46/05/23
الموضوع: النواهي/ اجتماع الامر والنهي/ شؤون الاحكام في المراحل وتداعياتها
كان الكلام في التورط في الحرام كالتوسط في الدار الغصبية بسوء الاختيار وحكم الخروج منها ومر الاقوال الخمسة عند الاعلام والاختلاف إما يرجع الى اصل وجود ادلة الاحكام او الى عدم وجود بعض مراحل الحكم وبالتالي إن فقد الحكم لبعض المراحل عند الاعلام نوع من النقص في الحكم يعني حكما فيه شيء من عدم التمامية وعدم الكمال.
مر بنا انه عند مشهور القدماء مشروعية أفعال الصبي بالعمومات الأولية لا بالادلة الخاصة لان رفع القلم عن الصبي هو قلم المؤاخذة وليس قلم التشريع «لا تكتب عليه السيئات» كالنائم او المجنون لكن مع ذلك عندهم الفعلية التامة مرفوعة عن الصبي وهذا دعا المشهور الى عدم إجزاء عبادات الصبي رغم انها مشروعة مثل لو صلى صبي مميز على الميت لا يجزئ عن المكلفين او غسل الميت باعتبار ان التغسيل يقوم بالنية العبادية من المغسل وهو ينوب عن الميت في النية ولا ينوب عنه في الغسل كما ان المشهور يحكمون بايقاع الوضوء بالصبي الرضيع لو كان قد احرم به. والاحرام به يعني ان يوقع الإحرام فيه. هذا احد مراتب النيابة. في الحج مراتب من النيابة ونماذج تنسحب على باب الصلاة او أبواب أخرى.
فرغم انهم يقولون بمشروعية عبادات الصبي الا انهم لا يقررون الفعلية التامة في الصبي لا لحديث رفع القلم بل لدليل آخر. فلا يمكن ان تستأجر الصبي لصلاة القضاء عن الميت وان ليس مانعا في استيجار الصبي في الأمور المندوبة. اما ان تستأجر للحج عن الميت او الصلاة لا يجزئ عند المشهور والسبب هو هذا.
اذا نقص الحكم في بعض المراحل لا يؤثر بقول مطلق. على كل ان الحكم التام هو الذي يتوفر على مراحل الحكم كلها واذا حصل قصور او نقص في احد المراحل فآثار الحكم في تلك المرحلة لا تترتب واجمالا هذا بحث القدماء وزوايا كثيرة من بحثهم في المقام من هذه الزاوية
نصل الى القول بالحرمة الفعلية والوجوب الفعلية بتمام مراحلهما. الالتزام بهذا القول صعب. صحيح انه ليس تعارضا في البين. اللطيف ان الميرزا القمي يلتزم بعدم وجود التنافي ولا التعارض في فعل واحد لان ملاكي الحكمين موجودان. لانه يبني على وجوب الرد للمغصوب مستقلا عن حرمة الغصب والخروج أيضا حرام لانه تصرف في مال الغير وبالتالي حرام.
لاحظوا ان صرف وجود التنافي والتناقض بين الحكمين عند فقيه فحل مثل الميرزا القمي لا يشك في عدم كونه من التعارض. اذا كان التزاحم موجودا لا بد ان يجمد احد الحكمين في بعض المراحل وان لم يمحو في جميع المراحل. هذه فكرة باب التزاحم في الحقيقة. ونستطيع ان نقول ان بحث الضد وبحث اجتماع الامر والنهي وبحث النهي عن العبادة في عدة من صوره ترجع الى اجتماع الاحكام في بعض المراحل وما شابه ذلك وبالتالي ان هذا الاجتماع لا يسبب التعارض والتنافي وكيف يعالج ويولف الحكمان. هذه أبواب في الحقيقة وليس مسائل. فإجمالا المسارعة الى البناء على التعارض غير صحيح بل يمكن الجمع بين الاحكام وملاكاتها.
لكن هذا القول بان كلا الحكمين موجودان بتمام مراحلهما غير ممكن لانه تزاحم والتزاحم يجمد احد الحكمين لا اقل في مرحلة التنجيز او الفاعلية او يكيف بنحو الترتب وهذا بحث آخر. مضافا الى ما مر بنا انا لا نلتزم بالوجوب لان الوجوب ارشاد وهو نفس حرمة الغصب.
القول الثالث ذهب اليه صاحب الفصول ويقول ان الخروج واجب وليس بحرام بحرمة تامة المراتب وانما حرام بحرمة سابقة زمانا وساقطة فعلا. هذا اصطلاح عندهم في المقام بغض ان نلتزم بالقول. اصطلاح الحرمة السابقة زمانا والساقطة فعلا.
اذا صاحب الفصول يلتزم بالدقة بالحكمين غاية الامر يقول ان الحرمة ساقطة فعلا لكنها كانت موجودة سابقا.
طبعا بالنسبة الى المختار واضح ان الوجوب غير موجود في البين. لكن بغض النظر عن المختار هل يمكن تصور الحكمين في البين او لا؟ باعتبار ان التصرفات في الدار الغصبية حرام سواء في طريق الخروج او في المكث او افراد أخرى من التصرف في المغصوب حرام. فمن جهة طبيعي الحرمة حرمة واحدة وهذه افراد الحرمة. فالتكثر في افراد الحرمة صحيح.
اجمالا لا نلتزم بالوجوب و الحرمة بل انما الحكم هو الحرمة ووجوب عقلي بارتكاب الأقل سوءا مع الاضطرار. فما هو الحكم العقلي باللزوم؟ ان الجامع للغصب هو المضطر اليه قهرا بسوء اختياره يعني ان المدة المشتركة بين الخروج والبقاء مضطر اليه لكن فرد البقاء مزيد في الغصب. فهو بين فردين في الغصب فرد اقل ارتكابا للغصب وهو الخروج ولكن أيضا ارتكاب الغصب. فالحرمة مقدار الجامع الان ليس الان باختياره الفعلي وان كان باختيار منه في السابق في المقدمات.
لاحظ ان الاعلام من جهة علم الكلام ومن جهة علم الأصول ومن جهة علم الفقه يبنون أنه لا يصح دراسة الحكم بلحاظ مرحلة مقطعية فقط بل يجب ان تلاحظ المقدمات ولها تأثير على هذا الفرد. صحيح انه الان معدوم الاختيار ومجبر لكنه بسوء الاختيار وتشير اليه الآية الكريمة «فمن اضطر غير باغ ولا عاد» الآية تفرض الاضطرار وتفرض بغية الاضطرار يعني في حين انه اضطرار لكنه بلحاظ المقدمات اختياري. الاضطرار عن الظلم والتجاوز او الاضطرار بالاختيار يعني ان قطاع الطريق لا يحل لهم اكل الميتة اضطرارا لانهم في طريق المعصية وكذلك من يعلم انه اذا يسلك طريق البر يضطر الى اكل الميتة فلا يرخص له الشارع «فمن اضطر غير باغ ولا عاد» بقيدين في كل حرمة بدرجة الميتة يتشدد فيه الشارع في الترخيص. فصرف وجود الاضطرار المقطعي لا ينفي الاختيار السابق.
هذا البحث يثار في علم الكلام وعلم الفقه وعلم الأصول مثلا الملكات السيئة مثل الحسد وامثاله والشيخ الانصاري يقول لا تكليف فيها وكذلك كثير من الاعلام في بحث التجري حتى السيد الكلبايكاني والحال ان هذه الملكات السيئة الان غير اختيارية لكنها بلحاظ المقدمات اختيارية. سواء ترخيصه وزرعها في النفس او ازالتها. فمن حام حول الحمى اوشك ان يقع فيها. كما قال الله تعالى «لا تقربوا الزنا» كل حرمة بدرجة الزنا أيضا هكذا أي لاتقربوا الكبائر الشديدة كذلك الملكات السيئة او الحسنة جملة من الاعلام قالوا انها غير اختيارية لكنها اختيارية بلحاظ المقدمات ولو البعيدة. كذلك النسيان هو الان غير اختياري لكن يمن الشارع ويرفع عنه بلحاظ المقدمات وهلم جرا.
هذه نكات مهمة في الاحكام الشرعية او في الملكات انها بلحاظ المقدمات اختيارية.
هنا صاحب الفصول يريد ان يصور ان الوجوب فعلي والحرمة الان ساقطة نتيجة العجز. بدء الاعلام يناقشون صاحب الفصول كالنائيني او صاحب الكفاية او السيد الخوئي ان أي فذلكة او قولبة في الحكم التكليفي ان النهي الفعلي سابقا كان موجودا والان سقط؟ هل المراد السبق الزماني؟ واي تصوير لهذا الحكم الشرعي التكليفي وبحث مهم حساس بغض النظر عن المسألة وهذا بحث في شئون الاحكام الشرعية وفي المبادئ الاحكامية واصول القانون. هل يمكن تصوير زمان الحكم التكليفي ان يغاير زمان متعلق الحكم؟ شبيه الواجب المعلق ان يتقدم الوجوب على زمان الفعل. فزمان الوجوب يختلف عن زمان الواجب.
لاحظوا هنا ربما يقول ثلاثة ازمنة موجودة: زمان الجعل والاعتبار وزمان المجعول وهو الحكم ومر بنا ان الاعتبار والمعتبر يراد من الاعتبار غير المعتبر كذلك في الانشاء والمنشأ وكثيرا ما يستعمل الانشاء بمعنى المنشأ أما استعمالهما معا يدل على ان الانشاء غير المنشأ كذلك الاعتبار والمعتبر والجعل والمجعول. فيراد من الانشاء والجعل والاعتبار نفس عملية استعمال اللفظ في المعنى. والمعتبر هو المجعول والحكم. اذا انفرد استعمال الانشاء والجعل والاعتبار غالبا يراد منه المنشأ والمعتبر والمجعول. فاذا عندنا ازمنة ثلاثة زمان الاعتبار المقابل للمعتبر وزمان المعتبر والمجعول وزمان متعلق المجعول.
تم إيجاد انشاء الوجوب لصلاة الظهر منذ نزول الآية الكريمة «اقم الصلاة لدلوك الشمس» وتم انشاءها في الشريعة و المنشأ والمعتبر والمجعول هو الوجوب و المتعلق هي الصلاة فعندنا ازمنة ثلاثة حساسة بحيث ان التدقيق فيها حساس بحيث ان السيد الخوئي وفاقا للنراقي انكر الاستصحاب في الشبهات الحكمية برمتها بسبب هذا البحث. فالتدقيق في المسألة حساس. عندنا زمان فعل الجعل وزمان المجعول وزمان الفعل والمتعلق.
الان صاحب الفصول في تصوير كلامه يريد ان يقول ان زمان الفعل هو الان وهو فعل الغصب خروجا وزمان الحكم كان سابقا والان سقط.
لتوضيح بعض النقاط ونكمل غدا كاصطلاحات. هذه المقدمات اهم من ذي المقدمة لانها بحوث كلية في شؤون الاحكام ومؤثرة وهنا معركة بين الاعلام في تصوير كلام صاحب الفصول والتغاير بين الحكم التكليفي والوضعي فيه.
عندما يقال في الواجب المعلق ان زمان الوجوب سابق على زمان الفعل والمتعلق مقصودهم ان زمان الوجوب الفعلي سبق وجوده لكنه يبقى الى زمان الفعل وما ان يمتثل المكلف او يعصي ينتهي زمان الحكم وزمان الفعل. فاذا مقصودهم من الواجب المعلق ان زمان الحكم متقدم لا يعني ان لا يستمر بقاءه لكن هنا يقول ان زمان الحكم يتقدم وعندما اتى زمان الفعل سقط الحكم لمعزلة في المقام. الان الحكم الفعلي هو الوجوب فقط في زمان الفعل. لان الوجوب يناقض الحرمة فسقطت الحرمة. هنا دخل الاعلام في تفسير كلام صاحب الفصول. هل يمكن هذا المطلب في الحكم التكليفي عموما.
احد المسائل المعقدة في البحث الفضولي انه هل يمكن الكشف الحقيقي في الحكم الوضعي؟ بين من يقول ممتنع ومن يقول ممكن اما الكشف الحقيقي في الحكم التكليفي كرجل اشترى أمة ودخل بها وبعده استجاز مالكها هل الجماع حلال؟ الأكثر قالوا الكشف الحقيقي في الحكم التكليفي ممتنع. هذه الأبحاث مرتبطة بطبيعة الاحكام التكليفية زمانا ومتعلقا وتفيد في كل الأبواب الفقهية. ان شاء الله نخوض فيه.