الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/05/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النواهي/ اجتماع الامر والنهي /دور المواد الفقهية في عملية الاستنباط

 

كان الكلام في مبحث التورط في الحرام بسوء الاختيار وحكم التخلص من الحرام بالحرام المؤدي الى التخلص من الحرام. فالبحث ليس مختصا بمثال التوسط في الدار الغصبية وبالتالي الفذلكات الفقهية الصناعية او الأصولية نوع من التمرين والتطبيق التمريني لموارد كثيرة أخرى ولابد من ملاحظة المواد الفقهية والصناعة الفقهية والصناعة الأصولية.

فاول الاستنباط اليقظة الى زوايا المواد الفقهية ثم الصناعة الفقهية ثم الصناعة الأصولية وطبعا لما يطوي الانسان مرحلة من مراحل عملية الاستنباط لا يدل على ان لا يرجع ولا يستكشف مزيدا من المواد. ففي المواد لابد من المواد العقلية والشرعية والاقوال

الاقوال في الحقيقة عبارة عن فذلكات او تكييفات بين الزوايا الصناعية والمواد ومرت الاقوال الخمسة في المسألة.

القول الأول هو القول بالحرمة فقط والقول الثاني الحرمة والوجوب والقول الثالث هو الوجوب وسقوط النهي خطابا والقول الرابع هو الوجوب من دون وجود الحرمة في البين والقول الخامس هو عدم الحكم الشرعي والوجوب العقلي ويعاقب عليه.

القول الخامس قول صاحب الكفاية والرابع الشيخ الانصاري والميرزا النائيني والثالث قول صاحب الفصول والقول الثاني للميرزا القمي.

الكلام في المواد الفقهية وتعيين العلاقة بين القواعد العذرية والاضطرارية مع الاحكام الأولية في الاضطرار لا بسوء الاختيار. اما الاضطرار بسوء الاختيار ليس هو مورد القواعد العذرية ولكن عنوان الاضطرار والعجز موجود. لكن مر بنا انه في بعض الأبواب الفقهية كالطهارة الخبثية والتقية الشارع هو وسع هذه العناوين العذرية الى موارد يسمى صورة بسوء الاختيار يعني حتى مع وجود المندوحة. فالابواب مختلفة ولابد من الالتفات اليه.

كالأخذ بالظاهر في موارد النص بالامارات الظاهرية مع التمكن بالفحص عن الواقع في بعض الأبواب مثلا في الهلال لم يلزم الشارع بالواقع بما هو واقع بل حتى الروايات تبين مرجوحية الاحتياط في الهلال. فليس يرجح الشارع الواقع بما هو واقع. المقصود انه في بعض الأبواب الشارع فسح المجال وبقدر ما فسح المجال يأخذ برخص الشارع كما يأخذ بعزائمه.

حتى لو كان بسوء الاختيار ولم يكن مورد القواعد العذرية ولم يوسعه الشارع في موارد العجز وما شابه ذلك فمرحلة الخطاب من مراحل الحكم الشرعي تسقط. مر بنا مرارا ان كل مرحلة من مراحل الحكم لها اسم والخطاب ليس اسما للحكم في كل المراحل بل اسم للحكم في مرحلة الفاعلية والمحركية والباعثية والزاجرية وهي المرحلة الفاعلية التامة والناقصة اما الفعلية التامة او الناقصة لا يسمى الخطاب. بل قد يسمى الفعلية الناقصة بالاقتضاء او يسمى عند الميرزا النائيني او السيد الخوئي بالملاك والملاك يحرز بالفعلية الناقصة. كون الحكم مقررا في الشريعة اسم للحكم في المرحلة الثانية من الانشاء وهو الحكم غير المنسوخ والحكم المدون. التعرف على أسماء واوصاف الحكم في كل مرحلة بالغ الأهمية في الاستنباط.

أيضا من أسماء الحكم التكليف والكلفة وهذا بالدقة اسم للحكم بلحاظ مرحلة التنجيز لانها فيها الكلفة. «لا تكليف في الجنة» التكليف شيء والحكم شيء آخر. أيضا من مراحل الحكم قد يعبر عنه الحكم التسجيلي وهو اسم لمرحلة التنجيز يعني ان يسجل عليه العقوبة والمؤاخذة.

الحكم الفعلي الكلي يقصدون منه الحكم في المرحلة الانشائية الثالثة وكذلك الحكم الفعلي المقدر. اذا ربما لمرحلة واحدة عدة أسماء واذا كان المحذور في مرحلة لا يعني ان يتوسع المذور في كل المراحل. طبعا مشهور طبقات القدماء السابقين وغير المعاصرين اجمالا كانوا ملتفتين الى هذه المراحل لكن مدرسة النائيني غالبا لاتراعي وتدمج بين هذه المراحل وفي بعض الموارد تفكك والصحيح هو التفكيك.

مر بنا انه بلحاظ المواد ليس في البين عندنا وجوب شرعي. وجوب رد المال بالدقة يرجع الى حرمة التصرف والغصب في مال الغير. ولا يعني ان الوجوب فيه المصلحة والحرمة فيها المفسدة.

كثيرا ما في الأدلة الشرعية الحكم الأصلي واحد ويعبر عنه بحكم آخر تبعي له. والامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده والنهي عن الضد تبعي وارشاد الى الامر نفسه. او العكس ان النهي عن الشيء يقتضي الامر بضده وهذا الامر تبعي وارشادي وليس اصليا. ربما يقال شرعي لكنه شرعي تبعي. فيجب ان نميز بين الحكم الأصلي والحكم التبعي. هنا فحول من كبار الاعلام جعلوا وجوب الرد اصليا والحال ان الحرمة اصلية والوجوب تبعي. بعضهم التزم انه حكمان ولكنه محل مؤاخذة وليس لدينا حكمان اصليان في البين. بل هو حرمة واحدة «لا يحل مال امرء الا بطيب نفسه» اما وجوب الرد حكم ارشادي عقلي او حكم تبعي وليس نابعا عن ملاك في نفسه.

فتشخيص المواد الفقهية في بدايات استنباط أي مسألة امر بالغ الأهمية وينعكس على بقية الاستنباطات في المسألة سيما اذا كانت المسألة من مسائل الام. فيجب الالتفات الى هذه الجهات. الأول تشخيص المواد ثم الصناعة الفقهية ثم الصناعة الأصولية والا الصناعات زبد هواء لان المواد خيالية. لا نستهسل المواد.

لابد من الوقوف على الأبواب الروائية والدلالات ومتن الرواية هل هو واحد او متعدد وعلوم الدراية وعلوم الحديث بالغة الأهمية في تشخيص المواد. وكذلك العارضة الفقهية والذوق الفقهي من العناصر المؤثرة في المواد الفقهية وكم من غفلات تقع في المواد الفقهية في التدقيق في المتن الروائي وكمية الروايات وعدد ألسن الروايات وابواب أخرى مرتبطة بهذه الروايات وعناصر متعددة أخرى. اركز على هذا المطلب لان الصناعة الأصولية والفقهية بمفردها لا تفيد.

المجلسي رحمة الله عليه يقول انا اتعجب ان الاعلام في ست قرون او سبع قرون بنوا على ان الروايات في هذه المسألة ما موجودة واصلا ما وصلتنا الينا والحال انها موجودة وما راجعوا كلام الصدوق وهو لم يذكر اسانيد الروايات لا انه لم يرو الروايات. احد الاعلام المتقدمين غفل وغيره من الاعلام تسري الغفلة عليهم. اجمالا التثبت من المواد مرحلة حساسة. ظاهرها سهل لكنه في الحقيقة تطلب ممارسة وتدريب وباع كثير كي ينجو الانسان من الغفلة والسهو وهو باب عظيم. استقصاء المواد امر وسلامة المواد امر آخر.

ملخص المواد هو ان لا نعترف بالوجوب الشرعي في المسألة مع ان الوجوب العقلي موجود والحرمة موجودة والعلاقة بين العناوين العذرية والحرمة والوجوب بيناها.

نأتي الان في الصناعة الأصولية والفقهية.

اما القول الأول بالحرمة اشكل عليه تارة بانه اذا كان الخروج حراما فاذا يمنعه الشارع من الخروج وكيف يمنعه من الخروج والحال انه يجب عليه لاجل تقليل الحرام. من جهة يقول الشارع لا تعصي ومن جهة يقول لا ترتكب الخروج فيسبب المزيد من الحرمة.

الجواب: اذا كان المراد من الحرمة هنا مرحلة الخطاب فكيف ينزجر عن حرمة الغصب بالخروج. مرحلة الخطاب نقر بها انها لا يمكن ان تكون مقررة. اما مرحلة التنجيز والفعلية مقررة تحت قاعدة «الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار» طبعا هذه القاعدة مختلف فيها بين الاعلام. هل لا ينافي الاختيار عقابا وخطابا او عقابا فقط. النائيني اصر على ان الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار عقابا وان ينافيه خطابا. وهو الصحيح والسيد الخوئي أيضا بنى عليه. ففصل بين الخطاب والعقاب. هذا التفصيل من النائيني والسيد الخوئي اعتراف بان مرحلة الخطاب غير مرحلة العقاب والتنجيز او قل ان مرحلة الخطاب غير مرحلة الملاك. فهذا اعتراف بثبوت المراحل. لماذا مدرسة النائيني تشارك بين احكام المراحل؟

فقاعدة الامتناع بالاختيار لا ينافي الاختيار خطابا تدل على ان العقوبة موجودة والملاك أيضا موجودة لوجود العقاب. لماذا يركزون على مرحلة الخطاب؟ لانها اذا قيل بتحققها فكيف يعقل الوجوب بالتخلص عن ورطة الحرام؟

بعبارة أخرى ان الاعلام عندهم أهمية في دراسة ان أي مرحلة من مراحل الحكم تتحقق في الحكم واي المراحل لا تتحقق في الحكم. ما الثمرة في ذلك؟ لكي يلفت ان كل مرحلة من مراحل الحكم لها اثار فمن ثم يفصحون عن مرحلة الفعلية والملاك. طبعا بعضهم بحث انه لا التنجيز موجود ولا الخطاب موجود ولا الفعلية موجودة لكن لب هذا المطلب هو ان الاعلام في المسائل لا يكتفون باستنباط الحكم بل يدققون في تحقق مراحل الحكم هل كلها تتحققت او بعضها لكي يرتبون الآثار لانه قد يكون حكم داخل على الخط فكيف يكون التوفيق بينه وبين الحكم الثاني او الثالث والرابع. فهذه نكتة نفيسة يجب ان يدقق في مراحل الحكم ان أيها متحقق وايها ليس متحققا. لا تظن أيها الباحث ان المراحل اللاحقة لا تتحقق الا بتحقق السابقة بل ربما بعض المراحل اللاحقة تتحقق من دون ان تتحقق احد المراحل السابقة. هذه نكنة صناعية يجب الالتفات اليها. هذه التدقيقات في هذه الزوايا والمراحل تفيد

مثلا في مثال مختصر وموجز ان النص ورد ان الورثة في حياة ابيهم او اخيهم او خالهم كالوارث والمورث اذا أوصى المورث في حياته زيادة على حقه لغير الورثة وقبل الوراث هذه الوصية فالنص وارد او نصان او ثلاثة معتبر انه ليس لهم ان يرجعوا عن ذلك واسقطوا حقهم عن الإرث. بعض الاعلام ما قبلوا النص لانه اسقاط ما لم يجب. لانهم ليسوا ورثة فكيف يسقطون. بينما المشهور كالشيخ الطوسي عملوا بها. هنا التفكيك في مراحل الإرث. ان أي مرحلة من مراحله متحققة قبل موت المورث وهل يكفي في الاسقاط تحقق بعض مراحل الإرث. اسقاط ما لم يجب في كل المراحل او بعض المراحل؟ لابد من التدقيق فيها. تدقيق الاعلام في مراحل الحكم أي منها متحقق واي منها ليس متحققا مؤثر كاسقاط ما لم يجب فلا يكفي الاستنباط اجمالا بل يجب التدقيق في المراحل ان أيا من المراحل استنبط. هنا دور ميدان الصناعة الفقهية قبل ان تكون أصولية.

فالمواد جمعها مهم ثم يأتي دور الصناعة الفقهية والاصولية. اذا القول الأول ان الحرمة فعلية يواجه الاشكال ان الحرمة في مرحلة الخطاب ساقطة ولا يمكن الالتزام به. لكن فقط مرحلة الخطاب ساقط. لا تنخدع بعبارات الاعلام لان الاعلام في عباراتهم دائما اصطلاحات

القول الثاني بالحرمة والوجوب ان شاء الله ندقق وهذه كيفية معجون الاحكام مادة وصناعة وقالبا