الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/05/02

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: النواهي/ اجتماع الامر والنهي/ النيابة العبادية وخواص الاحكام في التنافي

 

كان الكلام في ما سجله او ما اعترض به المرحوم الاصفهاني في خصوص تصوير النيابة عند الميرزا النائيني.

تصوير النيابة مهم لبيان او تحديد الامر النيابي واذا عين الامر النيابي فيعين نسبته مع الامر الايجاري. الميرزا النائيني افترض ان الامر النيابي هو نفس الامر المتوجه الى الميت او العاجز فيتوجه الى النائب. فحيث فرضه هكذا فقرر على ضوءه ان الامر لا يتعلق بقصد الامر على الطولية والمعالجة التي ذكرها.

اذا تحديد ماهية النيابة والامر النيابي مؤثر في هذا المضمار فالمرحوم الاصفهاني عنده اشكال معروف على تصوير النيابة او الامر النيابي ويقول ان الامر الذي يتوجه الى الميت او الى العاجز لا صلة له بالنائب واجنبي عنه فكيف يقصده ويمتثله؟ ويجيء بشواهد على الامر الذي يتوجه الى المنوب عنه لا صلة له بالنائب وانما هو يتوجه اليه امر آخر نيابي. فالامر النيابي امر ثاني غير ما توجه الى المنوب عنه ومتعلق هذا الامر المتوجه الى النائب هو النيابة وليس الفعل الذي تحصل بالنيابة أولا وبالذات.

الشواهد التي يأتي بها على تعدد الامر ان المنوب عنه قد يكون ميتا والميت ساقط عن الامر بموته فلذلك الامر الذي توجه الى المنوب عنه سقط فكيف يتوجه الى النائب. ثم هو في الأصل تشريع متوجه الى المنوب عنه اصالة فكيف يعم النائب؟ هذا شاهد

شاهد آخر ان النيابة باتفاق الاعلام والفقهاء تحتاج الى تشريع لذلك نيابة الحي عن الحي غير جائزة الا في الحج. حتى عن الأموات ايضا ليست مشروعية النيابة عنهم على طبق القاعدة والاصل بل يحتاج الى دليل مشرع آخر لا بنفس الأدلة الأولية التي امر فيها المنوب عنه ميتا كان او حيا. فالنائب بقصد ويمتثل الامر الآخر الذي يتوجه اليه. فهكذا بالنسبة الى الامر الايجاري ان المكلف يمتثل الامر الايجاري لا الامر الأول.

ثم بعد ذلك يدخل المرحوم الاصفهاني في محتملات معنى النيابة بعد ان قرر ان الامر النيابي امر جديد وتشريع جديد غير الامر المتعلق بالعمل نفسه. لكن بالنسبة الى المتعلق هل النيابة تنزيل فعل النائب منزلة فعل المنوب عنه او ان النيابة تعني اصدار الفعل اعم من مباشرة او تسبيبا او ان النيابة هي ان تكون نية النائب على أن يكون العمل امتثالا عن المنوب عنه فعدة احتمالات.

حينئذ النائب امره تشريع آخر ثاني غير الامر الأول وفعله أيضا ليس الصلاة من حيث الصلاة التي في ذمة المنوب عنه بل بزيادة فعل النيابة. فاذا فعل النائب مجموعا يختلف سبب عنوان النيابة عن فعل المنوب عنه وليس يقتصر على فعل المنوب عنه فقط بل يزيد عليه عنوان النيابة. هذا ملخص كلام المرحوم الاصفهاني.

اجمالا ثمة لتقييم الموازنة بين كلام الاصفهاني و النائيني او المشهور نقول ان ما ذكره المرحوم الاصفهاني صحيح لكنه لا يبتعد ولم يخرج عن كلام المشهور أيضا. بالتالي هذا الامر الثاني ملحوظ فيه الامر الأول. هذا بحث اخر ان التكاليف الشرعية في ذمة الانسان دين لا دين تكليفي بل حتى دين وضعي يعني البعد الوضعي والمالية فيها. السيد اليزدي وكثير من طبقات الفقهاء بنوا على ان الاحكام التكليفية في ذمة الانسان دين في ذمته وهذا مناف لما ذكره المرحوم الاصفهاني ان الامر المتوجه الى الحي يسقط بموته بل لا يسقط ويبقى في ذمته دينا فالبعد الوضعي موجود. لذلك يسمونه تفريغ ذمة الميت وهذا نوع من البقاء الوضعي.

فاذا كلام المشهور بالدقة لم يخرج المرحوم الاصفهاني منه بل انما زاده وأضاف اليه تكملة وهي ان النيابة فعل يطرء على الفعل المنوب عنه وفيه تشريع آخر بامر آخر لكن بالتالي في طول الامر الذي يتوجه الى المنوب عنه لا انه يغفل عنه.

طبعا النيابة فعل غير اصل الحج واصل الصلاة شبيه الوكالة ان الوكيل يقوم بفعل نيابة عن الموكل كما في المعاملات كذلك في العبادات.

فما ذكره الاصفهاني صحيح لكنه لا يتناقض مع كلام المشهور بالتالي ما ذكره المرحوم النائيني صحيح فيضاف اليه تتمة المرحوم الاصفهاني وهو بعد آخر.

اجمالا هذا هو الوجه الأول من المرحوم النائيني في معالجة الكراهة في العبادة و خلاصته ان الميرزا النائيني يقبل كبرويا اجتماع الحرمة والوجوب فضلا عن غيرهما اذا كان بين المتعلقين طولية. التنافي اجمالا موجود وهذا مما ينبه على ان مطلق التنافي في مراحل الحكم ولو كان دائميا لا ينجر الى التعارض والتكاذب وان الملاكات والاحكام والأدلة يحافظ عليها ولايرفع اليد عنها بمجرد وجود التنافي ولو كان دائميا. هذه اصل النكتة الثمينة اكثر.

كذلك بحث ثمين في حقيقة النيابة ان فعل النيابة زيادة عن فعل المنوب عنه ككلمة «عن» دال على النيابة ويحتاج النية النيابية بخلاف التقصير في الحج انه لا ينوي المقصر انه عن فلان. خلافا في باب الذبح انه يلزم النية النيابة. فمن ثم تكون النيابة العبادية. ولطيف ان النيابة ليست على نوع واحد بل انواع. ربما ينوب النائب عن المنوب عنه في النية فقط او النية والعمل بعضه وكذلك.

اجمالا هذه المعالجة الأولى للميرزا النائيني الدالة على عدم التعارض.

المعالجة الثانية من الميرزا النائيني معالجة متينة التزم بها كثير من الاعلام حتى في الوجوب والحرمة.

المهم ان الميرزا النائيني التزم في الكراهة والوجوب فضلا عن الكراهة والاستحباب بان الكراهة فيها الترخيص فلا تتنافى مع الوجوب او مع الندب لان الشارع هو يرخص. فليس بنحو يبغض هذا الفعل ويتنفر منه بتا. فالدرجة الغضاضة فيها ليس بتلك الدرجة التي يمانع منعا بتيا.

هذا يدل على ان المبغوضية ولكراهة لموجودة في ملاك الكراهة لا تمانع عن التقرب بالفعل وان كان التقرب بالفعل يكون مع كراهة وغضاضة. كذلك مع الكراهة والاستحباب لان الشارع رخص فيه فملاك التقرب فيه موجود.

سبق ان نقلنا عن الميرزا القمي والسيد اليزدي والسيد ابوالحسن الاصفهاني انه في الشرائع الدينية قد تجتمع مع الحرام وليس تعارضا غاية الامر يجب على الوالي او ولاة الامر او من يعنيهم الامر أن يزحزحوا الامر الحرام عن الشعائر الدينية. أهالي البصرة قبل ثمانين او تسعين سنة في فتنة في بصرة حصلت ضد الشعائر الدينية وكتبت كتبا من الأطراف وتصدى للجواب الميرزا النائيني «هذا تاريخ الحوزة ويجب الالمام به» فتنة البصرة ظاهرا كانت قبل فتنة الكاظمية في الشهادة الثالثة ونجوم الفتنة أيضا معروفون في ذاك الطرف. حينئذ استفتى أهالي البصرة من الميرزا النائيني وكان معاصرا من السيد ابي الحسن الاصفهاني وانهم لماذا لم يستفتوا من السيد نفسه امر موكول الى محله. المهم استفتوا من الميرزا النائيني رغم ان مرجعية السيد ابوالحسن كان اكثر انتشارا من الميرزا النائيني ولكن كرئاسة علمية في الحوزة كان الميرزا النائيني مقدما على السيد كبعد علمي في الحوزة. وهذا كثيرا ما في الحوزة يصير هكذا. ان الجانب العلمي يقدم على الجانب المرجعي لسبب او آخر. هذه هي الحوزة العلمية بعظمتها.

المهم أجاب الميرزا النائيني بقاعدة شرعية بثلاث صفحات وتقريبا عشرين من تلاميذ النائيني كالبجنوردي والسيد محسن الحكيم والسيد الخوئي صادقوا على فتوى استاذهم. فاصبحت منشورا عظيما.

في هذا المنشور يركز النائيني على ان الواجب الكفائي العظيم في الشعائر الدينية لا يتزعزع بطرو المحرمات عليه بل اللازم الابعاد و الرفع النائم التدريجي للمحرمات من دون زعزعة الشعائر والعجيب اني رأيت فتوى باللغة الفارسية استفتاء من احد مناطق ايران عن السيد ابوالحسين الاصفهاني ونشرها السيد مير جهاني بالرسم المخطوطة وأجاب أيضا نفس الجواب من الميرزا النائيني.

المقصود ان الاعلام عموما في الشعائر الدينية عموما والحسينية خصوصا لا يبنون على التعارض والتنافي بل التزاحم هو يجب ان يعالج الامر بالحكمة ودراية حفاظا على ملاك الوجوب وامتثالا لردع المحرمات. لعل كثير من الفضلاء ليس عندهم هذه الفطنة ويسبب مشاكل ومفاسد في الجامعة. والا في الحج وطواف بيت الله الحرام تقع قضايا محرمة لكن تعالج بامور كثيرة غير زعزعة الواجب.

فالوالي او السائس سواء كان سياسيا او مرجعا يجب ان يوازن بين الجهات لا ان يبني على التعارض ويقول ان مشروعية هذه الشعيرة غير متوفرة من رأس.

في الكراهة في العبادات وجوه أخرى ذكرها الاخوند وهي ان يؤول الى قلة الثواب بخلاف الوجه الثاني الذي ذكره الميرزا النائيني انه لا تأويل فيه.والا بقية الوجوه التي ذكرها الاخوند او الميرزا النائيني فيها تأويل. مما يدل على ان معالجة الاحكام بعد عدم التعارض والتساقط ان يؤول.

فاحد التأويلات هو ان الكراهة بمعنى قلة الثواب. واحد التأويلات هي بمعنى وجود الغضاضة لا في نفس الفعل بل في ملازماته. بالتالي حمله على هذه الوجوه تأويلات لا بأس بها اجمالا. لانه ما دام ان اصل الدليل لا يسقط وجانب الحرمة على حاله فيكيف هذا التلاقي والتصادق بين الاحكام. هذا اجمال الكلام في الكراهة في العبادات.

استدلال آخر ذكره صاحب الكفاية عن الميرزا القمي او عن غيره على مدعى جواز اجتماع الامر والنهي هو انه لو كان الانسان بدار غصبية وكان مأمورا بالخياطة فبالتالي لو خاط الثوب فتحصل الخياطة ويمتثل الامر بالخياطة وان كان كونه في الدار الغصبية عصيان. لكن هذا الاستدلال بهذا المثال اتضح الحال فيه. لانه ان الخياطة في الدار الغصبية هل هي نفس غصب الدار او شيء اجنبي عنه. وليس امرا عرفيا بل لابد من الدقة العقلية.

استدلال آخر ذكره الميرزا القمي على الجوار ان فيه الوجوب يتعلق الامر بالطبيعة ومتعلق الحرمة يكون بمثابة الهوية الفردية وفرد الطبيعة والطبيعة غير الهوية الفردية.

طبعا هذا البحث ان فردية افراد الطبيعة والهوية الفردية غير الهوية النوعية السارية في الافراد بحث عقلي حساس في الفلسفة والكلام وبحوث كثيرة ومنها في علم الفقه. فعندنا هوية نوعية للطبيعة سارية في الافراد وما هي ضابطتها وملاكها فيه اختلاف حتى بين الفلاسفة والمتكلمين. وهناك هوية فردية.

يجب التدقيق في الهوية الفردية عن الهوية النوعية ويفيد هذا البحث في الفقه وتداخل الأسباب والمسببات واجتماع الامر والنهي والتزاحم والبحوث الفلسفية والكلامية العقائدية. وهو التمييز بين الهوية الفردية والنوعية. والاعلام بحثوا عنه في بحث الصحيح والاعم بالدقة. وكذلك بحوث النيابة. مثلا عندنا أجزاء وشروط في الأداء مثلا اذا تنوب امرأة عن صلاة ميت والميت رجل وذكر فهل يجب عليها ان تتستر؟ مع ان الميت رجل او العكس ان رجلا نائب يصلي عن امرأة ميتة. لا يجب عليه التستر كتستر النساء. ففيه شروط لماهية الأداء وعندنا ماهية فردية عامة للاداء وماهية فردية. بعض التكاليف للمؤدي وليس للمؤدى عنه وبعض التكليف مشترك بينهما وبعض التكاليف للمؤدى عنه لا المؤدي. مثلا في الحج امرأة نائبة عن رجل ميت او رجل عاجز فيسوغ للمرأة ان تفيض للمزدلفة ليلا. يعني يحقق الركن في المزدلفة آنا ما في الليل. يعني تتحرك الى منى ورمي الجمرات. مع ان المنوب عنه رجل. عكس ذلك قد يكون المنوب عنه امرأة ميتة والنائب رجل فلا يسوغ له الافاضة والحركة ومغادرة المزدلفة ليلا. فلاحظ بعض الاحكام مرتبطة بالمؤدي ويسمونه هوية الأداء. فعندنا الهوية النوعية للاداء وعندنا الهوية الفردية للاداء.

غدا ان شاء الله نواصل كلام الميرزا القمي رحمة الله عليه وننتهي في صلب بحث اجتماع الامر والنهي وتبقى التنبيهات فقط.