الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/04/05

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النواهي/ اجتماع الامر والنهي/صحة العبادة وفسادها على الامتناع والجواز

 

كنا في هذه النقطة من مسألة الاجتماع وهي أن صحة العبادة تبتني على الجواز دون الامتناع او ان هناك تفصيل آخر وعلى الامتناع تكون العبادة مطلقا باطلة وزيادة على ذلك ان العبادة أيضا حتى على الجواز في صورة العمد تكون باطلة. هذا هو التفصيل الذي ذهب اليه الميرزا النائيني.

مشهور طبقات الفقهاء الى الشيخ الانصاري وصاحب الكفاية ذهبوا الى صحة العبادة على الجواز مطلقا وعلى الامتناع في غير صورة العمد والجهل التقصيري لكنه في الجهل القصوري او النسيان ذهبوا على صحة العبادة حتى في صورة الامتناع.

اما السيد الخوئي فذهب الى صحة العبادة على الجواز مطلقا يعني خالف تفصيل استاذه النائيني وفي الامتناع ذهب الى البطلان عدا النسيان. هذه تفصيلات تختلف عن بعضها البعض بسبب المباني والنكات.

اما كلام الميرزا النائيني الذي ذهب الى البطلان مطلقا في الامتناع باعتبار انه عنده تعارض ويقدم جانب النهي والحرمة فبالتالي هذه العبادة لا أمر لها واما على الجواز ففي صورة العمد يذهب الى البطلان مع انه تعدد الوجود والماهية مع ذلك يذهب الى البطلان زيادة على مطلق صورة الامتناع.

الوجه في ذلك ان تصحيح العبادة بالامر والامر في مرحلة الفعلية والفاعلية لا يشمل هذه الحصة المتلازمة مع النهي لانه غير مقدورة فلا يشملها الامر فمن اين نصحح؟ إما بالترتب وهو ممتنع باعتبار انه اذا كان بفعل العبادة فيكون شرط صحة الشيء في الشيء او بفعل ضد آخر فاذا فعل الفعل الثالث سوف يعجز عن متعلق الامر ومتعلق النهي فالترتب غير متصور. ففي موازد تلازم الوجود عند الميرزا النائيني الترتب ممتنع.

اذن لا بنفس الامر لانه لا يتعلق بغير مقدور ولا بالترتب لانه غير متصور ولا بالملاك يمكن تصحيح العبادة لانه يواجه إشكالية ان صحة العبادة يشترط فيها الحسن الفعلي الذي هو مؤمّن والحسن الفاعلي الذي ليس مؤمّنا لان المصلي حينما يصلي سيأتي بفعل الصلاة مقارنا لمعصية فهذه الإرادة منه وهذا العزم منه قبيح يعني انه يصدر الطاعة ويصدر المعصية ويشترط في صحة العبادة الحسن الفاعلي علاوة على الحسن الفعلي.

اصل الكبرى اشتراط صحة العبادة بالحسن الفعلي والفاعلي تقريبا مسلم عندهم ونية القربة عبادة فاعلية في العبادة بل هي روح العبادة.

لابد ان نميز بين الفاعلي والفعلي. الفعلي يعني ماهية الفعل ومتن الفعل. الفاعلي ايجادية إرادة الفاعل وإيجاد الفاعل وعلة الفعل. هذه جهة الفاعلية في الفعل وهذه أيضا يجب ان تكون حسنة فلذلك واحد مثل ما مر بنا نهاية بحث امس يجب التمييز بين جهة الفاعلية وجهة الفعلية.

عدالة الراوي جهة فاعلية ولذلك في بحث حجية الخبر مغفول عنه مراعاته. الصدق الخبري يختلف عن الصدق المخبري أي الصدق الفاعلي. عندنا صدقان وكذبان. ولا تلازم بينهما. الصدق والكذب الخبري ليس اختياريا لانه خارج عن العدالة والفسق. الصدق والكذب الفاعلي محل اختيار الراوي. اما الخبري خارج عن اختياره لان متن الخبر كماهية تطابقه مع الواقع او عدم تطابقه شيء ازلي كتعبير من الاخند لكن اختيار المكلف لهذا القالب اختياري. نفس القالب صدقه وكذبه لا يدور مدار إرادة المخبر. هذا بحث معقد او غامض. حجية المتن لا صله لها بالدقة بالصدق المخبري شبيه مطابقة القوانين الوزارية او البلدية او البرلمانية للدستور بغض النظر عن حسن البرلمانيين او سوءهم و حسن الوزراء او سوءهم. اما هذا مطابق للقانون الدستوري او غير مطابق. هذا مطابق للقانون الدستوري ويصب في اهداف الدستور ام لا؟ انتخابه اختياري اما نفسه لا دخل له في المقنين او الوزراء او البرلمانيين. لذلك دستورية القانون انما معيارها هو التطابق الماهوي للدستور بخلاف الجهة الفاعلية وفيه خلط كبير بين الجهة الفاعلية والجهة الفعلية.

هذا البحث بحث مفيد. هشام بن حكم كانت عنده مناظرة مع احد الرؤساء من المعتزلة فحاجه بحجاج في مجلسه وغلب هشام الشاب المراهق ذاك الرئيس بحيث افهمه وهو اعترف انت هشام. فالإمام عليه السلام أمام بقية تلاميذه قال: اسرد ما وقع بينك وبين فلان وهو سرد فقال الامام عليه السلام: من اين تعلمت هذا المطلب؟ قال: أصول يعني القواعد الفوقية فاستنتجت هذه الأمور. فالامام أشار الى ان هذه الاستنتاجات بعينها وحي نزل على نبي من اولي العزم وهو النبي إبراهيم على نبينا وآله وعليه السلام. قال هذا التفسير بالذي ذكره هشام بن حكم بعينه وحي نزل في صحف إبراهيم. يعني القوة الفكرية لدى هشام بن حكم صارت مضاهية للقوة القلبية الوحيانية لنبي من اولي العزم. هذا يبين ان الأصول العلمية الموجودة في نبوة سيد الأنبياء يستنتج منها أمور صحف الأنبياء. هذه ليست عظمة هشام بن حكم بل عظمة الأصول العلمية لدى سيد الأنبياء. «علماء امتي افضل من انبياء بني إسرائيل» لان علمهم علم رسول الله. هذه مفاضلة بين علم سيد الأنبياء وباقي الأنبياء.

هشام ما كان يدري ان ما قاله من صحف إبراهيم و أصلا كان شيئا خارجا عن اختياره لان هذه العلوم من سيد الأنبياء يستنتج منها وينشعب منها صحف. لذلك القرآن مهيمن على التوراة والانجيل والكتب الأخرى. لذلك بعض الصحابة أراد ان يجعل التوراة محورا او الانجيل بدل القرآن يعني يجعل القوانين الوزارية محور القوانين الدستورية. فقال لهم النبي: أ متهوكون انتم؟ حديث مستفيض عندنا وعندهم. يعني الضالين والمتحيرين. يعني اذا جعلت التوراة مركزا وجعلت القرآن تبعا فأنت تعيش في تيه. مع ان التوراة وحي. لكن التوراة التي هي وحي والانجيل الذي هو وحي اذا تجعلهما أصلا فتضل الطريق.

لاحظ ان سيد الأنبياء يذكر لك قواعد ثبوتية لا صلة لها بالقائل ولا بالانبياء. علم القرآن هكذا وعلم التوراة والانجيل هكذا. هذه الأمور يعبرون عنها المتكلمون والفلاسفة أمور ازلية. الصدق الخبري امر ازلي وشيء خارج عن الاختيار. انتقاءها اختياري. اذن صدق الراوي جهة فاعلية وهذه ليست حجية ثبوتية بل حجية اثباتية كما ان حجية الطريق حجية فاعلية لكن حجية المتن حجية ثبوتية. الصدق الفاعلي لا يلازم الصدق الخبري كما ان الكذب لا يلازم الكذب الخبري. كما هو نص آية النبأ: «ان جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا» يعني تثبتوا قد يكون الخبر كاذبا وقد يكون صادقا. فمن جهة الراوي لا يكون اعتمادكم على الخبر بل من جهة فحصك وتثبتك. هذا بيان من القرآن ان الخبر الضعيف لا يحكم عليه بالعدم من حيث المتن بل انت ملزم بالفحص فقد تجد له شواهد.

هذا بحث تفكيك الفاعلي عن الفعلي بحث حساس كما مر بنا امس في الأبواب العديدة في الأصول والكلام والأخلاق والفقه. بحث من جهة غامضة ومعقد لكنه مفيد جدا.

 

اذن الميرزا النائيني يقول: في صورة الجواز مع تعدد الفعل الان الإرادة الفاعلية التي توجد المتلازمين هذه الإرادة قبيحة والحال انه يشترط في صحة العبادة حسن العبادة فعلا وفاعليا. فمن ثم اذن في صورة الجواز مع العمد يذهب الميرزا النائيني الى البطلان وطبعا في القدماء أيضا من يذهب الى هذا القول. ليس شاذا. لكن المشهور لا يقولون بذلك.

يسجل على الميرزا النائيني. أولا هو استدل في الجواز مع العمد بثلاثة وجوه تنضم مع بعضها البعض. النقطة الأولى كون دليل الحكم لا يشمل موارد التزاحم لان اجتماع الامر والنهي على الجواز يكون من موارد التزاحم واذا كان من موارد التزاحم فبالتالي ان التزاحم عند الميرزا النائيني تنافي في الأدلة. محذور التزاحم يرتقي به الميرزا النائيني الى التعارض الا ان يأتي دليل علاج.

هذا البحث سبق في مبحث الضد بيان تخطئته على مسلك المشهور وان أي محذور في مراحل الحكم اللاحقة لا تتصاعد وترتقي الى مرحلة انشائيةو التنافي الذي في المرحلة الانشائية هو التعارض اما في المراحل الأخرى أي محاذير أخرى لا يترقى الى الانشائية. سبق ان مر بنا هذا البحث. فجر المحذور في الفاعلية و الفعلية التامة الى الانشائية لا موجب لها ودعوى غير صحيحة عند المشهور هو الصحيح.

لذلك التزاحم حتى لو لم نجد له حلا بالترتب او بشيء آخر لا يكون نتيجته التعارض بل نتجيته جمود الحكمين في مرحلة الفعلية التامة او الفاعلية او التنجيز. والصحيح هكذا انه في التزاحم ان التنافي ليس في الفعلية وانما التنافي في التنجيز وسبق ان نقحناها في مبحث الضد. أصلا ليس في الفعلية التامة بل انما في التنجيز او الفاعلية التامة. توسعة المحذور والترقي به الى الدرجات السابقة بلا موجب.

المؤاخذة الثانية هو الترتب. ان الترتب في الحقيقة هو تكييف عقلي بين تأثير الاحكام. ليس بضرورة ان نقول بشرط معصية الحرمة او الصلاة بل بشرط العزم الموصل الى المعصية لا بالصلاة. الميرزا النائيني رحمة الله عليه في مبحث الترتب ذكر خمس موارد قبل إمكانية الترتب في بعضها والسيد الخوئي زاد وأيضا يقول بالتفصيل وسبق ان مر بنا ان كل تلك الموارد يمكن الترتب فيها والترتب عبارة عن تكييف عقلي واستثمار عقلي لطاعة وامتثال الاحكام بدل التفريط المطلق فيها وسبق ان فصلناها سابقا. اذا انكار الترتب ليس في محله.

النقطة الثالثة اذا كان الفعلان وجودين ماهيتين وان كانا متلازمين فهناك ارادتان وايجادان. يعني شبيه الذي يصلي وينظر الى الأجنبية. وان كانت صلاته روحا خواء لكن فقهيا صحيحة. لكن كصحيحة من موازين صورية صحيحة. فهنا أيضا كذلك ما دام وجودان وماهيتان وان تقارنتا فبالدقة ارادتان لا انه إرادة واحدة توجب فعلين. وان كان التعدد بالمجهر العقلي وليس بالمجهر العرفي. تعدد الإرادة يرى بالدقة العقلية لا بالعرف وهذا كاف.

هذا الوجه الأخير اعتمد عليه جملة من الاعلام في القرون السابقة لكن مع الدقة العقلية صورة إرادة واحدة لكنه واقعا ليست إرادة واحدة بل ارادتان وايجادان وعلتان لمعلولين وان تقارنتا وان دكتا على الجواز والتعدد.

اذا هذا التفصيل من الميرزا النائيني ليس بتام.

نأتي الى تفصيل السيد الخوئي. هو ما وافق استاذه في الجواز بل قال عمدا مع الجواز المشهور هو الصحيح وقال بالصحة. اما مع الامتناع قال بالبطلان عمدا او جهلا قصورا او تقصيرا واستثنى صورة واحدة وهي النسيان.

قال بالبطلان في صورة الامتناع لان مبنى السيد الخوئي كمبنى استاذه هو ان الامتناع يسبب التعارض فمع التعارض لا وجود للامر العبادي وليس مشرعا. فمن ثم غير صحيح. لماذا استثنى النسيان؟ نسيان الموضوع او نسيان الحكم هذه نكتة مهمة بغض النظر عن صحة مبنى السيد الخوئي. لازم ان نقف عليه ولا نستجل لانه فيه نكات. تارة عندنا جهل بالموضوع وتارة جهل بالحكم وكذلك الخطأ تارة في الموضوع وتارة في المحمول. في الأبواب الفقهية الدليل المعذر كالخاص مثلا قد يحدد بالعذر في الموضوع دون المحمول او العكس او قد يعمم. هذه نكتة جدا مهمة نشرحها في الجلسة اللاحقة.

في حديث الرفع ستة قواعد عذرية «ما لا يعلمون والنسيان والخطأ وما لا يطيقون و...» هل هذه تجري في الموضوع او المحمول او الاعم؟ ما المراد من الموضوع؟ الموضوع الجزئي او الكلي؟ هذه تقسيمات اكثر من الاثنين. مثلا في صلاة المسافر اذا اتم في موضع القصر جهلا هل المراد الجهل بالحكم او الموضوع؟ الجهل في الموضوع الكلي او الجزئي؟ نسيان هل نسيان الموضوع او الحكم؟ مثلا على مسلك المعاصرين نسيان الطواف ونسيان السعي لا يبطل عمرة التمتع ولا حجة التمتع اما الجهل يبطل. أي جهل يبطل؟ ولو الصحيح عند المشهور ان مطلق الخلل الغير العمدي في الطواف لا يبطل النسك وهو الصحيح عندنا. اما المعاصرين عندهم خصوص النسيان ليس بمبطل. المهم نسيان ماذا؟

الجلسة اللاحقة نواصل ان شاء الله.