46/03/14
الموضوع: النواهي/اجتماع الامر والنهي /الحكم الاقتضائي في الحجية وآثاره
كان الكلام في ما ذهب اليه المشهور من انه على الاجتماع تزاحم ملاكي او اقتضائي في قبال إصرار الميرزا النائيني وتلاميذه منهم السيد الخوئي على ان الاجتماع موجب وسبب للتعارض الاصطلاحي.
مر بنا ان هذا البحث ليس خاصا بالدقة بمبحث اجتماع الامر والنهي بل هو عام في بحوث التعارض ان المشهور شهرة عظيمة لا يلتزمون بالتعارض المستقر. التعارض البدوي والابتدائي شيء والتعارض المستقر شيء آخر. فمن ثم المشهور في التعارض البدوي والابتدائي والمترائي أولا يؤولون التعارض ويعالجونه بالتأويل بالدلالة والمدلول ونادرا يبنون على وجود التعارض المستقر الاصطلاحي الذي يوجب تكاذب الدليلين او كذب احد الدليلين او اسقاطه.
لذلك لاحظوا الشيخ الطوسي في كتاب الاستبصار الذي هو مختص كتابته في الروايات المتعارضة في الأبواب فدأبه غالبا غلبة كثيرة على تأويل احد المتعارضين او كلا المتعارضين بتوليف وملائمة بين المفادين بنحو او آخر تحت عموم قاعدة ان الجمع مهما امكن أولى من الطرح. هذا دأب المشهور وليس الشيخ الطوسي فقط بل الصدوق والمفيد بل حتى في الموارد التي ينفد عندهم سبل التأويل بحسب الموازين وقدراتهم لا يسقطون الرواية بل يقولون نرد علمها الى أهلها. يعني نجعلها معلقة ربما يجد واحد لها وجها.
بعبارة أخرى في باب التعارض ان المشهور والمتقدمين انهم يتعاملون مع الحجج والاحكام الظاهرية في منصة الاثبات والحكم الظاهري كدلالات وحجج اقتضائية وليست حجج فعلية بقول مطلق.
عندما لا تكون حجج فعلية بقول مطلق لا توجد التساقط والتكاذب والتعارض في البين وانما تكون نوعا من المرايا المتعاكسة شوشت لك صورة لكن كل مرآة تعكس جانبا من الصورة وانما تحاول ان تنظم هذه المرايا بشكل تعكس لك صورة متناسقة ومتوالفة ومتحدة لا ان تفرط في احد المرايا. با لدقة هذا هو مبنى المشهور والقدماء
الحجة الاقتضائية يعني ان الحكاية موجودة لكن لا تعوّل عليها بقول مطلق. الامس احد الفضلاء سأل سؤالا باعتبار ان المجلسي رحمه الله في ملاذ الاخيار المجلد الأول في الطبعة الموجودة والصفحة ۲۷ قال ان كل روايات الكتب الأربعة بل كل روايات كتب الصدوق بل كل روايات الطوسي والمفيد والمرتضى والبرقي في المحاسن يعني هذه الكتب المشهور والأصول المشهورة في كتب الرجال والمعتبرة اودعتها كلها في البحار وعليه العمل واعتمد عليه. فسأل ان المجلسي اذا اخباري. قلت انه ليس من حشوي الاخباريين. كما ان عندنا حشوي الأصوليين. طبعا كلامه في حجية خبر الواحد وبحث مهم يفرق بين خبر الواحد والخبر العلمي بنفس مبنى المفيد والمرتضى او ما نقلنا نحن عن الانسدادين ان كل رواية من كل التراث يعمل بها. ما هو المقصود من العمل بكل الروايات. ليس المقصود هو العمل بكل رواية بمفردها. انما مقصودهم ان هذه الرواية مع تحكيم الأصول الدستورية في الدين وهي المحكمات. يعني في الحقيقة العمل بالمحكمات وبقية الروايات من باب الهوامش المعاضدة. نعم يأخذ بالتفاصيل لكن بشرط ان يتطابق مع الأسس التشريعية وهذه الأسس لها طبقات. لا يأخذ برواية واحدة ولو كانت صحيحة السند كما يقول الشيخ المفيد والسيد المرتضى انك كيف تأخذ دينك برواية واحدة ولو صحيحة السند؟ لان هذه المسألة التفريعية ليست مبتورة عن منظومة الشريعة بل لابد ان يكون هناك تناسق وانسجام مع المحكمات وقواعد المذهب. فبالدقة ان العمل ليس برواية واحدة صحيحة او ضعيفة. كل الروايات حجة ليس بمعنى ان كل رواية حجة فعلية بقول مطلق بل معناه حجية اقتضائية لابد ان تتم بامضاء وبسمة المحكمات في الكتاب والسنة والعقل والفطرة والمحكمات طبقات.
شبيه هذا المثال العصري نقول انا نحن نعمل بكل قوانين الدولة من قواني البرلمان والوزارات والبلديات لكن بشريعة خيمة الدستور والا كل قانون لا يمكن ان يعمل به بلغ ما بلغ بل لازم ان يقيد ويحدد ويفسر ويؤول ويشذب. لان الدستور وطبقاته مهيمنة وهيمنة البرلمان بعد هيمنة الدستور على قوانين الوزارات وهيمنة الوزارات على قوانين المحافظات. اذا فيه طبقات من الحاكمية في القوانين والمعادلات الدينية سواء كان من المعارف والعقائد او غيرها. الخطورة هي ان تفكك هذا الخبر عن المنظومة حينئذ يكون كما يقول الائمة عليهم السلام كالشاة الشاذة ان امرها ومسيرها الى الذئب. الكلام ليس في صحة الخبر وضعفه بل عمدة الكلام في ان هذا الخبر يجب ان يجد هويته واصالته بمنظومة الاحكام ومجموعة الاحكام.
سألني احد الاخوة عن مسألة عقائدية خطيرة انه هل توجد رواية؟ طبعا هذا السؤال ساذج. لانه في مسألة عقائدية خطيرة تطلب رواية واحدة؟ في العقائد يشترط اليقين سيما في الأسس الاصلية. لا تقوم برواية واحدة قائمة. في العقائد الأصل فيها ان تكون يقينية. نعم اذا تأتي رواية واحدة مضمومنها يطابق المحكمات ففي الحقيقة الرجوع الى المحكمات وهذا بحث آخر. فعندما يقول انا اعمل بكل الروايات كما ان الانسداديين كذلك لا يعني ان كل رواية هي الدين. القرآن الكريم لا يلغي المتشابهات لكن جعل المدار على المحكمات. يجعل المتشابهات حومة تحوم حول المحكمات. الحشوية تعني ان لا يشترط في رواية واحدة رجوعها الى المحكمات ويجتزئها عنها. المشكلة ليست في السند انه ضعيف او قوي. لذلك ابن قبة وابن ادريس والشيخ المفيد والسيد المرتضى يقولون انها بدعة ان تنسب الحكم الى الدين برواية واحدة. الفقاهة ان تعلم منظومة الاحكام ومنظومة المحكمات والمشكلة في عدم مراعاة مجموع الموازين. صحة السند رجاليا لا تخرجك عن الانحراف لانه كم من رواية صحيحة السند مضمونها منحرفة. الكلام كل الكلام في قضية المضمون. لينفروا يعني الرواية لكن المهم هو التفقه. لذلك المحقق الحلي في الشرايع من اوله الى اخره يقول هذا المطلب اشبه بالقواعد والمذهب وغيره. لابد ان تنظر المحكمات نفيا او اثباتا ولابد من الانتساب الى المحكمات في الكتاب والسنة في كل العلوم الدينية.
احد الفضلاء قال لي ان صحة السند تؤمننا من الانحرافات والغلو. قلت: ابدا لا تؤمنك. كثيرا ما رواية صحيحة اذا تعمل بظهورها تخرجك عن المذهب. المدار والأمان من الانحراف هو العمل على ميزان المحكمات.
الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء في كتابه صحائف الابرار مبناه على قوة المتن وهذا كلام المشهور ونفس كلام المجلسي.
نرجع: فقضية الحجية في كلام الرجالي او ادلة الرجال او علم الحديث او أي علم من العلوم الدينية اذا تريد الحجية الفعلية بقول مطلق هي منظومة الدين اما الرواية الواحدة بلغت ما بلغ من صحة السند ليست حجيتها فعلية بقول مطلق ابدا. بل هي حجة اقتضائية. كما مر بنا مسلك المشهور في باب التعارض لا يجعلون مرآة واحدة هي كل شيء ولو كانت مرآة قوية صافية ولا يفرطون على أي مرآة ولو كانت مرآة كدرة جدا. بل مجموع المرايا يوالفون بينها حتى تكون الصورة واضحة.
حتى في ادلة اعتبار حجية الفقيه او القاضي والفقهاء بالدقة حجية جهاز الفقهاء مقدمة على حجية فقيه واحد. ذكرت هذا المطلب مفصلا في ادلة الاجتهاد والتقليد. مجموع الفقهاء يختلف عن فقيه واحد. جهاز الحوزات العلمية لا الحوزة الواحدة. المرجعية تعني الجهاز وليس فردا مهما كان من العظمة مع احترامنا وتعظيمنا. وليس حتى في قرن واحد بل مجموع القرون. أصلا الأدلة هي هذه. «خذ بما اشتهر بين اصحابك ودع الشاذ النادر» هذه الكتلة مجموعية لها دورها ووزنها. المدار أولا في مسيرة الطائفة هو المشهور وبينا بشكل واضح في الاجتهاد والتقليد. المقصود ان الحجية الواحدة اقتضائية ومجموع الحجج حجة فعلية.
اذا المشهور سر عدم التزامهم بالتعارض هو انهم ليس فقط في الحكم الواقعي من الحكم الاقتضائي والحيثي والفعلي بل حتى في باب الحجج في الاحكام الظاهرية لا يبنون على ان الحجج فعلية بقول مطلق. لما تكون حجة اقتضائية فبامكانك ان تنسق بينها وتوافق بينها بكل سهولة. هذه النكتة نكتة مسيرية ان طبيعة الاحكام سواء الظاهرية او الواقعية طبيعتها اقتضائية طبعية حيثية وليست فعلية بقول مطلق ولما تكون هكذا فهذا باب من أبواب الحلول.
الأصولية في مقابل الحشوية والقشرية وهناك من يظن ان الدين فقط من النص التصريح وهذا مبيد الدين واماتة الدين. الأصولية ليست في مقابل الاخبار. الحشوية تعني من لا يراعي الأصول والمحكمات ولا يراعي الفقه التحليلي بل يجمد على النص الصريح. الحشوية ان تعمل برواية مبتورة عن المنظومة وهذا هو الشذوذ لكن عدم الشذوذ الاصولي يعني يرجع الى أصول الدين والمحكمات واصول التشريع. كم من اصولي هو حشوي بامتياز وكم من اخباري حشوي اما فحول الطرفين فقهاء يعني يراعون أصول المذهب والمحكمات.
هذه نكتة جدا مهمة نلتفت اليه. اذا حتى في باب الحجج ما عندنا حجية فعلية بقول مطلق. الحجية تراكم الظنون فالطريق مرآة من المرايا ولا نفرط فيه ولا نفرط في علم الرجال لكنه ليس كل شيء بل هو احد العلوم الدينية والجرح والتعديل احد أبواب علم الرجال وليس كل العلم.
هذه أيضا تطبيق لفكرة الحكم الاقتضائي في الحجج في علم الرجال وعلم الأصول والعلوم الأخرى كما بينت تطبيقه في الاحكام الواقعية. لازم ان تنسق بين الاقتضائيات ومهارة الفقيه في كيفية التنسيق وكيفية الملائمة بين الأدلة وليست مهارته في الاسقاط والتفريط في التراث بل هذا يسمونه العجز في الفقاهة. هذه نكتة مهمة في انه لم لا يلتزمون المشهور بالتعارض.
لاحظ كتاب الاستبصار نادرا يلتزم الشيخ بالتعارض المستقر ولما يلتزم بالتعارض المستقر يجعله في المخزن ويرد علمه الى اهله. وهذا هو المسلك الصحيح.