46/05/30
الموضوع: النواهي/اجتماع الامر والنهي /الكشف بالانقلاب في الاحكام التكليفية
کان الکلام فی مبنى صاحب الفصول في حكم الخروج من الدار الغصبية مثال لمطلق التورط في الحرام والخروج منه بالحرام والتعرف لحالات الاحكام الوضعية والتكليفية.
مر ان الميرزا النائيني استشكل بأن تعدد زمان الحكم مع وحدة زمان الفعل ومتعلق الحكمين المتنافيين لا يرفع غائلة التنافي ومن ثم لا يلتزم بالكشف بالانقلاب.
القائلون بالكشف بالانقلاب يلتزمون بان تعدد زمان الحكم الوضعي وان اتحد متعلق الحكمين الوضعيين المتنافيين يرفع غائلة التنافي. فقبل الاجازة ثبوتا وواقعا يحكم على المبيع انه لا زال باق على ملك البائع والثمن لا زال باقي على ملك المشتري يعني عدم البيع لكن بعد الاجازة هذه الفترة بين العقد والاجازة يحكم عليها ثبوتا وواقعا بان البيع صحيح وان ملكية المبيع للمشتري. ففي زمان واحد يحكم عليها بعدم البيع قبل الاجازة وبثبوت البيع بعد الاجازة.
هؤلاء الاعلام قالوا ان الحكم الوضعي لانه اعتباري وتابع لموازين الشرع فلا تناقض ولا تنافي مام دام ان زمان الحكمين مختلفان وان اتحد زمان متعلق الحكمين فيرفع غائلة التنافي والتضاد فيحكم واقعا بالفساد قبل الاجازة ويحكم واقعا بالصحة بعد الاجازة. فالاجازة ليست طريقا وكاشفا بل صفة تكوينية او ما شئت فعبر او عنوان انشائي نابعة من التكوين و طبيعتها عنوان تعلقي والان وجدت كعنوان انشائي تكويني طبيعة وجودها تعلقي مثل العلم والشوق والإرادة كما مر بنا امس ان بعض العناوين طبيعتها تعلقية وتعلقها ربما يمتد للماضي او الراهن او المستقبل فلما يتعلق المفروض ان الشارع امضى هذه الاجازة وهي تعلقت بالعقد السابق فيصح العقد السابق واقعا. ففي باب الحكم الوضعي لا تناقض في البين لان الاجازة سابقا ما وجدت والان وجدت. والاجازة تعلقت بالماضي والشارع يمضي هذه الاجازة. بينما الميرزا النائيني يقول ان تعدد زمان الحكم بعدم البيع قبل الاجازة وزمان الحكم بثبوت البيع بعد الاجازة مع اتحاد المتعلق وهو العقد في الفترة بين العقد والاجازة لا يرفع غائلة التنافي.
اثر الكشف بالانقلاب هو ان النماء المنفصل ملك للبائع لأنه لما وجد النماء المنفصل صار ملكا مستقلا وحينما وجد هو ملك لمن ملك الأصل حدوثا وهو تبع لمن ملك الأصل حدوثا لا بقاءا. من ثم لا ينتقل الى المشتري لانه بعد ما انفصل أجاز العقد. من ثم يسمى عند البعض الكشف البرزخي يعني لا هو ناقل مطلقا ولا هو كاشف مطلقا.
قاعدة في باب الأموال ان ملك الفرع تابع لملك الأصل حدوثا لا بقاءً لانه قد ينقل الأصل وهذا هو الفرق بين المنفصل والمتصل. مثلا زيادة وزن الدابة والصوف فيه نماء متصل وملك لمن ملك الأصل حدوثا وبقاء.
اذا مدعى هؤلاء القائلون بالكشف الانقلابي انا في الحكم الوضعي نمشي على الضوابط وما فيه تنافي ولذلك يفصل وكذا كذا.
هذا انما يلتزم بالانقلاب في الحكم الوضعي ومتعلق الحكم الوضعي واما في الحكم التكليفي لا نلتزم لان الفعل في الحكم التكليفي في زمانه إما له مفسدة او مصلحة والحرمة و الوجوب تابعان للمصلحة والمفسدة لا يمكن ان يكون كلاهما موجودين للتناقض.
اما صاحب الفصول يريد ان يقول ان تعدد زمان الحكم يرفع غائل التنافي. للتدقيق اكثر هو عندما يقول ان تعدد زمان الحكم يرفع غائلة التنافي يقول انه في زمان واحد لا محالة ان يكون احدهما مجمدا أي الفعلية الناقصة لان التنافي انما يكون في الفعلية التامة والفاعلية وهذا المقدار كاف في رفع غائلة التنافي.
هذا الوجه متين لانه حتى على مبنى صاحب الكفاية إنه سيجمع إما في زمان الحكمين بتجميد احدهما وهذا التجميد ارتكبه صاحب الفصول في الزمان المشترك للحكمين ويقول بالسقوط وهو يعني التجميد.
بعبارة أخرى ان الخروج من الدار الغصبية له وجوب وزمانه نفس زمان الفعل وقبل زمان الخروج ليس هنا وجوب. الوجوب حكم متزامن مع فعله. اما الحرمة للخروج يخاطب بها المكلف قبل الدخول في الدار الغصبية وفعلية وزاجرة وما المانع في ذلك. يعني ان الشارع يقول ان الدخول والمكث والخروج غصب ولاترتكب كل الثلاثة. حينئذ اذا ابتلى وعصى بالدخول والتوسط وبالتالي سيضطر بالعصيان بالخروج غاية الامر يجمد الحرمة للخروج باعتبار ان الوجوب اهم لان فيه التخلص من مزيد الحرمة. فما المانع لان نقول ان الحرمة تجمد الان عند الخروج ويبقى الوجوب
على كل إشكالية صاحب الكفاية والسيد الخوئي على صاحب الفصول ليست بتامة وكلامه متين. بعبارة أخرى كلامه ناظر الى الكشف بالانقلاب شيئاما في الحكم التكليفي وليس فقط الوضعي سيما مع تعدد زمان الحكمين وعدم الوصول الى التناقض بتجميد احدهما.
صاحب الكفاية والسيد الخوئي في الوجه الخامس عالج الوجوب والحرمة بتجميد كلا الحكمين على الفعلية التامة والفاعلية وابقاهما على الفعلية الناقصة. هذا نوع من العلاج فقد ارتكبه صاحب الفصول وأضاف ان الحرمة من بدء فعليتها كانت تامة وليست مجمدة لكن عندما زوحمت بالوجوب جمدت.
فاذا كلام صاحب الفصول ولا غبار عليه.
بين القول الثالث والخامس مشتركات. القول الثالث ان الخروج واجب فعلا لكن حرمته مجمدة. طبعا نحن لا نلتزم بالوجوب ونوافق صاحب الفصول في الكبرى الأصولية لا في المواد الفقهية. مر بنا ان الوجوب من باب انهاء الغصب وليس وجوب الرد وجوبا مستقلا عن حرمة الغصب وانما هو وجوب تبعي انتزاعي وعقلي ان النهي عن الشيء يقتضي الامر بضده. مسامحة من الاعلام في المواد الفقهية لكن لو التزمنا وسلمنا كلام صاحب الفصول في تصوير الكشف بالانقلاب في الاحكام التكليفية جيد وصحيح.
لا بأس ان نغوص اكثر في بحث الانقلاب وهو ضابطته الصناعية معقدة وتجري في الأبواب المعقدة ومنها تبديل الاجتهاد الى الاجتهاد او تبديل التقليد الى الاجتهاد او التقليد الى التقليد او الاجتهاد الى التقليد للنسيان.
في مبحث تبدل الاجتهاد والتقليد بصوره المتعددة هل يجزئ التقليد اللاحق او الاجتهاد اللاحق عن السابق. افترض ان السابق كان على الموازين وكان قلد واحدا اعلم وتوفى وقلد اعلم بعده. هذا مبحث فيه غموض وحيرة حتى عند الكبار وهو ذكر في بحث الإجزاء وباب الاجتهاد والتقليد. فالتقليدان على الموازين الا ان بينهما اختلاف.
تارة الاختلاف في الصلاة في الأجزاء الركنية وتارة في الحج والخمس والزكاة والصوم. الميرزا النائيني ومدرسته منهم السيد الخوئي وتلاميذه خالفوا المشهو.
المشهور يقولون هو تبدل الامارة الى الامارة المعتبرتين وبينهما حد زماني. لكن المحكي بالامارتين وهو الاعمال السابقة زمانه واحد. مثل هذا البحث في الإجازة والفضولي.
النائيني وكل من بعده قالوا ان الأمارة الثانية مادام هي حجة وهي نسخت ورفعت الحجة الأولى فهي يجب العمل بها بالواقع راهنا ومستقبلا وماضيا بالأمارة الثانية الا ما استثني مثل لاتعاد وغيرها.
المشهور مثل السيد اليزدي ومشهور طبقات الفقهاء يقولون هذه الامارة زمانها لا لها حق ان تتدخل في زمان الامارة السابقة. هذه الامارة الثانية حجة في الاعمال الراهنة والمستقبلة وليس من حقها ان تتدخل في الامارة السابقة. لماذا؟ مع انه كاشف عن الحال والمستقبل والماضي. السيد اليزدي والمشهور يقولون ان حد الامارة فقط في الحال والمستقبل.
هذا البحث يجري أيضا في القضاء هل قضاء القاضي الثاني يفسخ كل اقضية السابقين؟ هنا حتى السيد الخوئي يقبل ان القاضي اللاحق ما له حق ان يفسخ كل اقضية السابقين. محدودية القضاء اللاحق من الراهن الى المستقبل لا الماضي.
باب الاجتهاد والتقليد باب الفتوى وباب القضاء باب الحكم القضائي وكذلك عندنا باب التنفيذ والسلطة التنفيذية مثل ان الحكومة ابرمت عقدا والحكومة اللاحقة ما لها حق ان تفسخ بمعنى الكشف الحقيقي ولا يمكن له ان يفسخ بالكشف الانقلابي أيضا. لابد ان تكون تصرفاتها ناقلة. لان هذه عبارة عن تنازع ضابطتين وأمارتين وحكمين بسبب العناوين التعلقية. الموجود في العرف العقلائي البشري اذا كانت الحكومة على الموازين وتجيء بعدها حكومة على الموازين ليس للاحق ان يفسخ او يقلع الاحكام السابقة لا بنحو الكشف بالانقلاب ولا بنحو الكشف الحقيقي ولا الحكمي بل فقط بنحو الناقلة. في السلطة القضائية أيضا هكذا فقط يمكن بنحو النقل.
المشهور يقولون كما ان السلطة القضائية والتنفيذية ليس لها حق ان تتدخل في الماضي كذلك في الأمارة ليس لها حق ان تتدخل في الأمارة السابقة. الميرزا النائيني يخالف ويقول لها حق. لان الأمارة عبارة عن عدسة وطريق وحاكي وكما ترى به الواقع الان والمستقبل كذلك ترى به الواقع الماضي. الميرزا النائيني يقول انا أتكلم على القاعدة ويجب عليكم ان تجيئوا بالدليل. كلامه مرتب لكن كلام المشهور ادق.
اذا هذا المبحث في الحقيقية ليس مختصا باجتماع الامر والنهي بل طبيعة الفعل الواحد تتحمل احكاما متنافية ولو بتعدد زمان الحكمين وضعيين او تكليفيين. فيه تعبير عند المتاخرين ان الواقعة الواحدة لا تتحمل اجتهادات متعددة خلافا للمشهور مع تعدد زمان الحكمين.
هذه مسائل يمتحن به المجتهد على الاعلمية. هذه مسائل الاعلمية.
ان شاء الله نواصل المطلب.