الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/05/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النواهي/ اجتماع الامر والنهي / مسألة الاجتماع وتطبيقها في العلوم الدينية

 

بقي في بحث اجتماع الامر والنهي اذا كان التوسط في الدار الغصبية او التورط في الحرام عموما بسوء الاختيار فيقع الكلام في حكم الخروج واذا اردنا ان نستبدل عبارة أوسع منها نقول: اذا توقف ترك الحرام على ارتكاب نفس الحرام. يعني هو تورط في الحرام بسوء الاختيار واراد ان يتوب منه لكنه لكي يجتنبه يستلزم ان يرتكبه مقدارا ما زائدا على ما كان عليه. فما هو حكم هذا الارتكاب؟

بالدقة هذا مثال والا ليس البحث منحصرا فيه كما مر بنا ان نستطيع عناوين كثيرة من أبواب الأصول لعناوين جامعة لبحوث في العلوم الدينية كما نستطيع ان نعبر عن اجتماع الامر والنهي باجتماع الحق والباطل او اجتماع الثواب والخطأ. فاذا بحوث علم الأصول منهج فكري او منهج نظمي للعلوم الدينية لا انه مختص بالفروع. فلا ينحبس واحد في هذا المثال او مثال كلي في الفروع بل هو يصلح ان يكون مثالا في كل العلوم الدينية.

مثلا استبصر واحد وكان ذو شأن ورجل دين او خطيب لكي يتمكن من ارعواء عن الضلالة التي كان يبلغها ويدعو الناس اليها متوقف على انه يستمر في الدعوى للضلالة كي يتمكن من ترك هذا المجال. اما لو يتركها فجأة لا يتمكن لسبب او لآخر. حكم هذا المقدار الزائد الذي يرتكبه من المعصية سوا العقائدية او فرعية او اجتماعية او فردية كي يتسنى له ترك الحرام وكان بسوء اختياره ما هو؟ اذا بحث عام و جدا مهم.

فهنا تتعد الاقوال

القول الأول: ان هذا المقدار الذي يرتكبه حرام وليس واجبا.

القول الثاني الذي ذهب اليه الميرزا القمي وبعض العامة ان هذا المقدار من ارتكاب الحرام هو حرام وواجب. حرام وواجب فعليان. حرام لانه معصية وواجب لانه يجب رد المغصوبة فملاك الوجوب موجود فيه.

القول الثالث: ذهب اليه صاحب الفصول انه واجب بالفعل وحرام بحرمة ساقطة سابقة يعني بالنهي السابق. واجب فعلي ولكنه ليس حراما فعليا ولكن يعاقب عليها بسبب سوء الاختيار. اذا فرق القول الثالث مع الأول هو انه في القول الأول هو حرام بالفعل وليس واجبا والقول الثاني حرام بالفعل والقول الثالث واجب بالفعل وليس حراما بالفعل لكن آثار الحرام موجودة كالعقوبة وانما الحرمة سقطت للعجز عنها.

القول الرابع ذهب اليه الشيخ الانصاري والميرزا النائيني هو واجب فقط من دون حرمة لا ساقطة ولا تقديرية ولا فعلية.

القول الخامس ان الخروج لا يحكم عليه بحكم فعلي شرعي فلا حرمة فعلية ولا وجوب فعلي بل حرمة شرعية تقديرية اقتضائية وملاكها موجود وانما هناك وجوب عقلي لا شرعي.

ربما يقال قول سادس او سابع وهذه التشقيقات والحيثيات بين الاعلام فيه اختلاف. لان الحرمة قد تكون موجودة عقلية والوجوب شرعي مثل ما يقال نظريات في كيفية تصوير الحكم العقلي او الشرعي في هذا الخروج متعددة وكما مر ان هذا ليس حكما خاصا لمثال التوسط في الدار الغصبية بسوء الاختيار والخروج منها.

منشأ هذه الاقوال

احد مناشئها: عبارة عن الاختلاف بين الاعلام في تشخيص المواد الفقهية

هذه المسألة نفسها معركة آراء وهذا البحث في مطلق التورط في الحرام بسوء الاختيار وتركه يتوقف على ارتكاب مقدار محدود مزيد من الحرام. فما هو حكم هذا المقدار المزيد من الحرام كمقدمة لتجنب الحرام.

المنشأ الآخر: هو الصناعة الفقهية.

المنشأ الثالث: الصناعة الأصولية.

الصناعية الأصولية تعني الهندسة وهي ترتيب والنظم للقواعد الاصولية في الاستنتاج. هذه هي معنى الصناعة. كالصغرى والكبرى وترتيبهما ومعرفة الوسط والموضوع. فالهندسة شيء غير مرئي بالذات بل مرئي بالتبع وكذلك الصناعة الفقهية هي الترتيب ونظم المواد الفقهية او القواعد الفقهية في الاستنتاج.

فاذا يلاحظ اختلاف الفتاوى بالدقة إما في الاختلاف في المواد الفقهية قد يكون بينهما عموم وخصوص من وجه او الاختلاف في الصناعة الفقهية وترتيب المواد او الاختلاف علاوة على ذلك او بدون ذلك في الصناعة الأصولية وكيفية تنظيم القواعد وعددها.

لاحظوا مثالا آخر كمن يشرب المخدرات واذا يتركها فجأة ربما يوجب سكتة دماغية وموت فلابد ان يستمر بشكل تنازلي فما هو حكم هذا؟ كالتدخين اذا اضرّ ضررا معتدا به وتركه يوجب اضطرابات عصبية قلبية. فهذا التورط في الحرام اذا أراد ان ينقلع عنه في كثير من الموارد يستلزم مقدار مزيد بنحو معين كي ينقلع عنه بتاتا فما هو حكم هذا المقدار المزيد؟

طبعا نفس مبحث اجتماع الامر والنهي او الضد فيه مسائل ابتلائية كثيرة في هذا العصر. مثلا العمل الأمني يستلزم ارتكاب المحرمات او فقه الطب لكي يصبح الانسان طبيبا لابد من الخوض في البيئة الطبية سواء من جهة التشريح او الاختلاط. طبعا هذا ليس مثال سوء الاختيار وقد يكون بحسن الاختيار. المقصود ان هذه الأبحاث قد يتسع بارتكاب الحرام مع الوجوب. وان كان بسوء الاختيار المسألة اكثر تعقيدا. وسيأتي حكم الصلاة اثناء الخروج الذي هو كان دخوله بسوء الاختيار.

هذا في الجملة مر بنا بحث الصلاة في الجملة. فهذه الاقوال اول اختلاف فيها هو المواد. ان هذا الخروج فيه عنوان وجوبي وهل هو واجب؟ وهل فيه عنوان حرام ام لا؟

المفروض ان عنوان الحرام مقرر باعتبار انه تورط في الحرام والان يتوقف تجنبه عن الحرام ارتكاب مزيد من الحرام. ولا ريب في وجود الحرام من اصل الدليل للحرام واطلاقه شامل للتصرف في الدار الغصبية لاجل الخروج. اتفاقا في بحث الحدود أيضا ان اللص المعتدي او غير اللص كمن اقتحم دارا معتديا فهل في اثناء الخروج هو محارب ام لا؟ دخل في دار الغير وحريم الغير فخروجه عدواني لكن هذا العدوان مآله الى التجنب من الحرام. لكن كونه تجنبا من الحرام مآلا لا يخرجه عن دليل الحرام لانه تصرف في دار الغير. فخروجه وجود في حريم الغير وامن الغير. هذه مادة فقهية.

لكن البعض استظهر انه في حال خروجه ليس عدوانا ولو لازال في الأرض لانه قاصد للكف عن اقتحام دار الغير. هل هذا المقدار يخرجه عن الحرام؟ لا يرتفع عنه عنوان العدوان.

من جانب الوجوب أي مادة من الوجوب في البين؟ مادة الوجوب في خصوص الدار الغصبية هو وجوب رد الشيء الى مالكه. «على اليد ما اخذت حتى تؤدي» حتى يرده اليه فالرد واجب. فهنا مادة الوجوب. البعض قال وهو الصحيح ان هنا الوجوب ليس شيئا وراء حرمة الغصب. وجوب الرد يعني اقطع الغصب لا ان الرد له ملاك وجوبي ومصلحة وجوبية.

كثير من الاعلام قالوا انه في البين الا ملاك الوجوب وليس ملاك الحرمة موجودا. وهو عجيب. بل بالعكس انه ليس ملاك الوجوب موجودا.

لتوضيح هذه المادة الفقهية ذكروا في اول الأوامر في دلالة الامر على الوجوب او دلالة النهي على الحرمة وحتى مبحث الضد ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده والنهي عن الشيء يقتضي الامر بضده لكن هذا الاقتضاء لا يعني ان الحكم الثاني التبعي الالتزامي حكم اصيل في الجعل والانشاء وله ملاك آخر بل هو تبعي واشبه بشيء بالحكم الغيري المقدمي وان هو غير الحكم الغيري. لان الامر بالشيء اصالة يقتضي النهي عن ضده تبعا لكن لا لمفسدة في الضد لذلك ليس حكما اصيلا وانما لنفس الملاك في الصلاة الواجبة.

كذلك اذا كان النهي عن الخمر واكل الميتة يقتضي الامر بضده يعني ان الامر والوجوب ليس عن الملاك في نفسه وليس متأصلا في الجعل. وانما هو من تداعيات ما هو مجعول اصالة ومن لوازمه وتوابعه. اذا لا يمكننا ان نتعامل معه معاملة الحكم المستقل الحقيقي. اذا التفتنا اليه فنلتفت الى ان «لا يحل مال امرء ...» يعني حرمة الغصب والغصب فيه المفسدة ووجوب رده ليس شيء وراء حرمة الغصب وليس له مصلحة. الوجوب عبارة عن وجوب جعل ملك الغير تحت سلطنته. والحال ان جملة من الاعلام ذهبوا الى ان ملاك الوجوب عندنا موجود كانما الوجوب اصيل وبعضهم افرطوا وقالوا ان الوجوب موجود والحرمة ما موجودة.

تحصل في هذه الموارد النوعية ان المادة الاصلية الموجودة لدينا ليس الا واحدة وهي مادة الحرمة تكليفا وملاكا واما الوجوب شيء تبعي. وانما يلتزم به من باب الحكم التبعي وليس فيه ملاك.

لتوضيح هذا المطلب اكثر في المواد بالتالي الشيءالاصلي هو الحرام مثل حرمة الإفطار في الصوم. في الصوم الوجوب اصيل مع ان الوجوب متعلقه الترك طبعا الصحيح مع اتفاق الاعلام خلافا من السيد الخوئي ان في باب الصوم عندنا حكمان وجوب الإمساك وحرمة الإفطار للمفسدة ويترتب عليه كفارة. ولو السيد الخوئي يصر انه ليس لدينا حكمان وفقط وجوب. بل عندنا حكمان فمن ثم لو عصى ولم يصم كل ما يفطر يرتكب حراما. فاذا يجب ان نلتفت الى ان صياغة الجعل اصالة هو الوجوب او الحرمة.

هذه مواد فقهية وصحيح لكن فيه غفلات حتى من الكبار وسلامة المواد الفقهية في الاستنباط جدا مهمة ويسمونه تدقيقا ومحاسبة. لاتأخذ شيئا مسلما ولابد من الفحص. هذا البحث لازال له تتمة في المواد وان شاء الله نواصله بعد التعطيل