46/05/21
الموضوع : النواهي/ اجتماع الأمر والنهي / التورط في الحرام وحكم التخلص منه
كنا في أواخر مبحث اجتماع الامر والنهي ومقطع حكم الخروج من الدار الغصبية وكما مر بنا انه مثال والبحث في موارد ارتكاب الحرام بسوء الاختيار لاجل تقليل الحرام او لاجل رفع ارتكاب الحرام ولو بارتكاب الحرام.
في الحقيقة هذا مبحث من زاويتين، زاوية المواد الفقهية وزاوية قواعد الاضطرار او القواعد العذرية انها هل تعذر او لاتعذر؟ ثم هل هناك احكام عقلية وكيف تكون في البين؟ وبالتالي اختلاف وامتزاج الجهات العديدة بين الاحكام العقلية او الشرعية. فالبحث نوع من التمرين والتدريب على كيفية اجتماع المواد العقلية والشرعية وكيفية التوفيق بينها والاولية والثانوية وهلم جرا.
الاقوال التي ذكرها الاعلام في حكم الخروج من الدار الغصبية الذي توسط فيه بسوء الاختيار او تورط في الحرام بسوء الاختيار وزوال هذه الحرمة يستدعي منه الاستمرار فما حكم هذا المقدار من الاستمرار من الحرام ولو الغاية منه رفع الحرام؟
كما ان مسئلة دخول علي بن يقطين في النظام السياسي او النظام الفكري واللطيف ان يوسع واحد آلية هذه المباحث من امثلة محدودة الى امثلة اكثر فاكثر فلا يعين البحث في مسألة معينة او بيئة معينة او نظام فكري او نظام سياسي معين لان الآليات هي هي وعلم الأصول كما مر بنا مرارا علم لاجل كل العلوم الدينية وليس لخصوص الاحكام الفرعية فضلا عن ان يكون لخصوص الفقه الفردي.
الاقوال في المسألة:
القول الأول: ان الخروج حرام فقط
القول الثاني: ان الخروج حرام بالفعل وواجب بالفعل وهو مختار الميرزا القمي
القول الثالث: ان الخروج واجب بالفعل وحرام بالقوة يعني بحرمة سابقة. يعني يريد ان يفرق بين زمان الحرمة عن زمان الحرام شبيه ما هو موجود في الواجب المعلق مثلا. ان الحكم يسبق زمان المتعلق سواء الوجوب او الحرمة. وهو قول صاحب الفصول
القول الرابع: انه واجب وليس بحرام عكس القول الأول. واختاره الشيخ الانصاري والميرزا النائيني .
القول الخامس انه ليس محكوما بحكم من الاحكام الشرعية وانما محكوم بالوجوب العقلي وحرام بالقوة وليس حراما بالفعل. القوة بلحاظ زمن الحرمة السابقة وسقطت الحرمة لكن عقوبته موجودة.
اختلاف هذه الاقوال بالدقة يرجع الى تشخيص المواد الفقهية التي ترتبط بهذه المسألة. ومن جانب اخر قد يكون الاختلاف بسبب العلاج الصناعي لكيفية توليف هذه المواد الفقهية. فاذا عندنا بعدان بعد المواد الفقهية وبعد الصناعة الأصولية.
اما المواد فهناك اختلاف ان رد المغصوب واجب شرعا او لا؟ فهناك من يذهب الى الوجوب الشرعي شبيه «على اليد ما أخذت حتى تؤدي» وتؤدي يعني واجب الأداء. فوجوب الرد عند جماعة وجوب شرعي دلت عليه أدلة.
في قبال ذلك هناك من يذهب الى ان وجوب الرد ليس الا الرفع للحرمة وهو صحيح. طبعا ان الغاصب ضامن ومسؤول عن الرد لكن هذه المسؤولية عقلية. الحكم الشرعي موجود «لا تغصب» ولا زال هو السبب في رفع اليد عن المغصوب. حتى لو رفع اليد عن العين واتلف العين فلا زال هو سبب للغصب.
ففي الحقيقة ان الرد عبارة عن انتهاء عن الاستمرار في الغصب ومقدمة عقلية واذا ورد دليل في وجوب الرد فإرشاد الى رفع الغصب بالمباشرة او رفع الغصب بالتسبيب اما ان يكون هناك ملاك آخر يختلف عن ملاك حرمة الغصب لا يستفاد من الأدلة ولا من القرائن ولا من الاحكام العرفية. فالرفع ليس الا مقدمة لإزالة وضع اليد ولو بالتسبيب على مال الغير.
أيضا فيه مواد فقهية أخرى سنتعرض اليها في الاقوال الأخرى.
نقطة أخرى في المواد قضية ان الاحكام العذرية على فرض جريانها ولو هنا حسب الفرض هو التورط بسوء الاختيار ولا تجري العناوين الثانوية العذرية ولكن لو افترضنا هنا جريانها مر ان العذر والاضطرار والعجز هل يخصص الحكم الشرعي او انه انما يزيل مرحلة فاعلية الحكم او منجزية الحكم؟ هذا المبحث في نفسه مؤثر في المسألة قبل ان ندخل في تفاصيل الاقوال ومر ان رافعية الاضطرار او العناوين العذرية انما في مرحلة الفاعلية او مرحلة التنجيز وهذا لو كان بحسن الاختيار وليس تخصص الاحكام الشرعية. مر بنا ان المشهور لا يلتزمون بتخصيص الاحكام الأولية بالعناوين العذرية بينما من يلتزم بالتخصيص فعلاج المبحث يختلف عنده بسبب هذه المواد. اذا هذه نكتة أخرى في المواد. فالحكم الفعلي موجود لكن فاعليته ودافعيته غير موجود وهذا لو كان بحسن الاختيار فكيف لو كان بسوء الاختيار لانه معه لا يرفع حتى التنجيز.
جملة من الاعلام او كثير منهم عندهم ان العناوين العذرية اذا كان بسوء الاختيار لا تسقط التنجيز لانها بسوء الاختيار لذلك اختلفت فتوى السيد الخوئي مع السيد الكلبايكاني في النائم لصلاة الصبح هل يجب ايقاظه ام لا؟ السيد الخوئي ما فصل في حسن الاختيار وسوء الاختيار فيقول انه لا يجب ايقاظه لانه ليس مقيما على المعصية. بينما السيد الكلبايكاني يفتي بوجوب الايقاظ حتى لو لم يكن بسوء الاختيار لان الحكم فعلي. هذا المثال من قبيل المسائل التي تعترك فيها المسائل الثانوية والاولية.
المهم انه في موارد الاضطرار بسوء الاختيار القواعد العذرية لا تجري ولكن مع عدم جريانها الكثير ذهبوا الى ان هذه الاعذار يوجب سقوط الحكم في مرحلة الفاعلية ولو لم يسقط في مرحلة التنجيز. فالخطاب غير موجود في موارد الاضطرار بسوء الاختيار لان الخطاب لغو لانه ما عنده قدرة ان يمتثله ولو بسوء الاختيار. فالاضطرار والعجز عن مخالفة الحكم بسوء الاختيار لا يوجب العذر ولكنه يسقط عقلا «لا شرعا» الخطاب وفاعلية الحكم. فالاضطرار كعجز عقلي ولو كان بسوء الاختيار غير رافع للتنجيز لكنه رافع للفاعلية او محركية الحكم وزاجرية الحكم وباعثيته. فاذا الاضطرار بسوء الاختيار عقلا مسقط لمرحلة من مراحل الحكم او مرحلتي الفاعلية وان لم يسقط التنجيز.
البعض قال انه ليس فقط مسقطا للفاعلية بل أيضا مسقط للفعلية ولكن الملاك موجود يعني الفعلية الناقصة موجودة. وان لم يتقيد الميرزا النائيني والسيد الخوئي بهذا الاصطلاح والمفروض انه يلتزم به لينظم البحث.
اذا الاضطرار بسوء الاختيار ليس مجرى للقواعد العذرية ولا يرفع الملاك والفعلية الناقصة لكنه يسقط الفاعلية وقد يسقط عند بعض الفعلية التامة وإن لم يسقط الفعلية الناقصة. فاذا هناك فرق بين الاضطرار لا بسوء الاختيار وهو مجرى للقواعد العذرية كذلك الاكراه والخطأ والنسيان. وقد يرفع واقع الحكم عند النائيني والسيد الخوئي. اما مع سوء الاختيار فلا يسقط التنجيز والعقاب بل انما يسقط مرحلتي الفاعلية وقد يقال يسقط الفعلية التامة دون الفعلية الناقصة. وكذلك الاكراه والنسيان والخطأ.
طبعا في خصوص باب التقية لدينا روايات انه ليس من اللازم تجنب الوقوع في موارد التقية طبعا ان لم تكن في أمور خطيرة كالدم والعرض. هذه لفتة فقهية ان الشارع في بعض الأبواب الفقهية وسع المندوحة والمجال في العناوين العذرية مثل باب التقية. ليس من الواجب عليك ان لا تذهب الى مكان تضطر الى وضوء المخالفين. ففي باب التقية خصوصا مقدمات الوقع في الاضطرار ولو بسوء الاختيار عند الشارع تجري القواعد العذرية. هذا استثناء ولازم ان نلتفت اليه. قواعد العذرية ليست على سواء في جريانها.
اليوم كله في المواد الفقهية والصناعة الفقهية. ففي موارد العناوين العذرية في بعض الأبواب حتى في موارد سوء الاختيار نص على العذر مثل باب التقية في كل الأبواب ما لم تصل الى الدم والاعراض وما شابه ذلك. فضلا عن ما فوقها وهو بيضة الدين وقوام الدين. اما دون ذلك فسح الشارع المجال فليس بضروري ان تطرح الذهاب الى مسجد العامة. حتى في التقية المداراتية أيضا في المقدار المسموح فيها.
كذلك لدينا في باب الطهارة ان الشارع فيها حتى في موارد التقصير لا يريد ان تتجنب بشكل احتياطي عن النجاسة. هو يفسح بابا اللامبالاة الا اذا رأيت النجس بعينه. «كل شيء لك طاهر حتى تعلم النجس بعينه» بعلم تفصيلي لا العلم الإجمالي الا في موارد معينة.
باب الطهارة الخبثية يفسح الشارع مجالا للا مبالاة حتى بسوء الاختيار. وكذلك باب حلية الأطعمة والاشربة «كل شيء لك حلال حتى تعلم الحرام بعينه.» هذا بحث آخر. يعني ان تعمل بالضوابط الظاهرية كاف.
يجب الالتفات ان القواعد العذرية في بعض الأبواب فسح الشارع مجالا حتى لسوء الاختيار. هذا بحث فقهي وصناعة فقهية بحتة.
وامثلة كثيرة في الفقه ودعونا ان نستوعبها غدا. لا نخطأ في الضابطة ونجريها في كل الأبواب بل لابد من ملاحظة المواد الفقهية.