45/11/19
الموضوع: باب الالفاظ/مبحث النواهي/الفوارق بين الحرمة والوجوب والامر والنهي
مر بنا ما ذكره الاعلام جملة من المحاور ووصلنا الى هذه النقطة ان الفارق الأساسي بين الحرمة والوجوب ليس مجرد استعمال الامر والنهي مادة وصيغة بل الفارق الأساسي هو المفسدة والمصلحة سواء استخدمت مادة الامر وصيغته او مادة النهي وصيغته كما انه ليس الفارق الأساسي هو الترك والفعل في جانب المتعلق عند متأخرى هذا العصر. قد يكون وجوبا ومتعلقه الترك وقد يكون الحرمة ومتعلقه الفعل. فهذان الفارقان ليسا هما الفارقان بين الوجوب والحرمة.
وكذلك مر بنا انه في الصوم عند المشهور وهو الصحيح حكمان، حكم وجوب الصوم متعلق بالترك بالمصلحة في الترك وهناك حرمة متعلقة بالفعل لمفسدة فيه. فحكمان في باب صوم شهر رمضان خاصة.
اما في تروك الاحرام فالصحيح عند المشهور ان في فعل التروك مفسدة والبعض بنى على ان التروك فيها المصلحة لان الاحرام في الحج كالاعتكاف والصوم ومفاد صيغة الاحرام التي ينشأ بها الاحرام هو ان الاحرام شبيه الاعتكاف والصوم والمصلحة في الترك لا المفسدة في الفعل. على أي حال يمكن الجمع بين الجهتين ان الترك فيه المصلحة والفعل فيه المفسدة لانه ورد في لسان الأدلة «من ارتكب كذا فهو خدش في حجه» يعني الملاك هو الخدش والنقص فلا يبعد أيضا ان يكون كلا الجانبين في تروك الاحرام. فعلى أي تقدير ليست تروك الاحرام مأخوذة شرطا في الحج وان كانت مؤثرة في ملاك الحج حتى المقاربة والجماع قبل العرفة. لكن المتأخري الاعصار لعلهم يبنون على ان الحج فاسد وباطل ولكن الصحيح وفاقا لجماعة أخرى من الاعلام ان الحج ليس باطلا بل نقص من ملاكه الى حد لم يفسد حجه. فالحج الثاني قضاء حج عقوبة وكفارة فالحجة الإسلام هي الأولى والثاني هي العقوبة.
كذلك العمرة المفردة او عمرة التمتع اذا جامع قبل السعي او قبل الطواف ورد انه فسدت عمرته فمتاخري الاعصار بنوا على ان العمرة كالعدم غاية الامر يجب عليه العمرة من شهر قابل عقوبة ولكن الصحيح وفاقا لجملة من المتقدمين ليس الفساد بمعنى البطلان بل بمعنى النقص الشديد فعليه ان يتم عمرته ويعتمر من قابل عقوبة.
المقصود ان هذا هو المائز بين الوجوب و الحرمة وهو الملاك وليست الصيغة والمادة او المتعلق.
هذه التوسعة في بحث النواهي ببركة تدقيقات الميرزا النائيني والمرحوم الاصفهاني ونعمت التوسعة في يوميات الاستنباط.
المطلب الاخر في هذا المبحث ان المعروف قديما حتى عند علماء البلاغة والمعاني ان هناك فارقا بين النهي والامر يعني بين الحرمة والوجوب غير هذه الثلاثة التي مرت. هذا الفارق هو ان مقتضى النهي عن الطبيعة شمول وعدم كل الافراد شبيه النفي. يستوعب ويستغرق كافة الافراد طولية او عرضية. بخلاف الامر أنه يكتفى فيه بصرف الوجود والاطلاق والتعميم هو صرف الوجود. فاذا هذا فارق عند علماء المعاني. من ثم النهي او النفي عن الطبيعة يعتبر من الفاظ العموم ولا نحتاج الى اجراء مقدمات الحكمة. بل هما كلفظ الكل او الجميع فيقدم على الاطلاق عند التعارض. فلو تعارض دليل النهي مع دليل الامر في منطقة فيقدم دليل النهي لانه من الفاظ العموم بخلاف الامر انه يحتاج الى مقدمات الحكمة والاطلاق. هذا مقرر عند علماء البلاغة وعند علماء الأصول والفقه اجمالا.
هذا المبحث اشكل عليه المرحوم الاصفهاني وللمرحوم النائيني بلورة فيه. قال ان هذه التفرقة في غير محلها. طبعا هذا المبحث يمهد لتوسعة المرحوم الاصفهاني والنائيني في محاور أخرى ستأتي لانه العمدة في ادلة المركبات في العبادات او المعاملات. فهذه البحوث تثمر هناك. فمن ثم من الأساس استعرض المرحوم الاصفهاني ثم بلوره اكثر المرحوم النائيني.
المرحوم الاصفهاني اعترض على هذه المقولة المشهورة ان مقتضى النهي كالنفي يقتضي الاستيعاب بخلاف الامر. هو يقول ان الامر والنهي سيان في ذلك. يقول: ان متعلق الحكم في الوجوب او الحرمة مادام هو الفعل بل حتى لو بني على ان متعلق الحرمة هو الترك فالمتعلق أيا ما كان تركا كان او فعلا ان لوحظ في المتعلق فصرف الوجود في الاثنين. ان لوحظ الاستغراق ففي الاثنين وان لوحظ المجموع فالعموم المجموعي في الاثنين. طبعا هذه التتميمات للميرزا النائيني وان لوحظ العنوان البسيط المسبب من العموم المجموعي فحكمه حكم العموم المجموعي. فاربع صور وهذه الرابعة من الميرزا النائيني. فانت لابد ان تلاحظ ان المتعلق ما هو.
مثلا اذا نهى المولى عن السياح في المكان لانه نائم فأول سياح مزعج يوقظه من النوم واذا استيقظ من النوم لايعود اليه النوم فهنا المفسدة في صرف الوجود. مثلا اذا نهى عن تنجيس الماء فالنجاسة الثانية لا فائدة فيها. فبعض النواهي متعلقها صرف الوجود وأول الوجود فيه كل المفسدة شبيه شرائط الامامة الإلهية ان صرف المعصية يوجب «لا ينال عهدي الظالمين» انها يراد بها صرف الوجود فمن يعصي الله أربعين سنة ويشرب الخمر لا يصلح للامامة الإلهية. لان صرف الوجود يخل فكيف باربعين سنة يشرب الخمر او يفعل الفجور او يعبد الوثن. فصرف الوجود في ارتكاب المعصية يوجب عدم الامامة. لا ينال نفي وصرف الوجود في الظلم مخل بالامامة الإلهية لخطورة هذا المقام. باري تعالى حتى لاحظ النسب وبيئة الارحام فكيف بفعله نفسه. هكذا منطق القرآن الوحياني.
فاذا في بعض الموارد في النهي صرف الوجود مثل الوجوب وفي بعض الموارد استغراق مثل انقاذ الغريق من التعميم للافراد بلحاظ موضوع المتعلق او متعلق المتعلق. كذلك الحال في جانب الحرمة غالبا المفسدة فيها الاستغراق. فالاستغراق في كلا الطرفين. وتارة الحرمة والوجوب في المجموع مثل باب الجهاد ان المصلحة في المجموع والحرمة في المجموع مثل مجلس اللهو قائم بالمجموع مثلا. فالمجلس لا اقل ثنائي ولا يتحقق بالفرد. فبعض الحرمات قائم بالطرفين لا الطرف الواحد وطبيعتها مجموعية كما ان بعض الوجوبات طبيعتها مجموعية. القسم الرابع مثل العنوان البسيط المسبب عن المجموع قد يكون في ناحية الوجوب وقد يكون في ناحية الحرمة مثل من يكون متصديا لبعض الأمور والمسؤوليات الدينية حسب مراتبه يجب ان يحافظ على العدالة والمروة وهذه العدالة عنوان مسبب من عدة أمور ليس من شيء واحد. وكذلك رجل الدين يجب ان يحافظ على الوقار. وقد يكون الحرمة بلحاظ العنوان البسيط المسبب الناشئ من جملة من الأمور مثل عنوان التهتك ربما لا يحصل الا من مجموع الأمور كما او كيفا.
حاصل اشكال العلمين ان هذا الفارق بين النهي او الامر غير تام. المدار بتعبير المرحوم الاصفهاني لازم ان تستكشف نمط ونوعية الملاك من الأدلة الخاصة او العامة للحكم فهذه تحدد لك قضية الاستغراقية او صرف الوجود او المجموعية.
تلاميذ العلمين رمموا هذه النظرية في قبال المشهور ويقولون ان الغالب في المفسدة والحرمة والنهي ان تكون استغراقيا فمن ثم النهي يقتضي الاستيعاب. اما كون المفسدة بنحو صرف الوجود او المجموع او العنوان البسيط المتولد من المجموع يحتاج الى قرينة. طبيعة العنوان الذي يقع عليه الحرمة و النهي هي الاستغراق في جانب النهي وفي جانب الوجود غالبا المصلحة والملاك بنحو صرف الوجود. فهذا الذي ذكره المشهور سالم وسليم من جهة غلبة الملاك لا انه بنحو ديمومي ولا بنحو خاصية في خصوص النهي او في خصوص الامر والوجوب. اجمالا هذه البلورة أيضا لا بأس بها. هذا المحور يمهد لمحاور أخرى.
من هنا يبدأ غوص صناعي مهم مخصوصا من الميرزا النائيني بشكل اكثر تركيزا وغورا في بحث الصلاة وفي بحث اللباس المشكوك.
جملة معترضة فائدة صناعية: ما هو الفرق بين مبحث الصلاة الذي قرر اثنان او تلاميذ المرحوم النائيني مباحثه الآملي والشيخ موسى الخوانساري وربما فيه ثالث والشيخ عبد الكريم الحائري عنده كتاب الصلاة بقلمه وليته يطبع بطبعة مرتبة وعنده كتاب بتقرير تلميذه من علماء طهران في ثلاث مجلدات. ما المائز بين صلاة الشيخ عبد الكريم الحائري وصلاة الميرزا النائيني. هذه التنقيحات تنقيحات المرحوم النائيني. ما الفارق بين الصلاتين؟ استاذنا الميرزا هاشم الاملي حاضر بدرس الاعلام الثلاثة الشيخ الحائري والنائيني والعراقي وكان يذكر آراء الثلاثة كثيرا في دورته الفقهية في الصلاة.
كتاب الصلاة للشيخ عبد الكريم الحائري لقوته كان مقررا دراسيا في بحث الخارج في النجف الاشرف. احد تلاميذ الميرزا النائيني الميرزا حسن الآملي الذي توفي دون الستين وكان تلميذ الحائري أيضا وكان كتاب المرحوم الحائري مقررا دراسيا في درسه. طبعا الشيخ عبد الكريم كان خريج النجف والسامرا.
الفارق بين مبحث الصلاة عند الحائري وعند النائيني ان الميرزا النائيني بلورته الصناعية الأصولية قوية جدا اما الشيخ عبد الكريم الحائري البلورة الصناعية الفقهية اقوى بكثير واوسع بكثير. هذا هو المائز بين العلمين في مبحث الصلاة.
طبعا آنذاك في النجف الاشرف الدورة الأولى للسيد الخوئي في الصلاة والطهارة كان يدرس عنده احدى عشر نفرا وكان يدرس على متن مصباح الفقاهة للمحقق الهمداني والدورة الثانية كان على العروة. حسب ما نقل الاعلام من تلاميذه الذين ادركناهم.
فهنا بلورة في باب الصلاة واللباس المشكوك عند المرحوم النائيني ومن هنا تبدأ المحاور. صناعة كتاب الصلاة وباب الحج وصناعة المركبات العبادية اخذت اوجا مهما عند الاعلام.
المحور الاخر الذي ذكره النائيني ان هذه الأوامر والنواهي التكليفية ليست فقط في باب التكليف الفرق بين الامر والنهي. بل هذا الكلام برمته يجيء في الاحكام الوضعية لا سيما المركبات ومن جانب آخر سواء كان في الجانب الوضعي استقلاليا او ضمنيا. اذا هذه البحوث ليس فقط في تنقيح الحكم التكليفي بل تجري في التكليف المستقل والتكليف الضمني وتجري أيضا في الوضعي المستقل والضمني. هذه انتباهة مهمة.
هنا تبدأ قصة المركبات العبادية والمركبات العبادية كيف صيغة النهي فيها وكيف صيغة الامر فيها.
المرحوم النائيني في قضية مجيء الأوامر والنواهي في المستقلات والضمنيات وضعا او تكليفا في المركبات او غير المركبات هل وزان البحث وضوابطه هي هي. هنا بيت القصيد وابتداء ملحمة علمية في الأوامر والنواهي الوضعية لاسيما الضمنية. التشقيق موجود.
في الأوامر والنواهي الوضعية الضمنية ذهب الميرزا القمي الى انها أوامر تكليفية. اركعوا مع الراكعين واسجدوا تكليفية ضمنية. في قبال نظرية أخرى تذهب الى ان هذه الأوامر الضمنية وضعية وليست تكليفية.
ما هو الفرق؟ الميرزا النائيني يتبنى كلا النظريتين ولها تأثيرات في بحث مركبات الصلاة ومركب الحج ومركبات أخرى. هذا مثال استذكرته ان مشهور القدماء عندهم صلاة الطواف وجوبها ليس جزءا مركبا مع العمرة او مع الحج وانما وجوب صلاة الطواف شيء مسبب براني عن الطواف ولا صلة له وضعية بالطواف. يعني ان الامر الذي تعلق بصلاة الطواف ليس ضمنيا بل استقلالي تكليفي براني عن الطواف والعمرة برمتها والحج برمته. القضية ليست سهلة كما هو الصحيح ما ذهب اليه المشهور.
كما ان المشهور استظهر ان طواف النساء ليس جزءا لا من العمرة ولا من الحج. واجب مستقل تكليفي وليس وضعيا بلحاظ مركب الحج او مركب العمرة. يترتب عليه أمور كثيرة. كثير من الحجيج يجيء بعشرة عمرات ويطوف بطواف واحدة عنها. هذه العمرات ليست باطلة. يقولون ليس ادخال نسك في نسك لان طواف النساء شيء براني فعمراته صحيحة غاية الامر يجب عليه ان يأتي بطواف النساء بعد ذلك ولا يخل ذلك بصحة العمرة ولا بصحة الحج.
هذه هي النكتة قضية الاستقلالي والضمني والوضعي والتكليفي قضية مهمة في الأبواب وهذه التدقيقات من متاخري الاعصار من النائيني والاصفهاني مهمة في التصوير الصناعي في المركبات.
مثلا من اخل عمدا بصلاة الطواف لا يخل بطوافه ولا يخل بحجه مع انه فورية لكنه فورية استقلالية. بينما الاعلام المعاصرين لا يرونها هكذا. هذه التقسيمات في النواهي والاوامر.