46/03/28
الموضوع: أقسام الحكم الفعلي والاقتضائي ومسألة الاجتماع
كان الكلام في الامر الثامن والتاسع الذي عنونه صاحب الكفاية من بينونة باب مسألة اجتماع الامر والنهي عن باب التعارض وخلاصته انه عند المشهور من طبقات الاصوليين الى زمن صاحب الكفاية باب التعارض هو تنافي نوعي مستدام وفي مقام الجعل وما شابه ذلك اما مسألة اجتماع الامر والنهي طبيعتها تقع بنحو الصدفة والاتفاق وليس التنافي تنظيري كلي مستدام نوعي ، ففي مسألة الاجتماع كلا الملاكين والجعلين مرحلة الانشاء ومرحلة اصل الفعلية محرز انما التصادم بين الحكمين ولو هو عموم وخصوص من وجه ولكنه عموم خصوص من وجه بسبب ان الاتفاق والتلاقي في مقام الافراد صدفة وهذا لا ينسحب ولا ينجر الى مرحلة الانشاء وكلا الملاكين موجودين بخلاف مسألة النهي عن العبادة يقتضي الفساد او المعاملة ذاك اعم من كون مسألة النهي يقتضي الفساد سواء في المعاملات او في العبادات تلك المسألة اعم من كون تلاقي النهي مع الامر العبادي صدفة او بنحو مستمر .
من ثم في تلك المسألة لا ينحصر البحث في العموم والخصوص من وجه بل يشمل العموم والخصوص المطلق اتفاقي او نوعي اما في هذه المسألة وهي مسألة الاجتماع الفرض فيها ان التلاقي صدفة واتفاق ومن ثم حتى المشهور على فرض ان كلا الحكمين متعرض للفعلية المطلقة يكون التعارض بين الدليلين في مرحلة الفعلية التامة وليس هذا تعارض اصطلاحي وانما من نوع اخر ومع ذلك يمكن الجمع بينهم .
واشكل عليه من قبل مدرسة المحقق النائيني والسيد الخوئي انه مسألة الاجتماع لا صلة لها بتبعية الاحكام للمصالح والمفاسد لا مسلك الاجتماع مرتبط بمسلك الامامية العدلية ولا من باب التعارض ولا التزاحم هذه الابواب لا صلة لها بالملاكات والمناطات فقضية تضاد الاحكام وما شابه ذلك غير موجودة الا بلحاظ المبادئ او الغايات ، والمبادئ ليس من الضروري ان تكون المصالح والمفاسد عند الاشعري المهم هي الارادة التشريعية والمبغوضية التشريعية وهذه بينها تضاد كما انه بلحاظ المآل هناك تضاد وسبق ان مر بنا ان الصحيح في الاعتبار انه لا يختلف عن الادراك التكويني وهو شيء تكويني خلافا لما هو معروف واشتهر غاية الامر ان الادراك الاجمالي المبهم يطلق عليه العقل والعقلاء بالاعتبار يعني مبهم مردد شيئا ما في كيفية انطباقه وما شابه ذلك فلا ننفي وجود تخيلي ومعنى ذهني وافتراضي وهذا موجود ولكن المقصود هذا الاعتبار في باب علم القانون وما شابه ذلك والعلوم القانونية التي تقوم على الاعتبار ليس المراد منه الاعتبار الافتراضي هو ادراك تكويني واجمالي غاية الامر مبهم .
من ثم نفس الفلاسفة عندهم كلمة الاعتبار ويطلقوها على موارد الادراك المبهم فيستل بتعمل من العقل فاذا كان هو امر تكويني اذن لا يختلف عن بقية التكوينيات وبالتالي يمكن تصوير التضاد الذاتي بهذا اللحاظ فهذا هو الاعتراض الاول على كلام صاحب الكفاية من قبل مدرسة المحقق النائيني وليكن الاشعري لا يؤمن بهذا .
اما بالنسبة لنا فنبني على هذا فملاحظة الملاك لابد منه لانه موجود في منطق العدلية فبالتالي دخول الملاك في عنصر الاجتماع ما المانع فيه على مسلك العدلية وان لم يكن على مسلك الاشعرية ولا مانع في مسألة واحدة يدير زواياها كل على حسب مسلكه ومبانيه .
فالاعتراض الاول نتجاوزه .
الاعتراض الثاني والثالث عند النائيني :
وهو البيت القصيد حول الحكم الفعلي ما هو معناه عند صاحب الكفاية او المشهور والحكم الاقتضائي ما هو معناه؟ فهل الحكم الفعلي هو الخارجي المنجز؟ كما هي مدرسة النائيني ؟ فهذا خارج عن شؤون مدلول الدليل الكلي ، كتب عليك الصيام ان الصلاة كانت على المؤمنين كتابا موقوتا فالاحكام الكلية ليست ناظرة الى مصاديقها وليست ناظرة الى تحقق افرادها الجزئية وهذه مقولة في علم الاصول ان مقام التحقق الخارجي الجزئي خارج عن شأن الدليل فالدليل غير ناظر الى موضوعه اين تتحقق افراده واين لا تتحقق؟ وما هي شؤون تحقق اثار الدليل والمدلول فبهذا المعنى هذا خارج عن دلالة الدليل والمدلول واذا كان المراد من الفعلي هو نفس المرحلة الثالثة من الانشاء اي الفعلي المقدر فهذا المراد معقول انه يسمى حكما فعليا مقدرا ولكن هذا المعنى من الفعلية سواء قلنا بالاجتماع او بالجواز هو بالتالي فعلي واذا اجتمعا في مجمع واحد يصير تعارض والا لا يكون تعارض .
هذه المرحلة كيف تكون تارة افتضائية واخرى غير اقتضائية؟ لان صاحب الكفاية قال تارة الدليل يدل على ان الحكم اقتضائي واخرى على الحكم الفعلي هذه المرحلة دائما الفعلية مقدرة اي المرحلة الثالثة النهائية من الانشاء فالدليل دائما يدل عليها لا انه تارة يدل على الاقتضاء واخرى على الفعلية هو دائما فعلي وهذا لا يفرق فيه اذا كان المتعلقين وجود وماهية واحدة يصير تعارض واذا لم يكن لا يكون تعارض فبالتالي الترديد في معنى الفعلية بهذا المعنى كيف لا يدل الدليل على الفعلية؟ فهذا المعنى صحيح في نفسه ولكن لا صلة له ببحث اجتماع الامر والنهي انه يكون ممتنع او جائز او يكون تعارض او لا يكون تعارض وان الدلالة تارة تتأولها واخرى لا تؤولها لا يمكن ذلك .
اذن المعنى المحصل للحكم الفعلي بحيث يكون بعض الادلة الدالة على الحكم الفعلي المطلق بتاتا دالة على الحكم الاقتضائي سيما انه يعترف صاحب الكفاية ان غالب الادلة تدل على الحكم الاقتضائي وليس الفعلي ، كيف ليست فعلي والحال ان هذا فعلي مقدر دائما موجود ، اذن هذا الاصطلاح من الحكم الفعلي لم يروا له معنى محصل جديد وليس له دور في تأثير وتنقيح المسألة .
نأتي الى الحكم الاقتضائي يعني كلام مدرسة الميرزا النائيني ما المراد بالاقتضاء ؟
ايضا يحتملون معنيين :
المعنى الاول :
ان يكون بمعنى الملاك اي اقتضاء الملاك يعني الدليل في صدد بيان الملاك فهذا هو المعنى الاول المحتمل لكلام الاخوند والشيخ الانصاري والمشهور لان الشيخ ايضا عنده هذا التعبير حكم اقتضائي وفعلي في نفس مسألة الاجتماع والسيد اليزدي عنده ايضا رسائل في علم الاصول ذكر السيد اليزدي في رسائله نفس تعبير الاخوند الذي ذكره الاقتضاء وكذا فالمباني الصناعية تشابه بين السيد اليزدي والاخوند في الاصول والصنعة الفقهية وهما زميلان في الدروس ربما الاخوند توفي قبل السيد اليزدي بعشر سنين ولكنهما زميلان في درس الميرزا الكبير الاخوند شيئا ما ادرك درس الشيخ الانصاري اما السيد اليزدي هل ادرك ام لا لست ادري؟
فاذا كان المراد هذا المعنى الاول اي بيان الملاك يعني بدل ان يكون الدليل في مقام الانشاء للحكم والامر والنهي يكون في مقام الاخبار والبيان والارشاد لوجود الملاك .
اعترض على هذا المعنى واستظهاروا من الادلة في الاحكام انه اولا هذا ليس وظيفة الشارع وانما مسئولية الشارع امر ونهي ومولوية لا قضية وجود ملاك وعدم وجوده وهي ليست مسئولية الشارع .
النقطة الثانية هذا خلاف الظاهر ، فعرفا هو انشاء وليس ارشاد فالارشاد اخبار وان كان بصيغة الانشاء لان الهدف منه الاخبار والتنبيه فهذه النقطة الثانية على المعنى الاول ان هذا خلاف ظاهر الادلة عرفا حيث هي في مقام الانشاء وامر ونهي ومولوية والسنخ هو سنخ انشاء وليس سنخ اخبار وارشاد والتنبيه على وجود الملاك وهذا لا يمكن احتماله فهذا المعنى لا يمكن قبوله فاذن معنى محصل للحكم الاقتضائي غير موجود عند الاعلام حسب مدرسة الميرزا .
هذا تمام الكلام في اعتراض مدرسة الميرزا النائيني ومنهم السيد الخوئي على كلام المشهور من التفصيل بين الحكم الاقتضائي والفعلي .
نعيد ما ابتدأنا به قبل اربع خمس جلسات وانقطعنا عنه لاستعراض كلام الاخوند واشكالات مدرسة المحقق النائيني عليه وهو في نفس المبحث ان التعبير بالحكم الاقتضائي او الفعلي هذا اصطلاح موجود ومر بنا تارة يقال اقتضائي مقابل الفعلي وتارة يقال طبعي مقابل الفعلي وتارة يقال حيثي مقابل الفعلي فالفعلي له معاني ثلاث ففي مقابله اما حيثي او طبعي او اقتضائي وهذا لم يأت من فراغ .
الان مثلا كون حلية الماء طبعية يعني طبع الماء حلال وليس كالخمر فيجتمع مع حرمة الغصب ولا نجد تعارضا بين حلية الماء الطبعية وحرمة الغصب الفعلية ، والمؤثر فعلا هو حرمة الغصب ، فغلبة كثيرة للحرمة انها فعلية بخلاف الحلية هي اقتضائية وحتى يعبرون حلية اقتضائية وحلية لا اقتضائية اباحة اولية او الاباحة الاقتضائية فغالب الحال في الحلية التشريعية التي شرعها الشارع الاباحة الاولية العقلية الاباحة الشرعية التي شرعها الشارع غالبا اقتضائية وليست فعلية مطلقة يعني تجتمع مع الحرمة الفعلية ومع الكراهة فباب الكراهة والاستحباب غالبا كالاباحة يعني كالاقتضائيات ليست فعلية بقول مطلق لذلك باب الكراهة والاستحباب حيثية ، فكراهة من حيثية واستحباب من حيثية .
طبعا هناك تقارب وطيد بين الحكم الحيثي والطبعي والاقتضاءي هو كانهم شيء واحد ولكن بالدقة ثلاثة اقسام ولكن بينها تشابه وتقارب وطيد جدا بحيث قد يستعمل الاعلام اسم احدها مكان لكن بالدقة تختلف ، فهناك حيثيات تعليلية او تقييدية موجودة فيه وليس ناظر لشيء بقول مطلق وانما ناظر للشيء من جهة الحيثية التعليلية او التقييدية من ثم لا يريد ان يبين حكم الشيء ذو الحيثية من كل جهة ولذلك هو حيثي من هذه الجهة فقط ففي باب علم الاخلاق او الفضائل غالبا الاحكام حيثية وليست احكام للاشياء بقول مطلق .
كما مر بنا مثلا طبع الماء الحلية او البيع محلل والربا محرم الا مع الوالد او الكفار او الزوجة ، الاقتضاء بالدقة التركيز فيه على ان الملاك في الشيء ليس من الضروري ان يكون هو علة تامة كما في البحث العقلي يقولون في العلة ثلاث اجزاء مقتضي والشرط الوجودي وعدم المانع فتقديم الحكم الاقتضائي في هذا الصدد .
فبالدقة هناك فرق صناعي دقي بين الحكم الحيثي والحكم الطبعي والحكم الاقتضائي ولكن التقارب وطيد بين الثلاثة فالفعلي في مقابل الحيثي يعني حكم للشيء من كل جهاته والفعلي مقابل الطبعي الحكم للشيء بطبعه وعناوينه الطارئة بغض النظر عن طبعه والحكم الفعلي في مقابل الاقتضائي حكم تام وعلية مثلا لا انه فقط مقتضي ، فبالدقة الفعلية ايضا تتخذ معاني ثلاثة في مقابل الثلاثة ولكن تقارب وطيد في الفعل الثلاثي الاقسام والطبع والحيثي والاقتضاء كانما شيء واحد ولكنه بالدقة صناعيا بينهما افتراق هذا بحث مهم جدا في المباحث الاصولية والفقهية يفيد تشخيص الحكم .
مثلا السيد الخوئي هو نفسه التزم وربما الميرزا النايني ان الوكالة او العقود الاذنية جائزة طبعا واما اذا جعلت الوكالة التي هي حكم عقد اذني اذا جعلت شرطا في عقد اللازم تكون لازمة اذا كانت بنحو شرط النتيجة فهو فرق بين حكم الوكالة طبعا وبين حكم الوكالة فعلا بحسب الملابسات والطوارئ اين ذهبت جوازية الوكالة؟ فما الفرق بين الاحكام التي طبيعتها هكذا ؟
مثلا في النكاح حكم حيثي طبعي كثير كثير ومر بنا في اصل بحث الامر والنهي استشكلنا في حصر الاحكام في خمسة والقدماء عندهم الحكم التكليفي قريب خمسة عشر قسم وهذا بين الفريقين وليس نحن وربما حتى الفريق الاخر لا زال يمشي على الخمسة عشر قسم فهذا ملف يجب ان يدرس ويضاف له قصاصات وشواهد ومن ضمن تقسيم الحكم الفعلي الى اقسام اكثر من خمسة هذا التقسيم اقتضائي طبعي حيثي .
فالحرمة الاقتضائية تختلف عن الحرمة الفعلية والحرمة الطبيعية او الحيثوية تختلف عن الحكم الفعلي عند القدماء من الفريقين مثلا يقولون لزوم النكاح لزوم بتي ما يمكن رفع اليد عنه الا استثناءا في موارد العيوب والا ما يمكن شرط الخيار فيه بينما البيع الذي هو ملك العقود يجوز فيه الخيار فلزوم البيع اقتضائي او طبعي اما اللزوم في النكاح فعلي مع انه حكم وضعي وليس تكليفي .
اذن اللزوم له مراتب او له انواع واسناخ ، فما الفرق بين الجواز في الهبة اللي يسمونه جواز حكمي؟ وبين الجواز في البيع وفي الفسخ ؟ فالجواز الحقي اقتضائي قابل للاسقاط اما الجواز الحكمي ليس قابل للاسقاط فهو فعلي بقول مطلق في الهبة اذن في الاحكام الوضعية والتكليفية نلاحظ اللزوم و لكن اللزوم على مراتب او جواز لكنه على مراتب حقي حكمي غير قابل للاسقاط وكذلك الجواز في العقود الاذنية اذا كان بنحو شرط النتيجة اخذ في العقود اللزومية يكون لزومي فكيف يجتمع اللزوم مع الجواز؟
فهذا التقسيم التزموا به في الاحكام الوضعية والتكليفية في ابواب عديدة فقهية وهذا البحث في نفسه ثمين بغض النظر عن مسألة اجتماع الامر والنهي ومثمر حتى في باب التعارض ان الحكم الاقتضاءي ما هو معانيه؟ فهل هذا التقسيم له حقيقة في تشريع الاحكام ام لا؟