الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/04/15

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع:الضوابط الكلية في تنقيح الموضوع للإجتماع

 

وصل بنا البحث الى التنقيح الكلي لمورد اجتماع الامر والنهي وخلاصة كلام صاحب الكفاية ان تعدد العنوان لا يستلزم تعدد المعنون ومثّل بما هو الحال في الباري تعالى ولكن غاية كلامه هو نفي الملازمة بين تعدد العنوان وتعدد المعنون واما أن تعدد العنوان يثبت وحدة المعنون لا دليل عليه. هذا ما يأتي في كلام واستدلال صاحب الكفاية مع انه قائل بالإمتناع لكنه مجرد امكان وليست ضرورة وقوع وحدة المعنون. حينئذ إمكانية كلا التقديرين موجودة.

من ثم كلام صاحب الكفاية رحمة الله عليه مجرد احتمال وليس استدلالا على لزوم الامتناع.

اما كلام الميرزا النائيني هو فرق بين العناوين الاشتقاقية كالعلم والعالم والبياض والأبيض والقوي والقدرة. في العناوين الاشتقاقية المعنون شخص واحد لان العالم هو قادر وهو الأبيض والاصفر ويشار بهذه العناوين الى الشخص والمبادئ من القدرة والبياض والعلم حيثيات تعليلية.

الحيثية التعليلية تعني انها ليست موكبا ومركبا لطرو وعروض المحمول عليها وانما هي واسطة في الاثبات وليست واسطة في الثبوت. بينما الحيثية التقييدية غيرها.

اذن هذه نكتة سليمة عند الميرزا النائيني ان في العناوين الاشتقاقية المعنون واحد بخلافها في مثل البياض والعلم والقدرة والحركة. هذه العناوين تعددها يدل على تعدد المعنون. لان البياض الذهني يصدق على البياض الخارجي وهي غير العلم الخارجي والقدرة الخارجي.

اذن العناوين اذا كانت بنحو المبادئ فالمعنون متعدد واما اذا كانت بنحو المشتقات فالمعنون واحد لان الحيثيات تكون تعليلية.

لكن سجل على هذا المطلب مؤاخذة ان العناوين التي اشتقاقية ليست بالضرورة ان تكون عناوين تكوينية متأصلة في الوجود الخارجي. نعم في العنوان الاشتقاقي الذي ذكره الميرزا النائيني طرا الحيثيات تعليلية. سواء كان العنوان الاشتقاقي تكويني او اعتباري في العناوين الاشتقاقية مبدأ الاشتقاق يكون حيثية تعليلية لصدق العنوان على المعنون الواحد.

اما في العناوين غير الاشتقاقية ليس من الضروري ان تكون المبدأ تكويني بل قد تكون انتزاعية او اعتبارية. في العناوين الاعتبارية او الانتزاعية لا يبعد ان يكون المبدأ حيثية تعليلية أيضا فيكون العناوين تصدق ذهنيا على المعنون الواحد فهذه الضابطة يؤاخذ عليه بما ذكره مرحوم الاصفهاني.

أيضا ذكر فائدة أخرى الميرزا النائيني جيدة ان مبحث اجتماع الامر والنهي لا ينحصر في المتعلق بل يمكن تصويره في متعلق المتعلق «اكرم العلماء ولا تكرم الفساق» هنا الفاسق والعالم متعلق المتعلق وليس المتعلق. هذا أيضا يمكن تصوير البحث فيه في اجتماع الامر والنهي.

نضيف ملحوظة تكوينية لكلام الميرزا النائيني في هذه الفائدة ان هذا فيما اذا كان الالتقاء كما مر صدفة واتفاقا ونادرا. فيكون من باب اجتماع الامر والنهي واما اذا كان الالتقاء نوعيا لا يندرج في اجتماع الامر والنهي بل يندرج في التعارض الاصطلاحي كالتخصيص او ما شابه ذلك وان كان التخصيص عند القدماء نوع من التزاحم الاخر لكن تزاحم اقتضائي في مقام مرحلة الحكم الانشائي. هذا بحث آخر حقيقة التخصيص عند القدماء تختلف عنها عند متاخري الاعصار.

المهم مر بنا الفرق بين باب التعارض وباب اجتماع الامر والنهي ان التنافي في مقام الفعلية فقط باب اجتماع و اما التنافي في مقام المرحلة الانشائية من باب التعارض.

على أي حال ما ذكره الميرزا النائيني ان متعلق المتعلق أيضا قد تكون من دوائر اجتماع الامر والنهي صحيح بشرط ان يكون التلاقي صدفة واتفاقا. هذه نقطة أخرى لا بأس بها.

 

نقطة أخرى ذكرها الميرزا النائيني لا بأس بها انه ذكر ان العنوانين الذين بينهما عموم وخصوص من وجه لا محالة يلازمان تعدد المعنون اذا كانت من المبادئ. يعني هذا كانما برهان آخر.

يقول: لان كون النسبة بينهما من وجه يعني ان في مورد التلاقي حيثية صدق احدهما قطعا غير حيثية صدق الاخر. لانه اذا كان حيثية الصدق و احدة لما افترقا فحيث افترقا فواضح ان حيثية الصدق مختلفة. هذا برهان عقلي جيد.

في باب اجتماع الامر والنهي غالبا النسبة من وجه وان كان صاحب الفصول قال يمكن ان يعم العموم والخصوص من وجه. مثل «لا تقربا هذه الشجرة» و «كلا من حيث شئتم» هذا عموم وخصوص مطلق واذا كان صدفة فاجتماع الامر والنهي واذا كان غير صدفة فالتعارض والتخصيص.

يعني المدار عند صاحب الفصول في اجتماع الامر والنهي وباب التعارض بالمعنى الاعم ان التعارض والمعالجات في المرحلة الانشائية لكن اجتماع الامر والنهي من شئون مقام الفعلية او الامتثال او التنجيز. ففيه شئون لمراحل لاحقة للحكم وفيه شئون للمراحل السابقة للحكم.

المهم ان ما قاله الميرزا النائيني هنا لا بأس به لكن سجل عليه المؤاخذة الاصفهاني ان هذا لو كان في العناوين التكوينية اما اذا كانت العناوين اعتبارية او احدهما اعتبارية بحث آخر ليس من الضروري ان تكون حيثية الصدق مختلفة. هذا على كل اجمال كلام الميرزا النائيني وهو ذهب بالجواز بهذا اللحاظ.

بالدقة هو يذهب بالتفصيل بين العناوين الاشتقاقية التي يذهب بالامتناع وبين عناوين المبادئ التي يقول بالجواز.

هذا ملخص مبنى الميرزا النائيني بنحو كبروي وكلي. مر بنا ان البحث في الاجتماع مساران مسار المحمول ومسار الموضوع. ومسار الموضوع أيضا مساران مسار كلي وضوابط كلية عقلية ومسار جزئي في الأمثلة الخاصة يعني البحث التطبيقي كالصلاة و الغصب.

لم اثاروا البحث التطبيقي باعتبار انه فيه تنبيه وتدريب على ان العناوين مختلف الأنواع والاسناخ ولكل عنوان سنخ فالضوابط في البحث الكلي غير كلية. اذا لكل حادثة حديث ولابد ان ننقح من زوايا عديدة. فبنحو الضابطة الكلية التي ذكرها الاعلام غير مطردة ومثل تنقيحات موجبة جزئية.

هناك أيضا سيأتي مزيدا من الضوابط الكلية في البحث التطبيقي غير هذا الذي مر بنا. مثلا في بحث الصلاة والغصب نوع من المداقة الصناعية الجيدة عند الاعلام وتجاذب البحث عندهم يظهر منها الضوابط الكلية عندهم.

هذا اجمال ما قاله الاعلام واني ما علقت عليه لان كلا من زاوية صحيح وتنقيحاتهم لا غبار عليها والجمع بين هذه الكلمات هو المتين.

اذا اصل مبحث اجتماع الامر والنهي محمولا وموضوعا وكليا انتهينا منه والان ندخل في البحث الصغروي والتطبيقي ونلتفت الى بعض الضوابط الكلية فيها.

قبل ان ندخل في البحث التطبيقي طويل الذيل في الصلاة والغصب والامثلة الأخرى التي ذكروها نقطة أخرى مرت بنا في كلام الميرزا النائيني ان الحركة ليست من الماهيات. ان الحركة من المفاهيم الوجودية الى درجة انه كيف يمكن تصور التكامل في المجردات؟ بحث المجردات وما هي بحث آخر وبحث عقلي معرفي ولا حاجة للخوض فيه. ملا صدرا وغيره مثل خواجه نصير الدين الطوسي عنده في شرح الهيات الإشارات التكامل في المجردات لان الحركة او التكامل تقتضي المادة والمادة جسمانية وكيف يمكن تصوير الحركة والتكامل في المجردات.

نحن الان في صدد ان الحركة لها عرض عريض وعند ملاصدرا ضابطة لا بأس بها وهي ان العنوان الواحد اذا صدق على الجوهر والعرض والجواهر المختلفة اعرف ان هذا العنوان ليس ماهويا. مثلا العلم تارة تكون جوهرا وتارة تكون عرضا فليس من الماهيات. هذه علامة للتمييز بين المفهوم الوجودي والمفهوم الماهوي. اذا عند ملاصدرا العلم ليس ماهية او كيف نفساني. اذا منظومة البحث في العلم عند ملاصدرا في المفاهيم الوجودية ولذلك يحل كثيرا من الإشكالات التي تورط فيه المشاء او الاشراق.

كان الكلام في الحركة فالحركة مفهوم وجودي كمالي وهذا الكلام بهذا المقدار ليس فيه بأس.

نقطة أخرى ان العناوين ليس المراد بها الأصوات والالفاظ بل العناوين المراد بها المعاني الذهنية وهذا امر مسلم واتفق عليه بين العلوم الدينية او العلوم العقلية حتى العلوم البشرية التجريبية ان المعاني الذهنية منطقة تكوينية. اذا الاعتبار في العلاقة بين الأصوات والمعاني او بين الكتابة والنقش والمعاني الذهنية. اما منطقة الذهن حتى في الاعتباريات تكوينية وليست منطقة وليس عالم الخيال او الاعتبار. فضلا عن الوجود الخارجي. هذه في الفلسفة والمنطق والمدارس الفلسفية والكلامية والفقهية لا غبار عليه. هذه البحوث ام واساس.

لذلك مرارا وكرارا مر بنا ان علم المعاني في البلاغة بالدقة كانما علم عقلي لا يختص باللغة العربية لذلك اقتبس من جهود اللغة العربية كل لغات العالم. الجهود الذي بذله البشر في اللغة العربية استفادت منها كل لغات العالم. لان علم المعاني لا يختص باللغة العربية بل معاني مشتركة بشرية بل يشترك الجن و الملائكة والحيوانات ذات الفهم معنا. علم المعاني لغة مشتركة بين المخلوقات فكم شريف وعظيم هذا العلم. والبحوث التي نقحها علماء المعاني في هذا العلم لم ينجزها المناطقة والفلاسفة من ثم علم المعاني في علم البلاغة امر ضرروي وهو ثمان أبواب. المسند والمسند اليه والحصر والجملة الاسمية والفعلية.

علم البيان يرتبط بالعلاقة بين الالفاظ والمعاني ومن جهة علم اعتباري. اما علم المعاني علم صيرفة عقلية بالامتياز ودقق في هذا المبحث علماء البلاغة ببحوث عقلية لم ينجزها علماء المناطقة والفلاسفة.

 

هذا تمام الكلام في البحوث الكلية في اجتماع الامر والنهي وان شاء الله ندخل في التطبيق.