46/05/10
الموضوع: النواهي/ اجتماع الامر والنهي/ تشابك الصناعة الفقهية والاصولية مع مسألة الاجتماع
كان الكلام في صور الاضطرار في الدار الغصبية ومر ان هذا البحث ليس مختصا بالصلاة في الدار الغصبية وانما هو تمرين على اشتباك الصناعة الفقهية مع الصناعة الأصولية في موارد الوجوب والحرمة او موارد الواجب والحرام. بل حتى مر بنا انه ليس مختصا بالفروع بل يشمل الفقه الفردي والفقه السياسي والفردي الأمني بل يشمل الاعتقادات وما شابه ذلك.
فاذا هذا بحث موسع وليس بحثا في خصوص هذه الفروع المذكورة. فالانطلاق من الفروع اليسيرة لتنقيح الفروع الكبيرة او المسائل الكبيرة.
اغلب الاعلام مثلوا مثالا في باب الدفاع يبحث في باب الجهاد ويبحث في باب الحدود ويبحث بعضهم في باب الامر والنهي عن المنكر الا ان البحث في باب الجهاد المقصود به الدفاع المجتمعي كفقه اجتماعي وسياسي وبحثه في باب الحدود غالبا يركز على الفقه الفردي والا هو مبحث واحد ضوابطه اجمالا مشتركة ومتكررة وله أيضا ضوابط مشتركة بباب ثالث وهو باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر. غالبا وكثيرا مسألة واحدة تبحث في أبواب متعددة وزوايا متعددة ولان الفقهاء بحثوه في أبواب متعددة يكتفون بباب واحد عن تنقيح بعض الزوايا وليست هي النتيجة النهائية لهم وكانما نتيجة اقتضائية. يبحثون في باب ثاني من زوايا أخرى وربما يذكرون النتيجة المحصلة في باب آخر. هذه نكتة جدا مهمة ان بحث الفقهاء في الكتب بحث اقتضائي والاقتضائي بمعنى عديدة اما النتيجة المحصلة والفعلية تجدها في مكان آخر. طبعا هذا يؤثر على كثير من الفضلاء بل المراهقين او المتجزئين او الفقهاء لكن دأب الفقهاء لا سيما في العقائد بحث حيثي. مر بنا الاقتضائي او الطبعي او الحيثي. يمكن ان يظن ظان ان هذا البحث فعلي قول مطلق وهذا اشتباه. هذا المطلب التفات علمي رائع من الفقهاء ان غالب الاحكام اطرها ومعادلاتها اقتضائية. أصلا مبحث اجتماع الامر والنهي مبحث في كيفية توليف اقتضائيات الاحكام. هذه عبارة أخرى عن البحث بالدقة. وأيضا مرت بنا عناوين متعددة وتلتفت الى كيفية تطبيق هذا المبحث في أبواب وعلوم دينية متعددة ومن عناوينها قاعدة الجمع مهما امكن أولى من الطرح من توليف التعارض. فكثيرا ما ليست الاحكام المشرعة في بيانات المشرع ليس فعليا بقول مطلق بل يمكن ان يكون حيثيا او اقتضائيا او طبعيا.
وكثير من الإشكالات على الفروعات الدينية من الحداثويين او غيرهم سببه انهم يظنون ان الحكم فعلي بقول مطلق او يطبق هذا الحكم بدون رعاية احكام أخرى وضوابط أخرى. جلست مع ثلة من أساتذة دكترى قبل اقل من سنتين وكل منهم خرج له عشرات خريجين فاستشكل على احكام موجودة في الفقه الجعفري. قلت لهم انكم لا تلتفتون وظننتم ان هذا الحكم لا يتغير وهو نهايته والحال انه يضم اليه الحكم الآخر او الثالث او الرابع. قلت ان الفقهاء لا يجمعونها في مكان واحد لانهم كانوا يستخدمونها مثل الادوية ولا يمكن ان تستخدم دواء واحد بدون أي شيء من المصلحات وربما ثلاث ادوية تجمع مع بعضها البعض وتداوي بها المريض. هي اقتضاءات. لذلك توصية صاحب الجواهر وكاشف اللثام والسيد الكلبايكاني ان لا تغتر بكلام الفقهاء في مكان واحد بل لابد من الفحص من زوايا أخرى من كلامهم.
مر بنا مثال ابن زنا وظاهر كلمات الفقهاء في عشرات من الأبواب انه ليس ابنا وفي باب واحد يصرحون ان مرادنا من انه ليس ابنا يعني لا تترتب عليه آثار شرعية والا هو شيء تكويني وتكوينا ابنه. طبيعة الاحكام هكذا ولها زوايا عديدة. هنا مبحث التوسط في الدار الغصبية نوع من التمرين من الفقهاء من اشتباك الصناعة الأصولية والفقهية كي تخرج زاوية أخرى. باب القضاء ايضا هكذا وباب السياسة اكثر تعقيدا وعليه ان يلاحظ زوايا عديدة.
من ضمن الأمور التي ذكرها الاعلام في هذا المقام انه لو اضطر الى التوسط في الدار الغصبية لا بسوء الاختيار او غفلة تتبعها الاضطرار يعني بعد التفاته يكون مضطرا الى ان يخرج. ولو تبدل الموضوع لكن تبدل الموضوع من موضوع عذري الى موضوع عذري آخر. والاحكام تختلف بين الاضطرار وعذرية الجهل. المهم تختلف ولابد من الالتفات. ثم هذا الذي اضطر لا بسوء الاختيار بالحرام اذا امكنه ان يتخلص من الحرام ليس له ان يمكث ويصلي بذريعة الاضطرار ويجب عليه ان يسارع برفع اليد عن الحرام. ولو فرضنا في هذه الصورة «صورة الاضطرار لا بسوء الاختيار مع تمكنه من رفع الاضطرار» تارة متمكن من الصلاة خارج المكان فيأخر الصلاة الى ان يخرج من الدار الغصبية وتارة الوقت ضيق فيجب ان يصلي موميا وهو في حالة الخروج جمعا بين وجوب الصلاة وحرمة الغصب. لان مكثه زيادة فلابد ان يتخلص بالحركة نحو الخروج ويمكن الجمع مع الصلاة وان كان السكون من شروط الصلاة لكنه ليس شرطا ركنيا في الصلوات الواجبة. ركن اركان الصلاة بعد النية في الصلوات الواجبة هو القيام. فهو قائم يكبر ويصلي مؤميا. لان الضرورات تقدر بقدرها. هذا في كل صور الاضطرار لا بسوء ءالاختيار ولابد من الالتفات الى انها حيثيات متعددة أصولية وفقهية يجب ان يلتفت اليها الانسان.
الجانب الاخر والفرض الاخر: لو كان الاضطرار بسوء الاختيار ماذا؟ حينئذ فهنا تارة هو متمكن من رفع اليد عن الحرام فلا موجب لسقوط الحرمة فلابد من ان يمتثل الحرمة ويترك المكان. وتارة لا يتمكن من رفع التصرف الغصبي. في البداية كان متمكنا لكن بعد ذلك لا يكون متمكنا. فما حكم صلاته؟ هنا اذا قيل السجود تصرف وتتحد مع الحرام فلازم عليه ان يصلي لكن يؤمي بدل السجود بالتالي لاتترك الصلاة بحال وان قارن التصرف بالحرام. اما لو افترضنا ان الصلاة هنا متحد مع الغصب والحرام منجز ولا يمكن رفع اليد عن الحرام فلا تصح الصلاة. لان الحرمة منجزة فلابد عليه من قضائها. لا يمكن ان يأتي بما هو مبغوض. الحرمة ساقطة خطابا ولم تسقط عقوبة وملاكا. فالصلاة حينئذ صحتها مشكلة وعليه القضاء.
لو كان بامكانه رفع العصيان وعدم التصرف ففيه شقان. في حكم الخروج في نفسه عن الدار الغصبية وهل يمكن ان يصلي اثناء الخروج؟ طبعا اذا كان متمكنا من الصلاة خارج الدار بلحاظ مندوحة الوقت فالواجب له افراد بدلية اختيارية فعليه ان يصلي خارج الدار. اما اذا لم يكن له المندوحة فبحث ثاني.
فالبحث الأول في حكم الخروج في نفسه. معركة اراء وهذه ليس خاصا بالدار الغصبية وهو مرتكب بارتكاب الحرام الذي مقدار منه اضطرار بسوء اختياره ومقدار منه ليس باضطرار
هذه الاقوال اختلافها بسبب تشخيص المواد الفقهية واستنباطها انه كم مادة وحكم فقهي موجود وجانب آخر كيفية تطبيق القواعد الأصولية مع هذه المواد الفقهية وجانب آخر في تناسب الموازين والصناعة الفقهية مع الصناعة الأصولية وعندما يشتبك كيف يتم توليفها. هذا نوع من التمرين في الأبواب المختلفة في تشابك الصناعة الفقهية مع الصناعة الأصولية مع المواد الفقهية.
الكلام في شخص توسط الدار الغصبية بسوء اختياره والان بامكانه ان يرفع اليد عن الغصب والكلام في كل المحرمات سواء الفردية او المجتمعية او العقائدية.
لا بأس ان اذكر هذا المثال العقائدي في نفس المبحث. اذا تيقن الانسان سوء عاقبته العياذ بالله عقلا او شرعا فهل يسوغ له المزيد من العناد والعصيان؟ احد اشتباهات الانسان وتسويلات ابليس هو هذا. ما دام حكم عليه بان يدخل في النار لا يمكن ان تسوغ ان تزيد بالعصيان والعناد. لان القبيح هو القبيح والسيء هو السيء. لا معنى ان يرتكب المزيد من العصيان بالعكس اذا يخفف الانسان من سوء علاقته مع الله تبارك وتعالى وان يكن توبة لكن اقل من ان يعاند اشد فاشد. فتطبيق هذا البحث ليس خاصا بالفروع.
مثلا صار خطأ سياسي عند حاكم سياسي لا اقل لابد من يخفف من السلبيات. لذلك في اختراق الانظمةالاخرى وتولي ولاية الجائر وهو يعني استراتيجية الاختراق في كل الأنظمة في البلاد الإسلامية او غيره. اذا لا تستطيع ان تزيلها فلا اقل خفف من السوء والشر ونفس هذا مطلوب. لا تقول مادام هو شر فنتركه. لذلك في علم الإدارة ربما لا يمكن ان يدير الأمور كلها فلابد ان يدير ولو خطوة واحدة ويصلحها. هذه هي مبحث اجتماع الامر.
في مثال الدار الغصبية العقل يحكم ويلزم بتخفيف العصيان والحرام حتى عند السيد اليزدي مثال آخر اذا اضطر شخص ان يصلي في الثوب النجس لكن يستطيع ان يخفف من النجاسة فالسيد يفتي بوجوب التخفيف والميرزا النائيني هكذا. او مثل سلس الريح وسلس البول فوضوءك قبيل الصلاة ملاصق للصلاة تخفف من الحدث الأصغر وهذا معنى طبقات جهنم. ليس كلها في ظلم واحد بل ظلمات والنور أيضا طبقات. هذا منطق تخفيف الحرام.
اذا توسط شخص في الدار الغصبية ما هو حكم خروجه اقوال متعددة. قول يقول هذا حرام بالفعل ويعاقب عليه مع ان العقل يحكم بالخروج. القول الآخر اختاره الميرزا القمي ان الخروج واجب لان التخلص وا جب وحرام لانه تصرف في دار الغير وكان باختياره. فحرام وواجب. حرام عقوبة وخطابا.
لاحظ في هذه المسألة ان الاعلام بنوا على ان المرحلة من الحكم قد تسقط وهي مرحلة الفعلية التامة ولكنك التنجيز لا يسقط والفعلية الناقصة او الملاك لا يسقط. هذه ظاهرة من ظواهر الحكم الشرعي. ان المرحلة المتوسطة تسقط لمحذور من دون سقوط مراحل لاحقة لها المترتبة عليها ولا مراحل سابقة.
بعبارة أخرى ان هذا البحث كتمرين على ان الاحكام مترقصة بلحاظ المراحل يعني مثل الزئبق قد يفقد المرحلة ولا يفقد المرحلة السابقة واللاحقة. بعضهم يقولون ان الفعلية والخطاب غير موجودة لكن التنجيز موجود. فهذا البحث في الحقيقة تسليط الضوء على مراحل الحكم انها مرنة. وهل هناك فرق بين الاحكام الوضعية والتكليفية هنا بحثوه.
المهم ان هذا البحث ليس خاصا للصلاة في الدار الغصبية. فلا تسارع بالقول بالسقوط بقول مطلق.