الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/04/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: مبحث النواهي/اجتماع الامر والنهي/الحكم الاقتضائي وحقيقة النسخ والتخصيص

 

كان الكلام في الحكم الاقتضائي وهذه المحطة التي مرت بنا على الاطلاق من اهم بحوث مسألة اجتماع الامر والنهي وقضية الحكم الاقتضائي واقسامه هي لاجل بيان ان التنافي بين الاحكام على الاطوار والألوان ولا سيما اذا كان التنافي صدفة واتفاقا وليس بنحو الدوام وهذا التنافي لا يتصاعد الى مرحلة الانشاء والجعل وعلى فرض ان يبقى التنافي على الاستقرار فيبقى في درجة الفعلية التامة فقط. فبالتالي ليس تساقطا في الدليل فلو لم يرجح في دلالة احد الدليلين يبقى كل منهما بنحو اقتضائي فتعمل مرجحات باب التزاحم الاقتضائي الذي يشابه في جانب كبير منه التزاحم الامتثالي.

لا بأس بنماذج أخرى غير النماذج التي مرت بنا امس في الحكم الاقتضائي وهو بحث النسخ وبحث التخصيص والتقييد.

مر بنا ان في مبحث النسخ نظريتين نظرية القدماء ونظرية متاخري الاعصار. عند متاخري الاعصار ان النسخ هو تخصيص زماني والتخصيص عندهم محو العام المخصص في منطقة الخاص وهو يكشف عن عدم انشاء العام في منطقة الخاص. والتخصيص يطلق على التخصيص الافرادي والعرضي والتقييد كذلك اما النسخ هو تخصيص ازماني.

هذا هو حقيقة النسخ الذي هو تخصيص ازماني عند متاخري الاعصار وكذلك حقيقة التخصيص والتقييد عندهم، كشف الخاص والدليل المقيد عن عدم وجود العام في منطقة الخاص من رأس وكذلك المطلق.

اما حقيقة النسخ عند المتقدمين الذي هو تخصيص ازماني وكذلك التخصيص الافرادي ليس محو العام او المطلق في منطقة الخاص وانما هو تجميده عن المرحلة الثالثة الانشائية لا محوه عن المنطقة الثانية فضلا عن الأولى من مراحل الانشاء. حكم مشرع ومدون لكنه مجمد. واذا اردتم ان تستوضحوا حقيقة النسخ او التخصيص الازماني او الافرادي فعليكم بملاحظة كتاب البيان للسيد الخوئي عندما يرد النسخ الموجود في عشرات الايات ويقول قيل انه نسخ لكنه ليس حقيقة نسخا. واللطيف ان نقاشات السيد الخوئي للمشهور من كلمات المفسرين ترجع الى هذا ان المنسوخ ليس محوا بعد النسخ.

أصلا هذا هو حقيقة النسخ لكنه ليس نسخا باصطلاح متاخري الاعصار وان كان هو نسخا باصطلاح القدماء وقبل السيد الخوئي في ثلاث آيات او ازيد النسخ عند متاخري الاعصار لكن بقية الآيات التي يدعي المشهور انها نسخ فيقول انها ليست بنسخ ومقصوده من النسخ الذي يدعى عند متاخري الاعصار بحيث ان يكون الحكم محوا ولا موجود من رأس في مرحلة الانشاء ويثبت انه موجود في مرحلة الانشاء وان كان تثبيته لوجود المنسوخ في مرحلة الانشاء ليس بمعنى انه فعلي الان ولطيف انه يعترف بعدم فعليته. فاذا ان النسخ والناسخ يجمد المنسوخ ويجعله حكما اقتضائيا بمعنى آخر وهو الحكم الانشائي في المرحلة الثانية.

المرحلة الرابعة هي اول مرحلة من الحكم الفعلي الجزئي وهو الفعلي الناقص وهناك تطابق مرآتي بين المرحلة الرابعة والمرحلة الثالثة وان كان الثالثة هي انشاء تنظيري كلي والرابعة جزئي لكنه هناك تطابق بين المرحلة الثالثة الانشائية والمرحلة الرابعة التي هي أولى مرحلتي الفعلية. في المنسوخ او العام المخصص هذه المرحلة الرابعة ليست بموجود.

اذا هناك تساؤل عن متاخري الاعصار بناء على مبناهم في التخصيص ان العام محو في منطقة الخاص، فما هي فلسفة صياغة الشارع العموم بصياغة العموم؟ لماذا لم يصغ العموم من الأول بصياغة غير العموم؟ لماذا صاغ بصياغة العموم ايهاما ثم يكشف عن عدم إرادة العموم؟

يجيبون باجوبة متينة لا بأس بها ان العام جعل بقالب العموم ليكون أصلا لفظيا عند الشك او أجوبة أخرى ولا بأس بها لكن الإجابة عنها على مبنى المتقدمين هي ان العام يكشف ان الطبيعة والملاك موجودة في كل افراده غاية الامر في منطقة الخاص والمقيد زوحم ملاكيا بملاك اقوى منه فجمد لا انه غير موجود.

اذا النسخ والتخصيص الافرادي والتقييد عند القدماء نوع من الحكم الاقتضائي للعام.

زيادة على ذلك نكتة جدا مهمة وهذا هو لب بحث اجتماع الامر والنهي وان كان فيه زوايا أخرى مهمة ستأتي لكن الأهم هو هذا البحث الذي نحن فيه.

تساؤل: اجماع المسلمين عدا الشاذ من الفريقين على ان السنة النبوية تخصص عموم الكتاب او تقيد بل حتى النسخ ان الأكثر عند الفريقين ان السنة النبوية تنسخ الحكم الشرعي في الكتاب.

المهم ان التخصيص والتقييد من السنة النبوية لعمومات الكتاب امر مسلم وأيضا عند جماعة كثيرة من الاعلام يتبنون ان النسخ حتى من كلمات أئمة اهل البيت عليهم السلام يقع والميرزا النائيني يجزم بها ولو بما ان النبي اودعهم الناسخ لكن يبقى تساؤل قانوني مهم من لباب أبحاث علم الأصول والفقه والقانون.

هل الخاص او المقيد تشريع مبتدأ؟ يعني ليس منشأ من العمومات الدستورية والأصول التشريعية الأولية الموجودة في طبقات التشريع الأولى وهذا ليس فقط في الشريعة بل هذا السؤال في ما يمارسه البرلمانيون في التقنين في التخصيص او التقييد لعمومات الدستور او ما يمارسه المقنن المشرع الوزاري في عمومات الدستور او البرلمان.

فيعطى للبرلمان تشريع دستوري يقذف على الدستور وكانما هذا ليس اصلح للدستور وكانما هذا إعطاء صلاحية للمقنن البرلماني انه يكمل الدستور او يكون في عرض الدستور؟ هذا مرفوض عقلائيا لان صلاحية التقنين الدستوري صلاحية عليا.

بعبارة أخرى ما يمارسه البرلمانيون المشرعون ليس في عرض الدستور. فهل ما يمارسه سيد الأنبياء من نسخ او تخصيص او تقييد في عرض تشريع الله تعالى؟ حاشا وكلا. نؤمن بجزم ان رسول الله له صلاحية التشريع لكن صلاحيته في طول وتبع وظل تشريعات الله تعالى كما ان تشريعات الاوصياء سلام الله عليهم كعلي وفاطمة والائمة عليهم السلام لان فاطمة سلام الله عليها وصية لرسول الله «أوصى رسول الله صلى الله عليه وآله لاميرالمؤمنين وأوصى لفاطمة سلام الله عليهما» هذا كيف تصويره بحث آخر. كما ان لاميرالمؤمنين نوعا من مشاركة لرسول الله «انت مني بمنزلة هارون من موسى» وان كان التقدم لرسول الله بلا ريب وهو مهيمن. ثلاث وستين آية في موسى وهارون ولم يتلقى هارون التوراة ابتداء بل في طول موسى كما ان امير المؤمنين يسمع ما يسمع رسول الله ويرى ما يراه. لا ان يسمع ابتداء. يعني ان الجهاز اللاقط هو رسول الله كما بين ذلك الامام الباقر عليه السلام وهم ادرى بما في عالم بيت الوحي.

المقصود هل ما يمارسه رسول الله في عرض تشريع الله تعالى؟ استدراك لتشريع الله؟ ابدا وحاشا وانما في طوله يعني تشريع ترجماني. لكن ليس ترجمة بالمعنى الذي نعلمه بل الترجمة بالمعنى تشريع المفصل وهو يترجم المجمل. هو تشريع لكنه تشريع ترجماني وتفسيري. لا التفسير اللغوي بل تفسير بمعنى تشريع حقيقته ولبه تفسير وبث وترجمة قانونية لقوانين اعلى.

فحقيقة طبقات القوانين انها مفسرة ومتوالدة ومفسرة من القوانين العليا وطبيعتها هكذا. كذلك تشريعات باب الحدود والقضا والقصاص والديات من اميرالمؤمنين كما فيه حديث متواتر من رسول الله صلى الله عليه وآله «اقضاكم علي» اغلب احكامها تشريعات علوية من اميرالمؤمنين. فيه تشريعات من الله اجمالية ومن النبي اجمالية لكن التفصيل تشريعات من امير المؤمنين. وهذا امر متسالم عليه. من ثم محمد بن قيس من باب المثال من فقهاء وتلاميذ الامام الباقر اختص في تدوين ما يرويه ويقوله الباقر عليه السلام عن جده في الاقضية والحدود والديات. مثلا زرارة في الأبواب العبادية والمعاملية ومعاوية بن وهب في كتاب الحج ومحمد بن قيس في كتاب الحدود والاقضية والديات. يعني ان الائمة ربوا الفقهاء نوعا من التبويب عندهم. لكي كان كل منهم علما في باب. كما في المعارف أيضا كذلك. مفضل بن عمر الجعفي او جابر بن يزيد الجعفي مختصون كما ان الصفوان كان يروي عن الرضا والجواد لكن ليس تضلعا في المعارف كمحمد بن سنان وهو كان مختصا في هذا الجانب. وهذا تنوع في المعارف لروايات المعارف والعقائد اركان من التلاميذ ولرواياتهم في اركان الفروع اركان أخرى مع انك في الفروع تجد تبويبا مثلا كتاب الحج عند معاوية بن عمار او معاوية بن وهب مع ان زرارة كان يروي كثيرا لكن عندهما اكثر اختصاصا. وحريز كان مختصا بكتاب الصلاة وكان تميزه اكثر فيها. وهذا نوع من التبويت و التنويع. كما ان جابر بن حيان كان في الكيمياء ومن هذا القبيل كثير.

كما ان بعض المحققين عنده دلالات على ان الامام الصادق عليه السلام ليس من باب الوحي وليس من باب المعجزة بل عنده تقنيات صنعها في زمانه ومخفية الا على خصيصي الاصحاب. هذا بعد بشري في الائمة عليهم السلام. مثلا حروب اميرالمؤمنين عليه السلام وإدارته للحروب ليس كلها معجزة وليس كلها وحيا ينزل عليه بل هي جدارته وتفوقه على البشر. هذه مسألة غامضة عقائدية. فيه بعد آخر في الأنبياء والاوصياء بعد لا هو بالملائكة ولا هو بالوحي ولا هو بالبشر بل هو تفوق بشري ومن ثم اصطفي وهذا التفوق البشري مرهون لهم. كيف يدير الحرب وكيف يدير السياسة غير التوجيهات من الله وغير الآليات الوحيانية التي يزودهم الله بها. « شرطت عليهم الزهد في درجات هذه الدنية الدنية فعلمت منهم الوفاء» يعني الوفاء بلا آليات وحيانية «فاصطفيتهم» والاصطفاء والتزويد بالاليات الوحيانية بعد الوفاء بلا اصطفاء. هذا الوفاء الذي به تفوقوا واكتسبوا به الآليات الوحيانية هذا التفوق لا يسند الى الوحي وهذا التفوق هو الذي امتازوا وتأهلوا به لان يصطفون. هذا بعد ثالث في الأنبياء والأئمة عليهم السلام مغفول عنه في كلمات المتكلمين والعرفاء. إدارة اميرالمؤمنين للحروب تفوق عادي بشري. هو في الصفين وصل الى معاوية بدون مالك اشتر وبدون جيشه وبدون الملائكة وبدون راية رسول الله الاعجازية بل بتفوقه البشرية وهذه جدارة علوية.

الامام الحسن وصل الى معاوية ولم يأذن له الله من ثم كان معاوية وعمرو بن عاص في قبضة الحسن عليه السلام مع ذلك لم يأذن له الله عزوجل لان هذا تدبير حسني وبشري وتفوق بشري للامام الحسن وغير آليات الاصطفاء.

فهناك بعد بشري وتفوق بشري لا البشري العادي للانبياء والرسل وعليه يتفاضل الرسل على بعضهم البعض لمزيد آليات الاصطفاء. المهم بعض المحققين يذكر انه فيه شواهد على ان الامام العسكري عليه السلام وكل الائمة عليهم السلام عندهم صناعات تقنية تفوق البشر وليست باعجاز لكنهم يتوارثونها بين بعضهم البعض. هذه تفوق بشري لدى الائمة. كما ان لصاحب العصر والزمان هكذا وليس نظن ان كل قضيته الوحي بل الله عزوجل يوكل قسما منه الى جانب الجهد البشري المتفوق. مثابرون فيه.

نرجع الى التشريع النبوي وتشريع الائمة في طول تشريع الله. اذا هذا التخصيص اذا لم يكن في عرض تشريع الله فلا محالة يكون منشعبا من العمومات الفوقية الإلهية. اذا ما يمكن ان يكون لدينا خاص تشريع مبتدأ لا في القوانين الإلهية ولا في القوانين البشرية.

هذه الآية محكمة «ان الحكم الا لله» لكن تشريع النبي في طول وتبع تشريع الله تعالى. تفسير الآية مهم ولا نظن ان الأدلة التي تدل على تشريع النبي تعارض الآية بل لا تعارض بل لابد ان نفهم الطولية ونفهم المفادات الطبعية و الاقتضائية. هذه الآية تعني العمومات الفوقية ولو كانت شاملة حتى في جانب الإدارة التكوينية للبشر والأرض.

اذا كان هكذا فحقيقة الخاص والتقييد والناسخ منشعبة من العمومات الفوقية. هذا نحتاج ان نوضحها اكثر كيف ان الخاص ليس تشريعا مبتدأ وكيف من يطالب بالدليل الخاص هو غافل ان حقيقة التشريع هو العمومات الفوقية واسس التشريع واصول التشريع.

طبعا في رواية خاصة في التهذيب والمتهجد موجود زيارة الأربعين لكن الخاص لا يمتلك مخزونا تشريعيا اعظم من العمومات الفوقية بل أساس المشروعية واساس التشريع هو العمومات الفوقية وليس الأدلة الخاصة. الأدلة الخاصة عبارة عن تنزلات للعمومات الفوقية لا انها شيء آخر.

غدا نقف عند هذه المحطة وسنبين قاعدة من بلغ وان كان موضعه ليس هنا لكن سنبيه ان شاء الله