46/04/26
الموضوع: النواهي/ باب اجتماع الأمر والنهي /تفسير الكراهة في العبادة مع طولية الأحكام
كان الكلام في الكراهة في العبادات من أنه كيف يمكن الكراهة في العبادات مع امتناع اجتماع الامر والنهي بين الاحكام. فمر بنا كلام المرحوم الاخوند والان في صدد كلام المرحوم النائيني فسجل على الاخوند من ان المقام من قبيل المتلازمين والسيد الخوئي رد اعتراض استاذه على الاخوند وقال ان المقام بالدقة ليس من قبيل المتلازمين بل لهما ثالث. لانه يمكن ان لا يأتي بالصيام من جهة ويأتي بشيء ثالث وهو الإمساك مثلا بدون نية الصيام فهو لم يترك الإمساك ولم يأت بالصيام بل اتى بشيء ثالث. فكون المقام من قبيل المتلازمين الذين لا ثالث لهما او النقيضين محل تأمل. فصغرويا رد اشكال الميرزا النائيني
لكن كما مر بنا ان المرحوم الاخوند وسع البحث من انه حتى لو فرضنا انهما متلازمان لا ثالث لهما مع ذلك هذا التنافي ليس تنافي في الجعل والتعارض بل تزاحم في مقام الامتثال ولو كان دائميا. التنافي في مقام الامتثال ولو دائميا ولا يستلزم التعارض بل يبقى التزاحم. هذا كلام المرحوم الاخوند. بينما السيد الخوئي فصل لكن الصحيح هو ماذهب اليه المرحوم الاخوند.
صغرويا كلام السيد الخوئي صحيح من انهما متلازمان لهما ثالث لكن كبرويا ولو افترضنا انهما لا ثالث لهما ليس من قبيل التعارض والحق مع المشهور واستشهد المرحوم الاخوند بكثرة التزاحم الدائم بين المندوبات مع ذلك لا يوجب التعارض فيما بينها .
على كل حال علاج المرحوم النائيني على وجهين. الوجه الأول طولية الاحكام فاذا تجتمع في هذه الموارد لا يمتنع اتحادهما لانها في الحقيقة متعدد وجودا وماهية مع الطولية
الوجه الثاني ان الذي يمتنع هو الحرام والوجوب اما الكراهة والوجوب لا يمتنع وكذلك الكراهة والاستحباب. كما ان الاستحباب والوجوب أيضا لا يمتنع. ارتضاه السيد الخوئي ولكن سنبين ان هذا الوجه الثاني يحل المشكلة يوجب حل المسألة في موارد عديدة وسنذكرها
اما الوجه الأول الطولية عند الميرزا النائيني. الطولية في الاحكام تارة بسبب الموضوع الاصولي الاصطلاحي يعني قيود الحكم وتارة كما يقول الميرزا النائيني الطولية بسبب المتعلق. فهذا يستلزم منه طولية الاحكام.
الان سيخوض الميرزا النائيني في تفصيل الطولية الحاصلة من طولية متعلقات الاحكام وسندخل معه ولكن اجمالا المحقق العراقي سجل مؤاخذة عليه ووافقه السيد الخوئي من ان الطولية في الاحكام تارة بسبب موضوع الحكم وتارة بسبب المتعلق كما ذكر الميرزا النائيني وكذلك الطولية عموما سنخان، الطولية بسبب الحيثية التعليلية والطولية بسبب الحيثية التقييدية.
الطولية بحث مهم وآثارها مهم ولها خطوات متعددة ويجب ان نفصل بين كل نقطة والكلام هنا في البحث الكبروي لا الصغروي الذي بينه الميرزا النائيني وهناك إشكالات أخرى سنبينها. لكن الطولية كبرويا هل يسبب عدم الاتحاد الوجودي في المجمع بين الحكمين ام لا؟ هنا العراقي عنده تسجيل نقطة وهي ان الحيثية التعليلية بغض النظر عن معانيها الاصطلاحية المتعددة ان الطولية بسبب الموضوع بمعنى ان المحمول في طول الموضوع والعراقي يقول ان الطولية تارة بسبب الحيثية التعليلية وتارة الطولية بسبب الحيثية التقييدية. اذا كان الطولية بسبب الحيثية التعليلية لا يسبب تعدد وجود المتقدم والمتأخر. لان الحيثية التعليلية ليست هي محمل وموضوع للحكم والمحمول فلا متعلق ولا هي موضوع لكن لها دور تعليلي في طرو المحمول على المتعلق او الموضوع. فلها تأثير من البعد. بخلاف الحيثية التقييدية أن لها الدور في طرو المحمول على المتعلق والموضوع وهي تكون محملا للحكم أي يطرأ عليها الحكم.
المرحوم العراقي هنا يقول ان الحيثية التي سبب الطولية بين الحكم اذا كانت تعليلية فلا تسبب تعدد الوجود لانها لا تتدخل في الموضوع والمحمول بينما الحيثية التقييدية تتدخل.
فالطولية بسبب الحيثية التقييدية مثمرة تعدد الوجود أي وجود الشيء بحيثية التعليلية غير وجود الشيء بالحيثية التقييدية. اما الحيثية التعليلية فالطولية التي ينجم منها لا تسبب تعدد المحمولين الطارئين على موضوع واحد. ففرق بين الحيثية التعليلية والحيثية التقييدية.
بحث الحيثية التعليلية والتقييدية بحث اهم حتى من مبحث اجتماع الامر و النهي ومبحث مهم في الاحكام وابواب عديدة أصولية وفقهية. ما ذكره الميرزا النائيني صغريات لهذه الكبرى المهمة.
في الحيثية التعليلية والتقييدية اصطلاحات متعددة عند المناطقة والاصوليين. نلاحظ قيود الحكم فبعضها قيود لكنها حيثية تعليلية وبعضها حيثية تقييدية. ما الفرق بينها؟ مع انها قيود بالمعنى الاعم. هذا المبحث مهم سواء في الموضوع الاصطلاحي الاصولي وهو قيود الحكم او في متعلقات الاحكام مثل الصلاة والطواف التي لها قيود ان بعض قيودها حيثية تقييدية وبعض قيودها حيثية تعليلية. ما الفرق بينهما؟ اجمالا ذكرنا ان التعليلي هو الذي يتدخل من البعيد والتقييدي الذي يتدخل ويستلم المحمول والحكم.
مبحث صلاة المسافر التعقيد فيه عند الاعلام بهذا السبب. معروف ان في القصر ثمان قيود وهذه القيود ليست كلها تعليلية وليست تقييدية بل بعضها تعليلي وبعضها تقييدي وتشخيص التعليلي والتقييدي يحتاج الى فراسة في الاستنباط.
مثلا قصد الاباحة في السفر هل قيد حيثية تعليلية او تعليلية؟ اذا كان حيثية تقييدية يعني ان الثمان فراسخ التي يسافر فيها الانسان يجب ان تكون متصفا على الدوام بكونه قاصدا المباح. واذا تعليلية ولو قصد الحرام ثم قصد الحلال يستتم الموضوع.
الفرق الاخر المتفرع من الفرق الأول ان التعليلية يمكن ان تكون قيدا مترقصا يعني ان يوجد ويعدم. اذا لما يوجد يؤثر ولما يعدم لا يؤثر. لانه ليس وصفا بالدقة بل هو يؤثر من البعيد اما القيد التقييدي لازم ومقترن ويكون بحالة الوصف. فاذا ثمان فراسخ نواه بقصد الحرام لازم ان يجدد المسافة الجديدة بقصد الحلال. فهل يا ترى انها حيثية تعليلية او حيثية تقييدية؟
عجيب في احكام المسافر ان هذا القيد بالنسبة الى المسافة تعليلية وبالنسبة الى قيد آخر يكون تقييدية. هذا تنوع آخر بالنسبة الى القيود. فتعليلي من جهة وتقييدي من جهة اخر. ذكرت لكم ان المرحوم الكمباني وتلميذه الميلاني قال ان خمس مسائل في صلاة المسافر معقدة لا تحل. بحمد الله نحن حللناها بهذا السبب ان القيد من جهة تقييدية ومن جهة تعليلية.
هذه نكتة جدا مهمة ان معنى ا لحيثية التعليلية والتقييدية ماهو؟ التعليلي جزء الموضوع وقيد بالمعنى الاعم لكنه ليس وصفا.
للتوضيح زيادة وسبق ان ذكرناها مرارا ولابد من استذكارها مرارا وهذا ذكره الاصوليون في بحث مقدمة الواجب لكنه ينسى: هذه النقطة ان الفقيه في الاستنباط اهم ما يأتي في استنباطه والخطوات الاستنباطية ان يعين قيود الحكم ومتعلق الحكم والحكم. يعني الاضلاع الثلاثية في القضية الشرعية في أي باب من الحكم الوضعي او الحكم التكليفي.
الخطوة الأهم بعد ذلك والتعميق للخطوة الأولى ان في قيود الحكم من الضروري للاستنباط ان يعين الركن الركين في موضوع الحكم ما هو؟ ما هو الركن الركين في وجوب صلاة الظهر وفي صلاة المسافر ما هو الركن الركين؟ كالسفر وفي أي باب فقهي مثلا طهارة المياه ونجاسة المياه والحيض والجنابة ما هو الركن الركين في الموضوع. هذه خطوة صناعية حساسة. كذلك الركن الركين في المتعلق ما هو؟ في الصلاة ما هو الركن الركين مثلا نفس الصلاة وبقية القيود تبع لها.
ثم يبحث هل لها ركن ثاني ام لا؟ هل لها توابع؟ سواء في المتعلق او الموضوع. هذه النكات دقق فيها الميرزا النائيني في رسالته اللباس المشكوك. فلابد ان نلاحظ ان الموضوع او المتعلق هل لهما الركن الثاني والاركان او ليس لها الأركان بل ركن وتوابع؟
الخطوة الثانية ان هذه الأركان والتوابع هل الارتباط بينها بنحو النعت يعني الحيثية التقييدية؟ او بنحو الانضمام فيكون من قبيل الحيثية التعليلية. فاذا هذا تفسير آخر ونفس المعنى بصياغة أخرى. ان الحيثية التعليلية تؤثر من البعيد بالانضمام لا بالنعت والتركب النعتي. بينما الحيثية التقييدية تؤثر بارتباط وتركب نعتي.
بحث العدم الازلي مبحث في العام والخاص. كيف الاستصحاب يبحثون عنه في العام والخاص لان العقدة الغامضة فيها هو موضوع الاستصحاب. متى التركب انضمامي وبنحو الحيثية التعليلية ومتى يكون أجزاء التركب نعتي أي الحيثية التقييدية بالمعنى الأخص؟ اذا هذه خطوة أخرى في تشخيص الموضوعات.
ما هي الأركان والتوابع؟ ثم الارتباط بينها نعتي او انضمامي؟ كما يقول الميرزا النائيني في اللباس المشكوك ان هذه الخطوة في تشخيص موضوع الاحكام او متعلق الاحكام جدا مهمة في الأبواب العديدة في الفقه والاصول. كصلاة المسافر والعقود فيها انه كيف نرسم خارطة لمجموع الموضوع والقيود فيها. قيد واحد قد يكون من جهة تعليلية وقد يكون من جهة تقييدية. وهذا هو الترقص في القيود وهو يسبب العقود. فالطبايع مختلفة وشيء واحد له طبايع مختلفة. اذا لا يسترسل في المواد والحالات المختلفة.
حتى في الاستفتاءات يمكن ان ينساق للذهن ان القيود في الفتاوى حيثية تقييدية بل قد يكون تعليلية. هذا البحث ينفتح منه الف باب في بحوث الأبواب الفقهية. لان طبيعة هذا البحث هكذا وهو اهم من اجتماع الامر والنهي برمته وبحث كبروي.
كيف تتركب الموضوعات والمتعلقات؟ نعتيا؟ او انضماميا؟ لابد ان يكيف.