الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/04/04

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النواهي/اجتماع الامر والنهي/صحة العبادة وفسادها على الامتناع والجواز

 

إن البحث في مسألة اجتماع الامر والنهي منذ البدء يأخذ مسارين؛ مسار تنقيح المتعلق وموضوع اجتماع الحكمين ومسار ينقح المحمول بعد الفراغ من تنقيح المتعلق.

ففي مبحث الموضوع ذكر الاعلام ضوابط مفيدة بغض النظر عن أي منها صحيح واي منها غير سديد.

من ضمن الضوابط التي ذكرت في تنقيح الموضوع قيل انه بناء على اصالة الوجود لا محالة يكون الاجتماع اتحاد لمتعلق الامر والنهي وجودا وتحققا فيبنى على الامتناع و أما بناء على اصالة الماهية فيكون متعلقهما متعدد لتعدد الماهية. فيبنى على الجواز.

هذه الدعوى شبيهة ببعض المباحث الفلسفية في الفرق بين اصالة الوجود واصالة الماهية «والماهية مسار كثرة أتت».

لكن ردت هذه النظرية بان وجود كل ماهية يختلف عن وجود الماهية الأخرى وليس وجودات الماهيات شيء واحد. صحيح ان عنوان الوجود عنوان واحد لكن بالتالي ان وجود هذه الماهية يختلف عن وجود ذاك الماهية. ان الماهية كاشفة عن تعدد الوجود بناء على اصالة الوجود. فاذن ليس المدار على من هو الأصيل هل الوجود او الماهية.

بل المدار على شيء واحد انهما اجتمعا في وجود واحد او لا؟

هنا بحث ان الابتكار الذي ابداه متاخروا هذا العصر في القرن او القرنين انهم في تنقيح الموضوع والعناوين لمتعلق الامر ومتعلق النهي لم يقفوا ويجمدوا على تعدد اللفظ. مثلا الصلاة والغصب. ولم ينغروا بتعدد اللفظ.

كما انهم لم يقفوا على المعنى المتبادر الاولي لكل لفظة. هنا ابتكار عند هذا القرن الأخير او القرنين الأخيرين بل حاولوا ان يغوصوا في أعماق المعنى. مثلا جنس الجنس والفصول وفصل الفصل.

فاذن لم يجمدوا ولم يقفوا على تعدد اللفظ صوتا وكتابة ولا على المعنى المتبادر التصوري بل قالوا بصناعة تحليل المعنى مثل تحليل الغصب وتحليل الصلاة والسجود انها متقومة بماذا.

هذه العملية صناعية استنباطية مهمة. مع ان هذا البحث طبعا نوع من الاستظهار انه ما هي ماهية الصلاة وما هي ماهية الغصب؟ ما هو جنس ماهية الصلاة والغصب؟ فاذاً هنا رد لمن يسلك مسلك الحشوية او القشرية في الاستنباط انه يجمد على الالفاظ او المعنى التصوري الاولي من دون ان يغوص في بطن المعنى. في الاستنباط مسلك رائج ان يجمد ويقف عند سطح المعنى وسطح اللفظ بينما المشهور كي ينقحوا مسألة الاجتماع ومتعلق الامر والنهي لابد عليهم عقليا ان يغوصوا في بطن المعنى بعد ان استمدوا من المعنى اللغوي. فاخذوا المعنى الخام من اللغوي ثم يغوصوا في بطن المعنى بآلية تحليلية صناعية عقلية. هذا ما يمارسه الاعلام في مسألة الاجتماع وفي مسائل عديدة في أبواب الأصول وابواب الفقه وليس تكلفا بل صناعة عقلية.

هذا هو لب بحث مسألة الاجتماع في ناحية الموضوع والمتعلق كما ان لب مسألة الاجتماع في الحكم ما مر بنا في الحكم الاقتضائي والفعلي.

 

الامر العاشر يثير صاحب الكفاية ان يرجع الى مسار المحمول والحكم. كما مر ان البحث عندهم في مسألة الاجتماع يترنح بين الموضوع والمحمول.

النقطة التي يذكرها صاحب الكفاية هي ان المشهور ذهبوا لتصحيح العبادة في مورد الاجتماع على الجواز مطلقا يعني اذا كان الاجتماع عبارة عن تعدد الوجود والماهية وان تقارنا في مجمع واحد. فاذا تعددا بالدقة العقلية فجائز وتصح العبادة وان تلازمت مع الحرام الذي هو بوجود وماهية أخرى. وان كان ذلك في صورة العمد والعلم. طبعا مبحث اجتماع الامر والنهي لا ينحصر بالصلاة والغصب بل امثلة كثيرة كالوضوء في المكان المغصوب او بالماء المغصوب. حتى انهم اعملوا الدقة في غصب الماء مع الوضوء مداقة لطيفة. يعني حتى في الغسل او الوضوء بالماء المغصوب بعض الاعلام ذهبوا بالتعدد وسيأتي البحث فيها.

اذاً ينقل صاحب الكفاية عن المشهور انه بناء على جواز الاجتماع وتعدد المتعلقين وان كان صورة مجمع واحد فتصح العبادة مطلقا جهلا ونسيانا وعمدا لان المفروض تعدد المتعلقين.

واما بناء على الامتناع أي عدم تعدد الاجتماع ان المشهور ذهبوا الى صحة العبادة مع الجعل القصوري او النسيان واقتصروا في البطلان على الامتناع على صورة العمد او الجهل التقصيري. طبعا هذا قول المشهور بما فيهم الشيخ الانصاري وصاحب الكفاية.

بينما الميرزا النائيني ذهب الى البطلان حتى على القول بالجواز وتعدد المتعلقين في العمد. اما اذا كان نسيانا او جهلا مع التعدد وجواز الاجتماع فتصح العبادة. اما في صورة الامتناع يقول ببطلان العبادة مطلقا جهلا ونسيانا وعمدا قصوريا او تقصيريا.

تقريبا هذه النظرية من النائيني متعاكسة مع المشهور تماما. السيد الخوئي وافق المشهور على الجواز وتعدد المتعلقين بالصحة المطلقة وخالف استاذه الذي فصل بين العمد وغير العمد. اما في الامتناع ففي خصوص النسيان يذهب الى الصحة يعني وافق المشهور في النسيان فقط ووافق استاذه النائيني في صورتي الجهل والعمد.

هذا البحث ليس بحثا في مسير الموضوع و المتعلق بل بحث في مسير المحمول. كما مر بنا ان مسألة الاجتماع فيها مساران؛ مسار المتعلق ومسار المحمول في نقطة نقطة يستوعبهما المشهور.

 

دعونا ان نذكر كلام الميرزا النائيني وبعد ذلك نتعرض لمباني المشهور: الميرزا النائيني قال بالبطلان في صورة الامتناع مطلقا وفي صورة الجواز لم قال بالبطلان في صورة العمد مع ان المتعلقين متعددان؟ يقول لانه عنده مباني خاصة في مراحل الحكم تخالف المشهور من ثم قال بالبطلان.

المبنى الأول لدى الميرزا النائيني هو ان الحكم في مرحلة الفعلية او الفاعلية «طبعا الفاعلية اصطلاح العراقي رحمه الله وهي مرحلتان ولا يعبر النائيني بالفاعلية وحتى الآخوند ويعبرون عنها بمحركية الحكم وباعثية الحكم وزاجرية الحكم اذا كان نهيا. هو نفس المعنى الذي اصطلح عليها المحقق العراقي.

الميرزا النائيني يقول: لان الحكم فيه المحركية والدفع والزاجرية فلا محالة هذا التأثير الذاتي للحكم يختص بالقادر ولا يعم العاجز لان العاجز لا يحرك بشيء. لذلك يقول اخذ القدرة بهذا المعنى في الحكم ذاتي وشرعي ورتب عليه آثار كثيرة.

فعلى الجواز عندما يجتمع الامر العبادي مع النهي التكليفي التحريمي فالمكلف عاجز في مورد الاجتماع الجوازي وتعدد المتعلقين ان يمتثل الامر ويأتي بهذا المجمع. فاذا كان عاجزا فالامر العبادي لا يشمله لانه انما يبعث نحو المقدور او يختص باعثيته بالموارد المقدورة.

من ثم في مبحث الضد الميرزا النائيني قال نحتاج الى الترتب وهو يرفع العجز نسبيا. دور الترتب اكتشاف القدرة ورفع العجز نسبيا. لكنه هنا يقول ان الترتب محال. لان الترتب إما بشرط عصيان النهي يعني اتيان المأمور به وهذا تحصيل الحاصل ان الحكم يشترط في موضوعه امتثال نفسه كما يقال انما تجب الصلاة اذا اديت الصلاة. او بضد ثالث لا هو حرام ولا هو واجب فالضد الثالث يمانع امتثال الامر ويسبب العجز. فالترتب هنا لا يجري وليس متصورا.

قصور في باعثية ومحركية الامر العبادي لان الامر يختص بالقادر غير العاجز. واذا نريد ان نكتشف القدرة عبر الترتب فالترتب محال. فيه طريق ثالث لتصحيح العبادة يستعرضها النائيني وهو تصحيح العبادة عن طريق الملاك لا عن طريق الامر.

هنا يستعين الميرزا النائيني بمحذور آخر غير العجز والقدرة. والمحذور الاخر دائما موجود وهو يستعين بمقدمة مسلمة وهي في نفسها متينة ان العبادة والعباديات تختلف عن التوصليات في ان العباديات يشترط فيها حسن فعلي في متن ذات الفعل وزيادة على ذلك يشترط فيها الحسن الفاعلي. فالعبادة يشترط فيها الحسنين حسن فعلي في متن الفعل وفي الجواز الحسن الفعلي موجود لانه تعدد المتعلقين لكن الحسن الفاعلية ايجادية الفاعل وهنا يقع خلل في الحسن الفاعلي.

لانه في إيجاد المجمع المتلازم بين الواجب والحرام ايجادية هذا المجمع قبيح ومعصية والعبادة لازم ان تكون طاهرة ونقية في متن الفعل ومتن الفاعلية وهنا الفاعلية ليست نقية بل مشوبة للقبح الفاعلي لايجاد الحرام فلا تصح. كيف يتقرب بهذه الإرادة الفاعلية وهي مبعّدة من الله.

هذا المانع صورنا الترتب او الوجوب او حتى لو غضضنا عن المحذور الأول في الترتب والمحذور الثاني في ضيق فاعلية الحكم يبقى هذا المحذور الثالث دائما وهو عدم توفر الحسن الفاعلي.

بغض النظر عن الاعتراضات على كلام الميرزا النائيني لابد ان نتوقف هنا قليلا في الحسن الفعلي والحسن الفاعلي.

هذا بحث مفيد في الفقه بغض النظر عن بحث الاجتماع؛ جهة فاعلية الفعل وجهة الفعل. مثلا في الكذب يقسمه الفقهاء بالكذب الخبري والمتني و الفعلي يعني في نفس متن الخبر وفيه كذب فاعلي.

الكذب الخبري بمعنى ان الخبر ليس مطابقا للواقع والصدق الخبري يعني ان الخبر مطابق للواقع. فعندنا الصدق والكذب الخبريان في متن الخبر. والصدق الخبري لا يلازم الصدق الفاعلي كما ان الكذب الخبري لا يلازم الكذب الفاعلي.

مثلا الكذب الفاعلي كمن يقول «اخبر ان زيد في الدار» وهو يعلم انه ليس في الدار او يدعي العلم بان زيد في الدار لكن ادعاءه بالعلم كذب. هذا يعبر عنه الكذب الفاعلي وان كان فيه صدق فعلي. عكس ذلك قد يكون هو صادق فاعليا لانه مقتنع ان زيد في الدار وعادل وعنده قناعة عن ان زيد في الدار وعنده علم وجهل مركب به ويخبر عن الجزم لكن جزمه خاطئ وليس زيد في الدار فهو كذب خبري وصدق فاعلي.

طبعا هذا البحث حساس في مبحث حجية الخبر لان الخبر الحجة حجيته في الخبري او الفاعلي. الثقة تعني الجانب الفاعلي. هل الحجية جانب فاعلي او جانب خبري. اقصد ان هذا التفكيك بين الفاعلية والفعل يفيد في أبواب الفقه في موارد عديدة. القضاة ثلاثة في النار وواحد في سبيل النجاة اذا قضى بالباطل وهو يعلم انه باطل ومن قضى بالباطل وهو لا يعلم ببطلانه ومن قضى بالحق وهو لا يعلم بالحق وهذه الثلاثة كلها في العذاب مع انه في الثالث قضى بالحق يعني ان القضاء من جهة الفعل حق لكن من جهة الفاعل لا يعلم وفي سبل العذاب.

في موارد عديدة هذا التفكيك بين الفعل وفاعلية الفاعل. هذا المبحث في نفسه نفيس بغض النظر عن ان استثماره هنا في المقام صحيح او لا.

بعض نظريات علم الاخلاق او علم العرفان او التصوف حتى الفلاسفة بعض النظريات عندهم ان الفعل لا دور لهم في التكامل او في التردي. ربما يفسرون به كلام النبي صلى الله عليه وآله «انما الاعمال بالنيات» يعني كل العمل بالنية والفاعلية.

الاشاعرة مبناهم في علم الكلام والأصول والفقه ان الفعل لا دور له بل كل الدور في الفاعلية شبيه بالاحكام الامتحانية ان الله عزوجل ليس قائم بذبح إسماعيل بل غرضه ان النبي إبراهيم وإسماعيل يستجيبان الله تعالى وهي جهة فاعلية لا الفعلية.

علم الاخلاق وعلم العقائد وعلوم عديدة قائمة على فاعلية الفاعل كمبحث المصلحة السلوكية عند الشيخ الانصاري والمهم ان هذا البحث طويل الذيل في العموم الدينية.

كذلك مبحث التجري والانقياد قائم على الفاعلية لا متن الفعل وفرق المعصية عن التجري ما هو ؟