46/04/24
الموضوع: باب الالفاظ / مبحث النواهي / اجتماع الامر والنهي / معنيان في الجواز والامتناع والكراهة العبادية
كنا في بحث وجود موارد مسلمة للعبادات المكروهة فهذه الظاهرة الفقهية قد يستشهد ويستدل بها على جواز اجتماع الامر والنهي فتصدى الاعلام لتفسير هذه الظاهرة الفقهية.
طبعا مبحث جواز اجتماع الامر والنهي كما مر بنا على مسارين؛ مسار الموضوع يعني انه هل متعلق الامر مع متعلق النهي متعدد ماهية ووجودا ام لا ومسار آخر مسار المحمول كما مر بنا انه على فرض الامتناع هل يستلزم التعارض او لا؟ فنستطيع ان نقول انه خلافا لمدرسة النائيني منهم السيد الخوئي وتلاميذه ان جواز اجتماع الامر والنهي مساران، جواز وامتناع موضوعي بمعنى التعدد او غير التعدد وجواز وامتناع محمولي بمعنى انه على فرض الامتناع هل يستلزم امتناع الحكمين أي التعارض ام انه تزاحم اقتضائي، فالصحيح في تنقيح وتحرير البحث ان مسألة جواز اجتماع الامر والنهي او الامتناع بمعنيين، معنى موضوعي أي تعدد الوجود والماهية او وحدتهما ومعنى محمولي وهو على فرض الامتناع في ناحية المتعلق هل الحكمان متعارضان او يجوز فرض الحكمين بنحو التزاحم الاقتضائي. إذاً هذا البحث في الحقيقة بمعنيين؛ معنى موضوعي ومعنى محمولي. هذا نوع من ضبط عنوان المسألة.
على ضوء هذه الظاهرة تخدم بحث الجواز المحمولي رغم ان هنا عنوانا واحدا ان النهي ورد على عنوان ورد عليه الامر الندبي او الوجوبي، مع ذلك هناك جواز محمولي وليس امتناعا.
فهذه الظاهرة متينة في الحقيقة لمن ذهب الى الجواز المحمولي انه على الامتناع لا يكون التعارض بل تزاحم اقتضائي أي ان كلا الحكمين ممكنين ولو بدرجة الفعلية الناقصة التي يسمى الاقتضاء. هذه الظاهرة برهانية لطيفة
زيادة على ذلك ان هذه الظاهرة ليست صدفة واتفاقا بل بنحو دائم رغم ذلك لا يبنى على الامتناع المحمولي اي التعارض فاذاً فهذه الظاهرة متينة ودالة على انه لا نبني على التعارض والتساقط بل كلا الحكمين مقرران غاية الامر نبني على التزاحم الاقتضائي فلا اقل هي برهان على الجواز من ناحية المحمول على فرض الامتناع من ناحية الموضوع بمعنى وحدة الوجود والمتعلق.
على كل هذه قناعتنا الاجمالية بهذا الاستدلال. لان هذا الاستدلال على الجواز المحمولي متين جدا وان كان استدلالا على الجواز الموضوعي فاشكال الاخوند والنائيني صحيح انه لا صلة له بالبحث في المقام. لان النهي والامر بعنوان واحد وليس مما نحن فيه من تعدد المتعلق. فليس مما نحن فيه موضوعا لكن من ناحية المحمول مما نحن لان القائل بالامتناع يريد ان يوصل الاستدلال والاستنباط من ناحية الموضوع والمتعلق الى انه وجود واحد وماهية واحدة أي عنوان واحد. هذه الظاهرة عنوان واحد. فاذا ثبت عنوان واحد فهذه الظاهرة تقول انه ليس هناك امتناع محمولي وتعارضا بل هو جواز أي التزاحم. فبمعنى بلحاظ المحمول مما نحن فيه.
فصورة في الموضوع ليس مما نحن فيه لكن لبا على الامتناع موضوعا مما نحن فيه. هذه نقطة أولى في كلامنا مع الاعلام وذكرها صاحب الكفاية وعلقنا عليها.
اعيد التذكير بهذه الفائدة ان عنوان المسألة بالجواز او الامتناع له معنيان. معنى موضوعي يعني وجودا واحدا وماهية واحدة ومعنى محمولي بمعنى التعارض او التزاحم. اذا جواز اجتماع الامر والنهي له معنيان والامتناع أيضا له معنيان.
النقطة الثانية التي ذكرها صاحب الكفاية ووافقه عليها جملة ممن بعده وهي انه يقول ان هذه الظاهرة لا تصلح للقائلين بالجواز بل عليهم تأويل هذه الظاهرة او تفسيرها كما هو الشأن في القائلين في الامتناع. اذا هذه الظاهرة نقض حتى على القائلين بالجواز فلا بد من التأويل والتفسير من ناحية كل منهما.
كل من بعد صاحب الكفاية توافقوا عليها لان هذه الظاهرة محذور حتى على الجواز لان القائل بالجواز انما يقول بالجواز مع تعدد العنوان وتعدد الوجود وهنا لا تعدد في الوجود لا تعدد في العنوان. اذا لابد ان يرتكب التأويل.
في هذا البحث حقائق نفيسة لابد ان نلتفت اليه. فتأمل
الملاحظة على كلام صاحب الكفاية هي ان القائل بالجواز والامتناع لا فرق بينهما في ان هذه الظاهرة مشكلة في الجواز والامتناع الموضوعي لان القائل بالجواز في الموضوع انما يقول بالجواز مع تعدد الماهية والوجود والعنوان وهنا لا تعدد. فكلام صاحب الكفاية متين بالنسبة الى المسار الموضوعي.
اما القائل بالجواز المحمولي ليست هذه الظاهرة معضلة لان القائل بالجواز المحمولي يقول ان الاجتماع ليس من التعارض بل تزاحم فهذه الظاهرة أيضا مورد من موارد التزاحم ولو تزاحم من نوع جديد وسنخ جديد لكن ليس تعارضا.
فاذا هذه الظاهرة معضلة على القول بالجواز والامتناع الموضوعي ولازم ان تفسر لكن على القول بالجواز المحمولي ليست معضلة لان القائل بالجواز المحمولي مع الامتناع الموضوعي مثل صاحب الكفاية {عكس النائيني انه جوازي في الموضوع وامتناعي في المحمول} لاتحتاج الى التأويل بل هذه الظاهرة شاهدة على الجواز المحمولي.
لاحظوا هنا كلامنا مع السيد الخوئي رحمة الله عليه ان هذه الظاهرة الكراهة في العبادات لماذا لم يلتزم النائيني بالتعارض والتساقط او ترجيح احد الدليلين؟ لا سيما السيد الخوئي بالذات ولو نتكلم مع النائيني رحمة الله عليهما. الكراهة في العبادات شيء يستحيل عند العقل لان الاحكام مضادة. السيد الخوئي التزم بلزوم التأويل لا التساقط. كذلك كل الاعلام التزموا بالتأويل. لماذا لم يلتزموا بالتعارض.
انهم اشكلوا على القدماء لماذا انهم بنوا على الجمع مهما امكن أولى من الطرح. الطرح يعني اسقاط احدهم او كليهما ويقولون ان هذه القاعدة تبرعية. لكن لماذا هنا التزموا بالتأويل؟ سيما السيد الخوئي انه لايرتكب التأويل في التعارض. وتأويلات متعددة ومحتملات ولا يسقطهما. قد يقول قائل انهما قطعيان والحال انهما ليس في كل الموارد قطعيين. ولو كانا قطعيين فلم التزم هنا بالجمع في القطعي ولم يلتزم في الظنيين.
مثلا الشيخ الطوسي في كتابه التهذيب او كتابه الاستبصار وهو كتاب انعقد لاجل تعارض الروايات وأيضا ألف التهذيب بامر من الشيخ المفيد لاجل ان لايشتبه الامر على جملة من الفضلاء من عندهم التباس عقائدي. هذا ارتباط بين الفقه والعقائد ينجر من الفقه الى العقائد. الشيخ الطوسي نادرا يطرح الروايات وكلها جمع مع التأويل ويشكلون عليه انه لماذا يجمع بين الروايات المتعارضة وغالب القدماء عندهم هذا المبنى.
فهنا إقرار السيد الخوئي بان لابد من التأويل فتناف بين مبنيين. لبا هنا لم يقولوا بالتعارض بل هذه المقدار المحذور لابد من التأويل في احدهما بمحتملات أخرى ممكنه اما المفاد الظاهر نرفع اليد عنها والضرورات تقدر بقدرها. هذا هو المسلك المشهور. ظاهر هذا المفاد لا يمكن ان نعمل به عقلا فنؤوله. هذه التأويلات يحتاج الى شاهد وصحيح لكن بالتالي انما نسقط الدليل إن لم يكن المحتملات الموجودة ممكنة. اذا كانت المحتملات ممكنة فلماذا نسقط؟ هنا السيد الخوئي يجعل نفس المحتمل العقلي قرينة وشاهدا على التأويل وهذا هو الذي يريد ان يقوله المشهور. هذا هو مسلك القدماء حتى العلامة الحلي في غالب مسلكه والمحقق الحلي. هذه نكتة منهجية في التعارض ان الأدلة يمكن ان تأول ونفس التعارض قرينة على ان الظاهر ليس مرادا. كما ارتكب هنا السيد الخوئي وبقية الاعلام. لذلك الأصل في التعارض هو التساقط خطأ وتفريط في الأدلة. ليس تأويلا تحكميا بل نفس التعارض قرينة اجمالية.
المقصود ان هذه الصياغة الصناعة التي ارتكبوها الاعلام بحث يبين لنا في باب الاثبات انه لايسار الى اسقاط الأدلة بل اللازم التأويل. بشواهد تفصيلية او تبقى المسألة على احد المحتملات وهذا هو ديدن وسير القدماء في الجمع بين الأدلة.
نقطة ثالثة ذكرها صاحب الكفاية: قسم هذه الظاهرة الفقهية وهي الكراهة في العبادات الى ثلاث اقسام وهذه التقسيم جارية مما قبله وبعده.
ان العبادة اما ندبية او وجوبية وهذه العبادة ليس لها بدل مثل صوم يوم عاشورا او حتى ربما تاسوعا بل حتى يقال عشرة محرم كلها. على نص اذا عمل به. فهذا الصوم ليس لها بدل لان كل يوم صوم برأسه وليس له بدل. كما ان النافلة المبتدأة ليس لها بدل. لان كل آن يستحب فيه النافلة. فبدله في الوقت الآخر فهي في الوقت المخصوصة بها. نعم في النوافل اليومية باعتبار ان لها وقت خاص يمكنه ان يؤخره الى وقت آخر. فيمكنه ان يزحزح النافلة المبتدأة ويقضي النافلة اليومية.
مثلا قضاء شهر رمضان كل يوم له صوم مستحب لكن اذا اضطررت ان تقضي صوم شهر رمضان فتزحزح الصوم المندوب وتصوم قضاء شهر رمضان. فان صيام كل يوم خاص به واذا ذهب عنك لا يعود كما ان النافلة لكل وقت خاصة بها واذا ذهب عنك لا يعود. فاذا النافلة المبتدأة لا تعود. طبعا السيد اليزدي عنده فذلكة لطيفة يقول ان قضاء الصلاة الفريضة صحيح ان هنا اندماج بين النافلة المندوبة وبين قضاء الفريضة الواجبة او قضاء النوافل اليومية. لان النافلة المبتدأة المراد بها الطبيعي الكلي الذي يصدق على النافلة اليومية او الفريضة. غاية الامر تقصدها النافلة اليومية او الفريضة. يقول ان هذه الفريضة التي تأتي بها أداء او قضاء هي مندمجة فيها كلي الطبيعي للصلاة وهي النافلة المتبدأة. هذا البحث له ثمرات في خلل الصلاة وخلل الحج والوضوء الغسل . هل له بدل او لا؟ حتى السيد الخوئي في جملة من موارد الخلل استفاد من هذا البحث.
النافلة المبتدأة لا بدل لها والصيام أيضا لا بدل له. اذا هذا الصيام الذي لا بدل له كيف يصير في شهر رمضان فريضة؟ السيد اليزدي يقول يندمج الكلي الطبيعي للصيام في الفريضة. لا تقصد الان نافلة بل تقصده الفريضة لكن تلقائيا قصدت الجنس من طبيعي الصوم. ولما تنوي قضاء شهر رمضان أيضا ستثاب اجرين. لذلك اذا كان عندك قضاء من شهر رمضان انو في نصف الشعبان وصم فتثاب ثوابين. الصلاة خيرموضوع من شاء استكثر ومن شاء استقل هذا الصلاة جنس شامل للصلاة الفريضة والنافلة المتبدأة. هذا مبنى جدا متين. الصوم كذا ثوابه للجنس وشامل لجميع أنواع الصيام وجوبا وندبا خاصا او مطلقا. يقول ان الجنس لامحالة متحقق في الصلاة والصيام حتى في الحج.
بقية الكلام ان شاء الله نواصل.