الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/04/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: خصائص كلام النائيني في اجتماع الأمر والنهي

 

كان الكلام في كلام صاحب الكفاية وان تعدد العنوان لا يدل على تعدد المعنون وربما يكون المعنون شيئا واحدا. هذه عمدة بحث صاحب الكفاية في النقاط التي ذكرها.

طبعا ذكر نقاط أخرى مرت بنا سابقا من قبيل انه تصح العبادة بمجرد الحكم الاقتضائي يعني ولو لم يكن الحكم فعليا تاما وليس فيه محركية بسبب التزاحم والتنافي في الفعلية مع ذلك يمكن للمكلف ان يقصد العبادة والامر ولا يكون مشرعا لان الملاك موجودا في هذه الحصص وليس تشريعا. لان الحكم الاقتضائي موجود وان لم يكن الحكم فعليا تاما مع ذلك يكفي الحكم الاقتضائي في مشروعية قصد الامر.

المهم البيت القصيد في كلامه هذا المطلب ان تعدد العنوان لا يدل على تعدد المعنون وهذه الاثارة من متاخري هذا العصر اثارة جدا متينة اننا يجب ان ندرس هذه العناوين التي تأخذ في المتعلقات هل هي تكوينية متأصلة خارجية ام انها اعتبارية او انتزاعية وبالتالي ماهيتها العقلية واللغوية والتكوينية ما هي ويدرس الحال بين متعلق الامر ومتعلق النهي بلحاظ القالب الماهوي التكويني بينهما لا الالفاظ وما شابه ذلك. هذه ضابطة مهمة عند متاخري الاعصار في دراسة متعلق الامر والنهي بينهما.

لكن المؤاخذة التي تسجل على المرحوم الاخوند ان هذا المقدار لا يثبت وحدة المعنون فقد يكون المعنون متحدا وقد يكون متعددا. يعني ان هذا المطلب خطوات الى النتيجة هي النتيجة الحاسمة التي ذكرها صاحب الكفاية.

العناوين الذهنية هي المفاهيم والعناوين اللفظية هي الأصوات والعناوين الذهنية المفهومية الماهوية او باصطلاح المعقول ان المفهوم اصطلاحا اعم من ان يكون ماهية او يكون كمال وجودي وان كان في بيان اهل البيت عليهم السلام حتى هذه المفاهيم التي يحتسب قسما منها مفاهيم وجودية وقسم منها الماهيات هي الأخرى حدود خفية. أيا ما كان المعروف عند العلوم العقلية هكذا ان المفهوم اعم من الماهية والمفاهيم الكمالية الوجودية بخلاف الماهيات. أيا ما كان العناوين وكلمة العناوين تطلق على الالفاظ والاصوات واكثر من ذلك هم يريدون المفاهيم والمعاني يقال عنها العناوين.

نعم تعدد العناوين لا يدل على تعدد المعنون في الخارج لكنه ما الضابطة في انه واحد او متعدد ولم يذكرها صاحب الكفاية بالتالي ما اقام برهانا على الامتناع. هذا على كل ما سجل ملاحظة على كلام صاحب الكفاية.

الميرزا النائيني عنده خلاصة النكات المهمة. لب كلامه المرتبط ببحث متعلق الامر والنهي هذه النقطة: انه قسم العناوين الى عناوين اشتقاقية وعناوين اشتقاقية انتزاعية ولو كانت تكوينية فضلا عن ان تكون اعتبارية. وهناك عناوين ليست اشتقاقية او اعتبارية بل يقال له العناوين المبادئ المتأصلة في الخارج.

من باب المثال ان الأبيض غير البياض او العالم غير العلم والقوي غير القوة. في هذه العناوين الاشتقاقية يقول ان المعنون واحد لان العلم في العالم و القوة في القوي والبياض في الأبيض هذه المبادئ وجوداتها في المعروض متمايزة وغير متحدة. البياض و القوة والعلم لان هذه المقولات الماهوية متباينة ثبت في بحوث المعقول انها ماهيات ووجودات متباينة وليست متحدة. ولكن الأبيض والعالم والقوي يشار به في العنوان الى شخص واحد اذا اجتمعت في مكان واحد وتكون المبادئ كالبياض جهة تعليلية لصدق الأبيض على الشخص او لصدق العالم على الشخص. فالمبادئ وهي القوة والعلم والبياض حيثيات تعليلية لصدق العناوين الاشتقاقية على الشخص.

فلا يجعلون مصداق الأبيض هوا لبياض بل مصداقه الشخص ذو البياض والقوي مصداقه الشخص ذو القوة فهذه المبادئ حيثية تعليلية والمعروف في الحيثية التعليلة ان المحمول لا يكون موضوعه الحيثية التعليلية بل الموضوع شيء آخر وانما هذه الحيثية التعليلية كانما رافعة فترفع المحمول وتجعله على الموضوع. كانما شرط القضية التي تتكون من المحمول والموضوع.

اما عنوان البياض فلا يصدق على الشخص بل يصدق على وجود البياض وكذلك القوة والعلم. فاذا عنوان العلم والبياض والقوة عناوين مبادئ وليست اشتقاقية وجهة الصدق فيها في الخارج حيثية تقييدية يعني هي نفس الموضوع كالقوة والبياض في الخارج. اذا العناوين نمطان سواء كانت تكوينية حقيقية او اعتبارية.

هذه النكتة من الميرزا النائيني يريد ان يقول ان النسبة بين متعلق الامر ومتعلق النهي يمكن ان تلاحظ في متعلق المتعلق. المتعلق هو الصلاة فتعلق الوجوب الى الصلاة والصلاة بدورها تتعلق بالكعبة باعتبار الاستقبال. فيقال للصلاة متعلق الوجوب ويقال للكعبة الشريفة متعلق المتعلق. وكذلك الماء في الوضوء في الصلاة يعبر عنه متعلق المتعلق. فلدينا المتعلق ولدينا متعلق المتعلق.

الميرزا النائيني يقول ان اجتماع الامر والنهي ليس فقط في المتعلق بل قد يكون في متعلق المتعلق بالتالي يعول الى المتعلق لكنه ابتداء في متعلق المتعلق. مثل ان تقول «اكرم العلماء» و «لا تكرم الفساق» اذا كان من اجتماع الامر والنهي اذا كان التقارن صدفة فيمكن ان يكون من اجتماع الامر والنهي بسبب متعلق المتعلق. فيه الشخص واحد سميته عالما او فاسقا. نسبة العلم اليه حيثية تعليلية وكذلك نسبة الفسق اليه. فيسند المتعلق الى الشخص. فلا يكون من تعدد المعنون. الاكرام للشخص وواضح انه واحد. الميرزا النائيني يفصل لا انه يقول بالجواز مطلقا. اذا كان العنوانان اشتقاقيان فيقول بالامتناع سواء في المتعلق او متعلق المتعلق لانه بالدقة المبدأ الماهوي او المقولة الماهوية ليست محطا للصدق انما هي حيثية تعليلية ومحط الصدق شيء آخر. ففي العناوين الاشتقاقية لامحالة ان يسار الى الامتناع. نعم في العناوين التي هي للمبادئ الماهية المتأصلة الصحيح فيها ان يكون الجواز مطلقا. لانها وجود وان كان الميرزا النائيني في الجواز لا يذهب الى الصحة مطلقا ويفصل بين العمد وغير العمد. لكنه بالتالي كما مر بنا هناك مساران في البحث وزاويتان جهة الموضوع والمتعلق وجهة المحمول. ففي جهة الموضوع يفصل الميرزا النائيني بهذا النحو انه اذا كان العنوان اشتقاقيا فحيثية تعليلية فيكون الاتحاد واذا كانت العناوين تقييدية يعني عناوين المبادئ. هذه نكتة مهمة يلفت اليه الميرزا النائيني.

نقطة أخرى مفيدة في البحث يذكرها الميرزا النائيني وهذه حساسة في مبحث اجتماع الامر والنهي. وهي الحركة. فعل الانسان في النهي والوجوب هو الحركة فالميرزا النائيني وفاقا لملا صدرا يقول ان الحركة وحقيقتها في أفعال الانسان او غير الانسان عند الفلاسفة او المتكلمين محل لغط ومعركة آراء. ما هي الحركة؟ سواء الحركة في الاعراض او الحركة العرضية او الحركة في الجوهر والحركة الجوهري. مشي الانسان ليس حركة في الجوهر بل حركة عرضية وحركة الجوهر مثل النطفة والعلقة والمضغة والعظام او ان النبات ينمو. اقسام الحركة كثيرة.

جملة من متكلمين او الفلاسفة يجعلون الحركة من سنخ الماهية فصار جنس العالي في جملة من الاعراض هو الحركة والحال انهم يقولون ان تسع مقولات باجناس تسعة متباينة وليس بينها جهة اشتراك. المهم هذا لغط عقلي موجود في تشخيص الحركة.

النتائج الأخيرة ان الحركة من سنخ الوجود وليس من سنخ الماهية. طبعا للعلم ان ملاصدرا في الأساس لم يكن فيلسوفا بل كان زعيم علم الكلام في الاصفهان حسب ما ذكر المظفر. تلمذ في الفقه والأصول على الشيخ البهائي وبعده درس المعقول عند ميرداماد. بعد ذلك اتجه اتجاها فلسفيا. يقول ان الذي اثر على ملاصدرا انه لا يجعل الفلسفة نتاج بشري بحطا. يعني يمزج فيه بيانات الوحي من الايات والروايات. فملا صدرا يجعل ضابطة في الحركة سنخ معنى وجودي ويجعل ان هناك معاني للكمالات ولكل كمال من حيث هو هو. هذه المعاني ليست ماهوية ويعبر عنها مفاهيم الوجود وهذه المعاني أينما حل الوجود تتواجد هذه ا لكمالات. فالوجود فيه كمالات كذا كالنور والحركة والعلم يقول ان هذه كلها معاني كمالية لا ربط لها بالماهية وهناك ماهيات والماهيات أيضا هي معاني كمالية اخذ فيها الحد والانتهاء فصارت ماهية. فمعاني الماهيات بالدقة هو تركيب من كمالات الوجود وحدود عدمية. يعني ليس معنى اصيلا. المعنى الأصيل هو معاني الوجود وكمالات الوجود والعدميات. هذا البحث لماذا نثيره؟ لان مبحث الحركة في أفعال الانسان التي هي متعلق الامر او النهي ك«صل» لا تغصب ولا تزن» كلها فيه الحركة. الميرزا النائيني يقول ان الحركة من سنخ الوجود وليس من سنخ الماهيات فلا يجعل الحركة جنس الاجناس ثم تقول ان الحركة شيء واحد اما غصبية او صلاتية. هذا التعبير كتعبير ماهوي خطأ. لا سيما انه لو افترضنا ان الحركة جنس فكيف جنس يتحد مع فصلين عرضيين؟ فيه قول بالامتناع. فالصحيح ان الحركة من سنخ الوجود والوجود يمكن ان يتكثر ويتعدد. الحركة في العين والحركة في الكيف. مثلا الوان النبات تتغير فهي حركة في الكيف وحركة العين كاني اسافر بحركة من نجف الى كربلا وهذه حركة في العين. اذا الحركة ليست جنسا ماهويا بل من سنخ الوجود والوجود للماهيات المتعددة وجودات متعددة. وهذه ربما غفلة في تنقيح الأفعال في الاجتماع عند جملة من القدماء وهي مبني على نظريات مستهلكة في الفلسفة او الكلام. الان هذه النظريات غير مقبولة. وهذه نكتة مهمة. اذا الحركة ليست من سنخ الماهية بل من سنخ الوجود وبالتالي تتعدد وتتكثر.

اجمالا هذه خلاصة اللب المتميز لمبنى الميرزا النائيني في تنقيح الموضوع في اجتماع الامرو النهي ويمكن نسبة التفصيل الى الميرزا النائيني يعني في العناوين التي هي المبادئ يذهب الى الجواز مطلقا.

هذه نقطة ثالثة انه لماذا يذهب الى الجواز مطلقا في العناوين التي هي المبادئ لا العناوين الاشتقاقية؟ لان المبادئ مقولات ماهوية متباينة لا تندرج في بعضها البعض وليس وجودات واحدة حتى لو كانت النسبة مقولة عارضة على المقولة العرضية الأخرى أيضا وجود المعروض غير وجود العارض. فوجودان وليس وجودا واحدا.

ذكر نكات كثيرة لا حاجة لاستعراضها لا بأس بها لكن لا حاجة بها. هذه خلاصة كلام الميرزا النائيني.

اما المرحوم الاصفهاني رحمة الله عليه زيادة على ما مر في كلام الاخوند واستعرضت جملة من النقاط لعل هو أيضا من رواد التفت اليها وسبقت كتضاد الاحكام. النقطة الصميمية التي يركز عليها الاصفهاني ان هذه العناوين مثل الغصب والصلاة وغيرها التي مأخوذة في القانون والتقنين كثير منها عناوين اعتبارية. قليل منها تكوينية مثل الوضوء بمعنى الغسلات والمسحات.

المهم هو ينبه على هذه النكتة ان جملة كثيرة من العناوين التي هي متعلقات للامر او متعلقات للنهي اعتباريات انتزاعية وليست عناوين تكوينية متأصلة ولا يصح ان نعاملها بموازين فلسفية تكوينية بل يجب ان نفككها ونلاحظ التكوينيات فيما بين العنوانين مرتبطان ام لا؟ مثلا السجود ما هو؟ هل هو التصرف في الفرش المغصوب والتصرف أيضا عنوان اعتباري فلابد ان نعرف ماهي العناوين الاعتبارية فيه؟ اذا مداقة المرحوم الاصفهاني انك اذا اردت ان تدرس النسبة بين متعلق الامر ومتعلق النهي اذهب الى العناوين التكوينية المأخوذة جزءا ضمنا في العناوين الاعتبارية. فلاحظ النسبة بين التكويني في متعلق النهي والتكويني في متعلق الامر. هل النسبة نسبة الاتحاد او لا؟

نقطة من النائيني نسيتها ضابطة عالية مهمة ومفيدة وهي ان الميرزا النائيني ما قيل من التفصيل بين التركيب الاتحادي او التركيب الانضمامي ضابطة خطأ بل الضابطة الصحيحة ما نقلناها عنه الاشتقاقي او المبدأ المتأصل. عنده برهان عقلي ويخطأ هذه الضابطة.

ان شاء الله نقف عليها في كلام النائيني.