الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/11/27

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: باب الالفاظ/مبحث النواهي/تصوير النواهي الضمنية في المركب مفسدة

 

كان الكلام في النواهي الضمنية وحقيقتها فهل هي ناشئة من حرمة او انها ناشئة من وجوب ويعبر عنها بالنهي من باب انشاء الوجوب بصيغة النهي وأثارها بصورة مبسوط الميرزا النائيني في رسالته اللباس المشكوك كما مر بنا ان الأوامر الضمنية او النواهي الضمنية هل هي ارشادية او تكليفية او وضعية او هما معا وبعد ذلك البحث يأتي هذا البحث ان حقيقة النواهي الضمنية يمكن ان يكون حرمة؟ وكيف تستبطن الحرمة التكليفية الوجوب؟ حرمة مستقلة في ظرف الوجوب هل قابلة للتصوير؟ كما هو الحال في محرمات الاحرام عند المشهور انها محرمات مستقلة لا صلة لها في قالب وصورة التقنين بمركب الحج. نعم هي مكملة للحج ملاكا وموجود في الروايات ان كل تروك الحج ينتقص من كمال الحج كما ان اعمال منى يوم حادي عشر وثاني عشر وثالث عشر من رمي الجمار الثلاثة والبيتوتة هذه اعمال واجبة مستقلة يسمى تعقيبات الزامية للحج وليست ضمنية في الحج. أيا ما كان الحرمة المستقلة ظرفها واجب من الواجبات قابل للتصوير كما في الاعتكاف عند المشهور حرمة مستقلة مفسدتها ظرفها في الواجب. كما انه عند المشهور صيام شهر رمضان هكذا. تقريبا هذا تسالم بين المشهور انه في شهر رمضان حكمان حكم وجوب الصوم وحكم حرمة الإفطار ظرفها صوم شهر رمضان. لا مانع من وجود حرمة مستقلة ظرفها المركب الواجب.

أما ان تكون حرمة تكليفية ضمنية في ضمن الواجب كيف يمكن تصويرها؟ المشهور مثلا بنوا على ان شرائط الواجب في الصلاة «لا الوجوب» مثل الوضوء واستقبال القبلة والساتر توجب وتسبب حلية تكليفية ووضعية للصلاة. المتاخروا الاعصار لا يلتزمون به لكن القدماء يلتزمون به وهو الصحيح. كما ان عدم الاتيان بشرائط الواجب يوجب حرمة تكليفية في دخول الصلاة فعدم الطهارة وعدم الساتر وعدم الاستقبال يوجب حرمة تكليفية في الدخول في الصلاة ومتاخروا الاعصار لا يلتزمون به وانما يلتزمون بالحلية او الحرمة الوضعية ليس الا. عندنا رواية معتبرة «من صلى صلاة مع العامة تقية لكن من دون الوضوء مع انه كبر وقرأ وركع وسجد فالرواية الواردة «الم يخشى ان تخسف به الأرض» هذه حرمة شديدة ان تفد على الله من دون الوضوء. مثلا دخول المساجد للجنب ما ورد فيه هذا التعبير او الحائض أما الدخول في الصلاة من دون الوضوء بهذه الرواية المعتبرة مخيفة ان تخسف به الأرض. هذه الصلاة وان لم تكون جماعة لكن تنعقد فرادى.

من ثم «خذوا زينتكم عند كل مسجد» يعني السجود والصلاة التي هي وفادة على الله المفروض ان الانسان يفد على الله بأزين ثيابه وكلما ازدادت زينة الملابس فخامتها وفخارتها وبهائها اشتد الثواب والكمال للصلاة. انه تفد على رب كريم وعظيم والوفادة على العظيم يجب ان تكون بأدب مناسب على ذلك. من ثم الوفادة على الصلاة بكسل او ملل او زجر تحبط من اجر الصلاة او تميت روح الصلاة وهو الوفادة على الله تعالى. الصلاة وفادة على الرب ومناجاة للرب والحري ان تكون في افضل الحالات الروحية والنشاط للإنسان. ان الانسان عندما يتكلم مع صديق له ينشط روحيا والمناجاة مع الله احرى بذلك يعني يجب ان يفد الانسان بحالة روحية حيوية نشطة لا بحالة كسل وملل. على كل هذه أمور عجيبة مهمة في تعاظم شأن الصلاة وتلعلع الصلاة عندما يأتي بها المصلي.

نرجع الى اصل المبحث: فهناك احكام استقلالية في ظرف الواجب اما كيف نصور حرمة تكليفية ضمنية ناشئة من مفسدة؟ الضمنية تعني انها ترتبط وضعيا وماهويا بالمركب فلما تكون مفسدة كيف يمكن تصويرها؟

المهم قرر تصويرها ولعل الميرزا الى حد ما بين ذلك في اللباس المشكوك او بحسب البيان في البحوث العقلية مثل ان العلة يقولون مركبة من مقتضي ومن الشرط الفاعلي ومن عدم المانع. عدم المانع ليس دخيلا في كمال المقتضي ولا قوة المقتضي. نعم الشرط الفاعلي دخيل في كمال المقتضي ويعبرون عنها بالشروط الفاعلية. هناك الشروط الوجودية في كمال الفاعل وهناك شروط وجودية في كمال المفعول لان المفعول يجب ان يكون قابلا ولا يكفي كمال فاعلية الفاعل فهذه يتصور انها دخيلة ضمن المركب العلة. لكن ما هو معنى المانع؟ المانع ليس المصلحة عدمه بل المفسدة في وجوده. البعض ربما يعول عقليا او فلسفيا ان العدم دخيل في الكمال وليس هكذا بل الصحيح ان المانع وجوده معاوق ومانع. كيف في باب التكوين في أجزاء العلة وهي أجزاء مركبة في العلل المركبة وليست العلل البسيط فيمكن تصوير المانع والمفسدة في وجود المانع وليست المصلحة في عدمه. يعني ليس العدم مكمل الشرط الفاعلي او الشرط المفعولي. الاسناد الحقيقي العقلي ان المانع وجوده فيه المفسدة يعني مفسدة بلحاظ هذا المركب وهو العلة فمفسدة ضمنية وليست مفسدة مستقلة. كذلك الحال في المركبات الاعتبارية.

مثلا طبيخ معين لذيذة لها شرائط ومقتضي لكن المانع ان لا تخلط هذه المواد بمادة منافرة. هذه المادة قد لا يكون فيها المفسدة كما يقال في الطب القديم ان البطيخ مع العسل قاتل. العسل في نفسه ذو مصلحة والبطيخ في نفسها ذو مصلحة واذا اجتمعا في المعدة يجمد ويوجب الموت. الا ان يتدارك عملية جراحية. في بعض المواد اذا تجتمع تكون خطرة والمفسدة في اجتماعها. فهنا هذا الشيء ليس له مفسدة مستقلة بل مفسدة ضمنية في المركب.

فهنا قابل للتصوير ان الحدث في نفسه ليس حراما لكنه في الصلاة مفسدة تسبب معاوقة في ملاك المركب والطهارة لها دور فاعلي أيضا والحدث فيه المفسدة. كما هو في باب الصوم ودال عليه ادلة مستفيضة ومتواترة. خلافا للسيد الخوئي ان في باب الصوم حكم واحد وهو الوجوب غفلة. نصت عليه الأدلة ان خصوص صوم شهر رمضان فيه حكمان وربما يلحق به قضاء شهر رمضان. فالافطار فيه المفسدة والصيام الواجب فيه المصلحة الملزمة. ولايبعد ان تكون تروك الاحرام ان الترك فيه المصلحة الملزمة مثل ما استظهره السيد الخوئي وهو الصحيح والارتكاب فيه المفسدة أيضا كما ورد انه اذا ارتكب تركا من تروك الاحرام فقد خدش في حجه او نسكه فهو خداج مثل معنى خداش. فاذا في جملة من الموارد ليس مانعا في المفسدة الضمنية فلما يكون مفسدة ضمنية فيكون تركب المركب يتضمن حرمة نفسية ضمنية وضعية وتكليفية وما المانع فيه.

لذلك استظهر الميرزا النائيني ان الاستدبار ناقض والاستقبال شرط. في بدايات البحث عند الميرزا النائيني حاول ان يقول انهما اذا كانا ضدين لهما ثالث نبقي ظاهر الأدلة والطائفتين على حالهما فالاستقبال شرط والاستدبار مانع باعتبار انه في حالة الى اليمين واليسار لا هو استقبال ولا هو استدبار. بخلاف الطهارة والحدث ليس فيهما حالة ثالثة ان هناك يؤول احد الطائفتين على الطائفة الأخرى اما ان نرجع الى الشرط او نرجع الى الناقضية. لكن أتصور ان النائيني لم يلتزم بهذا التصوير على الدوام. بل الصحيح انه لا مانع ان يكون في الضدين الذين لا ثالث لهما ان يكون في احدهما مصلحة في وجوده وفي الاخر مفسدة فيه. باب الاضداد الوجودية سواء لها ثالث او لا يمكن تكوينا بدون أي امتناع ان يكون احد الضدين فيه مصلحة ملزمة او راجحة والضد الاخر فيه المفسدة الملزمة او الراجحة. فالصحيح ان المفسدة الضمنية الوضعية او التكليفية قابلة للتصوير والأدلة لتأويل وعطف احد طوائفها على الاخر.

لذلك ترى المشهور في حين ذكروا ان الطهارة عن الخبث شرط ذكروا ان النجاسة الخبثية مانع. اخذوا بالادلة على حالها. أيضا الروايات التي وردت في الطهارة المعنوية ورد ان الطهارة شرط وجودي والحدث ناقض فقابل للتصوير دخالتهما.

نعم في الموارد التي اخذ الشرط او المانع لا من الأدلة الشرعية بل من الأدلة العقلية مثل مانعية الغصب عن صحة الصلاة. فهل الاباحة شرط والنصوص واردة فيها او الحرمة مانعة؟ لو افترضنا شرطية الاباحة دليلها العقل حصرا والمانعية دليلها العقل حصرا فصحيح اثبات احدهما لا يثبت الاخر. فالغصب ممانعة عن الصحة وذكر الاباحة تبعي.

دعوا نفسر هذا الاصطلاح في علم القانون وعلم الأصول اصطلاح التبعي. اصطلاح مهم في نفسه. انه استظهار يومي في الأدلة وهو بحث ثبوتي وليس فقط اثباتيا. ان كل حكم اصلي وجوب اصلي او حرمة اصلية يمكن تحويره تقنينا بحسب الثبوت ودلالة بحسب الاثبات بحكم آخر ملازم له عقلا وتبعا محوّر. مثلا نقول ان وجوب الصلاة نستطيع ان نقول حرمة ترك الصلاة. النتيجة واحدة لكن اصالة فيه فرق كبير بين حرمة ترك الصلاة اذا كانت هي الاصلية يعني ان هناك مفسدة في ترك الصلاة فالمفسدة اصلية او تبعية؟ او نقول ان وجوب الصلاة هو الأصل فالصلاة فيها مصلحة وعندما نقول حرمة ترك الصلاة من باب صياغة عقلية تبعية. بحث في باب الضد ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده.

العكس حرمة شرب الخمر وحرمة الزنا وحرمة الفجور ووجوب ترك شرب الخمر ووجوب ترك الفجور هل المفسدة في الفجور او المصلحة في تركها؟ الحكم الأصلي هو المفسدة فيها واذا قيل المصلحة فهي مصلحة انتزاعية عقلية تبعية. فاذا كل حكم اصلي من الوجوب له حرمة تبعية عقلية وكذلك العكس في الحرمة.

هذا مؤدى ان الامر بالشيء يقتضي النهي عن ضده. في مبحث الضد قال الاصوليون ان الضد الخاص هو الضد والضد العام هو النقيض والبحث طويل في هذا الاصطلاح ومن الخطأ ان نستعجل فيه وجدا مفيد.

ان هذا الاصطلاح يبتلى به الانسان في الأدلة الاثباتية. ان الاباحة شرط في الصلاة او الحرمة مانعة؟ لعل الشارع عندما امر بطهورية الصلاة وقال ان الحدث ناقض احدها من باب التبع التحويري لا من باب ان كليهما اصليان. جماعة التزموا بهذا الكلام. البحث حساس ان شاء الله نواصله غدا