46/03/13
الموضوع: النواهي/ اجتماع الامر والنهي /الحكم الطبعي والاقتضائي والحيثي والفعلي
كان الكلام في ما التزم به المشهور على الامتناع من عدم التعارض وانما هو التزاحم الاقتضائي او الملاكي المغاير للتزاحم الامتثالي المعهود.
لتوضيح كلام مشهور طبقات الفقهاء والاصوليين نذكر جملة من المبادئ الاحكامية واصول القانون والأصول التشريعية.
اول نقطة يشير اليها صاحب الكفاية والشيخ ان هناك احكام شرعت ان تكون احكاما اقتضائية في مقابل الاحكام الفعلية بقول مطلق وأيضا فيه تقسيم آخر الاحكام الطبعية في مقابل الاحكام الفعلية. يعني ان الحكم الفعلي تارة يقابل الحكم الاقتضائي وتارة يقابل الحكم الطبعي.
الحكم الطبعي كما ان الماء حلال شربه لكن اذا كان مغصوبا فيحرم شربه. حرمة الغصب لا تتعارض مع حلية الماء الطبعية لان حلية الماء بحسب طبعه لا بحسب العوارض. فالحلية الطبعية لا تتنافى مع الحرمة الفعلية. كما ان هناك حرمة طبعية أيضا.
يعني ان الحكم بلحاظ بعض حالاته حكم فعلي وبلحاظ بعض حالاته حكم طبعي او اقتضائي. مثلا حرمة الغصب قد تكون طبعية لو توقف انقاذ الغريق او انقاذ النفس المحترمة على ارتكاب الغصب.
لنوضح الطبعية والاقتضائية في مقابل الفعلية: هنا الكلام في الحكم الفعلي في مقابل الطبعي او الفعلي المقابل الاقتضائي فأيّ معنى للفعلية؟ مر بنا في مراحل الحكم فيه مراحل للحكم الانشائي وفيه مراحل للحكم الفعلي وهي الفعلية الناقصة والفعلية التامة. الناقصة كما يعرفها صاحب الكفاية فيه بمعنى انه حكم جزئي تحقق الموضوع الجزئي وقيود الحكم كقيود الحرمة او قيود الوجوب او قيود الكراهة كالزوال في هذا النهار «لا قيود الواجب لنفرق بين قيود الحكم وقيود متعلق الحكم سواء الوضعي او التكليفي» ربما يكون المكلف جاهلا او في حالة الغفلة او النسيان فالحكم فعلي من قبل المولى أي بلحاظ القيود القانونية والشرعية من قبل المولى بينما الحكم الفعلي التام مرحلة ما بعد ذلك وهو من قبل العبد يعني هو يعلم او يلتفت بالحكم. فالمرحلة الفعلية مرتبتان وبعد ذلك تأتي مرحلة فاعلية الحكم أي باعثيته وهذا اصطلاح العراقي وهي أيضا مرحلتان الناقصة والتامة والتامة تعني انه بشكل مؤكد يحرك ويبعث ويزجر المكلف. الفاعلية الناقصة تعني انها تحرك بشكل انقص.
سبق ان مر بنا ان القيود الشرعية بالذات في مدرسة النائيني وتلامذته ومنهم السيد الخوئي واكثر تلاميذه الا السيد محمود الشاهرودي طرا قيود اصل الفعلية الناقصة. لكنها عند المشهور قد تكون قيود الفعلية الناقصة وقد تكون قيود الفعلية التامة مثلا البلوغ عند المشهور او الأكثر ليس قيدا شرعيا في اصل الفعلية خلافا للمتاخرين وصاحب الجواهر في بعض الأبواب يبني على مبنى المتاخرين وفي بعض الأبواب يبني على مبنى المشهور. اذا البلوغ ليس قيدا في اصل الفعلية الناقصة بل قيد في الفعلية التامة ولها آثار وثمرات.
المحصل ان الفعلية مرتبتان والفاعلية مرتبتان. هنا المقصود من الفعلية مقابل الحكم الاقتضائي او الفعلية مقابل الحكم الطبعي او الفعلية مقابل الحكم الحيثي «ثلاث عناوين» المراد بها سواء مرتبتي الفعلية او مرتبتي الفاعلية او حتى التنجيز أي خمس مراحل بالدقة. بل لا يبعد في بعض معاني الاقتضائي هو مرتبة من مراتب الانشاء ويقابله الفعلي. فالفعلي من زاوية معينة يقابل الانشائي وهو ثلاث مراتب كما تتذكرون. الحكم الانشائي الثالث الذي هو قضية كلية وفعلية مقدرة كما يعبر عنه الميرزا النائيني وكثير من الاعلام وهو ليس قضية كلية خارجية جزئية، هو تقدير الفعلية هذه مرتبة ثالثة من الحكم الانشائي. المقصود من الحكم الفعلي عرض عريض يتناسب مع المراتب الثلاثة من الحكم الانشائي او مرتبتي الفعلية او مرتبتي الفاعلية او التنجيز فسبعة مراحل تتناسب مع الفعلية مقابل الاقتضائي كما ان للاقتضاء أيضا مرحلتان احد مراحل الحكم الاقتضائي في مرحلة الانشاء سواء الثاني او الأولى بل فيه مرتبة من مراتب الاقتضاء لما قبل الأولى كما يستعمله الفقهاء ومقابله الفعلية بهذه المراتب. هذه تصويرات صناعية لا تداعب الخيال بل لها ثمرات كثيرة.
من ثم المشهور لا يلتزمون بالتناقض والتكاذب بهذا السبب وما عندهم التكاذب بل عندهم التوليف والموالفة. حتى ان صاحب الكفاية في مبحث اجتماع الامر والنهي يقول بهذا المضمون: قلما يوجد حكم فعلي بقول مطلق مثلا التوحيد بالقلب والايمان بالتوحيد والايمان برسول الله والايمان باهل البيت في القلب حكم فعلي مطلق والا باللسان الا من اكره وقلبه مطمئن بالايمان. هذا من اعظم الاحكام فكيف بغيره. الحكم الفعلي بقول مطلق نادر او قليل. هذه هي الفعلية ذات مراتب عديدة كما مر بنا. الفعلي بقول مطلق مع فعلي بقول مطلق يكون نوعا من التماسك الكهربائي. اما اذا لم يكن فعليا بقول مطلق يمكن التوليف بينهما. فمن المهم ان يعرف الانسان على الحكم الطبعي والحكم الحيثي والحكم الاقتضائي في الموارد العديدة والابواب العديدة كيف يميزها.
اذا هذه هي النقطة الأولى ان هنا حكم اقتضائي وله مراتب ومعاني كما مر بنا وحكم حيثي وحكم طبعي.
مثلا «حرم عليكم الميتة و... الا من اضطر غير باغ» هذا الاستثناء رفع للحرمة او تجميد للحرمة؟ هذا تجميد للحرمة لا ان مفسدة الحرمة راحت. لذلك يختصر على اربع لقم وهذا دليل على ان الانسان بأربع لقم يمكنه مضي نهار كامل ولعل هذا سيرة النبي. كاسة صغيرة كافية. لازم ان يدقق هل في الاكل عدد معين يستحب ان لا يكثر فيه ام لا؟
بالتالي حكم الحرمة في الدم والميتة ولحم الخنزير جمد في موارد الاستثناء. فحرمة الميتة بلحاظ حكم معين قد تكون حرمة اقتضائية وقد تكون بلحاظ حكم انزل منه فعلية. هذا شبيهه موجود في باب احكام العقل العملي كقبح الظلم وقبح الكذب يقال ان قبح الكذب اقتضائي وليس علّيا كما ورد هذا التعبير في منطق المظفر واصول المظفر ان بعض احكام العقل العملي علّي وبعضها اقتضائي وبعضه لا اقتضاء له. العلّي يعني الفعلي والاقتضائي يعني الحيثي او الطبعي او الاقتضائي فالاقتضاء درجات.
الفضائل حسب هذه النكات بحوث مستحدثة في علم الاخلاق وفقه القلوب وانا شخصيا ما وجدت اثارتها في علم الاخلاق لكنها موجودة في بيانات اهل البيت عليهم السلام: ان الفضائل ليست فضيلة فعلا بقول مطلق ان طبيعة الفضائل اقتضائية. الحلم فضيلة لكنه في بعض الروايات اذا زاد على حده تكون رذيلة. الحلم مع كونه حلما قد تكون مدعات لترك الاولى. كما بينها الله تعالى في النبي ابراهيم ان حلمه اوقعه في ترك الأولى. «ان إبراهيم لحليم اواه منيب» مع انه فضيلة عظيمة لكنها اذا وجدت فضيلة اقوى منها فهذه الفضيلة يوقع في ترك الأولى. لذلك فيه فرق بين عصمة سيد الأنبياء وآل سيد الأنبياء وعصمة بقية الأنبياء.
اذا الاحكام بتعبير صاحب الكفاية فعلية بقول مطلق نادر. بل بلحاظ حكم معين فعلي وبلحاظ حكم آخر اقتضائي. هذه نقطة مهمة جدا وكل ما يتمرس فيه الانسان في العارضة الفقهية يكون في توليف الاحكام اقوى. وهذه هي النقطة التي غفل عنها السيد الخوئي في باب الحجج. هو كانما يقول ان الحجية تعني الحجية الفعلية بقول مطلق والحال انه ما عندنا الحجية بقول مطلق. كان كلامنا في الحكم الواقعي والان في الحكم الظاهري. الحجة الفعلية بقول مطلق ما عندنا بل كل الحجج اقتضائية. السيد الخوئي يقول لابد من معيار قياسي والا فلا. الحجة اقتضائية فحينئذ الباب مفتوح لتراكم الاحتمالات. هذه غفلة موجودة في مبنى السيد الخوئي في علم الرجال والتاريخ الديني واعتبار الكتب والفقه. كل الحجج انضمامية فتارة الانضمام بحسب درجات الاحتمال. فما يذكر في الحكم الواقعي بعينه يذكر في الحكم الظاهري.
سبق ان ذكرنا للاخوان انه حتى في البراهين العقلية ما عندنا يقين مستقل بقول مطلق. لابد من انضمام بعضها الى بعض. فمن اين السيد الخوئي عنده الاستقلال. في اليقين انضمامي فكيف بالظن. انظر المتكلمين والفلاسفة والمفسرين كلهم يسيطرون لك يقينيات متعددة فالمجموع يتسمكون به. كلها يقين من جهة متعينة. اليقين فيه درجات فيه عين اليقين وحق اليقين وعلم اليقين ستة اقسام ذكرها المظفر فيها درجات وفيها انضمام. كلها نسبي وانضمامي. هذه نوع من الغفلة في المبنى العلمي ويؤدي الى خراب كثير من النتائج.
المقصود ان الحكم الاقتضائي النسبي ليس فقط في الحكم الواقعي بل في الحكم الظاهري والحجج. علم الأصول علم نظرية المعرفة. هذه نقطة أولى جدا مسيرية وحساسة.
النقطة الثانية للبحث: حقيقة التخصيص والنسخ مر بنا انها عند القدماء الى ربما صاحب الجواهر تختلف عن حقيقتهما عند الاعلام في القرنين الأخيرين. من هذه الجهة مراجعة كتب القدماء ثروة عظيمة في العلوم المختلفة.
النسخ والتخصيص عند القدماء ليس زوال للحكم المنسوخ بل تجميد. هذا يرتبط بالنقطة الأولى طبعا. كما ان التخصيص عند القدماء ليس محوا للحكم العام وانما تجميد. بينما التخصيص والنسخ عند المتاخرين عبارة عن المحو والابادة. مثلا في مورد الخاص يمحو الحكم العام كانما من الأول ما موجود. كذلك في النسخ ان الناسخ يكشف ان المنسوخ أصلا ما موجود في منطقة النسخ بل صورة ووهما ودلالة اثباتية ظاهرة غير مطابقة للواقع كنا نظن ان المنسوخ له شمولية في منطقة النسخ. هذه دعوى المتاخرين.
المجمد يعني الاقتضائي والاقتضائي له درجات. هذا البحث الثاني الان عجيب وعظيم في منظومة التشريع والقوانين واصول القوانين وحتى في بحث التعارض ولها ثمرات وتداعيات عظيمة.
اذكر نقطة واختم ونواصل الجلسة القادمة: اذا تراجعون كتاب البيان للسيد الخوئي ذكر ستين موردا او اقل من الايات المنسوخة والناسخة وهذه الموارد ينكر فيها النسخ ويقبل ثلاث موارد او اربع. اذا ندقق ان السيد الخوئي ينكر أي نسخ؟ ينكر النسخ الموجود عند المتاخرين وهو المحو والابادة ويثبت النسخ الموجود عند المتقدمين ويسميه غير النسخ. انصافا القرائن والشواهد التي يجيء بها السيد الخوئي على انها ليست نسخا بمعنى عند المتاخرين انصافا شواهد وقرائن قوية. لو تراجعون امثلة حية ولطيفة. ويثبت النسخ عند المتقدمين وإن يقول السيد الخوئي انها ليس نسخا والحال انه نسخ عند المتقدمين.