46/04/10
الموضوع: المسالك في مسارين في مسألة الاجتماع
مر بنا ان مبنى السيد الخوئي رحمة الله عليه بطلان العبادة في صورة الامتناع الا في صورة النسيان القصوري. طبعا قواعد الرفع الستة امتنانية وحيث انها امتنانية مقيدة بعدم التقصير أي موارد القصور.
مر بنا أيضا ان الميرزا النائيني وتلاميذه منهم السيد الخوئي وتلاميذه يبنون على ان الرفع في القواعد الست بألسنها المتعددة التي مرت بنا مخصص للاحكام الأولية مثل «لاتعاد» وقاعدة «السنة لا تنقض الفريضة» بالتالي ان هذه القواعد العذرية مخصصة للاحكام الأولية كتخصيص اصطلاحي. نعم في فقرة «ما لا يعلمون» والبراءة يبنون على ان الرفع ظاهري يعني خصوص التنجيز والمؤاخذة و العقوبة وليس الحكم الواقعي.
بينما مشهور طبقات الفقهاء الى صاحب الجواهر والشيخ الانصاري والاخوند والسيد اليزدي ان هذا الرفع في كل الفقرات الست رفع المؤاخذة. فمن ناحية المحمول في القواعد الست هو رفع للمؤاخذة والتنجيز والعقوبة وليس رفعا للحكم. اذا من جهة المحمول لا فرق بين البراءة والقواعد الأخرى لكن من جهة الموضوع تختلف القواعد. البراءة منوطة بالجهل وقد ينكشف الخلاف ويتبدل الخلاف.
في البراءة رفع العقوبة واقعي لكن بلحاظ الموضوع يقال ان البراءة قاعدة ظاهرية. هذا التعبير عند العلامة الحلي ان ظنية الطريق لا ينافي قطعية الحكم أي ان الطريق ظني لكن من جهة العذر قطعي. اذا ما تختلف البراءة عن القواعد الخمس الأخرى هو نمط الموضوع فيها وهو انه قابل للتبدل وكشف الخلاف.
التعبير بكشف الخلاف بمعنى انه كان جاهلا بالحكم وانكشف له وجود الحكم لا انه في البراءة الرفع ظاهري وفي القواعد الأخرى الرفع واقعي وتخصيص. اذا عند المشهور ان الرفع في الجميع ليس رفع الحكم الواقعي بل رفع المؤاخذة والعقوبة ويقال لها القواعد العذرية. غاية الامر اختلاف في عناوين الموضوع بين البراءة والحرج والنسيان والاكراه. هذا ما بنى عليه المشهور وهو الصحيح بشواهد عديدة. كما ان «لا تعاد» أيضا هكذا انها ليست تخصص الاحكام الأولية بل هي عبارة عن تصحيح الناقص واجزاءه عن الكامل. لا انه رفع اليد عن الكامل بل الكامل على حاله. غاية الامر الشارع يكتفي بالناقص عن الكامل ليس الا.
على كل هذا هو الفرق الجوهري بين مبنى الميرزا النائيني وتلاميذه منهم السيد الخوئي وتلاميذه وبين المشهور.
الان السيد الخوئي يقرب النسيان على مبنى النائيني المخالف للمشهور من ان النسيان القصوري يخصص الحكم الواقعي واذا خصص الواقع عندهم فلا وجود للحرمة في الواقع. كما ان الاضطرار عندهم هكذا. مثلا «حرمت عليكم الميتة ... فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا اثم عليه» ويقولون ان الميتة في فرض الاضطرار لا حرمة لها والحال ان الآية الشريفة تصرح انه لا اثم عليه أي ان الحرمة مجمدة. النائيني يقول انه لا اثم عليه يعني ان الحرمة ليست موجودة.
فمن ثم السيد الخوئي استثنى خصوص النسيان القصوري على الامتناع فتصح العبادة وعلى الجواز مطلقا صحيح عند السيد الخوئي.
يبقى شيء يعلق في البين. وهو انا نتبنّى مبنى المشهور وان كان السيد الخوئي يشكك في نسبة القول الى المشهور لكن الصحيح انه مبنى المشهور. هم قالوا ان العبادة تصح على الجواز مطلقا فضلا عن الواجب التوصلي. وعلى الامتناع يفصلون بين العمد او الجهل والنسيان التقصيري وبين الجهل القصوري او النسيان القصوري او العذر القصوري فيصححونها. مثل الاضطرار القصوري كمن الجأ بالصلاة في الدار الغصبية فتصح منه الصلاة. فاذا يفصلون بين العذر وعدم العذر بعبارة أخرى.
لان الامتناع عند المشهور لا يستلزم التعارض الاصطلاحي واما يستلزم التزاحم الاقتضائي وان لم يكن التزاحم الامتثالي. في التزاحم الاقتضائي اذا كانت الحرمة ممنوعة بسبب العذر كالنسيان والاضطرار والخطأ والجهل فبالتالي هذه الحرمة الممنوعة عن التنجيز لا تفسد العبادة وان اتحدت وجودا مع العبادة.
طبعا بعض الاعلام الأصوليين قالوا: بل تفسد العبادة لان العبادة يشترط فيها الحسن الفاعلي والحسن الفعلي. الحسن الفاعلي هنا في البين لانه معذور لكن هذه العبادة لا يمكن ان تكون الحسن الفعلي لانه مشوبة بالمفسدة وهي مغضوبة وان كان المكلف معذورا لكن معذورية المكلف لا تجعل العبادة نقية وكيف يتقرب بما هو مبغوض او بما فيه مفسدة؟
مثلا لو لم يكن في البين الا ماء مغصوب فهل يصح منه الوضوء والغسل؟ لا بل انتقل الى التيمم او افترض التراب المغصوب ولو فيه كلام ان ملامسة التراب المغصوب تصرف حرام او لا؟ قد يقال انه ليس تصرفا حراما لانه ليس كل ما كان مال الغير وغير مأذون فيه كل التصرف فيه حرام. مثلا الان الانتفاع من انارة الجار او الانتفاع من الجدار بالاتكاء او اذا كان الأرض شاسعة وكبيرة يستطرقون الناس فيه كارض بوار ولا يلزم ان يستأذن بان يمر فيه او كان نهر كبير ما يلزم ان يستأذن في الشرب والانتفاع. هذه المقدار من التصرفات يقال لا مالية لها عند العرف وليس محرما. لذلك حتى لو افترض ان التراب ملك الغير لكن التيمم بغباره ليس حراما. اذن ليس كل التصرف في مال الغير حراما بل بشرائط.
اذا لو افترضنا ان التراب مغصوبا والتيمم به تصرف محرم ففي الصلاة الصحيح انها تنتقل النوبة الى وجوب الصلاة الى فاقد الطهورين للنصوص الواردة في الغريق. على أي حال الصلاة فيها مراحل.
لكن اذا اكره في التواجد في الأرض المغصوبة هل تسقط الصلاة؟ لا وبعضهم قال يصلي بالايماء وبعضهم رد على هذا القول وقال ما الفرق بين ان يصلي بالايماء او يجلس مع الاضطرار؟ بالتالي هو مضطر.
هنا يأتي الكلام ان في الاضطرار تصح الصلاة بالقصور مع المغصوب مقيدا بعدم المندوحة يعني كما الوضوء بالماء المغصوب ليس لها مسوغ مع كون المكلف يستطيع ان يتيمم. لو افترضنا ان ضرب اليد على التراب المغصوب تصرف حرام فتصل نوبة الصلاة بلا طهورين. هذه عنده مندوحة.
لكن الجلوس في الدار الغصبية من دون التقصير ليس له مندوحة. بالتالي هذه الاضطرار مع كونه معذورا لا يفسد الصلاة. الاضطرار للحرام مع انه حرام عند المشهور لكن الصلاة تصح الصلاة بوضوح فقهيا. هذا منبه على ان الحرمة المفسدة المانعة عن العبادة هي الحرمة المنجزة او الفاعلية التامة. اما الحرمة الممنوعة بعذر اول الكلام ان تكون مفسدة للعبادة.
اذن ما ذهب اليه المشهور قويم من انه حتى على الامتناع ووحدة وجود المفسدة والحرمة مع العبادة ليس تعارضا بل تزاحم ومع كون الحرمة ممانعة بعذر فتصح الصلاة. فمع عدم المندوحة تصح الصلاة.
الى هنا انتهينا في مسألة الاجتماع عن مسار المحمول ومر ان البحث فيها في مسارين مسار المحمول ومسار الموضوع. وهذا تنقيح لنصف المسألة بل هو في الحقيقة النصف الأهم في المسألة انه ليس التعارض حتى على الامتناع.
يبقى الكلام في مسار الموضوع والمركز الثاني في المسألة.
في هذا المركز متاخروا الاعصار التفتوا الى نكات متقنة امتن من القدماء والطبقات السابقة لانهم اعملوا الدقة الجيدة. المرحوم الآخوند عنده نكات وهو يذهب الى الامتناع مطلقا. يعني في تحرير الموضوع يذهب الى الامتناع وعنده دلائله. ففي التحليل العلمي للموضوع يذهب الاخوند الى الامتناع.
الميرزا النائيني من ناحية الموضوع يذهب الى الجواز مطلقا. الان بحثنا في الموضوع. الميرزا النائيني فصل في الجواز والامتناع محمولا في صحة العبادة والاخوند أيضا فصل في المحمول. لكن يجب ان لا نخلط ان البحث الان فقط بحث الموضوع ليس المحمول. اين الامتناع وما هي الضابطة في الامتناع مباحث موضوعية. اين الجواز وما هي ضابطة الجواز مباحث موضوعية.
هذا البحث الموضوعي ليس يملي شيئا على المحمول. يقول موضوعا هنا الجواز وضابطة الجواز هكذا او ضابطة الامتناع كذا. المباني في الموضوع شيء والضوابط شيء وفي المحمول شيء. لا ربط بين الاقوال في المحمول مع الاقوال في الموضوع. لنميز بين المسارين.
الاخوند ذكر نكات لطيفة وذهب الى الامتناع مطلقا والنائيني ذهب الى الجواز مطلقا والسيد الخوئي تبعا لاستاذه الكمباني فصل. كل منهم ذكر نكات جدا مهمة في تنقيح الموضوع لم تنقح في كلمات المتقدمين.
اهم شيء ذكره هؤلاء الاعلام في تنقيح الموضوع وهم متفقون اجمالا عليه هو ان العناوين المأخوذة في متعلقات الاحكام ليس كلها عناوين حقيقية تكوينية متأصلة في الوجود بل كثير منها عناوين اعتبارية انتزاعية غير متأصلة في الوجود. هذه العناوين من القسم الثاني حسابها يختلف مع العناوين التكوينية.
انصافا تنقيحات رشيقة ومتينة وان شاء الله نستعرضها.