الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/11/26

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث النواهي /الأوامر والنواهي الضمنية وضعية او تكليفية

 

كان الكلام في اعتراض المرحوم الاصفهاني على المشهور في استفادة العموم الاستغراقي او المجموعي غالبا في موارد النهي على عكس موارد الامر فمنطلق المشهور مقتضاه انه نهي عن كل الافراد بخلاف الافراد ان مقتضاه امتثاله بصرف الوجود.

عمدة الاشكال عند المرحوم الاصفهاني ان الطبيعة عندما تكون واحدة في متعلق الامر ومتعلق النهي فالامر والنهي يكونان بمنزلة المتناقضين فهناك اذا كان مقتضي الامر فردا ما وصرف الوجود فنقيض صرف الوجود هو ترك في الطبيعة. مثلا اقيموا الصلاة فرد ما و كذلك اترك الصلاة أيضا ترك الفرد لان نقيض الوجود ترك ذلك الشيء وعدمه. فمن اين اتى جميع الافراد. ان جميع الافراد ليس نقيض الفرد الوجودي.

نعم اذا نفترض في الامر استغراقا في الافراد فنقيضه في جانب النهي أيضا هو الاستغراق في الترك اما اذا كان نفترض فردا ما في جانب النهي ليس نقيضه الاستغراق في جانب النهي. نقيض صرف الوجود هو صرف ترك الوجود وليس انعدام كل الوجود. هذا الاشكال بحسب الصورة موجه عقليا.

طبعا هذا الاشكال يرد في البين انه تناقض بحسب المركب فاذا فيه اختلاف انه بحسب المركب يغايره بحسب الافراد.

وجه الضعف في اشكال المرحوم الاصفهاني على المشهور انه عندما نقول المتعلق في جانب الامر نقيض المتعلق في جانب النهي فهذا النقيض يفترض بضميمة الحكم والامر او النهي حسب دعوى المشهور. فليس التناقض الذي يبحث فيه بين متعلق الامر ومتعلق النهي هو التناقض الفردي بل التناقض الذي بسبب الحكم يعني قضية تركيبية. فحينئذ نقيض الموجبة الجزئية سالبة كلية ونقيض الموجبة الكلية سالبة جزئية. فكلام المشهور متين وتام. لانهم لاحظوا الطبيعة بما هي مامور بها وبما هي منهي عنها. ما ذكره المرحوم الاصفهاني دقيق ان نقيض الفرد رفع الفرد نفسه لا رفع كل افراد الطبيعة لكن الكلام ليس تناقض الافراد في نفسها.

السيد الخوئي بنى على مبنى استاذه المرحوم الاصفهاني في فروع كثيرة ستأتي في مبحث النواهي وفروع أخرى ولكن هذا التأمل موجود والحق مع المشهور ان الكلام ليس في تناقض الافراد والطبيعة بل الكلام في الطبيعة بما هي مأمور بها ومنهي عنها فيكون التناقض في المركبات ويختلف عن التناقض بين الافراد.

ثم حتى الافراد ان الفرد في البحث العقلي صورته فرد لكن واقعه قضية تركيبية يعني ان الذي يعبر عنه ان الموضوع يتشكل من قضية تسمى عقد الوضع والمحمول وان كان مفردا من المفردات لكن يعبر عنه انه يتشكل من قضية وهي عقد الحمل. ومن ثم ما عندنا تصور بسيط بل كل التصورات هي تصديقات لكنها مبدهة فاصبحت عند الانسان تصورات لكن بالدقة هي قضية تركيبية مبدهة عند الانسان فالعقل يدمجه كمفردة معلومة. ففي تناقض المفردات يمكن تصوير انها مادامت قضية فتناقضها يختلف.

اجمالا الصحيح ما هو عليه المشهور ان دلالة النهي غالبا تفيد العموم الاستغراقي او المجموعي لا البدلي. لكن الذي ذكره المرحوم الاصفهاني أيضا صحيح ان ظهور النهي في المفسدة انها استغراقي كلام جيد.

على كل هاتان قرينتان على ان الغالب لاالدائم في النهي يكون استغراقيا انحلاليا او مجموعيا او قسما رابعا يحتاج الى دليل ان يكون النهي بترك جميع افراد الطبيعة لاجل تحصيل عنوان مسبب عن مجموع الافراد او جميع الافراد فبالتالي المأمور به او المنهي عنه بلحاظ العنوان المسبب يعني ان النهي او الامر كانما لاجل تحصيل عنوان بسيط مسبب عن ترك جميع الافراد في جانب الامر وجانب النهي.

فهذه الأقسام الأربعة يمكن تصويرها في جانب الامر وكذلك في جانب النهي الا ان الغالب في الامر هو العموم البدلي والغالب في ظهور النهي هو الاستغراقي وليس دائما. يعني هذا طبع الظهور العام والا اذا أتت قرينة خاصة تتبع.

المحور الاخر في النواهي او الأوامر: مر في كلمات الاعلام سيما بعد تنقيحات الميرزا النائيني أربعة اقسام للمتعلق إما صرف الوجود او الاستغراق او المجموع او العنوان المسبب عن العموم المجموعي مثل الطهارة انها مسببة عن مجموع أجزاء الوضوء والغسل.

ومر أيضا ان الفارق بين الامر والنهي عمدة هو الملاك وليس الترك والوجود. هذا الاشكال من الاصفهاني في محله ومتين ان الامر قد يكون متعلقه الترك وقد يكون الوجود وليس من الدائم عقلا تعلق الامر بالوجود بل يمكن تعلقه بالترك كما ان النهي ليس من اللازم ان يكون نتيجته الترك بل قد يكون نتيجته الوجود لان المفسدة في الترك فيكون الوجود امتثال لترك المفسدة. فاذا الضابطة في الوجوب والحرمة هي المفسدة والمصلحة.

هذا البحث وتقسيم الاحكام الأربعة والطبائع الأربعة يقرر الان في القضايا الضمنية. عندنا في القضايا الضمنية أوامر ضمنية ونواهي ضمنية. وهلم جرا ان الأوامر الضمنية على أربعة اقسام والنواهي الضمنية على أربعة اقسام.

في خصوص النواهي الضمنية مر بنا ان السيد الخوئي رحمة الله عليه يصر ان النواهي الضمنية لبا ليست حرمة وانما هي أوامر. باي دليل؟ يقول لانها مأخوذة ضمن مركب مأمور به والمركب المأمور به مصلحة فاذا هذه النواهي تشير وترشد الى ان الترك فيه مصلحة فعبر بالنهي فالنواهي الضمنية ضمن المركبات المأمور بها دائما هي وجوبات لكن وجوب تعلق بالترك وليس وجوبا تعلق بالوجود. فاذا الفرق بين الموانع والاجزاء او الشرائط ان الموانع وجوب أيضا لكنه تعلق بالترك والمصلحة في الترك اما الأجزاء والشرائط مصالح تعلقت بالوجود. هذا كلامه هنا لكن لا اعلم انه تمسك بها في أبواب الفقه. فيستظهر السيد الخوئي ان النواهي الضمنية صورة نواهي بل لبا وجوب ناشئ من المصلحة في الترك.

مر بنا قبل قليل وجلسات ان ضابطة الوجوب والحرمة ليست هي الترك او الوجود وليس هو النهي ولا الامر بل الضابطة هي الملاك. قد يصاغ الامر بصيغة النهي وقد يصاغ النهي بصيغة الامر. لا تأكل في شهر رمضان لاجل الصوم والصوم وجوب فترك الاكل لاجل الوجوب والترك فيه مصلحة ورياضة. فالسيد الخوئي يريد ان يدعي ان المركبات دائما الترك فيه المصلحة فترك الحدث في الصلاة لانه فيه المصلحة لا انه فيه المفسدة. انت أيها المصلي امرت في الصلاة بالصيام عن الكلام. المعروف في الشرائع السابقة انها فيها صيام مستقل عندهم وهو الصيام عن الكلام. «اني نذرت للرحمن صوما فلن اكلم اليوم انسيا» طبعا نسخ هذا الصوم في الشريعة الإسلامية بمعنى عباديته لكن اصل رجحانه موجود في الشريعة ان الاوفر للإنسان ان يقلل الكلام الا ما احتيج اليه. فهذا تشريع الصيام عن الكلام بالدقة في الصلاة موجود. اذا كبر المصلي فالصلاة تحريمها التكبير وتحليلها التسيم وفسر في بيانتهم سلام الله عليهم ان التكبيرة سميت تحريما لانه تحرم على المصلي الكلام. فاذا عندنا صيام عن الكلام في الصلاة وصيام عن الاشتغال بالافعال الأخرى العادية الماحية لصورة الصلاة. فاذا الصلاة عجين عن الصوم والصلاة. السيد الخوئي تقريبه هكذا ان المصلحة في الترك في النواهي الضمنية الواردة في الصلاة.

قبل ان نتوغل اكثر في هذا البحث وثمراته يجب ان نلتفت الى الفرق بين الامر والتكليف الاستقلالي والامر الضمني. الفرق بين النهي الاستقلالي التحريمي وبين النهي الضمني. ما هو الفرق؟ هذا مبحث يجب استذكاره ثم نتابع ونستمر في التفاصيل.

مر بنا كلام الميرزا النائيني والميرزا القمي في قبال السيد الخوئي ان الامر الضمني في مقابل الامر الاستقلالي هل مفاده التكليف او الوضع او هما معا او ارشاد؟ أربعة اقوال مرت بنا في الأوامر الضمنية. وان يمكن تصويرها في الاستقلالية. امر النبي بالنكاح. قد يكون الامر بالنكاح امرا تكليفيا او وضعيا او هما معا كما أن النكاح شيء وضعي امر به النبي تكليفا. الراجح عند الميرزا صاحب القوانين والنائيني ان الامر الضمني هو الوضعي والتكليفي معا وهذا هو الصحيح ونتبناه. السيد الخوئي اصر على انه ارشادي محض وهذا البحث تمت اثارته في الصحيح والاعم والحديث طويل اجماله ان المشهور انفسهم يتبنون في الصحيح والاعم ان هناك في المركب جعل وضعي مستقل عن الامر بالمركب. «الصلاة أولها التكبير وآخرها التسليم» جعل وضعي و«اقيموا الصلاة» جعل تكليفي. كما ان في البيع عندنا بيع ماهية وضعية وتقنين تكليفي «احل الله البيع» وان كان الميرزا النائيني في المعاملات عنده مبنى يخالف المشهور.

فاذا الأوامر الضمنية فيها خصوصيات تختلف عن الأوامر الاستقلالية. الأوامر الضمنية تعني المركب فاذا فيها امر وضعي وامر تكليفي. فماذا عن النواهي الضمنية؟ المشهور ليس بنحو الدوام يبنون على في النواهي الضمنية على انها ناشئة من المفسدة غالبا لكن هذه المفسدة ليست مفسدة مطلقا بل مفسدة ضمنية فضمن المركب مفسدة. طبعا الاحتمال الذي يذكره السيد الخوئي ليس ممتنعا ثبوتا ويمكن ان يقال ان الترك فيه المصلحة. يستظهر بقوة ان تروك الاحرام في العمرة والحج ان فيها مصلحة ورياضة وفعلا لسان الاحرام اذا تلاحظون وادعية الاحرام وصيغة الاحرام مفاده مثل الاعتكاف والصيام ان الانسان يبدأ بدورة ترويضية يكف بها عن جملة من المحللات او الملذات. صيغة النية في دعاء الاحرام هكذا مفاده. ان التروك فيها مصلحة وما المانع فيها. لكن الكلام في ان هناك يمكن ان يكون جملة من التروك دليلها صريح في ان المجيء بها مفسدة. مر بنا ان المدار في الأوامر والنواهي هو المصلحة والمفسدة. في تروك الاحرام هل الترك واجب او الفعل حرام. عبارة المشهور هي محرمات الاحرام او تروك الاحرام. هذا بحث. في باب الصوم وخصوص صوم شهر رمضان المشهور وهو الصحيح خلافا للسيد الخوئي فيه حكمان حكم وجوبي وحرمة مستقلة في شهر رمضان ان من عصى الصيام يحرم عليه الإفطار. فاذا ارتكب المفطر وان كان لم ينو الصيام أصلا مع ذلك يجب عليه الكفارة لانه في خصوص شهر رمضان عندنا حكمان وليس حكما واحدا. ففي بعض الأبواب يمكن ان يكون كلا الحكمين موجودان. الترك فيه المصلحة والفعل فيه المفسدة. كما في باب الصلاة يستظهر النائيني وهو يوافق المشهور ان الطهارة فيها مصلحة والحدث فيه المفسدة ويترتب عليه آثار. ان الحدث فيه المفسدة الضمنية وليست مستقلة والطهارة فيها المصلحة ولا يمكن ان يؤول الأدلة. ان الحدث ناقض ولا صلاة الا بطهور. فيه جدل بين الاعلام ان الشارع هل قنن مانعية الحدث او شرطية الطهارة؟ البعض يقول جعلهما معا لغو ان شرطية الطهارة كاف او قل ان مانعية الحدث كاف وتغني عن شرطية الطهارة. ان شاء الله نتابعه.

المحور قضية الأوامر او النواهي الضمنية وطبيعتها وآثارها و تداعيتها في الأقسام في حالة الاضطرار وحالة الشك. رسالة اللباس المشكوك للميرزا النائيني احد المحاور الرئيسية فيها هذا المبحث.