46/03/18
موضوع: النواهي/اجتماع الامر والنهي/الامر الثامن والتاسع في الكفاية في مسألة الاجتماع
كان الكلام في ان مقتضى اجتماع متعلق الامر والنهي في مجمع واحد بناء على الامتناع هل هو التزاحم او التعارض؟ فمدرسة الميرزا النائيني رحمة الله عليه كما مر انه عندها كانما من البديهيات بل من الضروريات انه من التعارض. أما لو لم يكن هناك اجتماع في المجمع لكان تزاحما.
«نقطة: نسبة الضرورة في كلمات الاعلام مع ان الضرورة نفسها ليست اجتهاد لكن نسبة الضرورة تكون اجتهادا من الاعلام.»
بينما صاحب الكفاية وفاقا لمشهور طبقات الفقهاء بنى على انه على أي تقدير تزاحم بالتزاحم الاقتضائي او الملاكي ومر ان التزاحم أنواع والمعهود في الاذهان هو التزاحم الامتثالي اما بقية أنواع التزاحم ليست امتثاليا بل ربما يسمى الاقتضائي او الملاكي وهو أيضا على معاني وليس على معنى واحد.
صاحب الكفاية عنون هذا البحث في الأمور التي قدمها قبل مركز البحث في مسألة الاجتماع بالامر الثامن والتاسع. الامر الثامن بحث ثبوتي لهذا المبحث والامر التاسع بحث اثباتي.
وصاغه صاحب الكفاية بأن مسألة اجتماع الامر والنهي يشترط فيها او يقدم عليها ان يحرز الملاك في كلا الطرفين سواء على الجواز او على الامتناع بناء على ان المجمع واحد وممتنع او بناء على ان المجمع في بعض الصور ليس واحدا وجائز. فالبحث في هذه المسألة في الرتبة السابقة مبتن على وجود الملاك والمناط في كلا الحكمين فحينئذ يتأتى بحث الاجتماع. اما في الموارد التي نعلم بشكل او بآخر ان الملاك غير موجود في كلا الطرفين بل في طرف واحد قال صاحب الكفاية انها ليست من مسألة اجتماع الامر والنهي بل يكون من مباحث التعارض ولا شأن له بالبحث.
محصل الكلام الثبوتي في الامر الثامن عكس دعوى الميرزا النائيني وهو ان مسألة الاجتماع متوقف على وجود الملاكين وتنافي الملاكين لكنه في الموارد التي علمنا بان احد الحكمين ليس له ملاك فليس من موارد مسألة الاجتماع لبا وثبوتا وان كانت صورة من مواردها. يعني محصل كلامه في الامر الثامن انه ليس كل عموم وخصوص من وجه في الامر والنهي من موارد اجتماع الامر والنهي بل اذا كان كلا الملاكين محرزين بمعنى انه ليس هناك تناف بين الملاكين في الدليلين فحينئذ يتأتى مسألة اجتماع الامر والنهي وضوابطها. هذا بحث ثبوتي عنده.
هو يصور بحثا اثباتيا بعد في الامر التاسع ولو ان أواخر الثامن من التاسع. فيقول انه اذا كان كل من الملاكين موجودين ودلالة كل من الدليلين على الحكمين انهما اقتضائيان فواضح تزاحم اقتضائي بناء على الامتناع اما بناء على الجواز لا يكون تزاحما اقتضائيا بل تزاحم امتثالي. اذا عند المشهور خلافا للميرزا النائيني في موارد اجتماع الامر والنهي اذا كان امتناعيا يعني متحدا يكون تزاحما اقتضائيا واما بناء على الجواز أي التعدد يكون التزاحم امتثاليا وليس اقتضائيا.
ما الفرق بين التزاحم الاقتضائي والامتثالي وهل فيه ثمرة؟ في موارد التزاحم الامتثالي اذا يأتي بالعبادة عمدا مع الالتفات الى النهي فتصح وان كانت العبادة بالقياس الى النهي مرجوحة في موارد جواز اجتماع الامر والنهي بمعنى ان المجمع ليس متحدا حقيقة بل متعلق الامر والنهي متقارنان أي التزاحم الامتثالي. أما اذا كان امتناعيا بمعنى أن يكون مجمع التقاء متعلق الامر والنهي متحدا وجودا وماهية فحينئذ يكون التزاحم اقتضائيا وفيه فصّل المشهور وقالوا ان كان على علم بالنهي واتى به عمدا فلا تصح العبادة وان كان جاهلا جهلا معذورا او ناسيا نسيانا معذورا فالاتيان بالعبادة صحيحة. اذًا المشهور في التزاحم الاقتضائي فصلوا وصححوا العبادة في بعض الصور وابطلوها في بعضها.
وان كان صاحب الفصول استشكل فيه بان الجهل والنسيان لا يؤثر في الامتناع والجواز لانه ان كان امتناعا سواء جهل او علم وسواء يكون معذورا او غير معذور فممتنع يعني ان مجمع الالتقاء متحد وجودا وماهية وان كان مجمع الالتقاء ليس متحدا وجودا وماهية ويجوز اجتماع الامر والنهي فيكون جوازا جهل او علم.
هذا اشكال على المشهور لكن الصحيح كما سنرى هو كلام صاحب الكفاية وهو فتوى المشهور في موارد اجتماع الامر والنهي انه بناء على الامتناع تصح العبادة جهلا وعذرا او نسيانا وتبطل مع العمد او عدم العذر وتفصيلهم صحيح كما سنرى واما بناء على الجواز فصحيحة مطلقا حتى انهم لم يذكروا الترتب بل صححوها مطلقا. هذا فحوى كلام المشهور الذي نقله صاحب الكفاية.
اذن صاحب الكفاية يقول ان اصل مسألة اجتماع الامر والنهي ثبوتا انما يبحث فيها في ما كان في البين جعلين مجعولين لهما ملاكان واما في الموارد التي نشك في الجعل او المجعول أي ليس لاحد الحكمين ملاك فيؤول الى التعارض وليس من مسألة الاجتماع. فهناك بينونة موضوعية بين مسألة اجتماع الامر والنهي ومسألة التعارض عكس دعوى الميرزا النائيني من انه على الامتناع يكون من التعارض.
فيقول صاحب الكفاية اذا كان الدليلان على الحكمين دالين على الحكم الاقتضائي فواضح انه على الامتناع أي الاتحاد او الجواز أي عدم الاتحاد فبالتالي الحكمان لا زالا اقتضائيين ويقدم الأقوى منهما وسيأتي ان شاء الله ان ضوابط التزاحم الاقتضائي تشترك بعضها مع التزاحم الامتثالي مثل الترجيح بالاهم.
«الصورة الثانية» اما اذا كان احدهما فعليا والأخر اقتضائيا فالفعلي يقدم وسيأتي شرح الفعلي وشرحنا شيئا ما عنه.
«الصورة الثالثة» اذا كان كلاهما فعليين حتى بناء على الامتناع أي اتحاد مجمع متعلق الامر والنهي يعول احد الدليلين او كلا الدليلين يعولان الى كون مفاد كل منهما الحكم الاقتضائي وليس فعليا توفيقا بين الدليلين. هذا كلام صاحب الكفاية في الامر الثامن.
كلام صاحب الكفاية في الامر التاسع اثباتي. كيف نستكشف الملاك انه فعلي او اقتضائي؟ يقول: نستكشفه اثباتا بان مقتضى الاطلاق كون الحكم فعليا فاذا كان كلا الحكمين مطلقين لابد ان نقيد احدهما.
وقفة للتدقيق: هنا يريد صاحب الكفاية ان يقرر ان فعلية الحكم او اقتضائية الحكم تستكشف من اطلاق الدليل ويجب ان نلتفت الى ان الاطلاق في الأدلة او الاحكام أنواع كثيرة وليس نوعا واحدا. فلدينا اطلاق في المرحلة الثانية للحكم الانشائي ومقتضاه عدم النسخ ولدينا اطلاق في المرحلة الثالثة للحكم الانشائي ومقتضاه استيعاب الافراد ولا صلة له بالنسخ وعدم النسخ.
الاطلاق في المرحلة الثانية للحكم الانشائي يعبر عنه بالاطلاق الزماني للجعل لا الفرد بينما الاطلاق في المرحلة الثالثة للحكم الانشائي يعبر عنه بالاطلاق الافرادي للطبيعة ولدينا اطلاق احوالي ويختلف عنهما وأيضا لدينا اطلاق زماني للافراد غير الاطلاق الزماني في النسخ الذي مر بنا ولدينا اطلاق مقامي وله شأن خاص ولدينا اطلاق ذاتي وأيضا له شأن خاص ومقابلها التقييد كذلك وأيضا فيه اطلاق عقلي والان كما يحدثنا صاحب الكفاية لدينا الاطلاق في المرحلة الثانية للفعلية أي الفعلية التامة. المهم ان الأصوليين والفقهاء يستعملون الاطلاق بمعاني عديدة.
الاطلاق الأخير الذي يتكلم عنه صاحب الكفاية في هذا البحث أي الاطلاق في الفعلية التامة يفيد الحكم الفعلي او الحكم الاقتضائي. ولم ننته بعد عن شرح الفعلي والاقتضائي. هذا هو القسم الثامن من الاطلاق في المرحلة الفعلية التامة أي المرحلة الخامسة من الحكم. الفعلية الناقصة يعبر عنه صاحب الكفاية بالحكم الاقتضائي. صاحب الكفاية يقول ان الاطلاق في المرحلة الخامسة من الحكم أي الفعلية التامة يفيدنا فعلية الحكم التي تقابل الحكم الاقتضائي.
هذا ثمانية اقسام للاطلاق وفيه اطلاق ملاكي ويستعمله الميرزا النائيني والمهم ان اقسام الاطلاق في مقابل التقييد اكثر من تسعة. هذه الأنواع من الاطلاقات بالدقة تختلف نوعا وسنخا عن بعضها البعض. لانها ترتبط بمرحلة الحكم والحكم في المرحلة الثانية من الانشاء يختلف سنخه عن الحكم الثالثة من الانشاء. المرحلة الثانية تدوين الحكم في اللوح المحفوط او لوح التشريع من النسخ وعدم النسخ. شأنه شأن آخر. هذا الاطلاق نوعه وسنخه يختلف. كذلك في الاطلاق الافرادي. «اوفوا بالعقود» يشمل هذا العقد الجديد لكن هل يشمله زمانيا واحواليا فالاطلاق الزماني والاحوالي يختلف. تسعة أنواع من الاطلاق بعضها يرتبط بعالم الدلالة وبعضها يرتبط بعالم الثبوت أي السعة والضيق في عالم الدلالة او السعة والضيق في عالم الضيق وبعضها يرتبط بدليل واحد وبعضها يرتبط بمجموع الأدلة فيختلف الاطلاقات سنخا. هذا المبحث في نفسه مستقل.
يعني صحيح ان الاطلاق بمعنى السعة لكنها تختلف بعضها البعض كذلك في الفلسفة عندهم خمسة اصطلاحات. المقصود لا نمزج بين أنواع الاطلاق انها سنخا تختلف.
صاحب الكفاية في هذا الامر التاسع يريد ان يقول ان دلالة الدليل على الاطلاق في مرحلة الفعلية التامة تدل على ان الحكم فعلي في مقابل الفعلية الناقصة المرحلة الرابعة من الحكم التي تسمى بالحكم الاقتضائي.
مر بنا ان الحكم الاقتضائي يطلق على مراحل متعددة في مقابل الفعلي الذي يطلق على مراحل متعددة. اصطلاح آخر عند الأصوليين في الفعلي غير المرحلة الرابعة والخامسة. كل مرحلة لاحقة تعتبر فعلية بلحاظ المرحلة السابقة التي تعتبر اقتضائية وهذا اطلاق نسبي.