46/04/01
الموضوع: النواهي/ اجتماع الامر والنهي /أنواع الحكم الاقتضائي واقسام الحكم
كنا في مبحث الحكم الاقتضائي والحكم الفعلي في مقابل ما استشكلت مدرسة الميرزا النائيني على الحكم الاقتضائي.
الحكم الاقتضائي امثلته ذا عرض عريض جدا ومسائل عديدة. لابأس ان نذكر نماذج لهذه الأمثلة وهي عديدة ومهمة ولسنا في صدد ان هذه التسمية والحكم الاقتضائي هي بمعنى واحد او مرحلة واحدة بل له معاني كما مر وكما ان هناك اصطلاحات متعددة للحكم الحيثي والحكم الطبعي.
استشكلت مدرسة الميرزا النائيني في معنى الحكم الاقتضائي والحال ان له معان عديدة ومن نماذج تلك المعاني وليس على سبيل الحصر هي الوصية انها من جهة حكم فعلي اذا أوصى بها الموصي ولكن من جهة حصول تمليك الموصى له سواء قبل موت الموصي او بعد موته حكم اقتضائي. بعبارة أخرى احد معاني الحكم الاقتضائي هو الحكم التعليقي. لاريب ان ملكية الموصى له ليست فعلية كما انها ليست انشائية كلية.
مثال ثاني للحكم الاقتضائي: ملكية الورثة للتركة قبل اداءهم ديون الميت. هل هي ملكية فعلية او ليست ملكية؟ محل اختلاف آراء بين الاعلام. هل الورثة يرثون التركة قبل أداء الدين؟ هل تتقدم أداء الدين على ارث الورثة؟ وتقدمه باي معنى؟ معركة آراء بين الفقهاء ولها ثمرات. وكانما يعبرون عن ملكية الورثة قبل الأداء بالملكية بنحو الاقتضاء. لانها ليست ملكية تامة منجزة.
ونستطيع ان نقول من هذا المثال الثاني ان الحق الذي يتبدل الى الملكية حكم اقتضائي بلحاظ ان هناك حق فعلي واستحقاق للتملك مثل حق التحجير للملكية فالملكية لمن حجر ارضا وعنده استحقاق ان يتملك لكنها ملكية اقتضائية. احد الاقوال في ملكية الورثة للتركة قبل أداء الدين من قبيل حق الملكية. هذا مثال ثالث.
المثال الرابع: الورثة اذا اجازوا وصية الميت الزائدة على الثلث. الوصية نوعان وصية تمليكية ووصية عهدية. على الاصح ان الثلث قيد الوصية التمليكية. فاذا أجاز الورثة في وصية الميت الزائدة على الثلث تنفذ وليس لهم ان يرجعوا عن اجازتهم لا في حياة الميت ولا بعد مماته. فاذا أجاز الورثة تمضي وصية الميت. كيف يمضي الورثة وصية الميت في الزائد على الثلث حين حياة الموصي وليس في مرض الموت؟ طبعا اختلاف الاقوال موجود في المسئلة وقولان مشهوران ولعل القول الأشهر مستند على جملة من الروايات المعتبرة ربما اربع او خمس روايات خلافا للشيخ المفيد وابن ادريس والسلار وجماعة ووفاقا مع الشيخ الطوسي انه اذا أجاز الورثة الوصية في الزائد على الثلث ليس لهم ان يرجعوا لا في حياة الميت ولا بعد مماته. فيه اقوال أخرى وتفاصيل وبعضهم عنده تفصيل اذا اجازوا في مرض الموت وبعضهم فصل اذا اجازوا وهم اغنياء لكن الاصح انه اذا أجازوا في ما زاد على الثلث نفذت الوصية وليس لهم ان يرجعوا لا في حياته ولا بعد مماته.
أي شيء لهم؟ سيما اذا كان الموصي حيا وسليما وصحيحا وليس يعاني من مرض الموت. الملكية فعلا ملكية الميت. فاي معنى انهم يجيزون ويسقطون حقهم او ارثهم؟ أي درجة من درجات الإرث لهم في حياة الميت؟ الشيخ المفيد والسلار وابن ادريس استشكلوا من هذه الجهة؛ ليس لهم الملكية، اجازوا ما لا يملكون. فالمقصود هي معركة الآراء لكن الصحيح مع الشيخ الطوسي. اذا أي درجة من الملكية لهم؟ اذا هذه الرواية على مقتضى القاعدة وصحيح. أي استحقاق للملكية لهم؟ الملكية الفعلية ليست لهم من ثم الشيخ المفيد وابن ادريس قالوا نعرض عن هذه الروايات ونعمل على مقتضى القاعدة وهي انهم اسقطوا ما ليس لهم فمن ثم بعد الموت لهم ان يردوا ما اجازوهم.
لكن الصحيح ان الذين قالوا ان ليس لهم الرجوع مطلقا قالوا ان ملكية الورثة للتركة في حياة الميت لا في مرض الموت «مرض الموت هناك بحث بحسب النصوص والفتاوى ان سلطنة المالك يحجر عليها. يعني من أسباب الحجر على المالك هو مرض الموت حجرا نسبيا مسألة معركة اراء بين الفقهاء» كرائحة الملكية او سبب اعدادي للملكية بنحو الاقتضاء فاذا اسقطوا فاسقاطهم نافذ عليهم. هذا كاف وهذا حكم اقتضائي للورثة والميت حي وليس في مرض الموت. هذا مثال رابع من نمط الحكم الاقتضائي.
المثال الخامس: المتعاقدان اذا اسقطا احدهما الخيارات حين انشاء العقد. هل انه اسقط ما لم يجب؟ لانه بعد العقد تنشأ الخيارات ومرتبة متأخرة. كيف في مرتبة اسبق ينشأ اسقاط الخيارات؟ يقول ابيعك هذه الدار مع اسقاط كافة الخيارات وهذا اسقاط ما لم يجب وقاعدة عند الفقهاء لكنهم استثنوا الحكم الاقتضائي وقالوا في الحكم الاقتضائي ليس اسقاط ما لم يجب.
الشيخ الانصاري والاخوند يقولان يمكن تفسير الحكم الاقتضائي بالحكم الفعلي او الصحة التأهلية. يتأهل ان يكون فعليا. هذا المقدار من التأهل والاستعداد في أبواب عديدة تعامل الشارع معه تعامل الحكم كالاسقاط وغيره. هذا مثال خامس في اسقاط الخيارات قبل ان تكون فعلية لا سيما على نمط بعض الخيارات التي لا تتحقق فعليا الا بطرو أسبابها مثل العيب الطارئ قبل القبض لو قيل به او خيارات أخرى لا يتحقق قبل طرو أسبابها.
نفس القابلية وتحقق جزء الموضوع بمثابة تحقق الحكم اقتضاءا. جزء معتد به من الحكم يعد تحققا للحكم اقتضاءا.
مثال سادس نوعا وليس عددا: الضمان في موارد أسباب الضمان. اذا وضع الغاصب يده على مال الغير يقولون انه ضامن مع انه لم يتلف المال. لو تلف المال هو يغرم بالفعل. الضمان فعلي وليس اقتضائيا لكن الغرامة اقتضائية. هذا نوع من التعليق. التعليق يعني ان الضمان يأتي بمعنى الغرامة والمديونية وسبب الضمان موجود وهو يد الغير المأذون. فاذا في موارد يعبرون عن بعض الاحكام ماهيتها تعليقية ذاتا مثل الوصية والضمان من جهة فعلي ومن جهة الغرامة ليست فعلية بل تعليقية فيقال هو حكم اقتضائي يعني بلحاظ الغرامة والمديونية هو تعليقي واقتضائي.
امثلة كثيرة لكن من باب جرد الأمثلة خلافا لمدرسة الميرزا النائيني. مثال سابع مر بنا حلية الماء حلية طبعية وليست حلية فعلية.
مثال ثامن ذكره الشيخ الانصاري والاخوند وسيأتي بحثه في المكاسب ان العقد الفاقد لشروط الصحة يقال فاسد وسبب للضمان. مع ان الاعلام قالوا يصح معاطاةً. كيف من جهة يقولون بالصحة ومن جهة يقولون بالفساد؟ حتى الشيخ الانصاري يحاول ان يجمع بين كلمات الاعلام. احد الوجود للجمع قالوا ان مرادهم من الفساد او الضمان اقتضائي وتأهلي وليس فعليا. يعني حتى في الاحكام الوضعية كالضمان يجمع بالاقتضاء والفعل. صحيح فعلا وهو يوجب الضمان اقتضاء يعني لولا التصحيح لأثر اثره. حتى في الحكم الوضعي ممكن تصور الاقتضاء في مقابل الفعلية.
مثال تاسع: الصحة التأهلية عند الاعلام يعني صحة اقتضائية ويعتد بها في جملة من الآثار.
مثال عاشر: الحرمة ﴿حرمت عليكم الدم ولحم الخنزير .... الا من اضطر غير باغ ولا عاد﴾ يجوز للمضطر اكلها. هل الحرمة ارتفعت او جمدت؟ مشهور القدماء يقولون جمدت لا انه غير موجودة. طبعا عند الميرزا النائيني ترتفع الحرمة. مع ان الملاك والمفسدة موجودة.
مثال حادي عشر: في موارد حتى الميرزا النائيني والسيد الخوئي صححوا العبادة بما ان الحكم الفعلي ليس موجودا بل يقولون بانا نصحح العبادة من جهة الملاك. مع ان الحكم الفعلي ما موجود بل ممتنع عقلا. هنا أيضا التزموا بالحكم الاقتضائي ورتبوا عليه آثاره.
بقول عام ان الحكم الاقتضائي له أنواع ودرجات وزوايا الى ما شاء الله في أبواب الفقه وله آثار وهو جزئي وليس كليا. حكم اقتضائي جزئي لكن الاقتضاء بمعاني ودرجات عديدة.
مثال ثاني عشر: الصبي اذا احرم للحج قبل ان يبلغ واتى بعمرة التمتع وتحلل من عمرة التمتع ووقف في عرفات لكن في ليلة مزدلفة بلغ عمره خمسة عشر بالضبط. يعني بلغ من جهة الوقت والزمان قبل الوقوف بمزدلفة. نصوص وردت انه يجزئه عن حجة الإسلام.
هو دخل بحج غير واجب وهو حالة من حالات الحكم الاقتضائي كما ان العبد لو اعتق في مزدلفة فاجزئه عن حجة الإسلام. اذا لدينا كثير من الأمثلة.
مثال ثالث عشر: في موارد الرفع الشرعي وقواعد الرفع الثانوية الشرعية كالنسيان والاضطرار والحرج ان الميرزا النائيني رحمة الله عليه التزم خلافا للمشهور من قبله من طبقات الفقهاء التزم ان الرافع دليل مخصص في غير ما لا يعلمون. ان الحكم المنسي مرفوع والحكم الحرجي مخصص والدليل الخاص قاعدة الحرج والعام المخصص هو الاحكام الأولية. كذلك قاعدة النسيان والخطأ وهلم جرا هذه القواعد العذرية الثانوية.
المشهور قالوا ليست مخصصة بل مجمدة. لاحظ درجة من الحكم موجودة ورتبوا لها الاثار. من ثم المشهور يصححون الحكم المنسي او الحكم الحرجي والوضوء الحرجي والضرري اذا لم يلتفت بالضرر او جاهل به. عند المشهور صحيح. اذا في موارد الرفع التزم النائيني بالتخصيص ومبحث اجتماع الامر والنهي في كبد هذا البحث وسيأتي. لكن المشهور لم يلتزموا بالتخصيص. هذا فيه فرق. لانه في التخصيص لم يكن للحكم وجود فلا يمكن تصحيه.
مثال رابع عشر: قاعدة لا تعاد او قاعدة ان السنة لا تنقض الفريضة وهي اعم من قاعدة لاتعاد. الميرزا النائيني التزم ان لا تعاد مخصصة. ان الجزء المنسي مخصص والمشهور يقولون انه مجمد. اذا ان المشهور في ا بواب عديدة من الحكم الوضعي او التكليفي التزموا بنحو من الحكم الاقتضائي لكنه أنواع ودرجات.
أيضا خامس عشر: الصبي جملة كثيرة من المتقدمين على المحقق الحلي وقليل من المتاخرين كالشهيد الأول التزموا في الصبي ان الرفع فيه ليس تخصيصا وكثير من متاخري الاعصار قالوا تخصيص. القدماء التزموا وهو الصحيح بان الفعلية التامة ليست متحققة في الصبي. ولها آثار اما الفعلية الناقصة موجودة.
مثلا المشهور والقائلين بان الرفع عن الصبي او المجنون ليس تخصيصا يقولون انه لو صلى الصبي عن الميت لا يجزئ ولو غسل ميتا لا يجزء لان السقوط هنا من آثار الفعلية التامة. هذا الحكم المتقرر للصبي فعلي ناقص. المهم انهم التزموا بالمشروعية الأولية في عبادات الصبي وليست فعلية تامة.
لو اردنا ان نستقرأ الى ما شاء الله من الأمثلة حتى في باب القصاص اذا اذن المعتدى عليه للمعتدي هل يسقط القصاص او لا جماعة التزموا.
ذكرنا امثلة أخرى للحكم الحيثي والحكم الاقتضائي والحكم الطبعي ولها آثار ولها مراتب سواء في الاحكام الوضعية او التكليفية. كلها قابلة للتصور.
بالتالي هذا النقاش من مدرسة النائيني للمرحوم الاخوند مدفوع. سيأتي امثلة في النسخ والتخصيص امثلة في الحكم الاقتضائي لابد ان نشرحها مفصلا وشرحناها سابقا لكن نعيد من زاوية أخرى.
التخصيص والتقييد عند القدماء تختلف حقيقتها عن التقييد والتخصيص عند متاخري الاعصار.
هذه الأمثلة أنواع من الأمثلة لا يبعد ان ندرجها في ان الاحكام التكليفية ليست خمسة. سبعة عشر او عشرين أنواعا من الحكم التكليفية. لكن تسمياتها عند متقدمين تختلف عن المتاخرين. عند المتقدمين سنة وفريضة ومكرمة وكرامة مع انه حكم الزامي. تقسيمات للقدماء خمسة عشر قسما وردت في لسان الوحي. لايبعد انطباقها على أنواع الحكم الاقتضائي التي مرت بنا. هذا فتح باب في هذا اللغز. يمكن تفسير اقسام الحكم التكليفي عند الفريقين بهذه الأنواع ونزيد عليه انها ليست مختصة بالتكليفي بل يشمل الوضعي.
من ثم نرى المشهور لا يلتزمون بالتعارض بمعنى التكاذب مهما كان. بهذا السبب بكيفية التوليف بين الاحكام.
ذكرنا ان الشيخ الطوسي في التهذيب نادرا يلتزم باسقاط الرواية لو سندا غير تام.
هذا بحث واحد ثمراته قواعد وثمرته في باب التعارض كله. مبحث خطير في شئون الاحكام يضفي في ظلاله كل أبواب الفقه والأصول.