الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/05/24

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النواهي/ اجتماع الامر والنهي /صناعة زمان الحكم والموضوع والمتعلق

 

كان الكلام في الاقوال في الخروج من الدار المغصوبة لمن توسط فيها بسوء اختياره ويتوسع هذا البحث لكل تورط في الحرمة بسوء الاختيار وبحيث ان الإقلاع عن الحرمة يتوقف على ارتكاب مقدار من تلك الحرمة توقيا من ارتكاب الأزيد من الحرمة.

فنفس الدخول غصب والكون والتوسط غصب والخروج غصب والبقاء اكثر غصبا فارتكاب الأقل يعني دفع الافسد وهو البقاء بالفاسد وهو الخروج. لكن الاعلام لم يذكروا هذه القاعدة في المقام. بالتالي هذا المبحث سيال وليس في الفقه الفردي فقط بل أيضا في الفقه الاجتماعي والسياسي والاقتصادي حتى في الفقه العقائدي فهذا البحث نوعي وليس خاصا بالفقه بل المبحث مرتبط بنوع من التوازنات بين القواعد الشرعية والقواعد العقلية، فضلا عما لو لم يكن بسوء الاختيار فذلك أوضح وسنوضحه ان شاء الله.

وصلنا الى قول صاحب الفصول وهو ذهب الى ان الخروج من الدار المغصوبة واجب وجوبا فعليا وليس بحرام فعلا وعدم حرمته الفعلية يعني عدم حرمته فعلا. اذا قيل الحرمة الفعلية المقصود منه المرتبة الفعلية لكن فعلا بمعنى هذه الأوان وان كانت الحرمة سابقا كانت فعلية. فهو يرى ان الحرمة قبل ارتكاب متعلقها كانت يعني عندما أراد ان يدخل الدار المغصوبة فالشارع خاطبه يحرم عليك التصرف في الدار الغصبية دخولا ومكثا وخروجا وبعد ما دخل الخطاب او الحرمة للخروج من الدار الغصبية سقط للعجز فيبقى فقط الوجوب. اذا هذا المتعلق يعاقب عليه لكن هذه العقوبة عليه بلحاظ الحرمة السابقة. فاذا زمان الحرمة سابق على زمان فعل الحرام. وعندما يأتي حين زمان المتعلق تسقط زمان الحرمة بسبب الوجوب الأهم لانه بالتالي فيه رعاية للوجوب ورعاية للتوقي بقية الحرمات فمن ثم يقدم على هذه الحرمة.

فهنا صاحب الفصول فكك بين زمان الحكم. امس مر بنا ان الواجب المعلق الذي ليس خاصا بالوجوب بل يتصور في الحرمة أيضا وهو ان يتقدم الوجوب ويستمر مع تقدمه الزماني الى زمان الواجب المستقبلي. هذا هو الواجب المعلق الذي ابتكره صاحب الفصول. لكن فكرة الواجب المعلق ان زمان الوجوب يسبق زمان الواجب ويستمر بقاءه وينتهي بانتهاء امد الواجب.

«ان التقسيمات التي ذكرها الاعلام في مقدمة الواجب غير خاصة بالوجوب بل سيال بالاحكام وهي عبارة عن قوالب صياغة للحكم و الوجوب من باب ابرزها وابينها بل الكلام اعم من الحكم التكليفي والوضعي»

فهنا في الواجب المعلق يقولون بالحرمة المعلقة يعني ان الحرمة سابقة عن الحرام لكن تسقط حين الحرام لوجود مزاحم على الحرام وهو الوجوب. هذه فكرة صاحب الفصول وفذلكة صناعية.

الميرزا النائيني استشكل على صاحب الفصول باشكال صناعي وهو يريد ان يقرر ان دعوى السقوط من صاحب الفصول للحرمة فقط في زمن الحرام نتيجة المزاحمة لا قبل زمن الحرام هذه الدعوى لا تعالج التناقض بين الوجوب و الحرام.

بعبارة أخرى يقول الميرزا النائيني ان الحرام السابق والنهي السابق كان سابقا فعليا قبل الحرام وقبل المتعلق حيث انه متعلق بالحرام اللاحق الذي هو سيكون مصداقا للوجوب فهذا تناقض. صرف سقوطه زمان الحرام ووجوده في الزمان السابق تناقض وتنافي وليس بعلاج للتنافي. بينما فكرة صاحب الفصول ان كون الحرمة سابقة فعلية ثم تسقط الحرمة في زمن الحرام ويبقى الفعل واجبا يرفع التنافي والميرزا النائيني يقول ان الحرمة السابقة تتعلق الحرام اللاحق الذي في فرضها الوجوب موجود هذا الفرض تحقق التنافي وليس علاجا.

هذا البحث فيه نوع من الصناعة الغامضة المهمة ترتبط ببحث الفضولي وترتبط بحث كلي سيال في الاحكام سأذكره. اذا الميرزا النائيني يقول ان علاج صاحب الفصول ليس علاجا بل تناقض.

يوضحه بما في بحث العقد الفضولي وأيضا الكلام في العقد الفضولي خاصا بالعقد الفضولي فضلا عن ان يكون خاصا بالبيع الفضولي او الاجارة الفضولية بل يشمل الاكراه ويشمل حتى غير العقود يعني طبقات من البحث الكلي موجود في العقد الفضولي.

قضية تعدد زمان الوجوب وزمان الواجب او تعدد زمان الحرمة وزمان الحرام او تعدد زمان الحكم وزمان الفعل الذي تعلق به الحكم خارطة هندسية صناعية مهمة. ولما يقال تعدد زمان الحكم عن زمان الفعل الذي تعلق به الحكم مثل حرمة شرب الخمر ان الحرمة حكم والشرب متعلق والخمر متعلق المتعلق وهو غير قيود الحكم. فهنا ثلاثة اضلاع في القضية القانونية سواء في التكليفي او الوضعي في الاستحباب او الحرمة والكراهة وفي الاحكام الفردية او الاجتماعية. فاربعة اضلاع بينها ترابط.

في الواجب المعلق ان زمان الوجوب يسبق زمان الواجب لكنه يستمر الى ان يوازي زمان الواجب كله. والواجب المشروط بالشرط المتاخر زمان الوجوب وزمان الواجب يسبق زمان قيد الوجوب. ازمنة هذه المحاور الثلاثة او الأربعة قد تختلف.

الولاية لاهل البيت عليهم السلام شرط صحة الاعمال العبادية والتوصلية ولو كان متأخرا. أخيرا راجعنا طوائف الروايات الواردة في شرطية الاعمال بولاية اهل البيت وجدت قريبا لسبعة وجوه دامغة لشرطية الولاية للصحة. عدد الروايات التي اجمعها السيد البروجردي في جامع احاديث الشيعة لا سيما المجلد الأول منه وهو طبع تحت اشرافه وهو كان حيا فكان إخراجه جدا دقيقا وعلميا. هذا الباب في شرطية الاعمال العبادية بولاية اهل البيت عليهم السلام مذكورة في مقدمات العبادات سواء في الوسائل او جامع احاديث الشيعة وفيه جمع ضعف ما ذكره صاحب الوسائل والمهم ان فيه سبعة وجوه دامغة في انها شرط في الصحة فضلا عن القبول. على أي حال حتى لو كان لسان الروايات في شرطيتها للقبول فهناك وجه عقلي دامغ على انها شرط الصحة. مع ان لسانها صريحة في شرط الصحة.

مثلا ولاية اهل البيت عليهم السلام كشرط متأخر يصحح العمل والعبادة. فعلى أي تقدير زمان قيود الوجوب الذي هو الموضوع الاصولي وزمان الحكم وزمان الفعل الذي تعلق به الحكم والرابع زمان متعلق متعلق الحكم. فإما أربعة محاور او ثلاثة. ازمنة هذه المحاور قد يكون غير معاصر.

كما انه في احد اقوال المشهور ان اغسال المستحاضة الليلية شرط في صحة صيامها وصلاتها المتقدمة. فاذا الأزمنة في محاور القضية القانونية مهم.

التغيروالتبدل في هذه الأزمنة نوع من الفذلكات والمعالجات الصناعة للتعارض بين الاحكام ولا سيما مر بنا ان التنافي بين الاحكام قد يكون في مرحلة واحدة لا كل المراحل. فهذه الأزمنة المتعددة قد يعالج التنافي. مثلا التزاحم تنافي بين الحكمين في مرحلة التنجيز او الامتثال فالتصرف في احد ازمنة احد الحكمين قد يكون نوعا من العلاج.

هنا صاحب ا لفصول يريد ان يقول ان النهي السابق بنحو الحرمة المعلقة عندما يحين زمان الحرام تسقط الحرمة ليرتب عليه آثار العقوبة. هذه علاج صاحب الفصول وهو الذي ابتكر الواجب المعلق.

الميرزا النائيني يقول ان هذا الاستثمار غير مفيد وغير معالج للتنافي لان الحرمة السابقة تعلقها بالفعل الذي تعلق به الوجوب ولو في الزمان السابق تنافي وتناقض.

يقول لان التنافي والتزاحم منشأه ليس زمان الحكم بل منشأه زمان الفعل لان الفعل فيه العجز كيف يكون هو واجب وهو حرام. فالتنافي في التزاحم للعجز عن امتثال الفعل. ان منشأ التنافي زمان الفعل وليس زمان الحكم.

يبسط بشرح اكثر وكذلك السيد الخوئي. في مبحث العقد الفضولي طبعا الميرزا النائيني يجر هذا البحث الى بحث العقد الفضولي ويشكل على الاخوند.

العقد الفضولي وعقد المكره هذا البحث جار فيهما. الغموض في العقد الفضولي ان الاجازة لما تأتي من الأصيل او اذا كان مكرها وبعد ذلك يأذن ويجيز وفي الروايات عندنا صحيحة ان الفتاة لو كانت مكرهة فالعقد لا يتم فلابد ان ترضى فإن ترضى بعد العقد يقول الامام عليه السلام لا بأس ولو بالرضاء الفعلية. العقدة في العقد الفضولي ان الاجازة زمانها متأخر والعقد زمانه متقدم فيا ترى هل يراعى في الاحكام زمان العقد او زمان الاجازة او نفصل في الاثار؟

«احل الله البيع» اثار البيع لزمان البيع او زمان الاجازة «تجارة عن تراض» البيع موضوع وهل الاحكام على الموضوع تترتب عند توفر سبعين بالمأة من الموضوع او لازم مأة بالمأة من الموضوع.

في صلاة المسافر متى يبدأ ان يقصر؟ عند حد الترخص ولو ما طويت المسافة. الحكم يتقدم على الموضوع. فعندنا زمان الموضوع في محور القضية القانونية. هذه صناعة الاستنباط ولابد منها في الاستنباط. عندنا زمان الموضوع وعندنا زمان الحكم وعندنا زمان الفعل وربما زمان متعلق الفعل. ولا تظن ان الأبواب على شاكلة واحدة بل كل منها على شاكلة. اذا أيها المستنبط الباحث لا تسترسل بالسهو والغفلة ان الأزمنة دائما متحاذية.

في العقد الفضولي البيع او النكاح زمانه متقدم والاجازة زمانها متأخر أي من الامرين يراعى؟ اذا قلنا بالنقل فيراعى الاجازة واذا قلنا الكشف الحقيقي كل الاثار تترتب على زمان العقد ولو كانت الاجازة تتأخر بعد شهر. فالأثار تترتب حين العقد او حين الاجازة او نقول بالتفصيل؟ سبعة اقوال رئيسية عند فحول الاعلام. مسألة معقدة وترتبت عليه آثار وليس في العقد الفضولي بل في الحقيقة هذا بحث سيال في تعدد ازمنة المحاور الثلاثة او الأربعة. كصلاة المسافر التي يتقدم الحكم وامتثال الحكم على الموضوع كصلاة القصر عند حد الترخص قبل طي المسافة.

هذا البحث مبحث مشترك بين الصناعة الأصولية والفقهية. اذكر نقطة ونختم والبحث طويل. تعدد ازمنة محاور القضية القانونية والشرعية ومع احترامي هذه المباحث صعبة عند الاكادميين بخلاف الحوزة العلمية وبالذات عند الشيعة لان علم الأصول تراكمات جهود أربعة عشر قرنا.