46/03/19
موضوع: النواهي/اجتماع الامر والنهي/الامر الثامن والتاسع في الكفاية في مسألة الاجتماع
كان الكلام في الامر الثامن والتاسع الذي ذكره صاحب الكفاية حيث اشترط في مورد البحث في مسألة اجتماع الامر النهي ان يكون كل من الحكمين واجدا للملاك والمناط ثبوتا فيكون من مبحث الاجتماع والا ان كان احد الحكمين لا على التعيين غير واجد الملاك فضلا عن كليهما فهذا ليس من مسألة الاجتماع بل يكون من التعارض. كانما يبني هناك بينونة موضوعية بين مسألة الاجتماع والتعارض حتى على الامتناع.
بتقريب ان اجتماع الحكمين يعني انهما موجودان غاية الامر حصل عارض من العوارض ان التقيا في مجمع واحد فبالتالي اصل فرض مسألة الاجتماع في ما يكون الحكمان واجدين للملاك الا انهما التقيا في مجمع واحد فمن ثم يفارق موارد التعارض.
بعبارة أخرى يريد ان يقول الاخوند ان التعارض إشكالية بين الدليلين في مقام الجعل والمرحلة الثانية من المراحل الانشائية، بينما مسألة الاجتماع إشكالية بين الحكمين ليس في مقام الجعل بل في مقام الفعلية التامة والمرحلة الخامسة. هذا هو التزاحم الاقتضائي، وأما التزاحم الامتثالي فهو إشكالية بين الحكمين في مقام الامتثال وهي المرحلة التاسعة. كلام وجيه.
فحينئذ اذا كان الحكمان اقتضائين بمعنى اذا كانت دلالة دليل الحكمين على ان الحكمين اقتضائين في الفعلية الناقصة فلا يسبب أي تناقض ولا تنافي غاية الامر يجمع بينهما بالتزاحم الاقتضائي. هذا كلام المرحوم الاخوند في الامر التاسع.
في الامر التاسع يبحث عن الاثبات انه كيف نثبت ان الحكمين في المرحلة الخامسة انهما موجودان في المرحلة الرابعة يعني الفعلية الناقصة وهو الحكم الاقتضائي. والتنافي في المرحلة الخامسة بينهما؟ يقول اما بالاجماع او التسالم او الضرورة ان كلا من الحكمين لا يمكن تخلفه فبها والا فاطلاق الأدلة لا سيما اذا كانت في صدد بيان الحكم الاقتضائي وربما يقال ان غالب الأدلة هكذا. نعم اذا كان احدهما فعليا والأخر اقتضائيا فلا مانع حينئذ ولو فرض ان دليل كل منهما في صدد الفعلية التامة النهائية فتعارض وليس مقصوده التعارض في مقام الجعل بل مقصوده التعارض في مقام بيان الفعلية. ربما الميرزا النائيني والسيد الخوئي حملوها على التعارض الاصطلاحي والحال ان مقصود صاحب الكفاية هو التعارض ليس في مقام الجعل مع ان التوفيق العرفي يقول ان نحمل كلا منهما او احدهما على الحكم الاقتضائي فواضح انه يريد التعارض في مقام دلالة كل من الدليلين على انه فعلي بقول مطلق يعني تكاذب والتنافي بين الدليلين في مقام الفعلية التامة لا في مقام اصل الحكم الاقتضائي ولا في مقام الجعل لانه صرح انه في الحكم الاقتضائي ليس بينما تناف وفي مقام الجعل أيضا ليس بينهما تناف. هذه نكتة لطيفة.
هو في صدد التمييز بين دلالة الأدلة على الحكم الفعلي او الحكم الاقتضائي فارقا عن اصل الجعل وفارقا عن مرحلة الحكم الاقتضائي. هذا محصل كلام الاخوند وكما مر بنا امس أنواع الاطلاق.
مرت بنا تسعة أنواع من الاطلاق واحد أنواع الاطلاق عند الشيخ عبد الكريم الحائري والاخوند والشيخ الأعظم هو ان الاطلاق هل يدل على الحكم الاقتضائي او الحكم الفعلي؟ او يدل على الحكم الطبعي والحيثي او يدل على الفعلي في مقابلهما؟ هذا التعبير موجود فلاحظ ان هذا الاطلاق ليس في مقام اصل الجعل بل التنافي بينهما في مقامات أخرى من مراحل الحكم وان الاطلاق قد يتكفل مراحل أخرى من الحكم عند الكل حسب مبناه. لا ان الاطلاق دائما في اصل الجعل في المرحلة الثالثة والطبيعة المقدرة كما يتبادر عند الميرزا النائيني والسيد الخوئي. ليس البحث في ذلك المقام.
دعونا نذكر إشكالات مدرسة النائيني وبعد ذلك نرجع الى تتمة ما بيناه.
إشكالات مدرسة الميرزا النائيني ومنهم السيد الخوئي ان مسألة الاجتماع لا صلة لها ببحث ملاكات الاحكام بل هذا البحث مسألة تعم حتى مذهب الاشاعرة والقائلين بعدم تبعية الاحكام للمصالح والمفاسد لانه اجتماع الامر والنهي يسبب التضاد في الارادات التشريعية والتناقض وفي كيفية الامتثال يعني محذورات لا ربط لها باصل الملاك او كيف يمكن للشارع بعث وزجر يجتمعان في وجود ومجمع واحد فيكون تناقضا. فاذا حسب كلام مدرسة النائيني ان مسألة الاجتماع فيها محاذير لا ربط بوجود الملاكات وعدمها وانما لها ربط بمحاذير أخرى كالارادة التشريعية ومحركية الحكم وقدرة المكلف على الامتثال فليس المحذور يدور مدار وجود الملاك وعدم وجوده. كما ان التعارض بناء على الامتناع نفس مسألة التعارض التي هي من متفرعات الاجتماع والامتناع لا صلة لها ببحث الملاكات وتبعية الاحكام للملاكات لان الاشاعرة أيضا يبحثون عن التعارض. اذا هذا باب آخر. كما ان مسألة الاجتماع لا تتوقف على الملاكات كذلك مسألة التعارض وبابه بحث يقيمه الاشعري والمعتزلي والامامي والعدلية ولا ينحصر بمن يذهب الى الملاكات. لان التعارض تناقض في مقام الجعل وكذا وكذا.
هذا كلام مدرسة النائيني. فاذا لا باب التزاحم وباب التعارض ولا مسألة اجتماع الامر والنهي لا صلة لها ولا توقف لها على القول بوجود الملاكات للاحكام. لان المحاذير من جهات أخرى لا من جهة الملاك.
لطيف ان السيد الخوئي في هذا المبحث يقبل كلام استاذه الكمباني وهو عنده نظرية لا بأس بها وهي ان التضاد والتناقض والتنافي بين الاحكام ومدلول الأدلة والمجعولات ليس بالذات حقيقة. مثلا دليل يقول لك ان جلسة الاستراحة في الصلاة الزامية ودليل يقول انها ليست الزامية. يقول ان التضاد والتناقض بالدقة ليس بين الاحكام الوجوب والاستحباب لانها أمور اعتبارية والاعتباريات لا تناقض حقيقي بينهما ولا تنافي ولا تضاد. يقول ان التضاد و التناقض اما في المبادئ والملاكات او الإرادة الشرعية والمبغوضية والمحبوبية الشرعية «يعبر عنها مبادئ التشريع» اذا نفس الامر الاعتباري حتى الحرمة والوجوب ليس بينهما تنافي بل التنافي بالدقة اما بلحاظ المبادئ وهي الملاكات والإرادة والمبغوضية والمحبوبية أي الأمور التي ينشأ منها التشريع او بلحاظ غايات الاحكام أي تحريك المكلف وبعثه وزجره وامتثاله واجتنابه وافعال المكلف او الامور المؤثرات في المكلف لانها تكوينية فيتصور فيها التناقض والتضاد. اما الاحكام وهي الأمور الاعتبارية فلا يتصور فيها التناقض والتنافي او التضاد حقيقة فنسبة التضاد والتناقض او التنافي اليها مجاز عقلي. هذه محصل نظرية المرحوم الاصفهاني سواء في باب التعارض او مسألة الاجتماع. أصلا نفسه مبحث مستقل.
هذه النظرية طبعا تعتمد على حقيقة الاعتبار والنظريات المختلفة حول حقيقة الاعتبار وربما ثلاث او أربعة نظريات رئيسية ذكرناها في أواخر كتاب العقل العملي. فيه نظرية الفلاسفة والاشاعرة ونظرية متكلمي الامامية وقوينا فيه نظرية المتكلمين ثم عدلنا الى نظرية أخيرة نعتمد عليها في كتاب حقيقة الاعتبار. هذا المبحث ليس ينقح الحال في حقيقة الاحكام الشرعية والتشريع والشريعة فقط بل هذا المبحث مبحث أساسي في كل العلوم الدينية وتستطيع ان تقول نظرية المعرفة في العلوم الدينية. بل باعتراف العلامة الطباطبائي مبحث الاعتبار أساس في العلوم العقلية لان الانسان طبيعته او أي موجود كائن اختياري كالجن سيما على مبنى ملاصدرا ان اكثر الكائنات له إرادة اختيارية ان مبحث الاعتبار دخيل في ا ي كائن له إرادة اختيارية. المحرك لارادة الكائن المختار دائما يكون الاعتبار وهو عند مشهور الأصوليين من الامامية والى حد ما من الاشاعرة والفلاسفة ان الاعتبار امر متوسط بين تكوينين. امر فرضي متوسط بين تكوينين. هذا جانب مشترك بين نظريتين او ثلاث مشهورات في حقيقة الاعتبار. فيه اختلاف بين الفلاسفة ومتكلمي الامامية مع الاشاعرة لكن الجانب المشترك بين هذه النظريات الثلاث ان الاعتبار معنى افتراضي بين تكوينين وهما المصالح والمفاسد او إرادة المولى وافعال المكلف. هذا تعريف شائع بين نظريات الاعتبار وسابقا كنا نبني عليه وان كنا نقوي نظرية متكلمي الامامية في مقابل الفلاسفة والاشاعرة. طبعا الفلاسفة المشاء القدماء كالارسطوا والسقراط والفارابي مبناهم مبنى متكلمي الامامية. ابن سينا تأثر بالاشاعرة فحول مسلك المشاء الى مسلك قريب من مسلك الاشاعرة. على كل شرحنا هذا المطلب تماما في كتاب العقل العملي والكتاب الآخر حقيقة الاعتبار.
هذا المبحث مهم في كل العلوم القانونية سواء الوضعية او السماوية حتى في علم الاخلاق والعلوم العقلية. باعتراف العلامة الطباطبايي في رسالة الاعتبار وهي خلاصة آراء الميرزا النائيني والكمباني والعراقي وان لم يذكر أسماءهم. لان هذا المبحث كما يعترف العلامة الطباطبايي مبحث خطير ولم ينقحه الفلاسفة بل نقحه علماء الامامية. علم الأصول ينقح كثيرا من مباحث أساسية في علم الفلسفة لم ينقحه علماء الفلسفة. مثل المعنى الحرفي انه حل لغز ازلي في العلاقة بين المخلوق والخالق والعلاقة بين الأسماء والذات الإلهية. بتعبير السيد محمد الروحاني اذا يتوغل الانسان في المعنى الحرفي يصير قويا في التوحيد.
اتاني احد الاخوة عنده رسالة دكترا في العلوم القرانية وللأسف انفتحوا على الفلسفات الالسنية في مقرراتهم وانكفؤوا عن المطول وكتاب القوانين وعن كتاب مغني اللبيب والشمسية مع ان هذه البحوث في الفلسفات اقتباسات ناقصة عن ما كان موجودا الف سنة في كتبنا الأصولية والبلاغية. الان بعض العتبات الشريعة جاء تطبع كتاب الفلسفات الالسنية لكنهم لا يطبعون كتابا روائيا للأسف. حذفوا كتب كثيرا من الحوزة وما بقي عندنا شيء. هذه الكتب عبارة عن خلاصات الف سنة جهود العلماء. الكتب الجديدة اقتباسات ناقصة مما هو موجود عندنا. الفلسفات الالسنية هي نفس مباحث الالفاظ وعلم المعاني والبيان.
لا يمكن ان نأخذ من الفلسفيات الغربية والالسنية ونترك ما عندنا من الجهود العظيمة للعلماء الشيعي منذ الف سنة. لا يمكن ان يقال ان الفلسفة الشيعية حرام لكن الفلسفات الغربية حلال وتطبع. كيف يطعن في التراث الشيعي لكن الفلسفات الالسنية الغربية تطبع. كتاب حديث واحد يستشكلون فيه لكن الكتاب المنسوب الى الغربيين تطبع. الكلام في الترويج ماذا هو نروجه.