46/04/03
الموضوع: النواهي/ اجتماع الامر والنهي /أنواع الحكم الاقتضائي في طبقات التشريع
كان الكلام في الحكم الاقتضائي والحكم الفعلي وتبيّن ان الحكم الاقتضائي على مراتب او أنواع واطوار وهو من بحوث أصول القانون
كما تبين انه ليس لدينا دليل خاص في التشريع مبتدأ أي دليل خاص مشرّع بشكل مقطوع ومبتور عن مجموع العمومات الفوقية وهذا في علم القانون علم الفقه غير متصور وان كان في الاذهان ليس هكذا.
حقيقة الخاص هو معجون وحصيلة مجموع العمومات الأخرى تتركب وتنجمع وتقدم على العموم المعين والتخصيص بالمعنى الذي ذهب اليه القدماء يعني تزاحما ملاكيا او تزاحما اقتضائيا بمعنى ان العموم في نفسه واجد بالملاك في منطقة الخاص لكنه مزاحم ليس بالتزاحم الاصطلاحي بل مزاحم بالتزاحم الاقتضائي والملاكي.
لذلك المشهور الى صاحب الجواهر والشيخ الانصاري يتعاملون مع الخاص من باب المقتضي والمانع. ان الخاص بمثابة المانع عن تأثير المقتضي وهذا مسلك معروف عند مشهور القدماء انهم يتعاملون مع الخاص معاملة المانع وهذا هو حقيقة الخاص عندهم انه نوع من تزاحم الملاكات وله ضوابط اشبه ما تكون بضوابط الدلالة او ضوابط الجعل او ما شابه ذلك.
اجمالا لابد ان نلتفت الى هذا المطلب ومهم جدا ومرتبط باصول القانون.
العمومات الفوقية جدا عندما تتنزل وتتلاحم يجب ان تكون بتناسق ونظم وتنظيم وفي الدرجة الأولى لا يقدر على ذلك الا رسول الله صلى الله عليه وآله بعد الله تعالى. ان فرائض الله يأتي بعده تشريع رسول الله وبعدها تأتي تشريع امير المؤمنين عليه السلام وله خصوصية من بقية الائمة كما تشير اليه زيارة العسكري عليه السلام وروايات كثيرة أخرى وبعد ذلك يأتي دور فاطمة سلام الله عليها والأئمة عليهم السلام. هذا بحث طويل ولا حاجة للخوض فيه.
اذا الخاص بالدقة نوع من توازن العمومات فيما بين بعضها البعض ويقولب بقالب الخاص. نعم يقال ان الخاص تشريع وصحيح لا ننكر ان الخاص تشريع لكنه ليس تشريعا مبتدأ من رأس. بل تشريع متنزل عن التشريعات السابقة ودور التشريع النبوي انه ترجمان بضوابط وموازين قانونية وليس تفسيرا لغويا او تفسير الفقهاء او العلماء. وانما تفسير وتفعيل وتطبيق وترجمان وليس تطبيقا محضا ومقابل الاستنباط كقاعدة فقهية مقابل القاعدة الأصولية بل انما هي عبارة عن مثل معجون او ضوابط وملاكات في أسس التشريع يوازنها النبي صلى الله عليه وآله في قوالب تشريعية الى ان تأتي طبقة ثانية وثالثة من تشريعات اهل البيت عليهم السلام.
فتاوى الفقهاء أيضا هي تشريع لكنها تشريع ليس مبتدأ او خارجا عن ولاية رسول الله والأئمة والا الفتاوى صياغات وقوالب تشريعية. على كل هذه النكات يجب ان نلتفت اليه.
جيد ان نطرح هذا المطلب المرتبط باصول القانون.: في نظم إدارة القوانين في العلوم العصرية العقلائية الوضعية الحديثة ان القوانين المتنزلة بمثابة تقنية آليات والقوانين المتوسطة خطة متوسطة بمثابة التاكتيك يعني الخطوة المتوسطة بخلاف الآليات المتنزلة انها اقرب الى التطبيق والتنفيذ الجزئي. اما المتوسطة قد يسمونها التاكتيك وهي خطة متوسطة. هذه بحوث في الإدارة والإدارة الاستراتيجية. اما الأسس الفوقية يعبرون عنها الأسس الاستراتيجية فعندك تقنية وتكتيك وتاكتيك واستراتجيك. علم القانون أيضا هكذا. دائما الاستراتيجيات او الغايات في قوانين الدستور اقرب للغايات وثباتها اكثر والقوانين البرلمانية خطة متوسطة وثباتها اقل من الدستور والقوانين الوزارية والبلدية اشبه بالاليات التقنية يعني ان طابع التغيير فيه اكثر واكثر. طبيعة علم القانون هكذا.
الفقيه الحاذق هو الذي يلتفت الى ان أي تشريعات من قبيل أسس دستورية في التشريع وحتى القوانين الدستورية أيضا طبقات فوق بعضها البعض واي تشريعات من قبيل القوانين المتوسطة وهي متوسطة بين التغيير والثبات.
في تشريعات النبي حلال محمد حلال الى يوم القيامة وثباتها اكثر وفي تشريعات الأئمة عليهم السلام التغيير قابل للتصور. «اذا امرتك بشيء واتيتني في العام القادم ونهيتك عنه؟ قال انا مسلم لك يا سيدي قال هذا هو التسليم» فضلا عن تشريعات الفقهاء انها الانزل والانزل ان طابع التغيير فيها اكثر.
فاذا ان التقنين أيضا طبقات أسس دستورية وتقنين متوسطات. ان التقنينات الدستورية يعبر عنها بالمحكمات يعني ان الثبات فيها. والمحكمات أيضا طبقات. هذا العلم وهذاا لنظام البحث فيه أولى من البحوث في الأصول العملية وما شابه ذلك. فبحوث أصول القانون بحوث عظيمة والفقيه الحاذق يميز بينها. ربما يسمى فلسفة التشريع وهي ليست فلسفة التشريع بل هي في الحقيقة تشريعات ثابتة. قد يقال حكمة الحكم وفلسفات الحكم او في مدرسة اخرى فقه المقاصد.
من ثم الايات الواردة في الاحكام الفرعية ليست خمسمأة بل ربما بهذا اللحاظ آلاف.
الشيخ الطوسي في المبسوط والخلاف هذا هو دأبه. يبدأ بالتشريعات الدستورية في الباب الثابتة كتابا وسنة نبوية ثم الى بيانات اهل البيت ثم تفريعات الفقهاء. عنده هذه الطبقات الثلاث وتبعه على ذلك المجلسي في البحار. وهذا الطبقات أيضا موجودة في علم الكلام وطبيعة العلوم طبقات معادلات منها الدستوري الثابت ومنها المتوسطة وهلم جرا.
اذا مسألة الحكم الاقتضائي أوسع مما تصوره مدرسة الميرزا النائيني. علم القانون واصول القانون الى ما شاء الله طبقات. التطبيق الجزئي يعني القوانين المتنزلة للتطبيق لكن نمط التطبيق في الطبقات يختلف سنخا عن التطبيق الساذج المعروف في القواعد الفقهية. هذا اجمال المبحث وان كان الخوض فيه بكل مناسبة ضروري جدا. وهذا هو البحث الموجود العصري في الثابت والمتغير في الدين.
هذا بحث محمولي وهو لب لباب مسألة الاجتماع وستأتي بحوث أخرى حوله.
بحوث الاعلام في مسألة الاجتماع على مسارين؛ مسار في المحمول وا لاحكام ومسار في الموضوع يعني المتعلق. متعلق النهي ومتعلق الامر هل يجتمعان او لم يجتمعا. طبعا المتعلق موضوع بالمعنى المنطقي او اللغوي وليس موضوعا بالمصطلح الاصولي. الموضوع في الأصول قيود الحكم سواء الحكم الوضعي او الحكم التكليفي مثل الزوال «اقم الصلاة لدلوك الشمس» لكن نفس الأصوليين قد يستخدمون كلمة الموضوع في المعنى المنطقي او اللغوي.
المقصود ان مبحث اجتماع الامر والنهي على مسارين مسار في المحمول وهو ما فرغنا منه شيئا ما ومسار في المتعلق كالصلاة. هل الصلاة تجتمع مع الغصب في الوجود والماهية ام لا؟
الان بعض النقاط المرتبطة بتنقيح الموضوع في مسألة الاجتماع يعني كيف يتحد المتعلقان وكيف لا يتحدان.
البعض قال ان الامتناع مبني على ان الاحكام تتعلق بالافراد واما الجواز مبني على ان الاحكام تتعلق بالطبائع الكلية. فاذا قيل ان الاحكام تتعلق بالطبائع الكلية فطبيعة متلعق الحرمة مغاير لطبيعة متعلق الوجوب فنبني على الجواز لانهما طبيعتان وعنوانان. لا سيما على احد المباني في تعيين ضابطة مسألة الاجتماع مع مسألة النهي والفساد وقال ان ضابطة مسألة الاجتماع تعدد العنوان وضابطة مسألة النهي يقتضي الفساد وحدة العنوان.
هكذا نقح البحث في الموضوع اصل المسألة ولكن متاخري الاعصار من الأصوليين عندهم تدقيق فلسفي اكثر عقلي وقالوا ان هذه الضابطة غير صحيحة. لانه حسب تنقيحات الفلسفية الأخيرة عن ملاصدرا ان الفرد ليس هو العوارض والاعراض التي تطرأ على الطبيعة. وان كان هذا قديما فلسفيا مبناهم لكنه خطأ. بل وجود الاعراض يباين وجود الطبيعة. يمكن ان يقال ان الطبيعة نفسها من الاعراض ويطرأ عليه الاعراض. وممكن. أيا ما كان فالمعروض والعرض سواء كان المعروض هو العرض او الجوهر. يقول ان الطبيعة افرادها عبارة عن حصص الطبيعة الوجودية. يعني ان الطبيعة لها وجود سواء قلنا انها جوهر او عرض لكن الاعراض التي تطرأ على الطبيعة تلك لها وجودات أخرى وليس وجود واحد. لانه هذا الوجود للطبيعة ماهيته من مقولة الجوهر بينما الاعراض من باب المثال ماهية وجودها من مقولات عرضية وكيف يكون وجودا واحدا. فهذا خطأ قديما عند الفلاسفة ان يقال ان فردية الطبيعة بالاعراض بل الاعراض ملازمة للفرد. بل فردية الطبائع بحصصه الوجودية الموجودة في الخارج. فردية الشيء بوجوده لا باعراضه. هذه نكتة وهذا البحث جدا مهم في مبحث اجتماع الامر والنهي. ان فردية الشيء حتى لو قلنا الطبيعة العرضية ان الاعراض تطرأ على العرض لكن فردية الطبائع ليست بالاعراض الطارئة على الطبيعة بل فرديتها بالوجود نفسه. غاية الامر هذا الوجود يتكثر فيكون افراد. فنفس وجود الطبيعة هو مكثر حصص للطبيعة. هذا البحث حساس جدا لتنقيح الامتناع والجواز في مسألة اجتماع الامر والنهي.
هذه الضابطة العقلية عند متاخري هذا العصر صار سببا في كثير من الموارد التي قال القدماء بالامتناع فيها ان يقول المتاخرون بالجواز لانهم نقحوا بهذه الآلية الفردية انه اين فردية الطبيعة.
اذا افراد الطبيعة ليست بالعوارض بل العوارض كما يعبر عنه ملاصدرا كاشفة عن الفرد والوجود آخر. ان الوجود يتحصص ويتكثر. اذا هذا خطأ ان البحث منوط بان الأوامر تتعلق بالطبيعة او الافراد بل سواء قلنا انها تتعلق بالافراد او الطبيعة لا يتعلق بالاعراض بل تتعلق بوجود الطبيعة. اذا هذه النكتة جدا مهمة وطبعا تحتاج الى تمرس لغوي ثم عقلي لتحليل ماهيات الأشياء التي هي متعلق للاحكام كي نرى ان متعلق الامر كالصلاة ومتعلق النهي وهو الغصب هل وجدا بوجود واحد ام لا؟ طبيعة واحدة او طبيعتان؟ هذه نكتة جدا مهمة. فردية افراد الطبيعة بماذا؟ بوجوداتها وبوجود الطبيعي نفسه والوجود الساري للطبيعة لا بالاعراض بل هي كواشف ومقارنات.
طبعا هذا بحث مهم في الصحيح والاعم وموارد عديدة. مثلا الكمباني انكر الجزء المستحب تبعه على ذلك تلميذه السيد الخوئي وغيره على هذا المبحث ان فردية الفرد بماذا؟ اذا هذه الأجزاء المستحبة برانية. وان كان نحن ذكرنا ردا على هذا المدعى. هذا المدعى الفلسفي صحيح لكن ما يستنتجه العراقي غير صحيح. عندنا مستحبات في الواجب لا انها استحباب ويرتب عليها آثار حتى في قاعدة التجاوز والفراغ. هذه الضابطة العقلية صحيحة لكن ما رتبه الاصفهاني عليه غير صحيح.
اذا ما هو معنى فردية الافراد للطبيعة؟ هي وجودات الطبيعة والحصص لا الاعراض والعوارض. وان كانت الطبيعة هي عرضية انها عرض يعرض عليها عرض ثاني.
اذا هذه الضابطة ان تنقيح الجانب الموضوعي في مسألة الاجتماع بان يقال تتعلق الاحكام بالافراد او الطبيعة مبني على نظرية عقلية فلسفية خاطئة ان الافراد هي الاعراض بل الافراد وجودات وحصص.
نقطة أخرى تصب في مسألة الاجتماع نعنونها نكملها غدا بمشية الله تعالى:
البعض قال انه اذا بنينا على اصالة الوجود لا محالة سيكون النتيجة هي الامتناع لان الوجود واحد واذا بنينا على اصالة الماهية فالماهيات متعددة التي هي متعلق الامر والنهي. اذا هناك تعدد أي جواز اجتماع الامر والنهي. لانها متعددة لان الماهيات متعددة وتتكثر بخلاف الوجود.
هذه الدعوى ردها علماء الأصول وان شاء الله غدا نتعرض اليه. هي دقيقة لكنها خطأ. هاتين الضابتين مع خطأهما مؤثرتان في التنقيح الموضوعي لمسألة الاجتماع.