الأستاذ الشيخ محمد السند
بحث الأصول

46/03/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: النواهي/اجتماع الامر والنهي/ النواع التعارض والتزاحم في الأبواب

 

كان الكلام في الامر الثامن والتاسع لصاحب الكفاية والذي تعرض له الميرزا النائيني وخلاصته ان هناك فارق موضوع بين مسألة اجتماع الامر والنهي ومسألة التعارض ان الأول من التزاحم موضوعا بالمعنى الاعم. التزاحم بالمعنى الأخص باب الامتثال والتزاحم بالمعنى الاعم اعم من التزاحم الامتثالي او التزاحم الملاكي او التزاحم الاقتضائي أنواع عديدة من التزاحم بحسب مراحل الحكم.

اذا خلاصة كلام صاحب الكفاية هو ان مسألة اجتماع الامر والنهي موضوع مباينة لمسألة التعارض لانها من التزاحم يعني انه ليس هناك تكاذب في الجعل ولا التنافي بعد الفراغ عن ان هناك جعل ومجعول استدامة هذين المجعولين بالجعلين في المرحلة الفعلية التامة التي هي مرحلة خامسة يعبر عنه بمسألة اجتماع الامر والنهي. اذا هذه المسألة تصادم وتجاذب وتدافع بين الحكمين في مرحلة الفعلية التامة يعني بتعبير المرحوم الاخوند على المشهور ليس هناك تدافع وتناف بين الحكمين في مرحلة اصل الفعلية فضلا عن مرحلة الجعل والتشريع من ثم هناك بينونة بين باب التعارض وباب التزاحم. حتى لو فرضنا انه لو عبر بعض الاعلام عن المشهور او عن صاحب الكفاية ان نتيجة الامتناع تعارض ليس مقصوده التعارض الاصطلاحي وانما هو تعارض في الدلالة على مرحلة الفعلية التامة. لان الحكم له دلالات بحسب مراحل الحكم فهو فيه تناف في الدلالة في المرحلة الفعلية التامة وليس في مرحلة اصل الفعلية ولا المراحل الانشائية وهذا تصوير وضابطة لطيفة في الفارق الموضوعي بين باب الاجتماع وباب التعارض.

فنلاحظ ان المشهور بين الأصوليين والفقهاء عدا مدرسة النائيني وتلاميذه ومنهم السيد الخوئي وتلاميذه ان المشهور عندهم مسألة اجتماع الامر والنهي ليس من التعارض فكيف بمباحث الضدين التي مرت يعني التزاحم في مقام الامتثال. التدافع بين الحكمين في مرحلة الفعلية التامة ليس من التعارض الاصطلاحي فكيف بتدافع الحكمين في مرحلة الامتثال او التنجيز خلافا لمسلك الميرزا النائيني رحمة الله عليه وتلاميذه ومنهم السيد الخوئي.

من ثم ندقق ان الترتب ليس علاجا لاصل المراحل الانشائية للحكم ولا لاصل مرحلة الفعلية ولا الفعلية التامة بل الترتب علاج للتزاحم الامتثالي في مرحلة الامتثال والتنجيز ولا صلة له بالجعل والدلالة والانشاء واصل الفعلية. هذا هو حقيقة الترتب عند المشهور ونوع من التوفيق العقلي. سبق ان نبهنا عليه في مبحث الضد ولكن هنا نعيد تكراره للتنبه على اختلاف بنيوي بين مدرسة المشهور ومدرسة النائيني والصحيح ما هو عليه طبقات قرون من الاعلام. وهذه نكتة لطيفة. هذه المسائل كثيرة الابتلاء لكن الجو العام عكس ما هو عشرة قرون للجو العام من العلماء الاعلام بالتالي لا يصيب الشخص نظرة دقيقة اذا لم يعلم مسار المشهور من الاعلام ومشهور الطائفة ويظن ان ما هو الان مسار مشهور الطائفة. كما هو الحال في الشهادة الثالثة في تشهد الصلاة بعد ما كانت الشهرة كذا وكذا بدلت الى كذا كذا. كما استقصاها ورصدها السيد عبد الرزاق المقرم في كتابه الشهادة الثالثة انه كان يظن ان المشهور عدم اعتبار الشهادة الثالثة في تشهد الصلاة والحال انه ليس كذلك بل الشهرة بالعكس. المقصود ان التثبت في الشهرة عظيم. كثير من الفضلاء يطلقون القول بالمشهور وهو تلاعب بالالفاظ ولازم ان يكون متثبتا في هذه الأمور. اجمالا النسبة صارت ما اسهلها.

فالمقصود هذا المطلب وهو انه اذن المشهور في مسألة اجتماع الامر والنهي على الامتناع يعني مجمعا واحدا لا يرون التعارض الاصطلاحي. بعض الصور التي استثناها صاحب الكفاية وبنى على انها تعارض ليس مراده التعارض الاصطلاحي بل التعارض غير الاصطلاحي.

كما ان عندنا أنواع من التزاحم كذلك عندنا أنواع من التعارض، التعارض البدوي والتعارض المستقر وفيه التعارض في مرحلة الانشاء وفيه تعارض في مرحلة الفعلية التامة. اذن التعارض عند المشهور ليس مختصا بالتعارض باصل المرحلة الانشائية او التعارض في مرحلة الفعلية التامة بل عندنا التعارض من أنواع أخرى وهذا مسلك المشهور. كما عندنا أنواع من التزاحم كذلك عندنا أنواع من التعارض حسب ممشى صاحب الكفاية وممشى المشهور وهذه نكات مهمة يستثمر في أبواب الفقه كثيرا انه ليس التعارض هو التعارض المصطلح دائما.

من ثم هو مبنى المشهور كما مر بنا مرارا في مبحث التعارض في الدورتين السابقتين ان التعارض بمعنى التكاذب لا يلتزمون به الا نادرا بل يجمعون بين الأدلة انه بالدقة تعارض بين المقتضيات يعني نوعا من التزاحم. صورته تعارض لكن حقيقته التزاحم. او التنافي والتعارض في مراحل لاحقة من الحكم وليس التنافي في مرحلة اصل الجعل. مراحل لاحقة لا تمس باصل تشريع وجعل الحكمين. هذه نكات مهمة من مشهور طبقات الاعلام. من ثم بنوا على قاعدة ان الجمع مهما امكن أولى من الطرح.

هذا الذي تبنى عليه المشهور ليس فقط على صعيد الاحكام الواقعية الفقهية بل يلتزمون به حتى في الاحكام الظاهرية يعني الطرق والحكايات بمعنى انهم لا يفرطون في اقتضاء الكشف والطريقية. شبيه انك عندك مرآتان او مرايا وتعكس لك صور تظن انها متنافية لكن العقل يحكم بالنظر الى المرايا وتحاول ان توازن بينها لكي تعطيك صورة متفقة. هذه هي سيرة عقلائية انهم لا يفرطون في حاك من الحكايات ولا قصاص من القصاصات. كما انها سيرة العقلاء في باب القضاء وباب الفتية فالجمع مهما امكن عبارة عارضة استوانية من الاعلام والتفريط في الدليل او المدلول ليس من شأن الفقيه ذو العارضة القوية من جهة انه يفهم كيف يلائم بين مراحل الاحكام والتشريع. اذا هذا المبحث ليس خاصا بمبحث اجتماع الامر والنهي بل مبحث عام في الأبواب الأصولية والفقهية ان لا نفرط في الأدلة. شبيه مبحث منظومة الحجية او تراكم الحجية. الظنون مرغب في إيجاد الحجية وتأسيس الحجية. «من روى حديثنا» يعني الحث على انشاء نهر في هذه الظنون كي يستفاد من محصله خبر علمي ليس خبرا ظنيا آحاد.

كما هو الحال في سيرة العلماء لا يفرطون في كتاب من كتب اللغة مع ان كتب اللغة ليست مسندة بل مرسلة لا المتقدمة منها ولا المتأخرة منها. ولا ترى هناك عالما حكيما يقول فرّط في هذه الكتب لانها كلها مواد تجتمع مع انهم تتفاوت في الاعتبار والحكاية لكنهم لا يفرطون فيها.

كتب الشيخ الطوسي كتاب التهذيب كما يذكر في المقدمة لان احد الفضلاء رأى تعارض الروايات فاصبح له الشبهة فالفه بامر الشيخ المفيد. والحال ان الروايات من نمط آخر. يعني ان هذا بحث في باب الظهور. هذه قضية منظومية او قضية عدم التكاذب وعدم التنافي مسلك صناعي لدى المشهور في مراحل عديدة.

في باب الظهور يقول امير المؤمنين عليه السلام بعث الأنبياء جميعهم عدا سيد الأنبياء بالتصريح وبعث النبي سيد الأنبياء بالتعريض . يقول ان هؤلاء الأنبياء علمهم محدود فبعثوا بالتصريح اما بيانات سيد الأنبياء مبنية على التعريض والتعريض يعني تعدد الدلالات وتعدد المراتب والباطن والظاهر وهلم جرا. هذا بيان امير المؤمنين ومتكرر عند أئمة اهل البيت عليهم السلام. «لا نعد منكم فقيها الا من يعرف معاريض كلامنا» الميرزا مهدي اصفهاني رحمة الله عليه الف في باب المعاريض رسالة أورد روايات كثيرة متواترة معنوية ان نظام الظهور نظام التعريض. الان يجيء احد الفضلاء يقول ما اقبل الا التصريح والحال انها ديدن الوهابية. ان للقرآن ظهرا ولظهره بطن لبطنه سبعين بطنا. مسيرة الفضلاء في النقد الادبي من زمن الجاهلية الى الان في اللغات العالمية يعني يستكشف من الكلام ما لا يستكشف غيره.

لذلك التعارض هل هو في مرحلة الظاهر او التأويل او التصريح؟ متاخروا هذه الاعصار يقولون ان الجمع مهما امكن تبرع والتبرع لا حجية فيه. لماذا لا حجية فيه؟ خصوا الظهور فقط بالتصريح. هذه اول لبنة خاطئة. من قال ان الظهور هو التصريح. أبواب الإشارات والكنايات وأنواع الإشارات وهي طبيعتها تبنى على الضبابية لنكتة او حكمة. ما اريد ان اتوسع في امثلة الأبواب. اجمالا المشهور سواء على صعيد الحكم الظاهري في الدلالة والظنون او على صعيد الحكم الواقعي لا يبنون على التكاذب في اصل الجعل الا نادرا نادرا ندرة بل دائما عندهم نوع من التوفيق بين الأدلة فكيف بك في مسألة الاجتماع وهي مسألة طارئة بين الحكمين فضلا عن باب الضد. بينما الميرزا النائيني رحمة الله انعم به واعظم به ما رأى تنافيا بين المتزاحمين جعلها من التعارض الاصطلاحي بينما المشهور لا يلتزمون به. كل مرحلة من المراحل الثمانية لها ضوابطها.

لاحظ كلام الشيخ الطوسي من اول التهذيب الى آخره او من اول الاستبصار الى اخره نادرا ندرة اندر يطرح رواية ضعيفة او قوية بل يؤولها ويوفق بينها. هذا هو دأب المشهور. الشيخ الطوسي يرجح رواية ولا يطرح رواية. وعند المشهور ان المرجوح لا يطرح بل يؤول ويضم الى الراجح.

الان سؤال علمي: بلاشك في مسألة اجتماع الامر والنهي على الامتناع النسبة بين الدليلين عموم وخصوص من الوجه وان كان صاحب الفصول يقول يمكن ان يفرض العموم والخصوص مطلقا. لانه عنده فذلكة في تحرير مسألة الاجتماع. وكذلك عنده فذلكة لطيفة في تنقيح موضوع ومورد مسألة ان النهي يقتضي الفساد. اعيد ان اكررها لانها نكتة صناعية تفيد في الأدلة. صاحب الفصول قال ليس الفرق بين مسألة اجتماع الامر ومسألة النهي يقتضي الفساد هو العموم والخصوص من وجه والعموم والخصوص مطلقا. قبل صاحب الفصول هناك من يذهب الى ان الفرق بين المسألتين ان الاجتماع في العموم والخصوص من وجه ومسألة النهي في العموم والخصوص المطلق. هذا بحث عملي ابتلائي في أبواب الفقه.

ندقق قليلا: العموم والخصوص من وجه الاتفاقي او العموم والخصوص غير الاتفاقي؟ ما هو الفرق بينهما؟ هذا سؤال صناعي. في العموم والخصوص غير الاتفاقي المشهور يبنون على انه نوع من التعارض البدوي لا اقل او التعارض المستقر يحتاج الى العلاج اما في العموم والخصوص الاتفاقي قالوا ليس التعارض الاصطلاحي وانما توفيق بقواعد التزاحم الاقتضائي. ما الفرق بين الدائمي والاتفاقي؟ فرق موضوعي وليس كلامنا في المحمول. سؤال صناعي وجوهري.

نأتي الى مسألة النهي يقتضي الفساد. قبل صاحب الفصول قالوا ان مسألة النهي عموم وخصوص مطلق. هل مرادهم العموم والخصوص الاتفاقي او الدائمي؟ العموم و الخصوص في النهي يقتضي الفساد ان الخاص غير العام يعني مثل التخصيص. عموم وخصوص مطلق. في التخصيص عموم وخصوص مطلق غالبا لكن متنافيين كالايجاب والسلب او التقييد كذلك عموم و خصوص مطلق. هذا العموم والخصوص المطلق في باب التخصيص دائمي اما اذا صار العموم والخصوص المطلق اتفاقيا لا يكون من مسألة باب التخصيص والعام والخاص بل يكون من باب ان النهي يقتضي الفساد.

لا نستعجل وان شاء الله في الجلسة القادمة نعيد هذه الحذورة وهذه الحظورات هندسة زكية ويجب ان تكون مستحضرا لهندسات زكية من الأصول قبل ان تدخل في الفقه.

وصلى الله على محمد وآله الطاهرين