على ان علم الكلام يؤثر في الفقه والأصول وهنا تشابك بين العلوم.

هذه القاعدة كلامية مرتبطة بالحكم الفقهي الفرعي والاحكام الشرعية غير الفرعية. مما يدل على ان المتكلم وعلم الكلام عنده ضوابط وقواعد للقوانين الفرعية ومن ثم مر بنا مرارا كرارا ان باب الحجج متأثر بعلم الكلام تماما اما باب الالفاظ متأثر بعلم البلاغة جدا وان كان مباحث الالفاظ غير مخصصة بالالفاظ بل فيه مباحث من الحجج كما ان مباحث الحجج فيها جملة من مباحث الالفاظ.

بالتالي هذه القاعدة ان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا وخطابا او عقابا فقط. لما يقيد في هذه القاعدة منافاته بالخطاب مر بنا ان الخطاب اسم لمرحلة الفاعلية في الحكم الشرعي. الخطاب نوع من التخاطب بين المولى والعبد. وهي تعني باعثية الحكم او زاجريته او محركيته او ممانعته يعني نوعا من تأثير الحكم في العبد ولها قسمان التامة والناقصة. ويسمى الخطاب. وهو وصف للتواصل بين الشارع والعبد.

طبعا هذه المرحلة تختلف عن الخطاب الكلي الانشائي الموجود في المراحل الانشائية للحكم. المراحل الانشائية للحكم سيما المرحلة الثانية لان المرحلة الثانية مرتبطة بتدوين الحكم الشرعي في لوح التشريع ويسمى خطابا لكن بمعنى الخطاب الكلي لا الخطاب الجزئي. هنا المراد من الخطاب هو الخطاب الجزئي.

مثلا لو اسقط المكلف نفسه من شاهق فخوطب بلا تلقوا بايديكم من التهلكة. لكن في وسط الطريق لايمكن ان يخاطبه الشارع. لانه لا يقدر ان يحفظ نفسه في وسط الطريق فالخطاب يسقط. لكن الخطاب هو المرحلة الفاعلية التامة. كما مر بنا مرارا تلازم موجود بين مرحلة الفاعلية الناقصة والفعلية التامة ولا تنفكان. من ثم كثير من الاعلام يدمج بين الفاعلية الناقصة والفعلية التامة لكن الصحيح ان هما مرحلتان وان تلازمتا. حيثيتهما مختلفة وفيه ثمار لسنا في صدد هذا البحث كما ان الفاعلية التامة تلازم التنجيز وان لم تكن هي هي. وان يدمج كثير من الاعلام بينهما لكنه ليس بصحيح كما صرح بذلك كثير من الاعلام. كما ان بعض الاعلام يدمجون بين الفعلية التامة والناقصة هو ليس بصحيح كما ان صاحب الكفاية يصر على افتراقهما. مثلا الميرزا النائيني يدمج بينهما لكنه في موارد ارتكازا يجري على مبنى المشهور كما ان هنا فرق بين الحرمة الساقطة والحرمة الفعلية. والصحيح ما ذهب اليه صاحب الكفاية.

المهم ان الفعلتين مختلفتان كما ان الفعلية التامة ملازمة للفاعلية الناقصة وكما ان الفاعلية التامة ملازمة للتنجيز. والفاعلية مرحلتان ولسنا في صدد الاثار لانه يحتاج الى طول الكلام. هذه خمسة مراحل متوسطة

هنا لما يقال ان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا. كيف يعاقب على العصيان الاختيار فهنا يعاقب على العصيان الامتناعي لان هذا العصيان مقدمته وسببه اختياري. وهذا باب عظيم في مبحث اختيارية الأفعال. ان اختيارية الأفعال ليست مرهونة بالوضع الراهن انه ممتنع او اختياري.

اختيارية الأفعال مرتبطة بسلسلة من المقدمات للفعل وهذا بحث جدا مهم في علم الاخلاق. الشيخ الانصاري في بحث التجري يذهب الى ان الصفات والملكات السيئة ليست اختيارية وهذا ليس بصحيح. هي اختيارية وان كانت اختياريتها يستدعي سلسلة من المقدمات.

بعض الذنوب تستمسك الانسان خناقا والتوبة عنها يحتاج الى إعادة كثيرة جديدة. هذه الصفة الان في نفس الظرف ليس اختيارية لكن ليس بمعنى انها ليست اختيارية. حتى فيه فرق بين الاختيارية العقلية والاختيارية العرفية. قد يمكن ان لايكون مختارا عرفا لكنه عقلا مختار لكن بشدة ومكابدة. هذه المباحث مهمة في العلوم الدينية. الشيخ الانصاري بنى على ان الملكات ليست باختيارية. وكلامه صحيح بالنسبة الى الاختيار العرفي. لكنها اختيارية عقلا. هذه الأمور من اسرار مباني الاعلام. السيد الكلبايكاني في مبحث القضاء يصر على ان الملكات غير اختيارية. وما الفرق بين الاختيارية العقلية والعرفية. هذه القاعدة مثمرة جدا في علم الاخلاق والتفسير والكلام والفقه.