46/05/01
الموضوع: النواهي/ اجتماع الامر والنهي/تداعيات الطولية في الأحكام وحقيقة النيابة
كان الكلام في معالجة المرحوم النائيني للكراهة في العبادات التي هي نوع من اجتماع الاحكام المتضادة.
ذكر وجهين؛ وجه طولية الاحكام وهذا الوجه مقتضاه ان الميرزا النائيني يصوغ اجتماع الحرمة مع الوجوب لو كان بينهما طولية ولو كان هذا التلاقي بين الوجوب والحرمة الطوليين دائميا فيكون الطولية حل المشكلة وترفع التعارض والتنافي والا ليست هذه الطولية جواب لخصوص الكراهة والعبادة.
فهذا نوع من المبنى الجيد والقويم من ان مجرد وجود الحرمة والواجب في وجود واحد وماهية واحدة ولو بنحو الدوام لا يوجب التعارض وهذا فائدة علمية لو تم يكون ممتازا لان الأدلة لا تتعارضان عليه الا نادرا.
الوجه الاخر قضية خصوصية الكراهة من ان التضاد والتنافي في خصوص الحرمة مع الوجوب اما الكراهة مع الوجوب العبادي او الاستحباب العبادي لا يستلزم التعارض.
امس مر بنا بيان الطولية كالامر الايجاري والامر الصلاتي. اما في صيغة النذر فإنها حيثية تعليلية فلا توجب الطولية بين وجوب النذر والعبادة.
طبعا الميرزا النائيني هنا مثل بالاجارة على الصلاة العبادية وبالنذر للعبادة المستحبة لاجل بيان ضابطة الطولية بين الاحكام وعدم الطولية. ولم يذكر هذه الأمثلة لبيان انهما مما نحن فيه ومن باب اجتماع الامر والنهي باعتبار انهما فيهما امرين يؤكد بعضه البعض. اذا ليس من مورد اجتماع الامر والنهي وانما ذكر هذين المثالين لاجل بيان الطولية. حينئذ يريد ان يستفيد من الطولية في الكراهة والعبادة انه بالدقة الكراهة لم تتعلق بنفس متن الامر العبادي الندبي وهو الصوم والامساك وانما تعلقت بقصد الامر بالصوم او ما شابه ذلك او بعنوان انه في الصوم نوع من المجاراة لبني امية واستنان بسنة بني امية. فالكراهة تعلقت بعنوان آخر وانطبقت على الصوم فالامر بالصوم يوم عاشورا متعلقه يختلف عن متعلق الكراهة وان انطبقت على مورد واحد وهو صوم يوم عاشورا. فاذا الكراهة عنوان طولي مع متعلق الصوم وليس في عرض واحد فلا اجتماع حقيقي ويكون الجواز ولو كان دائميا.
المرحوم العراقي عنده إشكالات أصولية على كلام الميرزا النائيني والمرحوم الاصفهاني عنده إشكالات أصولية وفقهية.
اما إشكالات العراقي رحمه الله فهو يقول ان هذين المثالين (النذر والاجارة) ليس بينهما فرق بالدقة اذا كان الطولية في الامر الاجاري فالامر النذري أيضا فيه طولية. لان النذر لم يتعلق بمتن الصلاة وانما تعلق بالصلاة المأمور بها بالامر الندبي. يشترط في النذر ان يكون مباحا او راجحا ففرض الرجحان موجود في متعلق النذر.
اشكال آخر عنده انه صحيح ان هناك فرقا بين الحيثية التعليلية والحيثية التقييدية لكن ليس جميع الحيثيات التقييدية نافعة في مبحث اجتماع الامر. هنا نكتة صناعية. يقول لا ننفي كلام الميرزا النائيني في الحيثيات التعليلية والتقييدية. لكن هل هذه الحيثيات حلال المشاكل في المقام؟ يقول لا، لان الامر الاجاري وكذلك النذري صحيح ان هناك طولية بينه وبين الامر العبادي ولكن نفس الامر الاجاري ينبسط كاللون على أجزاء الصلاة فيتعلق بامر طولي متأخر ويتعلق بجسم ومتن الصلاة بما تعلق به الامر السابق.
بعبارة أخرى: ان الامر الاجاري تعلق بقيد طولي بلحاظ متن الصلاة بخلاف الامر الندبي بصلاة الجعفر الطيار ولكن هذا الجزء الطولي وهو قصد الامر مثلا لا يستلزم عدم تعلق الامر الاجاري مباشرة بمتن الصلاة. كذلك في النذر.
بعبارة ثالثة: مثلا لو كان عندنا امر واحد وهو الامر بالصلاة فريضة الظهر او صلاة جعفر الطيار فهو يتعلق بالمركب. هل من الضروري ان يكون أجزاء هذا المركب في عرض بعضها البعض؟ لا. مثلا قصد الامر لمن لا يستشكل في اخذه في متعلق الامر وهو الصحيح بالاجوبة التي ذكرت في التعبدي والتوصلي فهو في طول الأجزاء للصلاة. فهذا الامر الصلاتي يتعلق بأجزاء الصلاة سواء الأجزاء الطولية او العرضية. طولية زمانية او طولية رتبية. ما فيه فرق. الامر الواحد الصلاتي ينبسط ويتعلق بها مباشرة.
بعبارة رابعة مثلا لو افترضنا سقفا اعمدته مختلفة الطول فتوجب عدم الاستواء في السقف. ما فيه مانع على أي حال انه يتعلق بالكل. فيمكن تصوير الطولية مع الاختلاف الجغرافي او الزماني او الرتبي.
بعبارة خامسة: هذه زوايا متعددة لبحث الطولية وامس مر بنا ان قيد الحكم هو حيثية تقييدية وقد يكون حيثية تعليلية. قيد الحكم بلحاظ نفس الحكم قد يكون تعليلي او تقييدي لكن قيد الحكم بلحاظ تعلقه بالمتعلق قد يكون تقييديا على عكس الأول.
هذه التنقيحات من الميرزا النائيني نفسه في اللباس المشكوك بل بلور ان قيد الحكم مع الحكم من حيثية قد يكون تعليلية وقد يكون تقييدية كمثال الاستطاعة انها بلحاظ وجود القضاء والقدر الخارج عن اختيار الانسان حيثية تقييدية حتى قالوا انه لابد من بقاء الاستطاعة حتى في الرجوع وحتى استطاعة ان يرجع الى الكفاية. فبالتالي هذه الاستطاعة بأربعة اجزاءها حيثية تقييدية لكن بلحاظ الوجود الاختياري حيثية تعليلية فاذا اتلف الاستطاعة بيده فوجوب الحج لا يتزلزل.
هنا كلام دقيق عند المحقق العراقي في الطولية التي ذكرها الميرزا النائيني. فالعراقي يقول ان الذي صوره الميرزا النائيني طولية لكنه لا ينجح في المقام لان الوجوب والحكم يتعلق وينبسط بالاجزاء كلها وان كان بينها تأخر وتقدم رتبي او زماني فحينئذ فقد تعلق الوجوب بعين ما تعلق به الامر الندبي او قد تعلق الكراهة بعين ما تعلق به الامر وان تعلق بشيء طولي متأخر فان ذلك لا يمانع عن تعلق الكراهة بنفس ما تعلق به الامر العبادي.
طبعا بحث الطولية يستثمرها الميرزا النائيني في أبواب أصولية وفقهية كثيرة. كلام العراقي مكمل لكلام النائيني ان الطولية جيدة لكنه ليس حلال كل شيء.
كما مر بنا من نقل كلام النائيني في اللباس المشكوك ان قيد الحكم تعليلي من جهة وتقييدية من جهة فياترى ان هذه التقييدية تمانع عن تعلق الكراهة بمتن العبادة وان تعلق بها وبامر طولي بعدها؟ لا يمانع. فيتعلق بها مباشرة. نكتة صناعية مفيدة في معنى الطولية واستثمارها بين النائيني وا لعراقي وكل من كلام العلمين مفيد لكن بضابطة. السيد الخوئي أيضا وافق العراقي في هذا المطلب.
اشكال المرحوم الاصفهاني في تصوير العبادة النيابية. كيف نصور العبادة النيابية؟ طبعا لم يدخل الاصفهاني في هذا البحث مع النائيني؟ لكي يسجل المؤاخذة على النائيني في الامر العبادي والامر الاجاري. فهو يريد ان ينقح انه ما هو الامر العبادي الوجود في باب العبادات الاستيجارية وهذا يرتبط بحقيقة النيابية وهي بحث صناعي فقهي لكن الاصوليون خاضوا فيه بلحاظ ان معاني التعبدية والتوصلية عند الميرزا النائيني ست معان في كل منهما. يعني كتاب اجود التقريرات بتعليقة السيد الخوئي كان مدار مباحثة في البحث الخارج عند حضار البحث آنذاك في النجف الاشرف ولذلك علق السيد الخوئي على الالفاظ بينما العراقي علق على الفوائد في الحجج لا الالفاظ. لان برصة البحث بين طلاب الخارج في كتب النائيني في الحجج كان فوائد فعلق عليه العراقي وان كان اجود التقريرات دقيقا لكن الفوائد للكاظمي امتن في البسط. لذلك علق العراقي على الحجج في الفوائد. وفي الالفاظ اجود التقريرات مع تعليقة السيد الخوئي كلا المتنين دورة أصولية كاملة جزلة جزما وقوية جدا ومرتبة.
اما إشكالية المرحوم الاصفهاني في حقيقة النيابة وتحقيق حقيقتها مهم في بحث التعبدي والتوصلي او في أبواب العبادات مثل الحج النيابي. هل صلاة الطواف يأتي بها النائب نيابة عن المنوب عنه. الأكثر او الكثير يقولون لا يأتي بها نيابة بل يأتي بها عن نفسه. وكذلك طواف النساء. فيه لغط علمي بين الاعلام.
حقيقة النيابة مهمة على أساس ان نستنطق الأدلة ان العمل نيابي او اصالي. الوضوء عن نفسه ولا يأتي به عن نيابة. اذا لاحظ قضية حقيقة النيابة مؤثرة في استظهار العبادات في الأبواب.
كذلك قضية الهدي انه جزء من اعمال يوم ا لعيد في الحج التمتع. هل الذابح فيه آلة او نيابة؟ اذا كان نيابة فالعبادة من المخالف لا تصح. الذبح لا يشترط فيه الايمان فتذكية غير المؤمن اذا لم يكن ناصبيا صحيحة وإن كان عندنا في الروايات ان ذبح المؤمن فيه البركة. لكن الذبح في الحج اذا كان عبادة فالنيابة العبادية يجب ان يكون النائب فيها المؤمن للعبادة.
مثلا الحلاق لا يأتي بالحلق نيابة عن المحلوق بل هو بنفسه ينوي مع ان فعل الحلاق اختياري. هذا التسبيب يكفي في ان يكون الفعل فعل الحاج نفسه وليس بنحو نيابي. من ثم لو جعلت شخصا غير مؤمنا يحلق ما فيه اشكال طبعا بشرط ان لا يكون محرما لان المحرم تقصيره لا يصح. يعني الذي يريد ان يتحلل العمرة التمتع او الحج لا يجعل من يقصر له المحرم. لكن لايلزم ان يكون مؤمنا لان التقصير ليس نيابة بل تسبيب. لكن في الهدي ورد في الروايات والأدلة «يذبح عنه» يعني النيابة وحينئذ يحتاطون فيها ان الذابح يكون مؤمنا. بناء على فتوى من يفتي انه نيابة ولابد ان يكون مؤمنا وهو الصحيح.
من غفلات صاحب الجواهر رحمة الله عليه ان عنده اذا حج الكبير بالصغير يتوضؤ نيابة عنه. نعم سيطوف به اذا احرم به. أنواع النيابات عجيبة. احرم به غير احرم عنه. طاف به ولم يطف عنه. لكن هذا الطواف به نوع من النيابة. هنا صاحب الجواهر غفلة والا هو شامخ عظيم يقول يتوضؤ عنه. لكن الوضوء للصغير هو ان يكون النية عن الولي ومتن الوضوء على الصبي. شبيه الميت ان الغسل يوقع في الميت وينوي الحي. هذا عمل واحد تبعض. قسم منه يوقع في القاصر الميت او الرضيع او الميت او المغمى عليه والنية ينويها الولي ولذلك عندنا انه اذا احرم واحد بالحج واغمي. فيودعونه في العرفات وينوى عنه. الوقوف اوقع فيه لكن النية ينويه صديقه. وكذلك المزدلفة فيوقع الوقوف فيه لكن ينوى عنه. بخلاف رمي الجمرات. فالنيابة سيما في باب الحج لها ست او سبع أنواع.
لذلك المرحوم الاصفهاني هنا دقق مجهريا في حقيقة النيابة وذكر ذلك في حاشيته على المكاسب. وعلى كل نذكر التصويرات وأنواع النيابة.