46/03/10
الموضوع: النواهي/ اجتماع الامر والنهي/ بين الدقة العقلية والعرفية التسامحية
كنا في نقطة من مبحث اجتماع الامر والنهي وهي انه هل يلزم التعارض على الامتناع او التزاحم الاقتضائي وان النزاع في اجتماع الامر والنهي صغروي فقط او الصحيح انه صغروي وكبروي؟
صغرويا بمعنى أنه ما هي الضابطة في كون المجمع مصداقا لكل من متعلق الامر ومتعلق النهي وبالتالي اكثر المتاخرين يبنون على ضابطة عقلية هي التركيب الاتحادي او التركيب الانضمامي. طبعا التركيب الانضمامي من قبيل العرض والمعروض والجوهر وان لم ينحصر في العرض والجوهر بل هما كنموذج بارز.
التركيب الاتحادي من قبيل الجنس والفصل سواء للجواهر او الجنس والفصل للاعراض ان الاعراض لها جنس وفصل التركيب بينهما اتحادي.
بناء على التركيب الاتحادي يبنون على الامتناع بناء على ان المتلازمين يتحدان في الحكم اذا بني على هذه القاعدة قاعدة اخرى تسمى قاعدة السراية فيحكم بالامتناع. هذا بحث صغروي ومر ان عمدة البحث في الاجتماع بحث صغروي لكن حصر الكلام فيه محل الكلام.
طبعا هنا تنظير الاصوليين بدقة وضابطة عقلية في الصغرى يعني ان هذه الصغرى ليس وجود جزئي خارجي بل بحث كلي وضابطة عقلية واستظهار امثلة هذه الضابطة ان هذا تركيب انضمامي او اتحادي يحتاج الى الادلة الخاصة في كل مسألة وكل باب وهذا بحث آخر مواد فقهية كيف يستظهر منها ذلك. ربما يتفق الاعلام في هذه الضابطة ولكنهم يختلفون في الامثلة الفقهية كثيرا نظرا للاستظهار المختلف من الادلة الخاصة وربما يختلفون في هذه الضابطة الكلية لكنهم في الامثلة يتفقون.
فالصغروي ليس المراد به شبهة جزئية خارجية بل المقصود هي الصغروية بالاضافة وليس المراد الصغروي بقول مطلق بل بالقياس الى شيء فوقه. هذا التعبير دارج وموجود في تعابير العلوم.
هذا من جهة البحث الصغروي وسيأتي مفصلا.
اما البحث الكبروي مر بنا انه هل مقتضى الامتناع اذا كان المجمع مصداقا لمتعلق الامر وبعينه مصداقا لمتعلق النهي، هل يلزم التعارض كما يذهب اليه النائيني او التزاحم من نوع جديد ويسمى التزاحم الاقتضائي او الملاكي وهذا ما ذهب اليه الشهرة العظيمة ويستمرت الى صاحب الكفاية والعراقي الا ان النائيني وجملة من مدرسته يذهبون الى التعارض.
لتوضيح هذا المطلب مر انه فيه نقطة سابقة على هذه النقطة ان تنقيح اجتماع الامر والنهي تنقيح بالدقة العقلية او العرفية؟ وقضية تحكيم العرف او تحكيم الدقة العقلية من أين الى اين؟ كما مر بنا ان هذا المبحث فيه لغط علمي كثير في العلوم الدينية بل بين العلوم الدينية والعلوم التجريبية، اين يحكم العرف واين يحكم الدقة العقلية في مقابل الدقة العرفية او في مقابل التسامح العرفية؟ هذا مبحث مهم ينسحب الى الظهور. فمسألة ان هنا التعارض في البين او التزاحم الاقتضائي يرتبط بالدقة العقلية او العرف؟ ومن هو المحكم في الظهور؟ لغط كبير في مبحث الظهور ان الظهور يأخذ بذوق عرفي وادراك عرفي او ادراك علمي وعقلي؟ كما هو الحل في علوم اللغة، تطبق قواعدها بالدقة العقلية او الذوق العرفي؟ مر بنا مثال الاعجاز البلاغي في القرآن انه من جهة البلاغة تعني قدرة عرفية ومن جهة الاعجاز تعني قدرة فوق العقل وفوق العرف واذا كان الشيء لا يقوى عليه العرف فكيف يكون بلاغة وكيف يكون اعجازا؟ الاعجاز جانب تكويني. هذا المبحث موجود في علوم البلاغة سواء بلاغة القرآن في العلوم اللغوية او بلاغة القرآن اجمالا في العلوم وهذا بحث آخر.
انتهينا الى هذه النقطة ان العرف وعاء ومخزن لعلوم اللغة. سواء علم المفردات كلسان العرب وكتاب العين للاحمد الفراهيدي او شيء آخر وكذلك علم النحو والصرف والاشتقاق وعلم المعاني في البلاغة وهو علم عقلي بحط وعلم البيان وعلم البديع وهذه الثلاثة علوم متعددة وان جمعت في البلاغة. علم البلاغة صارخ شاهر ثلاثة علوم لكن جماعة يقولون انه علم واحد. فليس مستنكرا ان يكون علم الاصول يبحث عن المباحث الثبوتية ومسائل اصول القانون ويبحث ايضا عن دليلية الدليل ويجمعها علم واحد علم الاصول. لا مانع منه. تعدد العلوم في علم واحد امر غير مستنكر.
علوم اللغة لولا ان امير المؤمنين سلام الله عليه فتح اساس علوم اللغة ما احد يقدر ان يكشفها. ليس فقط في اللغة العربية بل بالدقة انه فتح اساس علوم كل اللغات لان الصحيح ان كثيرا من اللغات عيال للغة العربية نظرا للجهد الموجود الذي بذل في اللغة العربية اقتبسها بقية لغات العالم. حتى ما يقال الفلسفات الالسنية عبارة عن سرقة علمية لجهود اصول الفقه عند الامامية وكثير ممن تتبع نظريات الفلسفات الالسنية وجد انها مزيج بين المباحث الفلسفية الاسلامية الشيعية وبين اصول الفقه ولا يزيدون عليها شيء آخر وهذه جهود عشرة قرون او اكثر. هذا دليل على حقانية مذهب اهل البيت ان العالم البشري الغير المسلم اذعن بهذه المسيرة العملاقة في دلالات الالفاظ وما تستدعي من تداعياتها الكثيرة. هذه وقفة في تاريخ العلم معجزة مذهب اهل البيت في هذه العلوم بعد ان كانوا يطعنون على مذهب اهل البيت انه باطنية وقنوصية عشرة قرون بسبب تعدد القرائات في مذهب اهل البيت والان اصبح في علم البشر تعدد القرائات امر حضاري بالموازين والضوابط وهذه من معاجز ائمة اهل البيت لانهم اساس كلها بالموازين والضوابط ولم يفقها صحابة ولا تابعون ولا غيرهم. وما اكثر ذلك من معاجز علمية لدى ائمة اهل البيت عليهم السلام.
على كل، فقضية الفلسفات الالسنية وتعدد القرائات ونمو علم الاصول في جانب الالفاظ والفلسفة الاسلامية الشيعية وكذا دال على ان المذهب حي في العلوم ويعطي القدرة في كيفية عقل البشر.
فالظهور مجموعة من العلوم لولا ان امير المؤمنين بيّنها ما استكشفها البشر. هذه خاصية مهمة نلتفت اليها ان اهل البيت يعطون مفاتيح العلوم لا انهم يتكلفون بيان التفاصيل للعلماء. كما يقول الامام الرضا سلام الله عليه: نحن نلقي اليكم الاصول وعليكم بالتفريع. اذا ما اشار به امير المؤمنين عليه السلام لابن ابي رافع انما اشارة لمفتاح العلم واشار الى ان هذه اللغة يمن الله عزوجل بها في خلقة الانسان «الرحمن خلق الانسان علمه البيان» هذا البيان عبارة عن برمجة تكوينية الهية معقدة غامضة كيف تفك شفراتها. هذه معجزة كما ان خلقة الانسان معجزة وكما ان تعليم القرآن معجزة كذلك البيان معجزة ولها نظام معقد مثل النظام الفيزيايي والكميايي فكيف تفك شفراتها؟
كما قال امير المؤمنين عليه السلام: نحن امراء البيان. فاذا العرف في الحقيقة هو خازن وصندوق لهذا العلم الفطري والتكويني الالهي. هذا هو الذي جرى بين الاعلام انه هل الواضع للغة هو الله عزوجل او العرف؟ البيان يعني اللغة والواضع هو الله عزوجل. هذا في الحقيقة بعد من البنود التكويني وليس توافقيا بين العقلاء. بالدقة هو تكويني في جبلة الخلقة.
اذا كان هكذا فلها معادلات معقدة وهذا العلم الذي له معادلات معقدة يراعى فيه المعادلات بالدقة العقلية وهو الجانب التحليلي. اصلا علم البلاغة علم تحليلي ولطيف ان من قوي في علم البلاغة وعلوم اللغة قوي من غير ابناء لغة العرب لانهم حثوا انه لابد من الوصول الى مداقة المعاني وهذه المعادلات سواء في النحو او الصرف او غيرهم. من اتباع اهل البيت كثير لكن المقصود ان غير العرب برع فيه نظرا لدقته واهميته.
صاحب الفصول رحمة الله عليه يذكر منهجان منطقيان مرتبطان بالظهور وغير الظهور من العلوم الاخرى. يذكر ان الانسان عندما يريد ان يصل الى النتيجة كما اقر بذلك المناطقة تارة بالعلم التحليلي يصل الى النتيجة مثل المعادلة الرياضية المعقدة فيسمونه العلم التحليلي او قل صناعة التحليل والتركيب وهي من اعظم الصناعات المنطقية تفيد في باب البرهان. وهناك لدى عقل الانسان وادراك الانسان مسار الحدس وهو عبارة عن استنتاج النتيجة بسرعة فائقة بالبديهة من دون ترتيب تفصيلي من مقدمات الاستنتاج وهذا ليس فقط في علوم اللغة. ابناء اللغة العربية ومن كان عروبه باللسان لا بالعرق. ربما يكون غير عرب اقوى في اللغة العربية من العرب وموجود الى ما شاء الله سواء في الشعر او الاستظهار او الادب او النثر. بل واحد من ابناء العرب طلع الاول في الشعر الانكليزي من ابناء الانكليزي ويمكن. من يمارس يتمكن من لغة معينة. او في علم الفقه معروف عن الشيخ جعفر كاشف الغطاء رحمة الله عليه البديهة في الفقه من اقرانه وربما في صف مدرسي اكادمي تجد ان احد الطلاب هو اول الطلاب في الامتحان الشفهي لان الحدس عنده قوي بينما في الامتحان التحريري والتفصيلي والتحليلي لا يكون عنده القدرة. المهم يقول صاحب الفصول ان الانسان عنده في الاستنتاج قوتان قوة الحدس وهذه ليس فيها تفاصيل الادلة البرهانية. فيها جزم وقطع وليس عبطا ولا جزافا لكن ليس فيها بيان تحليلي للبرهان. وهذا قد يسمى الذوق العرفي او الذوق الفقهي او الذوق الشعري او الذوق الروائي. مثلا الشيخ الانصاري بعظمته في الفقه يقول ان المجلسي في الذوق الروائي مقدم وكثير يعترفون لانه غواص في بحار الروايات فارتكازه اقوى. العارضة الفقهية والادبية والاصولية والصناعية اذا هذا الحدس له مسار.
صاحب الفصول يقول: ان الاعلام جماعة منهم يرجحون هذا الجانب في الحدس وجماعة يرجحون ذاك الجانب البيان التفصيلي والتحليلي. هو اختار ان الجمع امتن واكمل وكلامه صحيح. كلا الجهتين لما يكون الانسان فيهما قوي بالتالي يكون امتن في النتائج
اذا الظهور نظام وعلوم للغة معقد وغامض غاية الامر ان العرف وعاء له. اما هل العرف يستطيع ان يستخدم هذه المعادلات بدرجة تفوق قدرة البشر؟ ليس هكذا. مثل الرياضيات هناك بديهيات رياضية كما يعترف علماء الرياضيات ان هناك تسع معادلات ام اكتشفها البشر في الرياضيات ليس فوقها فوق في قدرة البشر. في سقف بشري وصل اليه البشر في الرياضيات. الجمع والطرح والنسبة والقسمة وغيرها. وراء هذه المعادلات التسع بالمعيار الدولي ما استطاعوا ان يكتشفوا. هذه التسع المعادلات العلم النووي وعلم المركبات الفضائية وعلم الالكترونية والعلوم الاخرى كلها مواليد هذه التسع معادلات. لاحظ ان البشر قبل عشرة قرون او خمس قرون لم يستطيوا ان يستولدوا من هذه العلوم البديهية هذه العلوم في العصر الحديث. لكن شيئا فشيء استولدوا. اذا قدرات البشر من جيل الى جيل في استنتاج المعادلات تختلف. فالبشر عبر القرون ليس على سطح واحد. العلم مفتوح وان استنكره القدماء. هذه ظاهرة عظيمة في تاريخ العلوم. ان امور يستنكرها علماء الرياضيات او علماء الفيزياء في القرون السابقة لعدم قدرتهم على الاطلاع عليها ويحكمون بالنفي عليها لعجزهم لا لان العلم ليس له القابلية. الان هذه الامور التي انكروها من الامور البديهية التكوينية ببركات توالد العلوم والمعادلات. اذا علم واحد قدرات البشر في استخدامه تختلف إما في زمان واحد او في اجيال. هكذا علوم اللغة. ايضا هي علوم ومعادلات. استثمرها او فعلها الباري تعالى بقدرة لا يمكن للبشر من الاولين والاخرين ان يستثمروها. يعني الباري تعالى استثمر المعادلات والعلوم في اللغة بشكل فائق على قدرات البشر. من ثم قيل ان بلاغة القرآن اعجازية. فكيف يكون هي عرفية ويكون البشر عاجزا عليها. ليس بينهما تناقض. هذه المعادلات يحملها البشر كما يحمل البشر المعادلات الرياضية البديهية لكنهم لم يستطيعوا ان يستثمروها. لا ان المعادلات عي بل البشر عي وليس العلم عيا. هكذا القرآن الكريم. القرآن الكريم كتاب عظيم كلها مطابق للمعادلات لكن لا يمكن لاحد ان يستخرج ما فيه الا المعصوم. كونه كتابا مبينا وكل شيء احصي فيه صحيح لكن لا يمكن للبشر ان يستخرجها الا المعصوم. حتى النبي عيسى لا يستطيع الان والنبي ابراهيم لا يستطيع والنبي ادريس على نبينا وآله وعليه السلام لا يستطيع. انما الذي يستطيع هو ائمة اهل البيت. من ثم حصر القرآن الكريم تحديا ان العدالة في الارض في سورة الحشر لا يستطيع فيها خبراء البشر ولا الاقتصاديون ولا الانبياء ولا يستطيعون ارساء العدالة في الارض الاقتصادية او الاخلاقية او السياسية لا يستطيع بشكل كامل الا الدولة المحمدية. العدل ممتنع ان يقام على يد غير محمدية تنظيرا وتطبيقا وادارة وتدبيرا. العلم موجود لكن نبي الله عيسى او نبي الله ابراهيم ليس عندهم قدرة الامام الحسن العسكري. القرآن ليس عاجزا بل العجز في البشر ان يستثمروها. هذه الامور موجودة في الفيزياء والكمياء وفي كل العلوم وعلوم اللغة. نحن امراء البيان. الان يتلكأ اي عالم في الاتيان بفصاحة زين العابدين او فصاحة الامام الحسن العسكري يعني ان كلماتهم تتحدى الان كل رواد العرب في اللغة العربية. لا يمكن ان يكون هناك من هو افصح من الطاقة المحمدية صلى الله عليه وآله. كلماتهم معجزة ولا يمكن للبشر ان يقدر عليها. وهلم جرا. هذه ليست ادعاءات بل حقائق. هذه المعاجز اللغوية لا توزن بالوثاقة والضعف في الراوي. لا يمكن ان تتكلم عن سند نهج البلاغة. البشر تسجد اليه الان في سنة الفين. فلاحظ ان قضية درك الاعجاز موجود في البشر مثل السحرة ادركوا قدرة معجزة النبي موسى لكنهم لا يستطيعون ان يجيبوها. اذا بحث الظهور بحث خطير ومهم ومعجزة ومنه ينفتح بحوث كثيرة. دقة علمية وليس هلوسة ذوقية عرفية.