الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/04/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الكراهية العبادية ومسألة اجتماع الامر والنهي

 

كان الكلام في ان هناك ظاهرة فقهية وهي الكراهة في العبادات فهذه الظاهرة مع مبحث اجتماع الامر والنهي كيف تفسر باعتبار ان الاحكام متضادة سواء كان الحرام مع الواجب او الكراهة مع الواجب او الاستحباب مع الكراهة فاذا كانت متعلقة بوجود واحد وماهية واحدة. حتى قالوا في الاستحباب والوجوب ان حد الوجوب يختلف عن حد الاستحباب في الحقيقة ففيه فرق بالتالي فكيف بك مع الكراهة مع الوجوب او مع الاستحباب لانهما من جنسين مختلفين ولا سيما انهما متعلقان بنفس العنوان «لا تصل في الحمام» او «لا تصم يوم عاشورا» ومن هذا القبيل.

فالنقطة الأولى ذكرها الاخوند انه غير ما نحن فيه لكن بينا ارتباطه ومر بنا انه لابد من التأويل فلا يسار للتساقط والتعارض وهي نفس قاعدة الجمع مهما امكن أولى من الطرح. فلابد من عدم التساقط.

النقطة الأخرى التي يذكرها الاخوند هي تأويل خلاف الظاهر لكنهم ارتكبوه. بعبارة أخرى ان بنية الظهور تتحمل التأويل بقرائن ونفس التنافي قرينة. من ثم لا يسار عند القدماء حتى صاحب الجواهر والشيخ الانصاري الى التساقط وانما تأوّل وقرينة التأويل نفس التنافي او التعارض او قرينة أخرى.

فالمرحوم الاخوند يأول هذه الموارد بان النهي الكراهتي ليس على نسق الكراهة المصطلحة بان يكون ناشئا عن حزازة او مبغوضية. منشأ التعارض هو ان يكون ناشئا من المبغوضية. بل هذا النهي يأول الى انه في الحقيقة ان الزجر فيه ليس عن نفس الصلاة وانما بلحاظ ان الترك فيه مصلحة. ترك الصلاة او ترك الصوم يوم عاشورا فيه مصلحة. فهو نهى عن صوم عاشورا لكن الغاية ان ترك الصوم فيه مصلحة. او ان ترك الصوم يلازم عنوان ذي مصلحة مثلا مخالفة بني امية او شعار وسنة بني امية. فاذا هذا النهي صورته لا تصم يوم عاشورا لكن حقيقته ليس النهي الكراهي بل حقيقته يرجع الى ان الترك فيه المصلحة او ان الترك ملازم لعنوان ذي مصلحة. اذا أوّل الى تأويلين وهذا التأويل احتمالي مع ذلك لم يرفضوه.

اذا هذا التأويل ليس خارجا عن الظهور العرفي ويسار اليه بشواهد وقرائن ان لم يسار اليه ابتداء. فالكراهة في الحقيقة امر بالترك او امر بما يلازم الترك او ارشاد لراجحية الترك وكلها ممكنة وكلها مسموح بها فترفع التنافي بين ادلة العبادة وادلة الكراهة بعد كون العبادة صحيحة في المتسالم عليه.

غاية الامر اذا كان الامر متوجها الى العنوان الملازم اسناد الامر او الطلب الى الصلاة مجاز واسناده الى الترك مجاز وهذا أيضا نوع من التأويل في المجاز في الكلمة ولم يرتكبوا التكلف مادام قرينة موجودة وهي امتناع النهي الكراهي الاصطلاحي المتعلق بالعبادة والحال ان العبادة صحيحة فكيف تصح العبادة والكراهة ناشئة عن مبغوضية.

نقطة أخرى يذكر لتوجيحه: يقول ان هذا نوع من التزاحم سيما باب المستحبات بينها تزاحم كبير. وحتى هذا التزاحم غالبا دائمي وليس صدفة واتفاقا. وكون التزاحم دائميا لا يؤدي الى التعارض. الميرزا النائيني كانما عنده ضابطة انه اذا صار التزاحم دائميا لابد ان يكون تعارضا وليس تزاحما اصطلاحيا فيكون تكاذبا في اصل الجعل والانشاء. هنا المرحوم الاخوند يقول كما عندنا تزاحم دائمي في المستحبات ولا يرجع الى التعارض. مثلا لو يريد الانسان يستوعب كل المستحبات يعجز فلابد ان يرجح. والتزاحم دائمي وليس صدفة ولا يؤدي الى التعارض. هذه الكراهة وان تزاحمت مع الصوم يوم عاشورا فالارجح الترك فمن ثم داوم اهل البيت سلام الله عليه على ترك صوم يوم عاشورا. فالصوم في نفسه مشروع لكن الترك اهم إما لنفسه او لعنوان ملازم. فدائمية التزاحم لا يؤدي الى التعارض. اذا هذه ضابطة نكتة أخرى خلافا للميرزا النائيني.

مر بنا ان الميرزا النائيني أي محذور في مراحل الحكم كالمحذور في الامتثال او الفعلية يصاعد بهذا المحذور الى الجعل والمراحل الانشائية وهذا ما لا يرتكبه المشهور بتاتا. لذلك باب التزاحم في الضد يصاعد به الميرزا النائيني الى الجعل. هذا المبنى الى صاحب الكفاية ليس مرضيا لان الضرورات تقدر بقدرها. فهذه نكات مهمة ان التزاحم الدائمي في مقام الامتثال او مقام الفعلية لا يؤدي الى التعارض وهذه نكتة مهمة في ضوابط الاحكام.

وأيضا القسم الثاني الذي ما له بدل يؤول الى هذا التأويل أيضا وتوجيحات أخرى يمكن تصويرها.

الميرزا النائيني يسجل الاشكال ان التزاحم الدائمي يؤدي وهذا اشكال مبنايي. واشكال آخر مبنايي عنده ان الجعل في ثلاث موارد مستحيل. في التناقض او الضدين الذين لا ثالث لهما ان يأمر باحدهما وينهى عن الاخر او المتلازمين. في هذه الموارد يبني على ان الحكمين الدافعين بينهما هذا التنافي يؤدي الى التعارض باعتبار ان التلازم دائمي. هذا المبنى عنده ان التنافي حتى في محركية الاحكام ومرحلة الفاعلية او التنجيز او الامتثال يتصور لان المتلازمين لا ينفك حكمهما فكيف يمكن ان يحكم باتيان احدهما وترك الآخر. او الضدين يأمر باحدهما وينهى عن نفسه لاجل الضد الآخر فيكون مثل المتناقضين فكيف يأمر بعدم احدهما وينهى عنه فيكون تناقضا. اما تلازم بين عدم احد النقيضين ووجود النقيض او تلازم بين الضدين اذا نهى وامر او المتلازمين الوجوديين. فيؤول الى التناقض. التفكيك بين التلازم حتى بنحو اتفاقي تعارض فضلا عن الدائم. ولا يمكن فيه الترتب. من ثم الميرزا النائيني يقول ان هذا الجواب من الاخوند لا ينفع

لكن مر بنا ان هذا الجواب مبنايي وخلاف المشهور لان عندهم التنافي والمحاذير ولو كانت دائميا الموجودة في مراحل الفعلية التامة او التنجيز او الامتثال لا يصاعدونها الى مرحلة الانشاء بل يبقونها على حاله. فعند المشهور حتى لو بقيت الاحكام اقتضائية تشريعها على حاله ثابت. ولو لم يمكن ان تمتثل.

كما قال الاخوند ان مجموع المستحبات من الصيام والصلاة والاذكار ما احد يستطيع ان يجمع بينها. فدائما بينها تنافي ووبعضها دائما مجمدة في التحريك. وهذا لا يؤدي الى التعارض شبيه الاقتضائات كالفواكه ان تقدر كل منها واستفد من فوائدها والا تقدر فهي موجودة بنحو التجميد والحكم الاقتضائي.

فعلى أي حال هذه نكتة نفسية جيدة نخرج من ظاهرة الكراهة في العبادات عند المشهور ان التنافي الدائمي فضلا عن الاتفاقي لا يؤدي الى التعارض بينما عند الميرزا النائيني التنافي الدائمي تعارض الا ان يعالج بالترتب. والترتب صيغة من صياغات العلاج عند المشهور لا ان فعلية الحكم مترتبة على الترتب بل الترتب لمحذور متأخر في مراحل الحكم ولا يتصاعد لمراحل سابقة. بل يقولون به حتى في الدائم فكيف بك في الاتفاقي. هذه مما قاله المشهور في خواص ا لاحكام او أصول القانون.

فما الذي يتمسك به لعلاج التعارض مع انه يقول ان المفاد الاولي تعارض. لكن مع ذلك يلتزم بالتأويل. هذا جيد. اذا ليس في كل مكان ان التنافي والتناقض يسار به الى التساقط. هذا هو الكلام ان الحفاظ على التشريعات مهما امكن أولى من الطرح. ان الفقيه كل الفقيه هو الذي لا يسقط من الأدلة شيئا وحتى لا يسقط من الروايات شيئا. لذلك لاحظ مبنى الطوسي يذكر مجموع الروايات في كتبه الاستدلالية لا في كتبه الحديثة وينسق بينها في نظام واحد من الدلالة ويجمع الكل. لا انه يطرح الأدلة بل المجموع له قيمة استدلالية واكثر حجية من رواية واحدة معتبرة السند. هذا هو دأب المشهور في مقام التنظير في الفتوى والانشاء. الجمع يعني عدم التصرف في الأدلة مهما امكن. وكذلك عندهم مبنى في الوالي السياسي انه لابد ان يحافظ على العناوين الأولية لان الثانوي والحكم الثانوي فيه التفريط على الحكم الاولي. الفقيه في الولاية السياسية والتطبيق هو الذي مهما امكن لايفرط في الملاكات بذريعة العناوين الثانوية.

ضابطة أخرى ان العناوين الثانوية مؤقتة وان تقدم المؤقتة على الدائم يوجب نوعا من اندراس الاحكام والسنن والتشريعات وخطر. مثل التقية المفرطة. هذه النكات جدا مهمة في الضوابط الفقهية عند المشهور.

فالعلاج عند الميرزا النائيني وجهان: الوجه الأول يبين طولية في الاحكام بسبب الطولية في متعلقات الاحكام. هذا البحث نفيس ونخوض فيه. وان كان العراقي لا يقبل هذا المبنى لكن المبنى صناعي متين. هذا هو الوجه الأول وسنبينه.

الوجه الثاني الذي ذكره النائيني وهذان الوجهان غير ما ذكره صاحب الكفاية وكلها محتملات فمادام محتملة وممكنة لاتسقط الدليل. واياك ان تسقط الدليل نتيجة المحذور الموجود في البين.

الوجه الثاني ان الكراهة من قال مضادة الى الوجوب العبادي فضلا عن الغير العبادي؟ حتى الكراهة الاصطلاحية. ومن قال ان الكراهة مضادة للاستحباب؟ هذا الوجه الثاني يقترب من كلام المشهور ان لتنافي الدائم ان كان في مراحل متاخرة للاحكام لا يرتقي الى التنافي في الجعل ولا يصاعد به الى التنافي في الجعل وهو التعارض والتكاذب. وسيأتي شرح كلام الميرزا النائيني .

ان التنافي في المراحل اللاحقة مع انه تنافي كالاستحباب والكراهة او الكراهة والوجوب لكن هذا التنافي لا يرتقي الى التعارض. هذا اصل فكرة الوجه الثاني عند الميرزا النائيني.

نبدأ في الوجه الأول ونعنونه: هذا الوجه الأول مركب بين الصناعة الأصولية والصناعة الفقهية وهي فذلكة في نفسها نفيسة لكن الان تتم او لاتتم بحث آخر. لكن هي صناعة أصولية وصناعة فقهية. والفرق بين الصناعة الأصولية والفقهية بعهدة الاخوة.

فهنا عنوان الوجه الذي التزم به النائيني ان الطولية في الاحكام بسبب الطولية بسبب متعلقات الاحكام تفكك بين اجتمااع الاحكام وبالتالي لا يكون اجتماعا بين الاحكام.

لاحظ هنا قال الميرزا النائيني ان الطولية في الاحكام بسبب الطولية في المتعلقات وهو نفسه ومشهور الفقهاء والاصوليين عندهم أيضا الطولية في الاحكام بسبب الطولية في موضوعات الاحكام. موضوع الاحكام يعني قيود الحكم والموضوع بمصطلح المنطقي واللغوي يشمل الموضوع الاصولي والمتعلق. المتعلق يعني الواجب. مثلا الزوال قيد الوجوب وموضوع. فالقضية القانونية ثلاثية الاضلاع وربما تكون رباعية الاضلاع. هنا يقول ان الطولية في الاحكام قد يكون بسبب الطولية في المتعلقات وقد تكون الطولية في الاحكام بسبب الموضوعات. هذه نكتة نفيسة اجمالا وان شاء الله سنخوض في كلامه