45/11/20
الموضوع: باب الالفاظ/مبحث النواهي/الامر او النهي الضمنية وضعية او تكليفية او ارشادية
كنا في بحث النواهي والاوامر مادة او صيغة في محور ان ينشأ بهما حكم تكليفي والحكم الوضعي وينشأ بها الحكم المستقل والحكم الضمني سواء التكليفي او الوضعي. هذا محور مهم في مباحث الانشاء بمادة او صيغة النهي او الامر وسبق امس الاقوال في هذا المجال.
نكتة لطيفة صناعية: عند القدماء الى زمن صاحب الجواهر والشيخ الانصاري مثلا في «حرمت عليكم الميتة» يستفاد منها انشاء قريب من خمسة احكام بعضها تكليفي وبعضها وضعي كحرمة الاكل وحرمة البيع وضعا وتكليفا سيما في لحم الخنزير وحرمة المنافع عند بعضهم. فمن الانشاء الواحد كان مرسوما عند المشهور انه يمكن ان ينشأ به عدة احكام مختلفة طبعا بشواهد وقرائن.
مثل «احل الله البيع» عند المشهور ان الحلية هنا تكليفية ووضعية معا فالمقصود انه عند المشهور يمكن انشاء احكام متعددة تكليفا ووضعا بصيغة واحدة.
نرجع الى المحور انه ينشأ بهما الحكم الوضعي والتكليفي والاستقلالي والضمني. الميرزا النائيني نقل كلام الميرزا القمي بان الأوامر المتوجهة الي ابعاض الصلاة ليست ارشادية او وضعية او تكليفية. ثلاثة اقوال فيها. مثلا اركع او اسجد او اقرأ هذه الأوامر او النواهي مثل «لا تأكل في الصيام» هل هي تكليفية او وضعية او ارشادية او قول آخر انها تكليفية وضعية؟
ما الثمرة؟ فيه ثمرات في جريان الأصول العملية او في الخلل وهلم جرا. فاذا حصل الاختلاف بين الاعلام في هذه الأوامر الضمنية. هل هي تكليفية او وضعية او هما معا او ارشادية؟ السيد الخوئي اصر على انها ارشادية وليست تكليفية ولا ضمنية ولا وضعية ولا هما معا.
طبعا الارشادي يختلف عن الوضعي وان كان قريب الأفق. الوضعي مثل «احل الله البيع» احد مفاد «احل» انشاء وضعي وصحة البيع. «المؤمنون عند شروطهم» احد المعنيين هو نفوذ الشرط وهلم جرا. فالمفاد الوضعي كالصحة والوجود والملكية والزوجية.
مع ان الاحكام الوضعية ايضا لها اقسام والاعلام بحثوا عنها في تنبيهات الاستصحاب بمناسبة معينة وهو مبحث مهم. في الحقيقة هو من مباحث المبادئ الاحكامية يعني أصول القانون او أصول التشريع ما شئت فعبر. طبعا هذه المباحث كما مر ثبوتية وليست اثباتية في الالفاظ. مباحث الالفاظ مباحث في الدلالة تصورا ومباحث الحجج مباحث في الدلالة التصديقية فمن ثم عرف علم الأصول عندهم العلم الباحث عن دليلية الدليل او الأدلة الأربعة لكن هذا التعريف يمثل نصف علم الأصول من اوله الى آخره. بحث الاثبات والدليلية نصف علم الأصول والنصف الثاني هي المبادئ الاحكامية وتقسيمات الحكم الوضعي هي من المبادئ الاحكامية وكذلك مباحث الحجج الثبوتية. ذكر صاحب المعالم والميرزا القمي في القوانين. ان الحجج أربعة الكتاب والسنة والاجماع والعقل. الكتاب ثبوتا او اثباتا؟ هنا اثاروا هذا البحث. قالوا ان الحجية الاثباتية للكتاب هي دلالة الكتاب وظواهر الكتاب وفيه نظريات كثيرة. وفيه وجود ثبوتي وله الحجية الثبوتية. أصلا الثبوت باي معنى يكون حجة؟ هذه خارطة نظرية المعرفة في العلوم الدينية سواء في الفقه او الأصول او التفسير. ذكرها صاحب المعالم والميرزا القمي وصاحب الكفاية.
الحجية الاثباتية مرادهم الظنية والحجية الثبوتية يعني اليقين والبرهان بمقدمات يقينية وجودية.
المبادئ الاحكامية والأصول القانونية هي برمتها ثبوتية وحجية بالمعنى الاعم ثبوتية. كما ان المسائل العقلية الخمس غير المستقلة أيضا من المبادئ الاحكامية وتوجب برهانا ويقينيا لكنه ثبوتية بهذا المعنى. وكما ان الامارات الظنية المعتبرة مقدمة على الأصول العملية أيضا الحجج الثبوتية مقدمة على الحجج الاثباتية بمعنى تقدم العلم على الظن.
لذلك الشيخ الانصاري ذكر تقسيمات لمدرسة الوحيد البهبهاني وبلوره اكثر ان عندنا ثلاث مراتب اجمالية حجة ثبوتية وهي العلم والقطع وحجة اثباتية وهي الامارات وحجة الأصول العملية وفي هذه الأقسام مراتب لكل قسم.
نرجع الى ما كنا فيه ان الحكم الوضعي بحثه الاصوليون في تنبيهات الاستصحاب. عموما اذا يريد واحد ان يتنبه في تتبع المباحث الأصولية ان البحوث الثبوتية مرتبطة بالحكم وهذه البحوث متناثرة من اول علم الأصول الى آخره وموزعة. فيجب ان يلتفت الباحث ولا يظن ان المباحث الثبوتية للحكم والمبادئ الاحكامية يجدها في موطن وباب واحد بل متناثرة.
في تنبيهات الاستصحاب في الحكم الوضعي نظريات كثيرة لكن الرأي المتين الذي اختارها الميرزا النائيني هو ان بعض الاحكام الوضعية مستقلة واصيلة في الانشاء والجعل وبعضها ليست اصيلة بل تبعية ومنتزعة وبعضها يمكن ان تكون تكوينة كشف عنها الشارع او بين المجعول استقلالا والمجعول ضمنيا. هذا تقسيم اجمالي من امتن المختارات في الحكم الوضعي.
ذكرت هذا المطلب لاجل ان النواهي او الأوامر هل يتصور فيها التكليفية والوضعية معا؟ او هي تكليفية فقط او هي وضعية فقط او ارشادية؟ الاقوال الأربعة. ما الفرق بين الارشادي والوضعي؟ السيد الخوئي اصر على ان الأوامر الضمنية والنواهي الضمنية لا تكليفية ولا وضعية بل ارشادية.
نرجع الى الفهرس الإجمالي وهو ينظم هندسيا صناعيا فكر الباحث ويعطيك تبويب وترتيب القواعد. مبحث الارشاد نظام قائم بحاله في مقابل مبحث الحجج. الحجج الاثباتية الظنية والحجج الثبوتية القطعية والوظيفة العملية. الارشاد باب قائم بحاله غير الحجج. نعم المرشد اليه حجة ومرتبط بالحجج من هذا الباب لكن هو في نفسه ليس بحجة لكنه يرشدك الى ما هو حجة. فالمدار ليس عليه بل المدار على المرشد اليه. هذا البحث حساس. ذكر في علم الأصول وهو منطق العلوم الدينية ويمنهج علم الكلام ويمنهج علم الرجال والتفسير والذي يريد ان يدخل علم الرجال ولا يعرف كيف تمنهج القواعد الرجالية بالقواعد الأصولية فدخوله عشوائي. كذلك كل العلوم الدينية منهجيته بعلم الأصول. القيصري في مقدمات كتابه ذكر المباحث الأصولية حجية الكتاب وحجية سيد الأنبياء وان الكشف المحمدي مقدم على كشف البشر وبحوث أصولية بامتياز وليس لديهم مفر سواء في علم العرفان وعلم الكلام وعلم الفقه. تمنهج أي علم من العلوم الدينية بهندسة علم الأصول وتحت مراقبة منهجية علم الأصول وعلم الأصول مدارس وليس مدرسة واحدة كما ان كل علم ديني مدارس.
باب الارشاد في الحجج ما هو موضعه؟ نظام الارشاد غير نظام الحجج لكنه نظام قائم بحاله وله ضوابط. مثل قوله تعالى «فبعث الله غرابا يبحث في الأرض» الغراب ليس نبيا ولا ملكا ولا اماما لكن ارسل الله رسالة الى قابيل «ليريه» هذا ارشاد. «ليريه كيف يواري سوءة أخيه» هذه هي المرشد اليه. لم يبحث احد ان الحيوانات حجج في ارسال الرسائل الإلهي بل هي ارشاد والمرشد اليه في نفسه حجة كالحسن العقلي. لولا هذا الغراب لم يحصل التنبه لقابيل. فذا طبيعة الارشاد هكذا المدار ليس في آلية الرشاد بل المدار في المرشد اليه.
لازم ان يبحث في نظام الارشاد عند الأصوليين وبحث متناثر. نريد ان نشرح مبنى السيد الخوئي في الارشاد انه ليس وضعيا ولا تكليفيا ولا هما معا. لماذا يصر على ان هذه الأوامر الضمنية ارشادية ولها ثمرات في الخلل والمركبات وجريان الأصول العملية.
مثلا قوله تعالى في قصة النبي يوسف «فشهد شاهد من أهلها» هل شهادة الصغير حجة؟ هل هي حجة من باب ان الصبي يتكلم؟ هل قبله عزيز المصر من باب الاعجاز؟ لا، تكلم الصبي كان منبها. الحجية في شهادة الصغير هو برهان في التحريات الجنائية. الشرح الجنائي الذي ذكره الصغير برهانه فيه فاقتنع العزيز بغض النظر عن ان الصبي تكلمه معجزة او ليس بمعجزة. اقتنع بنفس الاستدلال. «ان كان قميصه قد من قبل ... وان كان قميصه قد من دبر...» هذه دلائل وتحريات جنائية . هذا البحث في باب القضاء ومباحث الحدود والقصاص والديات ذكرنا ان احد تفسيرات عجائب القضاء واقضية امير المؤمنين سلام الله عليه من باب التحريات الجنائية التي توصل الى العلم والحجية للعلم. فالقضاء ليس مبنيا حصرا بالبينات والايمان بدليل سيرة امير المؤمنين في القضاء. بل التحريات الجنائية الموصلة للعلم اعظم شأنا من البينات والايمان وهو الصحيح وان لم يبلوره الاعلام بشكل واسع لكنه مرتكز عندهم. بل أخيرا نقحنا وتوصلنا الى ان «انما اقضي بينكم بالبينات والايمان» في النزاعات الفردية اما في النزاعات غير الفردية امر القرآن الكريم وسيرة رسول الله وامير المؤمنين لا ينفعل البينة والايمان بل فقط التحريات الجنائية. شأن عام وخطير كهجوم عدو الى الديار. في آية النبأ موردها مورد قضائي كما اعترفها الاصوليون.
اذا فشهد شاهد ارشاد. كذلك سورة يوسف بحث الرؤى هي بالتالي باب الارشاد لا هي حجة ولا هي غير حجة تماما بل امر بين الامرين. انما تنظر لمرشد اليه. اذا كان في المرشد اليه حجية من الكتاب والسنة والعقل فهو حجة. الارشاد مثابته مثابة التصور. بالتالي يوصلك الى ادراك شيء آخر. الرؤى كحجية ليست بحجة لكن لا يمكن ان يبطل بتمامه. سورة بأكمله في القرآن حول الرؤى والنبي من الأنبياء معجزته في الرؤى. ما نريد ان نبالغ في الرؤى. هي شيء وسطي بين الحجية وغير الحجية. لا افراط ولا تفريط.
الحجية التصديقية للكتاب والسنة والعقل لكن التصور شيء آخر والإرشاد باب التصور. يجب ان ينقح باب الارشاد. الموازين للحجج لكن هذه الموازين لا يريد ان تلغي التصورات. طبعا الافراط في هذه القضايا خطر والتفريط أيضا خطر. الحكمة ان تضع الأشياء في مواضعها. اعدلوا هو اقرب لتقوى الفكر والاستقامة.
مبحث الارشاد مبحث حساس في العلوم الدينية. ورد عندنا ان الله امر نبيه بالمشورة. فشاورهم في الامر. شيخ المفيد ذكر عدة وجوه. كل الائمة كانوا يستشيرون. مع انهم أئمة اكمل الخلق ولا يحتاجون الى احد في العلم. النبي اخذ بمشورة سلمان المحمدي في حفر خندق او اخذ برأي ام سلمة وكان كلامها مفتاح حل الازمة في قضية صلح الحديبية في قضية الشخص الذي أراد تمرد النبي. بين الامام الصادق سلام الله عليه نكتة استرشاد الامام والنكتة ترجع باب الارشاد. قضية الشورى في الائمة ترتبط بالارشاد. نزاع عقائدي بين الامامية وبين المذاهب الأخرى في قضية المشورة.