الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/11/24

بسم الله الرحمن الرحيم

 

الموضوع: باب الالفاظ/مبحث النواهي/اختلاف الأوامر والنواهي اقتضاءً/

 

كان الكلام في جملة من المحاور في النواهي وبالتالي ان جملة من هذه البحوث تتمات من مباحث الأوامر أثيرت في النواهي.

من تلك المحاور ان المشهور عند علماء البلاغة والمعاني وكذلك عند علماء الأصول ان هناك الفرق بين اقتضاء الامر واقتضاء النهي في العموم.

قبل ان نخوض في الاقتضاء نذكر ما عنوناه سابقا أن الطبيعة المأمور بها او المنهي بها قسمت الى أربعة اقسام، إما صرف الوجود او إما العموم بنحو الاستغراق الانحلالي وإما بنحو العموم المجموعي وإما بنحو عنوان بسيط متولد من الجميع او مجموع افراد الطبيعة. فاربعة انحاء سواء في جانب الامر او جانب النهي.

طبعا هذا البحث يبحث في علم المعاني في البلاغة وليس في البيان. فرق بين علم المعاني وعلم البيان في البلاغة وعلم البديع أسماء على مسمياتها. علم البيان يرتبط بالبيان لا بالمبيّن ويرتبط بآلية البيان أما علم المعاني يرتبط بأطر وقوالب المعاني المدلول عليها فمن ثم كان علم المعاني اشرف العلوم الثلاثة لعلم البلاغة. من ثم استفاد من جهود علم البلاغة في اللغة العربية ببركة القرآن الكريم كل لغات العالم لان مبحث علم المعاني لا يختص باللغة العربية بلحاظ المعاني وهي لغة غير اللغة اللسانية. فهذا المبحث بحثوه في علم المعاني وكذلك علم الأصول وبقية العلوم اللغوية او العلوم الدينية.

أن مقتضى النهي اذا طرء على الطبيعة يختلف عن مقتضى الامر اذا طرء على الطبيعة. فقالوا ان مقتضى الامر اذا طرء على الطبيعة يقتضي صرف الوجود بنحو العموم البدلي بينما النهي اذا طرء على الطبيعة فيقتضي العموم الاستغراقي او المجموعي او القسم الرابع وهو بمثابة العموم المجموعي يعني العنوان البسيط المسبب من مجموع الافراد.

اذاً اختلاف العموم في جانب الأوامر بسبب الأمر عنه في النواهي والمحرمات بسبب النهي فهذا السبب او الاسناد في كلماتهم يريدون ان يقولون ان الطبيعة من حيث الطبيعة قد تكون متحدة في متعلق الامر ومتعلق النهي فان الطبيعة هي هي فتارة يأمر بها وتارة ينهى عنها ولكن بسبب الامر او بسبب النهي يختلف العموم من العموم البدلي المسمى بصرف الوجود في الامر الى العموم المجموعي او الاستغراقي في النهي. اذا الاختلاف عند المشهور في اقتضاء الامر واقتضاء النهي لا ان متعلق الامر ومتعلق النهي يختلفان. الصلاة واحدة تارة ينهى عنها وتارة يأمر بها.

هذا كلام المشهور من علوم عديدة ونبسط المدعى اكثر حيث نرى موقف المرحوم الاصفهاني فيه ووافقه السيد الخوئي تلميذه.

مدعى المشهور ان الامر بالطبيعة يتحقق امتثالها بفرد واحد فبالتالي يكون من قبيل العموم البدلي او صرف الوجود اما في النهي فلا يتحقق الامتثال حتى بصرف الوجود بل لا يتحقق الا بإعدام كافة الافراد والا لو تحقق فرد واحد فهو صرف الوجود ويتم العصيان. فالامتثال والعصيان في النهي سنخه وطبيعته تختلف عن الامتثال والعصيان في الامر.

اذا السبب في ان مفاد النهي هو العموم من قبيل القسم الثاني والثالث او الرابع يعني العموم الاستغراقي او المجموعي او العنوان البسيط هو ان نفس الحكم يقتضي ذلك. عندنا في القضية القانونية الشرعية او غير الشرعية ثلاث اضلاع او اربع محو الحكم او محور قيود الحكم والموضوع ومحور المتعلق والمحور الرابع هو متعلق المتعلق. الصلاة قيدها الاستقبال وقيد الاستقبال عين الكعبة المكرمة وهي متعلق المتعلق. هذا ضلع رابع في القضية القانونية. لكن العمدة هي الثلاثة والضلع الرابع تبعيّ. اذا هذا الكلام من المشهور يريد ان يقول ان المحمول في القضية القانونية الشرعية او الوضعية يقتضي صرف الوجود في الامر والمحمول في النهي يقتضي الاستغراق.

المرحوم الاصفهاني ينكر ان الاختلاف بسبب الحكم وهو الوجوب والحرمة وكذلك السيد الخوئي. يقول ان وجوبية الوجوب او ناهوية النهي ليست سببا للاختلاف بينهما. بل الاختلاف عنده ناشئ من المتعلق لان المتعلق في النهي اخذ بإطار معين والمتعلق في الوجوب بقالب واطار بشكل آخر، فالقالب يختلف. لابد ان نعرف المدعى وبعده ندخل في التفاصيل والنتائج متعددة وسنبين.

فالمشهور مدعاهم هكذا ان الامر والوجوب يقتضي صرف الوجوب اما النهي فهو يقتضي الاستغراق او المجموعي وهذا الاختلاف ليس بسبب الطبيعة المأخوذة في الحكم بل الاختلاف بسبب المحمول. هذا التدقيق جيد بغض النظر عن صحته وان كان كلامهم صحيح واشكالات المرحوم الاصفهاني الدقية العقلية وان كانت صحيحة لكن لا تنتج تخريب مدعى المشهور. فالمشهور يقولون ان اختلاف النتيجة في النواهي والاوامر ليس بسبب الطبيعة المأخوذة في الأوامر والنواهي بل الطبيعة في كل منهما واحدة بل الحكم في الامر والوجوب والنهي الحرمة اقتضائهما يختلف.

لاحظوا كيف ظهور معين يقبلون ان النتيجة المحصلة بين الأوامر والنواهي هناك اختلاف لكن لماذا يدققون في القرينة ومنشأ الظهور؟ الظهور واضح سواء بسبب الحكم او بسبب المتعلق لكنه واضح فلماذا نفكك الترتيب وكلمة وكلمة وندقق في الظهور انه من أي منشأ ينشأ؟ فيه فوائد عجيبة في الاضطرار وفي الشك وفي كيفية جريان القواعد الثانوية وثمرات عديدة. هذا هو الاستنباط ان لا يكتفي بالظهور الإجمالي بل لابد من الظهور التحليلي كمختبر. من اين اتى الظهور وهذه النتيجة وكم زاوية له. علم البلاغة أيضا هكذا سيما علم المعاني وهو يهندس الظهور نقطة نقطة وله ثمرات. علم الالفاظ في الأصول مزيد من جهود علمية التحليل التفصيلي في الظهور. البحوث التي لم ينجزها البلاغيون ينجزها الاصوليون بالدقة.

هذا تعريف آخر لعلم الأصول بلحاظ الاثبات كما ان علم الحجج هو مزيد من التفاصيل التي لم ينجزها علم الكلام فينجز في علم الأصول. اذا مع ان القولين متفقان على اختلاف الظهور في جانب النواهي وجانب الأوامر الا انهم يبحثون في سبب تحليلي تفصيلي لهذا الظهور وهذا هو الاستنباط.

اغتسل للجمعة والجنابة وردت من الشارع لكنهم يخوضون في الاستنباط ان ماهية غسل الجنابة مباينة لماهية غسل الجمعة ام متفقان وثمرة هذا الاختلاف في الموضوع والمتعلق والمحمول. هذا تحليل تفصيلي للظهور وهذا فرق للراوي والفقيه. ان الراوي من حيث هو راوي يهم جمود الالفاظ وصوت الالفاظ واجمال المعنى اما الفقيه لا يقتصر على الالفاظ بل يذهب الى تحليل تفاصيل المعنى. هذا يسمونه الاستنباط والفهم. يبنى على ان الاغسال متباينة الماهيات او المتحدة ومتباينة الأسباب ومتحد الماهية او متحدة الأسباب ومتباينة الماهيات ويترتب عليه تداخل الاغسال سببا و مسببا او ثمرات أخرى.

اذا هذا هو الاجتهاد والاستنباط لا صرف الجمود على الالفاظ والمعنى الإجمالي. الفقيه يتصدى للفتوى ويفتى على مجرد صحة السند مجرد الدليل الإجمالي صراحة هذا ليست فتوى وفيها محل الاشكال ان يتصدى الراوي من حيث هو راوي الفتوى. لابد ان يقف على الهندسة الدقيقة للقضية القانونية الشرعية وزواياها.

حينئذ نأتي لهذا المطلب ان كل الجانبين مسلمون ان مقتضي الأوامر غالبا صرف الوجود البدلي اما مقتضى النواهي غالبا استغراق او مجموع او العنوان البسيط المسبب من العموم المجموعي وحكم الرابع والثالث سواء اجمالا.

أقول دليل المشهور ونخوض غدا في المؤاخذات والانتقادات من المرحوم الاصفهاني.

دليل المشهور: يقولون ان الامر يتحقق ويمتثل بفرد واحد فيقال امتثل اما جانب النهي ما لم ينتهي ويترك جميع الافراد لا يتحقق الامتثال. في الامر يتحقق بفرد واحد ويقال امتثل خلافا لجانب النهي فلا يقال امتثل الا اذا تحقق منه ترك جميع الافراد. فانطلقوا من العصيان والامتثال وهو يعني الانطلاق مجموع المتعلق والمحمول.

الاصفهاني يقول ما ادعيتم خطأ انه بسبب الامتثال والعصيان والحكم. يقول هذا الظهور واختلافه منطلق من نفس المتعلق. هذا اجمال دليل الاصفهاني.

ان شاء الله غدا ندخل في دقائق الطبيعة والافراد واقسام الطبيعة التي يذكرها الاصفهاني بحث منطقي فلسفي يفيد في مباحث الأصول لكن هل يخدم المرحوم الاصفهاني بحث آخر.