46/05/04
الموضوع: النواهي/ اجتماع الامر والنهي/الرفع في القواعد الست في الحديث
كان الكلام في صورة الاضطرار وهي صور عديدة وهي نوع من التدريب لزوايا القواعد والا أهمية هذه المسائل ليست بقدر أهمية تداخل القواعد والضوابط في الاستنباط انه كيف يمارسها المستنبط. يعني انها للتنبيه على ان عملية الاستنباط ليست عملية من زاوية واحدة يعني ان المبتدأ دائما في تعلم الاستنباط ربما يظن انه اذا نقح زاوية واحدة فتم الاستنباط وهذا ليس بصحيح. غالبا ان الاستنباط يتم من زوايا عديدة ولابد من التوفيق بينها. فهذه الصور في هذه الجهات.
كنا امس في ان حديث الرفع والقواعد الست عند مدرسة النائيني او متاخري الاعصار الى الوضع الراهن يفرقون بين الرفع في قاعدة البراءة وبين خمس قواعد ان الرفع فيها ظاهري وهناك واقعي لكنه عند المشهور رفع واحد واقعي ومن سنخ واحد وهو رفع العقوبة. من ثم التعبير بالظاهري في البراءة ليس من جهة المحمول بل من جهة الموضوع انه الجهل وقد ينكشف الخلاف والتبدل الى التنجيز بلحاظ دخول المكلف في منطقة العلم لا ان العذر في منطقة الجهل سينقلب بعد العلم. مثلا في باب الاجازة في الفضولي نظرية شائعة فيها وهي ان هناك فرقا بين زمن الاجازة وزمن المجاز. الاجازة متأخرة والمجاز هو العقد فالعقد مثلا وقع يوم السبت والاجازة وقع يوم الاثنين فالسبت والأحد قبل الاجازة لا ملكية فيهما للطرفين لكن يوم الاثنين هو يوم الاجازة وفيه يحكم على العقد بالصحة في اليوم السبت والأحد لكن بدءا من يوم الاثنين. يوم الاثنين قيد للاجازة لا المجاز فهذا المجاز الذي هو العقد في اليوم السبت والأحد يحكم عليه بالبطلان واقعا فيهما ويحكم عليه بالصحة فيهما واقعا ولا تناقض.
مثلا في النكاح لو اشترطنا فيه اذن ولي الباكر واذا عقدا لانفسهما من دون اذن الولي لكن الولي بعد اشهر وبعد حصول الحمل أجاز. هل الحمل شرعي او غير شرعي؟ اذا بنينا على ان الاجازة المتأخرة تصحح العقد قبلها. ولو هنا اختلاف ان الشيخ الانصاري يقول انه بالنسبة الى الاحكام التكليفي لا يمكن الانقلاب وبعض يقول يمكن. المهم ان هنا المجاز هو قبل شهور والاجازة بعد شهور. هذا العقد يحكم عليه بالفساد قبل الشهور أي الصحة التأهلية وليست الصحة التأهلية وبعد الاجازة يحكم عليه بالصحة في نفس هذه الأشهر. لا تناقض. لان الزمن المعتبر وان كان واحدا لكن زمن الاعتبار مختلفة. فلما اختلف زمن الاعتبار بالتالي ليس تناقضا. بتعبير ملاصدار انه أضاف الى شروط التناقض وحدة الرتبة والمرتبة. فهنا انقلاب واقعي على احد مبنيات العقد الفضولي ونحن بنينا عليه والسيد الخوئي وكثيرون أيضا ويسمونه الكشف البرزخي او الكشف بالانقلاب بالمعنى اللغوي العربي. على أي حال نظرية الانقلاب في الاجازة تقول بقلب الواقع واقعا ولكن بعد الاجازة والاجازة تتعلق بنفس المنطقة المتنازعة عليها ولها ثمرات في قضية الحمل او النماء المنفصل او المتصل. فهذا انقلاب بلحاظ الزمان.
يا ترى في باب البراءة هكذا؟ ليس هكذا. باب البراءة من قبيل الاجازة بالنقل. سبع نظريات في عقد الفضولي وهي من باب هندسة الاحكام والمتعلقات في الأبواب كلها انه قد يكون زمن المتعلق يختلف عن زمن الحكم وقيود الحكم. غالبا يتوافق زمانها ولكن ربما يختلف زمان المتعلق عن زمان الحكم عن زمان الحكم. قضية الواجب المعلق والواجب المشروط والمشروط بالشرط المتأخر هي كلها لتعدد الأزمنة في القضية الشرعية القانونية.
الكلام في البراءة انه لما يقال انه حكم ظاهري يعني ان الرفع بعد تبدله الى العلم هل ينقلب نفس ذلك المرفوع على نظرية الانقلاب؟ لا، بل على نظرية النقل في الاجازة. يعني زمن الاجازة وزمن المجاز واحد. الناقلة تعني تنقل الصحة الى حد الزمن الذي تقع فيه الاجازة. بخلاف الانقلاب او الكشف البرزخي. هذه المباحث حساس في البراءة والعقد الفضولي وتبدل التقليد او تبدل الفتوى. السيد اليزدي عنده بحث حساس في تبدل التقليد لان المشهور عدا متاخري الاعصار تبدل التقليد مجزئ و النائيني يقول ليس مجزءً والسيد اليزدي يقول ان تبدل التقليد من قبيل الاجازة الناقلة. هذه النظريات السبع في الاجازة جدا مهمة ويمكن تطبيقها في الأبواب المختلفة وهندسة صناعية لزمن قيود الحكم وزمن الحكم وزمن متعلق الحكم. قد تتحد وقد تتحد اثنان منها وقد يختلف ثلاث محاور وهنا الفقيه لما يريد ان يستنبط لابد من التدقيق في زمان هذه الاضلاع الثلاثة. لذلك ان شاء الله سيأتي في مبحث الفضولي في ا لفقه ان اتقان هذه النظريات يستفاد منها في أبواب عديدة.
هنا عندما يقال ان البراءة حكم ظاهري يعني رفع العقوبة بعد انكشاف الخلاف فالعقوبة في منطقة الجهل لا تنقلب لان العذر يعدونه من قبيل الاجازة الناقلة يعني ان المجاز والاجازة كلاهما في الزمن المتاخر. العذر ينتهي في منطقة العلم وكشف الخلاف. اذا يسمونه الحكم الظاهري بلحاظ الموضوع لان الموضوع قابل للانقلاب اما المحمول ليس من قبيل الانقلاب. على كل تسميتها بالظاهري من هذا الباب. كذلك في الحرج واقعا نقول انها كان حرجيا والان انتهى الحرج. أيضا الحرج له منطقة فاصلة بالنسبة الى السعة. لكن بالنسبة الى ما لا يطيقون والحرج رفعه ليس حكما ظاهريا بهذا المعنى لان الموضوع والحكم لا ينكشف خلافه لكن ينتهي امدهما بالحدود الفاصل بين الحرج و ارتفاع الحرج. اذا التسمية بالظاهري بهذا اللحاظ وادنى مناسبة.
بينما الميرزا النائيني استظهر بتعبيرهم بالرفع الظاهري في البراءة والرفع الواقعي في البقية ان رفع الحكم في البراءة ظاهري ورفع الحكم في البقية تخصيص وواقعي. لكن هذا الاستظهار غير مطابق لما ذهب اليه المشهور كما مر بنا.
لكن مدرسة النائيني التزمت في الاضطرار «ما اضطروا اليه» والمفروض ان تلتزم في كل القواعد الخمس التزمت انه في الحرج والنسيان والاكراه رفع واقعي تخصيص لكن مع ذلك التزم الميرزا النائيني بان الملاك باقي. فالحكم مخصص لكن الملاك باقي والسيد الخوئي اجمالا قبل هذا المبنى. جيد اذا قبلوا في غير ما لا يعلمون ان الملاك باقي وهو الملاك الشرعي وهذا ارتكاز واعتراف منه ان الحكم بكل مراتبه لم يخصص.
الميرزا النائيني والسيد الخوئي كيف يجمعون بين ان التخصيص واقعي وبين ان الملاك واقعي؟ التخصيص الواقعي عند المتاخرين في مرحلة الانشاء فكيف الملاك موجود. نحن نوافقهم ان الملاك موجود لكنه منبه على ان التخصيص ليس تخصيصا حقيقيا وهذا في مراحل متأخرة وليس في مرحلة الانشاء. العجيب ان السيد الخوئي في النسيان وفي موارد كثيرة يبني على مبنى الميرزا النائيني والتخصيص ولايلتزم بوجود الملاك مع انه اعترف بوجود الملاك. فاذا يكون الملاك موجودا لابد ان يعطي المشروعية والصحة بينما في جملة من الأبواب يلتزم بحرفية التخصيص وان الملاك غير موجود. على كل هذا على خلاف المشهور ان الرفع للتنجيز وهو مبنى صحيح وقويم. هذا المبحث حساس.
كما انه في رفع القلم عن الصبي ما هوالمرفوع؟ هل هو تخصيص كما عليه اغلب العلماء في سبعة قرون أخيرة يذهبون الى ان رفع الحكم عن الصبي تخصيص. بينما عند القدماء ان الرفع في الصبي ليس تخصيصا بل رفع الفعلية التامة لا الفعلية الناقصة. المقصود انه في قواعد الرفع لابد من التدقيق. وكذلك «لاتعاد» و«لا تنقض الفريضة بالسنة» ان هذا تصرف في منطقة الامتثال يعني لا في التنجيز ولا في الفعلية ولا في التشريع. تصرف في منطقة متاخرة في الاحكام وهي الامتثال وتصرف واقعي وكونه تصرفا واقعيا لا يعني انه تصرف في الجعل. هذه نكتة مهمة.
على أي حال تسمية الرفع في باب البراءة بالظاهري بهذه المناسبات والا سنخ الرفع في كل القواعد سنخ واحد وليس يختلف. هذا لطيف انه في البراءة الموضوع مراتي وطريقي لذلك يسمونه ظاهريا ولكن في الحرج والاضطرار والنسيان والخطأ الموضوع ليس مرآتيا وطريقيا بل الموضوع وصفي وصفتي. العناوين قد تأخذ طريقية وقد تأخذ صفتية. كون الموضوع في البراءة طريقيا لا يعني ان المحمول طريقي. بلحاظ رفع العقوبة رفع واقعي والواقعي يترتب على الطريقي والظاهري. من موارد ترتب اثر واقعي على موضوع واقعي. هذه نكات صناعية في شئون وخصائص الاحكام الست او احد عشر ويجب ان ندقق فيه.
هذه مقدمة لبحث الاضطرار. هذه القواعد الست متى تجري؟ اذا لم يكن بتقصير حتى البراءة. انما تجري في الجاهل غير المقصر. ففي موارد القصور رفع الاضطرار عند النائيني تخصيص وواقعي لكن الملاك موجود.
الميرزا النائيني هنا خالف المشهور قال في موارد الاضطرار بالقصور العبادة في الغصب غير صحيحة وتبقى باطلة. الحرمة ارتفعت واقعا باعتبار انه عنده تخصيص بخلاف المشهور. رغم ان النائيني عنده الحرمة ليست موجودة مع ذلك يقول ان العمل العبادي مع القصور في الدار الغصبية باطلة ولذلك هو في النسيان أيضا يستشكل انه نسيانا مع القصور الصلاة في الدار الغصبية غير صحيحة ويستدل على ذلك بوجود ملاك الحرمة وهو يفسد. هذا ليس استدلاله بل منشأ استدلاله هو هذا. هو يستدل مع ان المشهور كلمة واحدة يقولون ان الصلاة في الدار الغصبية مع الاضطرار تصح صلاته. عند الميرزا النائيني فذلكة منشأها وجود الملاك.