الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/04/09

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النواهي/ اجتماع الامر والنهي /صحة العبادي والتوصلي في مسألة الاجتماع والامتناع

 

كان الكلام في النقطة التمهيدية الأخيرة وكما مر ان الاعلام في بحث مسألة اجتماع الامر والنهي على مسارين؛ يعني يبحثون وينقحون البحث من زاويتين. زاوية المتعلق والموضوع بالمعنى الاعم، هل فيه وجود واحد ومجمع واحد وماهية واحدة ام لا؟ وزاوية أخرى مسار الحكم؛ ما هو حاله بناء على التعدد وهو الجواز؟ وبناء على الاتحاد وهو الامتناع؟ فاذن هم يبحثون في مسارين وزاويتين وسبق ان المشهور الى صاحب الكفاية خلافا للميرزا النائيني وتلاميذه منهم السيد الخوئي يقولون انه بناء على الامتناع ليس تتعارض بل انما يكون تزاحما من نمط آخر يعبرون عنه بالتزاحم الاقتضائي او الملاكي. بينما الميرزا النائيني يعتبره التعارض.

 

هذه النقطة الأخيرة: متى تقرر الصحة؟ المشهور كما مر يبنون على ان العبادة على الجواز صحيحة مطلقا وعلى الامتناع صحيحة عدا صورة العمد او كون الجهل والنسيان تقصيريين. اذا في الامتناع فصل المشهور، أما لو كان توصليا فيصح مطلقا سواء على الامتناع او الجواز ومجزئ مطلقا.

حتى على مبنى الميرزا النائيني أيضا مجزئ مطلقا على ظاهر كلامهم. لانه في التوصلي ليس فيه قصد القربة والغرض يحصل سواء غسل الثوب بماء مغصوب او بماء حلال.

السيد الخوئي فصل في التوصلي وقال اذا يستفاد من الأدلة ان الغرض مطلق حتى لمصداق الحرام فلا اشكال فبالماء المغصوب أيضا يصح واما مثل التحنيط بحنوط مغصوب ففي إجزاءه اشكال مع انه توصلي. ويمثل انه لو قام صبي بتحنيط الميت مع انه توصلي ففيه اشكال كذلك لو حنط بمغصوب. هذه المسألة ليست متفقا عليها لكن مبنى السيد الخوئي هكذا. فيعتمد على دليل التوصلي فتارة دليله مثل الغسل من الخبث فيحصل بالماء المغصوب يعني ان بعض التوصليات ادلتها شاملة لمصداق الحرام اما بعض التوصليات ففيه تأمل ودليلها ليس واضحا ان الغرض شامل حتى لمصادق الحرام ومثل بالحنوط.

طبعا ان التكفين بالمغصوب واضح انه ليس مجزئا لا من جهة الاجتماع بل لانه لابد ان يرجع الكفن الى اهله اما الحنوط بعد ما يحنط بالكافور فيتلف الكافور وليس مثل الكفن لكن السيد الخوئي استشكل في اجزاءه بالمغصوب.

المهم ان ما يقال ان التوصلي في الاجتماع على الامتناع يجزء مطلقا فيتأمل السيد الخوئي في أنواع التوصلي وهذا فضلا عن العبادي واذا كان الامر عباديا فالأمر اشكل واشكل عند السيد الخوئي ولايجزئ الا في صورة واحدة وهي النسيان غير التقصيري. الميرزا النائيني استثنى صورة النسيان او يمكن ان يقال انه يستشكل في الإجزاء مطلقا على الامتناع.

المشهور على الجواز يصححون مطلقا لكن الميرزا النائيني يستثني العمد والسيد الخوئي لا يوافقهم والمشهور على الامتناع تفصيلهم بين العمد والتقصير لا تصح العبادة وفي غير العمد والتقصير تصح العبادة.

 

دعوى الميرزا النائيني انه تعارض على الامتناع وعند المشهور ليس تعارضا فالمشروعية موجودة. المشهور على الامتناع لايقولون بالتعارض بل يقولون بالتزاحم الاقتضائي فدليل العبادة تشريعا وانشاء يشمل مورد الامتناع. فما المانع من صحة العبادة عند المشهور على الامتناع؟ يقولون عدم الصحة لمانع وخلل في مقام الامتثال لا لخلل في مقام التشريع بل التشريع على حاله وشامل لها.

هذه النكتة جدا مهمة ان دليل المشروعية قد يشمل المصداق الا ان الإشكالية من جهة الامتثال لا من جهة التشريع. الإشكالية من جهة الامتثال في العمد والتقصير وانها هذا المكلف ملتفت الى الحرام او هو جاهل تقصيرا والحرام في حقه فعلي ومنجز وكيف يتقرب بما يعصى به الله وبما هو مبعّد.

اذن في مورد الامتناع مع العمد او التقصير المشهور قالوا بالبطلان لا لقصور في الأدلة لشمول مورد الامتناع بل لخلل في مقام الامتثال. هذه النكات لازم ان تلتفت اليه ان المانع للصحة من اين؟ هل القصور للمقتضي او وجود المانع؟ قالوا لوجود المانع بينما الميرزا النائيني يقول بعدم الصحة بسبب قصور المقتضي لانه على الامتناع يتعارضان فلا يشمل الدليل لمورد الاجتماع في العبادة.

هنا تفصيل عجيب من الميرزا النائيني بين التوصليات والعباديات. التوصلي يشمله الأدلة اما العبادي لا يشمله. هذا منبه على صحة وقوة مبنى المشهور في العبادي ومورد اجتماع الامر والنهي على الامتناع. اذا المشهور التزم ببطلان العبادة في خصوص الامتناع في خصوص العمد او التقصير. اما مع الجهل القصوري او النسيان القصوري معذور فلم يقولوا بالبطلان حتى على الامتناع.

استثنى السيد الخوئي خصوص النسيان ولم يستثن الجهل القصوري. على أي وجه؟ يعني يوافق المشهور على الامتناع في خصوص النسيان سواء نسيان الموضوع او نسيان الحكم لكن القصوري وليس التقصيري.

لازم ان نلتفت ان هذه العناوين العذرية والقواعد الستة في حديث الرفع يفصل مدرسة الميرزا النائيني حقيقة الرفع ويقولون ان الرفع في البراءة وما لا يعلمون ظاهري لكن الرفع في غيرها واقعي. هذا مبحث جدا حساس في كل أبواب الفقه.

هذه القواعد الستة مرارا ذكرنا انها في حديث الرفع بلسان الرفع كل واحدة منها لها ادلة أخرى بألسن أخرى مثلا «لا ضرر ولا ضرار» هي نفس «رفع ما اضطروا اليه» وان كان كثير من الاعلام غفلوا منها. قاعدة الحرج لها عدة السن وهي قاعدتان او ثلاث لكن بالتالي حرج. فهذا المطلب الذي ننقله من اختلاف المشهور مع الميرزا النائيني ليس في خصوص حديث الرفع بل في هذه القواعد الفقهية سواء كان بلسان حديث الرفع او بلسان «لا ضرر» او بلسان «ما جعل عليكم في الدين من حرج» فلا يخدعنك سطح اللفظ بل المدار على المعنى والقاعدة. لو كنا جموديين على اللفظ فقواعد متعددة بالسن متعددة لكنه خطأ. ليس المراد ان القواعد تتشابك وتتداخل بل ان كل قاعدة لها ألسن متعددة. فتدبر. قاعدة الحرج نفس قاعدة الميسور بينما الميرزا النائيني والسيد الخوئي يفترق بين القاعدتين لكنهما عند المشهور واحد. طبعا نحن ننقل عن الاساطين الاخرين. «بعثت بالشريعة السمحة السهلة» كذلك لسان اخر عن القاعدة. لا نجمد على سطح المعنى التصوري بل لازم ان نفهم المعنى التفهيمي والجدي. كيف تركز فقط على المعنى التصوري واصلا ليس هو المدار بل المدار على الجدي. ليس ضروريا ان تكون هذه الأربع متفقة بل ربما يكون كل منها على شكل وهذه من اختصاصات علم المعاني. الكبار فيما بينهم ينقدون بعضهم بعضها بهذه النكات. « الناس في سعة مما لا يعلمون» «ما كنا معذبين حتى نبعث رسولا» ألسنة البراءة متعددة وكلها في البراءة وليس المدار على المعنى التصوري.

المهم ان هذه القواعد الستة المذكورة في حديث الرفع لها ألسنة متعددة.

المهم ان مدرسة الميرزا النائيني عنده «رفع» محمول واحد اسند الى ستة أشياء. دقق صناعيا في الموضوع والمحمول والقيود. يقول ان الرفع في ما لا يعلمون ظاهري أما الرفع للاكراه والحرج والخطأ وغيره واقعي. هذا كلام مدرسة الميرزا النائيني. ربما يتراوح العراقي بين هذا وذلك.

المشهور الى الشيخ الانصاري و صاحب الكفاية لا يصح هذا الكلام عندهم. ان الرفع وتيرة وسنخه واحد في الستة. اذا كان واحدا فكيف يقول المشهور ان البراءة ظاهرية مع ان الحرج قاعدة واقعية ورفع النسيان قاعدة واقعية؟ المشهور يقولون ان هذه القواعد الست ليست مخصصة للاحكام الاولية كما يذهب اليه النائيني. هم يقولون انها مخففة وفقط ترفع التنجيز. لا تتصرف في الاحكام الأولية ولا الاحكام الفعلية ولا الاحكام الانشائية بل انما تتصرف في التنجيز. هي قواعد عذرية. الميرزا النائيني يقول ان هذا الكلام في البراءة صحيح اما القواعد الخمسة الأخرى فاقول انها مخصصة واقعا والسيد الخوئي وتلاميذ الناييني واكثر تلاميذ السيد الخوئي هكذا.

هذه قواعد كبيرة تجري في الأبواب الأخرى فرق بين ان تقول مخصصة يعني قلعت جذور الحكم الواقعي من رأس. اما المشهور يقولون ان جذور الاحكام الأولية الواقعية على حاله وهذه القواعد تعذير فقط. هذا هو الفارق الجوهري.

عند المشهور هذا الرفع في البراءة مع الرفع في القواعد الخمس سنخه واحد وهو رفع التنجيز وانما هي عذر. ففي مورد الحرج حكم الوضوء على حاله. حتى الوضوء الضرري تشريع الوضوء فيه موجود. فرق في المانع في مقام الامتثال والمانع في مقام التشريع. المانع في مقام التشريع قصور في المقتضي لكن المانع في مقام الامتثال قد يعالج بطريقة. لا نخلط بينهما.

هذا الاختلاف بين مدرسة الميرزا النائيني والسيد الخوئي وبين المشهور افتراق كبير. يعني عشرات ومآت مسائل تترتب على هذا البحث. الميرزا النائيني رحمة الله عليه عظيم وثاقب النظر لكنه هنا في مخالفة المشهور لا نوافقه.

هذا المطلب بعينه في قاعدة «لا تعاد» او قاعدة «السنة لاتنقض الفريضة» الميرزا النائيني يقول انها مخصصة. المشهور يقول انها ليست مخصصة. عندنا قواعد عديدة ان الشارع ينشأها لا صلة لها باصل التشريع بل هي معالجة لمراحل لاحقة من الحكم. لا تمس من الاحكام الأولية بشيء. هذا البحث حساس في خلل الصلاة وخلل الحج وابواب الفقه.