الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/05/09

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: النواهي/ اجتماع الامر والنهي / تطبيقات مسألة اجتماع الامر والنهي في العلوم الدينية

 

صور تشقيقية كثيرة متداخلة كالاضطرار بسوء الاختيار وحسن الاختيار واجمالا هناك عناصر تنقح المطلب.

ما ذكره الميرزا النائيني من الفذلكة اجمالا كبرويا تثبت موارد أخرى لكن في خصوص المورد بناء على الامتناع ووجود الحرمة فضلا عن الجواز لا يوجب تخصيص الواجب وليس من باب التعارض وانما هو من باب التزاحم الاقتضائي. فاصل فكرة تقييد الحرمة للواجب بناء على الامتناع على مبنى مدرسة الميرزا النائيني والسيد الخوئي وتلاميذهما اما على مسلك المشهور تزاحم من نمط آخر وهو التزاحم الاقتضائي يعني ان اصل الفعلية موجودة ولو لم يكن فعلية تامة. طبعا هذا يعتمد على التدقيق في مصطلح الفعلية التامة والناقصة.

عندنا مرحلتان: فعليتة تامة وفعلية ناقصة كما ان الفاعلية عندنا مرحلتان الناقصة والتامة وعندنا التننجيز. التفكيك بين هذه المراحل.

من باب استذكار هذا المطلب ان الفعلية الناقصة هي كما يعرفها صاحب الكفاية هو الحكم الفعلي من قبل المولى يعني موضوعا جزئيا وانحلال الانشاء الكلي الى الفرد الجزئي فهو حكم فعلي من قبل المولى وملاكه موجود والموضوع الجزئي موجود والإرادة التشريعية من قبل المولى موجودة أيضا ويعبر عنها الفعلية الناقصة.

الفعلية التامة هو الحكم الفعلي من قبل العبد أيضا. بحيث يستقبل العبد هذه الإرادة التشريعية من المولى وعنده إمكانية وارضية ان يستقبل هذا الحكم وهذا الإرادة.

طبعا هناك تلازم بين الفعلية التامة ومرحلة الفاعلية الناقصة وان لم تكن المرحلتان واحدة وفي كلام كثير من الاعلام دمج المرحلتين وهذا ليس بصحيح. والتفكيك لآثار في أبواب عديدة نذكر بعضها.

الفعلية التامة تلازم الفاعلية الناقصة وان لم تكن هي عينها. الفاعلية الناقصة يعني المحركية ودافعية الحكم وتدفعه ولو عند الاحتمال ولو لم يحصل العلم عند المكلف. هذا المقدار من التحريك الناقص يعبر عنه الفاعلية الناقصة. هذا طبعا باصطلاح المحقق العراقي.

فالفعلية التامة تلازم الفاعلية الناقصة بمعنى ان المكلف يستقبل الحكم وبالتالي يحصل له العلم بمعنى التصور والاحتمال «التصور درجة من العلم ولما يقال ان العلم حجيته ذاتية يشمل التصور في آثار التصور وهذا مبحث مهم في الحجج أشار اليه الاعلام فالتصور حجة ولا اقل حجة اقتضائية» يبدأ الحكم ان يحرك وله باعثية ودافعية ولو بنحو ناقص واذا حصل له العلم التصديقي ففاعلية الحكم تكون قوية وتامة.

أيضا قالوا ان الفاعلية التامة تلازم التنجيز وليست عين التنجيز. فاذا الفعلية التامة تلازم الفاعلية الناقصة والفاعلية التامة تلازم التنجيز. هذه التنقيحات واربع مراحل قسم منها من صاحب الكفاية وقسم منها من المحقق العراقي وبقية الاعلام دمجوا وخلطوا بينها.

اذا في مراحل الفعلية والفاعلية عندنا اربع مراحل او خمس الفعلية الناقصة والتامة والفاعلية الناقصة والتامة والتنجيز.

التفكيك بين هذه المراحل مهم. مثلا مشهور القدماء في «رفع القلم عن الصبي» ذهبوا الى انه رفع الفعلية التامة وان لم ترفع الفعلية الناقصة وكذلك المجنون بل حتى ربما يقال ان النائم أيضا هكذا ويترتب عليه القضاء. بينما في القواعد الست كالاضطرار والحرج والاكراه والنسيان والخطأ والبراءة رفع التنجيز. فلاحظ ان القواعد او الأدلة التي تشترط في الاحكام قيد شرعي في الفعلية التامة وليس قيدا في اصل الفعلية الناقصة بينما مشهور المتاخرين جعلوا البلوغ قيد الفعلية الناقصة يعني انه بدون البلوغ لا تتحقق الفعلية الناقصة لذلك الأصل عدم مشروعية عبادات الصبي الا ان يأتي دليل مثل «مروا صبيانكم بالصلاة» خلافا لمشهور القدماء لان الفعلية الناقصة ليست مرفوعة.

فالدليل الآخر التي يتصرف في الأدلة الأولية يجب ان تلاحظ انها تتصرف في أي مرحلة من مراحل الحكم ومر بنا ان كل مرحلة من مراحل الحكم لها عدة أسماء. مثلا التنجيز يعبر عنه مرحلة الخطاب او مرحلة الفاعلية التامة أيضا يعبر عنه الخطاب بينما الميرزا النائيني والسيد الخوئي واغلب تلاميذهما جعلوا الخطاب اسما لاصل الفعلية الناقصة والتامة وهذا ليس صحيحا لانه يسبب الخلط بين مرحلة الفعلية والفاعلية والتنجيز فتمييز أسماء كل مرحلة مهم. فكل مرحلة لها اسم.

مثلا النسخ وعدم النسخ والحكم المنسوخ اسم لمرحلة الثانية من المراحل الانشائية. عند القدماء كما مر بنا ان التخصيص ليس محوا للحكم في المرحلة الأولى من العام المخصص وانما تصرف في المرحلة الثالثة من المراحل الانشائية. هذه طبقات الحكم ولها دور.

بينما على مسلك المتأخرين لا سيما مسلك الميرزا النائيني عندهم النسخ تصرف في المرحلة الأولى ومحو مع انه التزم في اجتماع الامر والنهي ان التخصيص ليس محوا وهذا جيد ومر بنا. قال ان الملاك موجود وان كانت القواعد الثانوية مخصص.

وحتى كل مرحلة لها خصوصيات وزوايا وبالممارسة يمكن الالتفات وبعد مرحلة التنجيز تجيء مرحلة الامتثال. مثلا عند القدماء ان «لاتعاد» تتصرف في الامتثال خلافا للميرزا النائيني انها تتصرف في مرحلة الانشاء. بعد ذلك تأتي مرحلة احراز الامتثال وقاعدة التجاوز والفراغ تتصرف في المرحلة الأخيرة.

نلاحظ ان القواعد الشرعية تتصرف في الأدلة الأولية في مراحل وليست في مرحلة واحدة. فاحراز الامتثال احكامها تختلف عن احكام اصل الامتثال. باب منجزية العلم الإجمالي والبراءة كلها ترتبط بمرحلة احراز الامتثال والامتثال والتنجيز. بينما مباحث الحجج في المراحل الأولى الى تصل الى ما قبل التنجيز.

مثلا الحكم الظاهري يتصرف في التنجيز ومر بنا مرارا في بحث أصول القانون ان العلاقة بين قاعدة وقاعدة او دليل ودليل والنسبة تقع في أي مرحلة من مراحل الحكم الاولي وتشخيصها مهم. تشخيص منطقة التصرف مهم وتترتب عليه آثار كثيرة.

نرجع الى كلام الميرزا النائيني وان مبناه نتيجة الامتناع تقييد بناء على مبنى انه على الامتناع يكون التعارض يعني التصرف والتكاذب في مرحلة الانشاء لا اقل في الثالثة. فعلى أي تقدير فهو الميرزا النائيني يبني على ان الامتناع تصرف في المرحلة الثالثة الانشائية بينما ا لمشهور يقولون انه لا يكون تخصيصا ولا تقييدا بل انما هو تنافي بين الحكمين في المرحلة الفعلية التامة لا في اصل الفعلية الناقصة. بناء على الامتناع وبناء على ان المجمع وجود واحد ليس التنافي في الفعلية الناقصة بل هو في الفعلية التامة. والملاك يحرز بالفعلية الناقصة. والمشروعية أيضا تحرز بالفعلية الناقصة.

رغم ان مشهور القدماء يقولون ان الأدلة الأولية والفعلية الناقصة لها شاملة للصبي حتى الرضيع لذلك عندنا استحباب الحج بالأطفال الرضع. فالعمل مشروع في حقهم. غاية الامر الفعلية التامة ليست في حقهم. من ثم الأدلة تفصل بين الطفل الذي بلغ عشرا ولم يبلغ عشرا والطفل المميز وغير المميز.

رغم ان مشهور القدماء يقولون بمشروعية الاحكام لغير البالغ الا انهم لا يقولون بإجزاء فعل الصبي ولو كان مراهقا في الصلاة الاستيجارية او الصلاة على الميت مع انه مشروع. فيه سبب لتفسيره. المهم ان احكام الصبي بحث منظومة كاملة عند بحوث الاعلام.

على أي حال رغم انهم يقولون بمشروعيته والملاكات الا انه لا يجزئ عن البالغين ولا عن نفسه كما لو حج مراهقا وبلغ يوم العيد ويقولون لا يفيد. فتعبير حجة مندوبة. كذلك في امام الجماعة والتقليد منه.

هذه النكتة عند المشهور عدم وجود الفعلية التامة يسبب الخلل في الملاك كذلك في المجنون مع ان مشروعيتها موجودة. اذا لابد ان نميز المراحل. ما ذكره الميرزا النائيني في اجتماع الامر من ان دليل الحرمة يقيد ويتصرف في المرحلة الثالثة الانشائية غير صحيح مع مسلك القدماء ونحن على وفاق القدماء.

اما ما قاله الميرزا النائيني واعتمد على كبرى وهي تبعية الدلالة الالتزامية في الوجود لا في الاعتبار والحجية وسوف ندخل في هذا المبحث كاملا ويحتاج الى بيان نقاط ونكات من علم البلاغة مع نكات أصولية. علم البلاغة لا سيما علم المعاني وعلم البيان جدا مؤثر لمباحث الالفاظ في علم الأصول ومر بنا ان مباث الالفاظ في علم الأصول توسعة لعلم البلاغة كما ان الحجج في علم الأصول توسعة لتطبيقات علم الكلام في الفقه او في العلوم الدينية. يعني يمكن ان يكون شرحا لعلم الأصول.

السيد الخوئي خالف استاذه في هذه الكبرى ان الدلالة الالتزامية تتبع الدلالة المطابقية دائما وجودا واعتبارا.

على كل ما بنى عليه الميرزا النائيني والسيد الخوئي هنا ان التخصيص ليس بضروري ان يقيد الملاك شيء مهم وجيد وهو مبنى القدماء. ولكن الان هذا الاعتراف شيء جيد ان التخصيص لا ينفي المشروعية. هذه ظاهرة مهمة في أصول القانون وصرح بها الميرزا النائيني ويتبناه القدماء

ظاهرة أخرى في أصول القانون ان ارتباط القواعد الثانوية مع الأدلة الأولية في التخصيص او غيرها ليس على نسق التخصيص بين الأدلة الأولية. هذه ظاهرة مهمة في علم أصول القانون.

المهم فيه شقوق وصورومداخلات بين الصور وهي عبارة عن التدقيقات والا اصل البحث هو هذا. لذلك نبدأ الحديث ان شاء الله في الجلسة القادمة في سوء الاختيار وامس مر بنا نستطيع ان نجعل من مسألة اجتماع الامر والنهي مسألة مرتبطة بفلسفة التشريع واصول القانون والبحوث الثقافية في الشريعة. معنى اجتماع الامر يعني الحق والباطل والخطأ والثواب ان وجود الملف الباطل لا ينفي الملف الثواب ووجود الثواب لا ينفي ملف الخطأ. لا افراط فيهما ولا تفريط فيهما. اصل الفكرة في مسألة اجتماع الامر والنهي هي هذه. يعني لا تظنون ان المسائل الأصولية في الفروع الفقهية فقط بل تطبق في كل العلوم الدينية حتى علم الكلام. تطبق على فقه العسكري وفقه الأمني والاولويات. أليس من وظيفة الفقه الشرعي بيان أولويات الدنية والمعيشية الأولى في كل زمان وكل عصر. هذا هو بحث التزاحم. ما هي الأولويات في كل زمان واوان اما بحسب الأهمية بحسب الزمان او بحسب الشريعة. وهلم جرا في العلوم الدينية. تطبيقات المسائل الأصولية ابدا ليس منحصرا في الفقه الفردي ولا على فقه الفروع. بل تطبق على فقه السياسية والأمني وهو اهم عند الشارع. هيمنة المؤمنين اهم من الفقه الفردي. بل الايمان اهم من الاعراض والدماء. هذه الأولويات المفروض ان الحوزة العلمية تحددها وتبينها لانها أمور خطرة. علم الأصول ليس منحصرا تطبيقه في الفقه الفردي. بل علم العقائد. فروع الخلل اهم من بحوث العقائد. نعم لا تفريط ولا افراط. اهتم بالمهم لكن لاتجعله ركن الأركان. علم الأصول عبارة عن منطق العلوم الدينية كلها بالبرهان وبالممارسة من الاعلام. وتطبيقه في الأصول اهم من التطبيق في الفروع.