46/03/04
الموضوع: النواهی/ فصل اجتماع الامر والنهي/الفارق بين مسألة الاجتماع ومسألة ان النهي يقتضي الفساد
كان البحث في مسألة اجتماع الامر والنهي وكان الامر عن الفارق بينها ومسألة ان النهي عن العبادة يقتضي الفساد. ما الفرق بينهما؟ أ ليستا هما مسألة واحدة؟
المرحوم النائيني ومدرسته ذكر جملة من النقاط.
النقطة الأولى هي أن النزاع في مسألة الاجتماع صغروي وليس كبرويا يعني انه هل اجتمع متعلق الامر والنهي في مصداق واحد ام لم يجتمعا؟ وليس المحكم هنا نظرة العرف بل المحكم هو نظرة العقل ولحاظه لان المحذور عقلي وليس عرفيا وتحديد هذا المحذور العقلي انما يتم بتوسط وتوفر موضوع المحذور العقلي فمن ثم ان النزاع بالدقة صغروي، هل اجتمع متعلق الامر ومتعلق النهي ام لم يجتمعا؟ فالاجتماع على الامتناع وعدم الاجتماع على الجواز. هكذا بين الميرزا النائيني وادعى الضرورة وليس التسالم على ان النزاع صغروي وليس كبرويا.
سبق في اليوم الأخير ان هذه الدعوى الضرورة اجتهادي. فكيف ادعاها الميرزا النائيني. هذا نظير الاجماع التقديري لدى الشيخ الطوسي والسيد المرتضى. اغلب الاجماعات التي ينسبها السيد المرتضى الى الطائفة اجماعات تقديرية ولم يجازف ولم يكن مزيفا ومدلسا.
لان السيد المرتضى يشخص كبرى معينة محل التسالم ثم يقول ان هذه الصغرى في نظره الشريف صغرى هذه الكبرى المتسالم عليها فالكل متسالم في هذه الصغرى. يعبر عنه الاجماع التقديري.
لماذا يقال له الاجماع التقديري وكيف حجيته وما هي شرائطها بحثه في الاجماع. أيا ما كان اجماعات السيد المرتضى في كتاب الانتصار اغلبها اجماعات تقديريه يعني ان الاصحاب لم يعنون هذا الفرع فادعى باعتبار الكبرى المتسالم عليها وهذه الفرع صغرى قطعية لها.
الشيخ الطوسي في الخلاف اغلب اجماعاته اجماعات تقديرية ومع هذا لم يطعن الاعلام على اجماعاتهما بانه دس او وضع او زيف ولو هو اجماع بالدقة في الكبرى لكنه لانه قطع بان الفرع صغرى لتلك الكبرى فنسب الاجماع.
النائيني هنا أيضا هكذا وبالدقة اجماعه تقديري وليس محصلا فالاجماع التقديري مألوف نسبته الى الطائفة شريطة ان يكون مورد الاجماع كبرويا محل التسالم والصغرى يقطع بها فحينئذ ينسب الى الطائفة.
كذلك اجماعات الشيخ الطوسي في كتاب المبسوط وان كان هناك اقل من كتاب الخلاف.
فاجمالا اريد ان انبه ان الاجماعات التقديرية ونسبتها الى الطائفة ليست زيفا بل متبع عند الاعلام من زمن قديم. من ثم السيد بحرالعلوم في منظومته الفقهية في الشهادة الثالثة ذكر ان كلام الاعلام بانها ليست جزءا مرادهم بحسب الأدلة الخاصة واما بحسب الأدلة العامة الدالة على ان الشهادة الثالثة كمال الدين وكمال الشهادتين وشرط رضى الرب بها دليل على جزئيتها ومرتبط بعموم ماهية التشهد أينما حلت. من ثم ينسب الى الطائفة اجماعهم التقديري على ان الشهادة الثلاثة ركن التشهد. النكتة هي البحث الاجماع التقديري او الضرورة التقديرية. كذلك السيد المقرم في كتابه سر الايمان في الشهادة الثالثة نقل عن عشرات من علماء النجف الاستناد الى هذا الدليل نفسه على ان الشهادة الثالثة مكملة.
على كل ان الكلام في الاجماع التقديري وهذه الصناعة موجودة في باب الاجماع التقديري هنا نشرح ما ارتكبه النائيني.
دعوى الميرزا النائيني في هذا المطلب من ان البحث صغروي وليس كبرويا فيه تأمل. لانه سيأتي ان المشهور شهرة عظيمة عند الفقهاء عدا متأخري هذا العصر يعني من الميرزا النائيني ومن بعده ان المتفق لدى المشهور انهم عند موارد اجتماع الامر والنهي لا يبنون على التعارض ولا الامتناع بمعنى التعارض. يبنون على انه تزاحم من نمط آخر ويعبرون عنه التزاحم الملاكي او يعبرون عنه التزاحم الاقتضائي ويصرح صاحب الكفاية باعلى صوته بهذا المطلب حتى الشيخ الانصاري في كتاب مطارح الأنظار وهذا خلاف ما ذكره النائيني من ان الاجتماع كبرويا لا كلام في انه ممتنع وتعارض وهذه الدعوى من النائيني محل التأمل. فالنزاع اذا صغروي وكبروي وليس صغرويا حسب. هذه النقطة سبق ان عنونت واكملت اليوم.
فما هو الفرق بين مسألة الاجتماع ومسألة ان النهي يقتضي الفساد؟
فذكر الميرزا النائيني ان هما مسألتان. طبعا لا يخفى ان هذه خمس مسائل يعنونها علماء الأصول بعنوان المسائل العقلية غير المستقلة كما أوضح ذلك تلميذ النائيني المظفر تبعا للكمباني في كتابه أصول الفقه. العقلية تعني ان المدار عقلي وغير المستقلة تعني انه لا يستنتج الحكم الشرعي مباشرة بل لابد من ضميمة دليل شرعي آخر وسيأتي البحث في ذلك.
فما هو الفرق؟ البعض فرق ان البحث في مسألة النهي يقتضي الفساد بحث في الدلالة اللفظية بينما البحث في الاجتماع بحث عقلي لكنه يرده النائيني والاعلام ان البحث في النهي يقتضي الفساد ايضا عقلي سواء كان الدليل على الحرمة دليل لفظي او عقلي وليس بحثا لفظيا.
ربما يفرق بين المسألتين هكذا: انه في الاجتماع بحث صغروي هل اجتمعا او لم يجتمعا. فاذا اجتمعا تتحقق صغرى مسألة ان النهي يقتضي الفساد فالنسبة بين مسألة الاجتماع ومسألة النهي نسبة الموضوع والمحمول. فبناء على الاجتماع يتكون موضوع لمسألة النهي يقتضي الفساد. لان النهي يتعلق بالعبادة المأمور بها. هل يقتضي فسادها ام لا؟ طبعا مسألة النهي قسمان النهي المتعلق بالعبادة او المتعلق بالمعاملة. فالنسبة نسبة الموضوع والمحمول. الغريب ان النائيني تبنى هذا الفرق فكيف يقول ان الكبرى لا نزاع فيها.
هو قال ان البحث في الاجتماع صغروي فاذا اجتمعا مسلم انه ممتنع لانه لا نزاع في الكبرى فلم عنونت المسألة الثانية ان النهي يقتضي الفساد او لا. هذا تساؤل.
الكثير من الاعلام قبلوا هذا الفارق حتى قبل الميرزا النائيني. وهذا الفارق في الجملة صحيح وليس بالجملة لما مر بنا الان من ان النزاع في مسألة الاجتماع لا ينحصر في الصغرى فقط بل في الكبرى أيضا نزاع من انه بناء على اجتماع الامر والنهي تعارض وتساقط او تضاد او تزاحم ملاكي؟ فاذا النزاع كبروي أيضا فالفرق في الجملة صحيح.
أيضا مسألة النهي يقتضي الفساد سواء في العبادة او المعاملة هل هو في التقارن الاتفاقي بين الامر والنهي العبادي او الامضائي او هو يشمل التقارن غير الاتفاقي؟ بعبارة أخرى ان مسألة الاجتماع من الواضح انها في موارد اتفاق التقارن والتصادق بين متعلق الامر ومتعلق النهي وليس هي في موارد الالتقاء الدائمي بين متعلق الامر ومتعلق النهي.
لتوضيح المطلب اكثر: هل التقارن الاتفاقي نسبته من وجه؟ نعم هي من وجه. هناك تقارن الدليلين بشكل اتفاقي نادر وهذا يعبر عنه الاتفاقي وتصادفي وليس دائميا. تارة نسبة من وجه ليس نسبة قليلة بل نسبة معتد بها يعني في نفس الدائرة التي فيها التلاقي هذه المساحة في نفسها معتد بها وليست نادرة والا النسبة من وجه في كلا الفرضين فرض الاتفاقي والدائمي.
نرجع الى صلب المسألة: ان مسألة أن النهي يقتضي فساد العبادة او المعاملة لم يخصصوها او لم يضيقوها على موارد التقارن الاتفاقي بل حتى على موارد التقارن غير الاتفاقي. هذه نكتة جدا مهمة لازم ان نلتفت اليها. مثلا «اقيموا الصلاة» و« لا تصل المرأة الحائض» هذه ليست صدفة بل بنحو دائم. هل يقتضي الفساد او لا؟ «لا يصلي الرجل في موازاة المرأة» او «لا تتقدمه المرأة في الصلاة» المقصود ان النهي يقتضي الفساد في العبادة او المعاملة ليس كلامه في التقارن الاتفاقي فقط بل عمدة كلامهم في النهي غير الصدفة. هذه فارق موجود بين المسألتين. فما ذكره الميرزا النائيني في الجملة سليم.
فارق آخر ما ذكره صاحب الفصول وكلامه في الجملة صحيح بغض النظر عن انه اشكل على كلامه لكنه من ابداعاته المهمة. هو قال ان الفارق بين المسألتين انه في مسألة الاجتماع لابد من طبيعتين متغايرتين لفظا وعنوانا ومعنى واما في مسألة النهي يقتضي لابد من طبيعة واحدة. «اقيموا الصلاة» و«الحائض لا تصل» غاية الامر ان الامر مطلق والنهي خاص. فاذا وحدة العنوان والطبيعة في المسألة الثانية وفرقها بالاطلاق والتقييد. لاحظوا ان التقارن في الصلاة وصلاة الحائض ليس تقارنا صدفة بل عموم وخصوص ودائمي.
اما في الاجتماع لابد من طبيعتين. كلامه دقي لطيف. مثل ان المولى يقول للعبد «حرك» ومن جهة يقول «لا تقربا هذه الشجرة» عنوان الحركة والقرب متغايران وان كانا متصادقان من الحركة الى قرب الشجرة. فصاحب الفصول يقول انه ليس المهم في اجتماع الامر والنهي ان تكون النسبة بين الطبيعتين عموما وخصوصا من وجه بل ولو كانت النسبة عموما وخصوصا مطلقا تكون من الاجتماع لانه طبيعتان.
وقعت مشكلة انه هل النسبة في الاجتماع نسبة العموم والخصوص من وجه او يشمل العموم والخصوص المطلق؟ المحقق العراقي قال ان كلام صاحب الفصول متين خلافا للنائيني. بعضهم فرق وقال ان الفارق بين المسألتين ان النهي عموم وخصوص مطلق اما الاجتماع عموم وخصوص من وجه. صاحب الفصول رد هذه الدعوى وقال انه ليس المدار على العموم والخصوص من وجه في الاجتماع والمطلق في النهي يقتضي الفساد. فليست النسب الأربع هي الفارق. بل الفارق ان هنا طبيعتان في الاجتماع وان كانت النسبة عموم وخصوص مطلق وهناك في النهي يقتضي الفساد العنوان واحد وان كانت النسبة عموم وخصوص مطلق.
البحث يحتاج الى دقة لا نستعجل فيه ونؤجله الى غد ان شاء الله