الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/04/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النواهي / اجتماع الامر والنهي / فروع فقهية في مسائل اجتماع الامر والنهي

 

كان الكلام في التوضؤ بالماء المغصوب فهو تصرف في ما هو حرام وجزء الوضوء ولا يمكن ان يفرض انه من باب تعدد الوجود فمن ثم فعل العمد عند المشهور يبطل اما مع النسيان والجهل القصوري هو صحيح.

هذه الصورة فيه صور: إما يسبك الماء على يديه ويتلف الماء فبالتالي هو ضامن ولما يكون ضامنا فهذا الماء بقاعدة الضمان غير مملوك للمالك السابق فبالتالي لما يغرف بالماء على وجهه ويديه لا يمكن ان يكون مصداقا للوضوء وبعد ان يكون الماء تالفا ومضمونا مملوكا للغاصب بحكم الضمان بالتالي امرار اليد وتصرف اليد بامرار الماء على بقية الأجزاء الوضوءي لا يكون تصرفا في مال الغير لان مال الغير تلف. قد يقال هكذا

لكن يرد عليه أولا ان الشيء التالف تلفه من جهة المالية وليس من جهة الملكية او الحق الأولوية. بعبارة أخرى ان الغاصب لا يتملك الشيء بالضمان بل يتملكه اذا دفع الضمان وقبل الضمان لا يملكه. بالتالي يبقى مغصوبا.

نعم لو فرض انه بعد اسباك الماء يدفع المال فيملك الماء فيجوز له الوضوء والغسل بالماء وتحريك الماء الموجود على عضو الوضوء والغسل فليس من الضروري ان يكون الماء اسكابه من جديد. هذا منصوص عليه. لكن الكلام انه قبل ان يدفع ليس ملكا للغاصب بل زال الملكية لمالكه بل حتى لو افترضنا انه ليس مالا حق الأولوية باق للمالك وهذا نوع من المنفعة بالتالي يكون محقوقا للآخرين.

المثال الآخر: الوضوء والغسل بالاغتراف من آنية الذهب والفضة. تارة رمسا في آنية الذهب والفضة وتارة اغتراف. السيد الخوئي فصل في العروة انه اذا اغترف فالاغتراف حرام لكن الماء حلال. استعمال الآنية لحفظ الماء المباح ليغترف منه ليغتسل او ليتوضأ. استعمال آنية الذهب والفضة حرام. لكن الأفعال اللاحقة غير المباشرة ليست حراما. لو كان وضوءه رمسا في الماء يمكن ان يقال ان وضوءه باطلا مع العمد عند المشهور. لكن مع الاغتراف ليس فيه مانع عند السيد الخوئي.

نعم السيد الخوئي يقول انه في باب الاكل والشرب ثبت ان الأفعال اللاحقة بوسائط عن الافعال في استعمال آنية الذهب والفضة حرام. مثلا طعام طبخ في قدر من ذهب او فضة ثم هذا الطعام اسكب في إناء آخر فهذا الاكل والشرب حرام لان الأدلة دالة على ان استعمال آنية الذهب والفضة في الاكل والشرب ولو بوسائط سابقة حرام. وكذلك لو كان الماء في قوري او سماور أي الجهاز لإسخان الماء ثم يسكب الماء في قوري آخر او استكان شرب ذلك الشاي حرام لان إعداد هذا الشاي مر بمرحلة من اواني الذهب والفضة فلا يجوز استعمال اواني الذهب والفضة في الاكل والشرب ولو بوسائط وهناك نصوص خاصة على الحرمة.

لكن في غير الاكل والشرب لم يثبت ذلك عند السيد الخوئي وجماعة في العروة. لكن الصحيح كما مر تنقيحه ان كل الأفعال سواء التوضؤ او الغسل او الاكل والشرب التي استفيد من الأفعال السابقة واستعين بأواني الذهب والفضة فالافعال اللاحقة حرام ولا تسوغ الا ان تحرز التوبة كي لا يتلف الماء او الطعام. فالصحيح انه لا فرق في الحرمة بين الاكل والشرب وبين الأفعال الأخرى.

صورة أخرى في المسألة: لو استعمل آنية مغصوبة فتارة يغترف ويتوضأ حتى لو فرض ان الماء منحصر بهذا الماء الموجود في الأنية التي هو غصبها. هل يصح وضوءه او غسله؟ الاعلام صححوه من باب الترتب لانه اذا كان الماء منحصرا فضلا عما لو لم يكن الماء منحصرا لان المطلوب في القدرة التي هي موضوع الغسل والوضوء ليست القدرة الدفعية بل يصح مع القدرة التدريجية بالتالي هو قادر ويخاطب الوضوء بهذا اللحاظ على فرض عصيانه باستعمال الآنية ولو باغتراف فوضوءه صحيح ولا اشكال فيه. والقدرة في الأصل في مثل هذه الموارد قيد للتنجيز وليس قيدا في اصل الفعلية. في موارد عدم وجود القدرة لمانع شرعي او ما شابه ذلك القيد لتنجيز الوضوء والغسل وليس اصل مشروعيتهما وفي موارد التيمم خلافا لمدرسة النائيني وتلاميذه والسيد الخوئي وتلاميذه الوضوء مشروع والغسل مشروع غاية الامر انما ليس منجزا. طبعا اذا كان فيه ا ضرار معتد به وشديد لا يجوز الاضرار لكن لو غفل عن هذا الاضرار فوضوءه صحيح لان القدرة ليست قيد المشروعية بل قيد التنجيز. شبيه ما التزمننا به في الحج ان الاستطاعة في حجة الإسلام قيد التنجيز وقيد ان يكون دينا وليس لاصل مشروعية حجة الإسلام فلو حج متسكعا حجه بلا اشكال.

اجمالا في هذه الموارد الوضوء على القاعدة صحيح لو اغترف اغترافا. اما لو توضأ رمسا في الماء الذي هو محتفظ به في آنية مغصوبة او اغتسل رمسا في حوض مغصوب مع ماء غير مغصوب. هل يصح الوضوء والغسل ام لا؟ جملة من الاعلام قالوا لا يصح لان الوضوء والغسل رمسا تصرف في الظرف المغصوب. في قبال ذلك هناك من قال ان التصرف بالوضوء والغسل في الماء المباح ويلازم ذلك التصرف في الظرف بحركة الماء او ما شابه ذلك. فالتصرف ليس تصرفا مباشرة في الظرف. وهذا هو الصحيح.

موارد حرمة المقدمة لحرمة ذي المقدمة. ذي المقدمة هي التصرف في الظرف المغصوب. فالمقدمة هو التصرف في الماء ولو افترض حرمة مقدمية للوضوء فموارد المقدمة للحرام ليست حراما في نفسه. هذا بحث في اصل مبحث اجتماع الامر النهي ان المسألة هل تشمل النهي الشرعي الغيري؟ طبعا لا يشمل العقلي. الأكثر قالوا بالعموم وتعميم مورد مسألة اجتماع الامر والنهي الى مورد النهي الغيري وهذا من قبيل سراية حرمة ذي المقدمة الى المقدمة. الا ان هناك كلام انه هل الحرمة الغيرية الشرعية لا يمكن التقرب بها؟ ذكروا في الوجوب الغيري او الحرمة الغيرية ان العقوبة على ذي المقدمة وليست على المقدمة. مبغوضيتها لاجل ذي المقدمة. يعني بعبارة أخرى ان الحرمة الغيرية كانما معنى حرفي «ما انبأ عن معنى في غيره».

هذه السراية هل تمنع عن التقرب؟ محل الكلام. فاذا التقرب بهذه المقدمة لا مانع منه وتعدد وجودي لهما. نعم مع الحرمة الغيرية وحدة الوجود لكن الحرمة الغيرية خاصيتها في الغير و ذي المقدمة. غاية الامر يكون من قبيل موارد التزاحم لو قدم غير الأهم على الأهم ومعصية. الا ان يقال بالسراية وهي شيء آخر.

هذه نقطة يجب ان نتحدث عنها ان السراية مبنى من مباني جماعة من الاعلام انهم قالوا في اصل مبحث اجتماع الامر والنهي: لا تتعبوا أنفسكم في تنقيح الموارد لانه حتى لو كانت تلك الموارد من قبيل الجواز وتعدد الوجود فتسري الحرمة من احد المتلازمين الى الاخر. فالمتلازمان في الوجود لابد ان يكون حكمهما واحدا والمفروض تقديم الحرمة. اذا الملازم الوجودي حرام ذاتا وبنفسه فيكون مثل الامتناع. هذا قول من يسلك مسلك السراية.

طبعا السراية التي ادعيت هنا شيئا ما بحث في بحث الضد. هل يسري حكم احد الضدين الى الآخر ام لا؟ بالدقة هذا البحث في السراية والتلازم بالدقة هو بحث في نفس محذور التزاحم وليس شيء وراءه. لانه في التزاحم يبني الميرزا النائيني ومدرسته وقبله قليل من يبني عليه ان التنافي في مقام التزاحم حقيقته التعارض. التزاحم يعني ليس مصداقا لمسائل اجتماع الامر والنهي. مسألة اجتماع الامر والنهي اتحاد ووجود واحد لكن مسألة التزاحم وجودان كتطهير المسجد والصلاة. لكن بينهما تلازم من جهة عجز القدرة. فالتنافي عند الميرزا النائيني تعارض ان لم يعالج. ببركة الترتب او استكشاف الملاك هذا التعارض يعارض عنده. ربما ظاهر كلام الكركي هذا لانه ظاهرا ابتكر الترتب في التزاحم وبلوره اكثر الشيخ جعفر كاشف الغطاء. أيا ما كان هناك دعوى ان التزاحم تعارض واحد الوجوه في الاستدلال في التعارض على التزاحم هو دعوى السراية.

دعوى السراية من جملة ادلتها ان المتلازمين لا يمكن ان يكونا محكومين بحكمين متناقضين ومتخالفين فلابد ان يكون حكمهما واحدا. كيف يمكن ان يبعث نحو احدهما يزجر عن احدهما مع تلازمهما. فالمتلازمات في الوجود في حكم الوجود الواحد. من هذا القبيل من الأدلة يستدل على السراية.

قاعدة السراية تختصر لنا الطريق في التزاحم وتختصر لنا الطريق في بحث اجتماع الامر والنهي وتجعل هذه الموارد كانها ضابطة واحدة. مبحث الضد والتزاحم ومبحث اجتماع الامر والنهي.

لكن رد على هذا الوجه بان المتلازمين ليس من الصحيح ان يحكما بحكمين متخالفين اما بحكم متحد. يعني لا يمكن ان يكونا حراما وواجبا وهذا صحيح. اما ان يكون كلاهما حرامان او كلاهما واجبان ليس ضروريا. افترض ان احد المتلازمين يسقط بدليل فيبقى الملازم الآخر بلا حكم ولا بأس به. السراية مدعاها وحدة الحكم وهنا ليس وحدة الحكم. فاذا المقدار اللازم في المتلازمين ان لا يكونا محكومين بحكمين متناقضين ولا دليل على ان يكونا بحكم واحد.

حتى نفس لزوم ان لا يكونا محكومين بحكمين متناقضين ليس صحيحا وغدا ان شاء الله نواصل