46/03/24
الموضوع: مبحث النواهي/اجتماع الامر والنهي /التعارض ومسألة الاجتماع
كنا في هذا المبحث وهو ان صاحب الكفاية في الامر الثامن والتاسع من الأمور التي مهدها لمسألة اجتماع الامر والنهي ذكر ان هناك بينونة موضوعية بين مسألة الاجتماع والتعارض وهي ان مسألة الاجتماع تنافي في مرحلة الفعلية ولاترتقي الى تنافيات أخرى كما ان التضاد ومبحث الضد تنافي في مرحلة الامتثال ولا يرتقي الى مراحل سابقة. وان كان عبارات صاحب الكفاية او عناوينه بنحو آخر لكن لب مراده والمشهور هو هذا ان التنافي في مسألة الاجتماع ليس متصاعدا الى مراحل الانشاء والجعل بل هو مقتصر على مرحلة الفعلية التامة وليس حتى اصل الفعلية.
هذا ما ذكره صاحب الكفاية ومن ثم حتى لو لم تكن هناك معالجة اذا كان مفاد الدليلين حكم اقتضائي فبالتالي لا تنافي ولا تدافع بينهما لانهما اقتضائيان يجتمعان في مورد واحد ولو كانا كل منهما دلالتهما على الفعلية لامكن التوفيق بينهما بحمل كليهما او احدهما على الاقتضاء والأخر على الفعلية ولو فرض التعارض فهو تعارض من نوع آخر وليس من التعارض المعهود بل تعارض في خصوص المرحلة الفعلية التامة. هذا محصل كلام المشهور وصاحب الكفاية.
لشرح كلام صاحب الكفاية شيئا استعرضنا ضابطة مسألة الاجتماع وافتراقها عن مسألة النهي وان صاحب الفصول ذكر ان هناك ضابطة سابقة على صاحب الفصول وهو لا يرتضيها لكنها في الجملة جيدة وهي ان النسبة بين متعلق الامر ومتعلق النهي في مسألة الاجتماع عموم وخصوص من وجه اما النسبة في مسألة ان النهي يقتضي الفساد عموم وخصوص مطلق. صاحب الفصول لم يرتض هذه الضابطة بل ذكر ضابطة أخرى وهي انها في مسألة الاجتماع طبيعتان وعنوانان وفي مسألة النهي يقتضي الفساد طبيعة واحدة. غاية الامر هذه الطبيعة الواحدة عموم وخصوص مطلق.
لماذا اثرنا هذا البحث مرة أخرى ضابطة مسألة الاجتماع عن مسألة النهي يقتضي الفساد؟ لانه في باب التعارض ذكروا وقرروا التعارض بين العموم والخصوص من وجه فلم لا يكون هنا تعارض؟ اذا كان الضابطة مسألة الاجتماع ان النسبة بين عموم الامر وعموم النهي من وجه فهي التعارض فلم لا يكون تعارضا؟ لماذا ادعى صاحب الكفاية تقريرا لكلام المشهور ان مسألة الاجتماع عموم وخصوص من وجه وهي مبائنة للتعارض؟ هذا سؤال طرحناها في نهاية الجلسة السابقة. ان هذا العموم والخصوص من وجه بالصدفة والاتفاق فلايكون من التعارض بخلاف العموم والخصوص من وجه في باب التعارض لانه لا يكون بالصدفة. فاذا الفرق بين هذه النسبة في باب الاجتماع مع النسبة في باب التعارض ان ذاك التنافي نوعي وهذا صدفة واتفاق فلانه صدفة واتفاق فلا صلة له بباب الانشاء وباب الجعل فهذا التنافي لا يتصاعد ولا يرتقي الى مرحلة الانشاء لان التعارض في مرحلة الانشاء. فاذا هذه ضابطة كلية نستطيع ان نقررها ان الشؤون التي من باب الصدفة والاتفاق ليست من شئون باب الانشاء والجعل الكلي بل هي من شؤون باب التطبيق والاحكام الجزئية للاحكام الكلية وشئون الاحكام الجزئية لا ترتقي الى مرحلة الانشاء. هذه ضابطة دقيقة وممتازة في باب شئون الاحكام. ان الشئون الجزئية العارضة اتفاقا لا ترتبط باصل الجعل الكلي والاحكام الانشائية بخلاف ما اذا لم تكن صدفة واتفاقا بل كانت وتيرة نوعية كلية فحينئذ سوف تتصاعد الى مرحلة الانشاء والجعل.
اعيد ان اذكركم بكلام صاحب الكفاية من باب انه صناعة لطيفة. قال انه ليست الضابطة في مسألة الاجتماع انها عموم وخصوص من وجه وان كانت هي كذلك غالبا بل حتى لو كانت النسبة عموما وخصوصا مطلقا فكذلك. مثل «ادخل الجنة وكلا من حيث شئتما» يعني الامر بالحركة والنهي الخاص «لا تقربا هذه الشجرة» القرب عنوان مباين لعنوان «كلا او لا تقربا» لكن في الخارج النسبة بينهما عموم وخصوص مطلق وهذا يحسب من باب اجتماع الامر والنهي.
كما انه ضابطة صناعية أخرى ذكرت واعيدها في مسألة النهي يقتضي الفساد ان النسبة عموم وخصوص مطلق فالبحث في المسألة ان النهي يقتضي الفساد غير مختص بالموارد التي يكون فيها النهي يتعلق بعموم الامر بالعبادة او عموم الامر بالمعاملة. هذه مسألة ثانية وغير مختص بموارد الاتفاق والصدفة بل يشمل الموارد النوعية. اذا فيه اختلاف جوهري بين مسألة النهي يقتضي الفساد ومسألة الاجتماع ان مسألة النهي يشمل الموارد النوعية ان النهي في العبادة او المعاملة اذا كان تعلقه بحصة من عموم الامر بالمعاملة او كان النهي متعلقا بحصة من عموم الامر بالعبادة واذا كان تعلقه صدفة او نوعية فيشمله مسألة النهي يقتضي الفساد. فتلك المسألة اعم من الصدفة والتلاقي النوعي. فهذا فارق جوهري بين مسألة النهي يقتضي الفساد و مسألة الاجتماع.
نكررها لكي نبين انه على مبنى المشهور وصاحب الكفاية في مسألة الاجتماع التلاقي صدفة واتفاق وليس نوعيا فلا يتصاعد الى مرحلة الانشاء. النكتة هي هذه. هذا محصل كلام صاحب الكفاية.
الان نتعرض انتقادات مدرسة النائيني بما فيهم السيد الخوئي الى هذه الدعوى من المشهور ان مسألة الاجتماع مباينة لمسألة التعارض. ان مسألة الاجتماع حتى على الامتناع لا صلة لها بالتعارض.
فنستعرض ثلاثة او اقل او اكثر من انتقادات مدرسة النائيني.
الاعتراض الأول : ان مسألة الاجتماع غير مختصة بمذهب الامامية والعدلية وكذلك التعارض وكذلك التزاحم يعني ان ثلاث مسائل او اربع غير مختصة بمذهب الامامية بل يبحثها الاشعري والمذاهب الأخرى مع ان الاشاعرة لا يقولون بضرورة وجود المفاسد والمصالح في أوامر الشرع والنواهي معذلك يبحثون عن التعارض والتزاحم والاجتماع. فهذا شاهد على ان هذه المسائل غير مختصة بمن يقول بتبعية الاحكام للمصالح والمفاسد. ذكرنا نظرية الكمباني التي يعتمده السيد الخوئي ان الاحكام الشرعية اعتبارية وليس هناك تناقض او تضاد بين الاحكام الاعتبارية فيما بينها من حيث ذات نفسها لان الاعتبار خفيف المؤونة. فلا معنى للتناض والتضاد التكويني بين الاعتباريات. اذا ليس هناك تعارض او تنافي او تناقض حقيقي بين ذات الاحكام وانما التنافي اما بلحاظ مبادئ الاحكام يعني المصالح والمفاسد او بلحاظ غايات الاحكام وهي الامتثال من المكلف لان الامتثال امر تكويني والمبادئ أيضا أمور تكوينية والامر الاعتباري يقع وسطا بين التكوينين. مر بنا هذا البحث وهذه هي النظرية الصاعدة في حقيقة الاعتبار ولو هي عدة نظريات. لكن هذا الجانب ان الاعتبار يتوسط بين التكوينين جزء مشترك بين نظريات متعددة في الاعتبار. هناك نظرية في الاعتبار لدى متكلمي علماء الامامية ويوافقهم عليها قدماء الفلاسفة المسائين كارسطو السقراط والفارابي وهو فيلسوف شيعي اثنا عشري. هم يذهبون الى نفس الرأي في الاعتبار او في الحسن والقبح. ما اريد ان اتوسع بل الفهرسة. وهناك نظرية في الاعتبار او الحسن والقبح لان الحسن والقبح بحث قانوني ينبغي ان يعمل يعني ان هناك صلة وتيدة بين بحث العقل العملي ومبحث الاعتبار.
النظرية الثانية نظرية ابن سينا فما بعد يعني اكثر فلاسفة الشيعة اكثرهم يتبنون هذه النظرية وتختلف عن الاشاعرة وان تقاربت معها الى الطباطبايي وملاصدرا والكمباني والمظفر وهذه نظرية خاطئة عندنا. ذكرنا هذا البحث مطولا في كتاب العقل العملي. هذه نظريات ثلاث.
النظرية الرابعة وقفنا عليها وهي في الاعتبار ان الاعتبار هو نفس الادراك التكويني هو نفس التكوين. فلماذا يسمى الاعتبار في مقابل التكوين. حتى في الفلسفة هذا الاصطلاح موجود وذكرنا في كتاب نظرية الاعتبار.
الاعتبار يعني ادراك تكويني مبهم اجمالي فيسمى الاعتبار سوااء في الفلسفة او الأصول او القانون في قبال الادراك التفصيلي الواضح ويسمى التكوين. الأدلة والشئون مبحث اخر لا ندخل فيه.
المهم نرجع الى كلام الكمباني: هو يقول في الاحكام الشرعية الاعتباريات تتوسط بين التكوينيات والاعتبار خفيف المؤونة ولا يجري فيه التعارض وتبنى عليه السيد الخوئي في كل أبواب الأصول والفقه والعلوم الدينية. هذا الكلام من الاصفهاني انما يتم على النظريات الثلاث او الاثنين اما على النظرية الرابعة لا تتم. فعلى النظرية الرابعة لا يمكن ان يكون في الاعتبار تناقض وتنافي.
السيد الخوئي يقول: لان الاحكام ليس فيها التناقض والتنافي فالتعارض اما بلحاظ المبادئ فالاشاعرة لا يلتزمون بالمبادئ والمصالح والمفاسد فغاية الامر يلتزمون به في إرادة المولى فلا يمكن للمولى ان يريد شيئا ويبغضه. فالارادة التشريعية للمولى هي من مبادئ الحكم وليس فقط المصالح والمفاسد. نعم بلحاظ الإرادة التشريعية فيه تناقض وبلحاظ الغايات أيضا فيها التناقض اما بلحاظ الاحكام نفسها ليس فيها التناقض.
فاذا مسألة الاجتماع على الامتناع يسبب التعارض لا لذات الاحكام بل لمبادئها كالارادة التشريعية او للغايات وهذه الضابطة موجودة حتى للاشعري. اذا لا تدور مسألة الاجتماع مسألة الملاكات وانما تدور مدار تنافي الإرادة التشريعية للمولى او امتثال المكلف. والا التعارض حقيقة او التنافي او التناقض او التضاد غير موجود في ذات الاحكام لانها اعتبارية. انما سبب التنافي بين الاحكام سواء بنحو التعارض او التناقض باي نحو من انحاء التنافي انما يتحقق التنافي بين الاحكام لا لذاتها بل لمبادئها كالارادة التشريعية او للغايات. اذا أي صلة لبحث وجود المصالح والمفاسد؟ هذا هو الاعتراض الأول على كلام المشهور من السيد الخوئي.
الجواب: هب ان ضابطة التعارض او التنافي او التناقض ليست منحصرة بمذهب الامامية ولكن على مذهب الامامية الملاكات موجودة فبالتالي هي ضابطة من الضوابط. ما المانع من ذلك؟
بعبارة أخرى او بجواب آخر: اذا فيه فارق بين باب التعارض او باب مسألة الاجتماع. في مسألة الاجتماع الإرادة الاقتضائية والكراهية الاقتضائية بما يشمل الحرام موجودة وفرق بين مسألة الاجتماع ومسألة التعارض. في مسألة التعارض الإرادة الاقتضائية والكراهة الاقتضائية حتى على مستوى الاقتضاء ليستا موجودتان. لانها تعارض والتعارض يعني التكاذب. اما كلاهما ليسا موجودين او احدهما. هذا فرق جوهري. حتى على مسلك الاشاعرة لان الإرادة التشريعية والكراهة التشريعية من المبادئ وفي باب التعارض ليستا معا. هناك عدة مبادئ للاحكام أولا وجود المصالح والمفاسد يعلم بها الشارع فتتولد الإرادة التشريعية والكراهة التشريعية ثم يتولد الحكم وهذا مذكور حتى في مباحث الأصول القديمة. هب ان المصالح في نظرية الاشاعرة غير موجودة لكن الإرادة والكراهة موجودتان وهما من مبادئ الحكم. في باب التعارض هذا المبدأ ما موجود اما كلاهما او احدهما بينما في مسألة الاجتماع لابد من وجودهما. يبقى الفارق الذي ذكره المشهور وهو صحيح حتى على الاشعري مع انا لسنا ملزمين بالاشعري.
هذا بناء على ان الاعتبار ليس تكوينيا لكن على مبنى ان الاعتبار تكويني فالامر سهل لان التضاد بالذات في مسألة الاجتماع ليس التضاد بين الاحكام بل بين مرحلة الفعلية التامة للاحكام. على كل هذا الاعتراض الأول ليس متين.
فيه اعتراضات أخرى نذكر عناوينها. الاعتراض الاخر ذكرته مدرسة النائيني والسيد الخوئي على كلام صاحب الكفاية ان أي معنى محصل للحكم الفعلي في قبال الحكم الاقتضائي؟ ما معنى للحكم الاقتضائي. هذا الحكم الفعلي والاقتضائي اصطلاح مجرد الفاظ لا محصل لها وسنتعرض لها ان شاء الله. هذا اعتراض آخر مهم وحساس جدا. مدرسة النائيني لا تعترف بهذا التقسيم للحكم الشرعي.
ان شاء الله غدا نخوض فيه.