45/11/18
الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث النواهي/مفاد النهي ونسبته للحكم
كان الكلام في مراحل الدلالة في النواهي ومراحل الحكم فوصلنا الى مبنى السيد الخوئي. طبعا فيه قول قبل ان نستعرض كلام السيد الخوئي وهناك من يذهب الى مادة الامر وصيغته المعنى المستعمل فيه هو الإرادة الانشائية او التشريعية بينما هو في النهي كراهة تشريعية او انشائية فهذا معنى آخر غير قضية الزجر والباعثية وقضية الطلب فهناك من يذهب الى الإرادة في جانب الامر والكراهة في جانب النهي.
ذهب السيد الخوئي الى ان المعنى المستعمل فيه النهي مادة او صيغة والمعنى المستعمل فيه الامر مادة وصيغة هو ماهية الوجوب وماهية الحرمة وتستطيع ان تعبر مبادئ الحرمة او مبادئ الوجوب يعني أنه ليس الإرادة والكراهة والبعث والزجر والطلب. شبيه ما قاله صاحب الكفاية في الأوامر ان هذه العناوين تنطبق على الانشاء بالامر وتصدي المولى بالامر او تصديه بالنهي. لان هذا التصدي طلب وإرادة وكراهة وزجر فيقول ان هذه المعاني في الحقيقة عناوين اعتبارية تصدق على تصدي المولى باستعمال مادة الامر وصيغته او النهي وصيغته.
اعتبارية لانها ليست تصدي تكوينية خارجية بل تصدي بآلية التشريع والتقنين يتصدى المولى بهذه الأمور. فهي عناوين اعتبارية او وجودات اعتبارية تنطبق على استعمال المولى المادة والصيغة في جانب الانشاء. لا ان المعنى المستعمل فيه هو هذه العناوين.
اذا مختار السيد الخوئي ان نفس ماهية الوجوب او الاستحباب هو المعنى المستعمل فيه في مادة الامر وصيغته ونفس ماهية الحرمة او الكراهة هو المعنى المستعمل فيه في مادة النهي او صيغته وماهية الوجوب هو ثبوت الفعل في ذمة المكلف بنحو الضرورة شبيه المعنى الوضعي والدين لكنه تكليفي. كما نقول «لله علي» وجوب تكليفي في النذر. فالوجوب ثبوت الفعل في ذمة المكلف للشارع بنحو الضرورة او بنحو الأولوية في الاستحباب وفي الحرمة حذر الفعل على المكلف في ذمته للشارع والحذر يعني المحرومية او الممنوعية.
طبعا عند السيد الخوئي مبنى ان الانشاء حقيقته ليس الايجاد الاعتباري كما ذهب اليه المشهور شهرة عظيمة في العلوم الدينية او العلوم اللغوية. كلهم ذهبوا الى ان الانشاء حقيقته إيجاد اعتباري وتسبيب اعتباري بينما السيد الخوئي ذهب الى ان الانشاء ليست حقيقته التسبيب والايجاد الاعتباري بل الانشاء كالاخبار كاشف والفرق انه في الانشاء كاشف عن الافتراض في ذهن المتكلم يعني الاعتبار وليس وجودا خارجيا فلا يحكي عن الوجود الخارجي بل يحكي عن الوجود الاعتباري الفرضي في ذهن المتكلم. هذا هو حقيقة الانشاء عند السيد الخوئي ابراز الاعتبار في ذهن المتكلم فكلاهما حكاية. هذا خلاف كل اللغويين والاصوليين. لعل المحقق النهاوندي ذهب الى هذا المبنى أيضا.
فحينئذ المعنى المستعمل في الابراز هو ابراز ماهية الحكم أي حكاية ماهية الحكم. هنا بغض النظر عن تسجيل المؤاخذات على كلام السيد الخوئي مبنى في اصل الانشاء من ان مسلك المشهور التي شرح هذه المراحل للانشاء في مقابل الاخبار صاحب الكفاية بشكل وافي في الكفاية وفي شرحه على الرسائل. يعني من اكثر من فصل من الاعلام هو صاحب الكفاية وهو ان الانشاء في مقابل الاخبار أيضا مراحل يبدأ من التصور والاستعمال ثم التفهيم الى الجد. على كل مراحل الانشاء مقابل الانشاء بحث مهم. ومر بنا ان الانشاء مقابل الاخبار يختلف عن الانشاء في مراحل الحكم الثبوتية مقابل الفعلية. ثلاث مراحل للانشاء في مقابل مرحلتين للفعلية المراد بها الاعتبار الكلي والتقنين الكلي فيسمى الانشاء. فعندنا اصطلاحان في الانشاء. الانشاء في المراحل الثبوتية والانشاء في مراحل الدلالة.
هذا مبنى السيد الخوئي فيه نقاش واختلاف مبنائي. دعنا عن الاختلاف هذا لكن كمقارنة بين مبنى السيد الخوئي والمباني الأخرى ان السيد الخوئي اخذ المعنى الجدي معنى استعماليا لمادة وصيغة الامر والنهي والمعنى الجدي النهائي هو ماهية الحكم وجوبا وحرمة. اخذه معنى استعماليا وتفهيميا. بينما على بقية الاقوال اخذوا الإرادة او الكراهة او الزجر في مقابل الباعثية او اخذوا الطلب لان هذه الأمور في الحقيقة معاني استعمالية او تصورية او وضعية او تفهيمية لاجل الوصول الى النهاية وهو ماهية الحكم. فعند الكل عد السيد الخوئي ان المعنى الوضعي او الاستعمالي او التفهيمي لمادة وصيغة الامر والنهي معاني ليست هي ماهية الحكم لا الحكم التكليفي ولا الحكم الوضعي.
طبعا في مثل «ملكت او زوجت او طلقت» هذه المعاني موضوعة لنفس ماهية الحكم الوضعي وكذلك «تنجس الثوت» او «يطهر» في الاحكام الوضعية المعنى التصوري والاستعمالي والتفهيمي والجدي هو نفس ماهية الحكم الوضعي وهذا صحيح اما في الحكم التكليفي فالكل اتفقوا على ان المعنى التصوري او الاستعمالي والتفهيمي يختلف عن الجدي والجدي هو ماهية الحكم اما هذه المعاني مداليل الانشاء في مقابل الاخبار الا السيد الخوئي.
نقطة ثالثة نوع من تسجيل الضابطة على كل الاقوال: تقريب السيد الخوئي شبيه تقريب الاخوند في الكفاية في الأوامر يعني ذكر للامر عدة معان وقال ان هذه المعاني ليست معاني مستعملة فيها صيغة الامر او مادة الامر وانما هي دواعي تنطبق عناوينها على استعمال صيغة الامر. والا اللغويون والنحويون ذكروا لصيغة الامر او الانشاء ثمان او تسع معاني او اكثر. صاحب الكفاية قال ان هذه المعاني ليست معاني تصورية ولا الاستعمالية بل هذه دواعي تنطبق على استعمال صيغة الامر على معنى الامر. اذا معنى الامر نسبة طلبية او نسبة باعثية.
هذه وقفة مهمة بغض النظر عن صحة المباني او صحة مجموعها لكن هذا مبحث مهم سواء في الفقه او الأصول او الكلام والمعارف. فذكر اللغويون او النحويون دواعي الصيغة كالاستفهام او التحكم والايجاب والعتاب او التهديد والتحقير فقالوا ان هذه المعاني معاني استعمالية في صيغة الانشاء. بينما من تأخر عنهم قالوا ان هذه دواعي وهم خلطوا بين الدواعي والمعنى المستعمل فيه.
ماذا معنى الدواعي: قالوا ان الدواعي وجودها تكويني ولو بلحاظ حالات تكوينية لروح او نفس او إرادة المتكلم. كالترجي والدعاء والتمني وقالوا هذه حالات تكوينية وصفات تكوينية وصف لنفس المتكلم. اذا وجود هذه العناوين الانشائية الثمانية على صعيد الداعي حالة تكوينية ليست اعتبارية انشائية. لكن هذه الحالات التكوينية ذات العناوين الثمانية التي تسمى دواعي لها وجود اعتباري وهذا الوجود الاعتباري اما هو المعنى المستعمل فيه صيغة الانشاء وان لم يكن معنى وضعيا او هو المعنى التفهيمي او المعنى الجدي.
قبل قليل مر بنا ان الانشاء في مقابل الاخبار لا يقتصر على المعنى الاستعمالي بل عمدة الاخبار بلحاظ المعنى الجدي والانشاء في مقابل الاخبار بلحاظ المعنى الجدي فاذا الانشاء في مقابل الاخبار لا يقتصر على المعني الاستعمالي ولا التفهيمي بل هو في الأساس بلحاظ المعنى الجدي ولكن ينطبق على التفهيمي أيضا وينطبق على الاستعمالي أيضا. لذلك مشهور علماء اللغة والبلاغة وجملة من الأصوليين منهم الاخوند بنوا على ان الانشاء طبيعته مراحل عند المتكلم. الانشاء المقابل للاخبار في الاستعمال والانشاء المقابل للاخبار في التفهيم والانشاء المقابل للاخبار في المعنى الجدي.
فاذا هذه العناوين التي هي كالدواعي تنطبق واذا قيل تنطبق تعني انها لامحالة تفهيمي او جدي لان العناوين الاعتبارية على الاستعمال تنطبق اعتبارا وليس تنطبق تكوينا. الاعتبار نوع من الايجاد وتوجده بالانشاء في مقابل الاخبار. اذا المعنى الانشائي في مقابل الاخبار اما تفهيمي او جدي.
غاية الامر صاحب الكفاية عندما يقول ان هذه المعاني ليست معاني مستعملة يريد ان المعنى التصوري في الوضع اللغوي او المعنى الاستعمالي وحداني وتلك العناوين الترجي والتمني والدعاء والاستفهام والتحكم تنشأ بالانشاء مقابل الاخبار اما الاستعمالي والتصوري هو واحد. هذا محصل كلام صاحب الكفاية في الأوامر.
الدواعي مسببات ومعلولات بوجودها الاعتباري. دائما في البحث الفلسفي ان الداعي بوجودها الذهني علة وبوجودها التكويني او الاعتباري معلول. الذهاب الى زيارة كربلا بوجوده الذهني علة وبوجوده الخارجي معلول. فالداعي سبب ومسبب لكن بنمطين من الوجود. هذا النظام في الدلالة محل الاتفاق تقريبا.
في باب المعاملات البحث قائم على هذا الترتيب في المراحل في الدلالة والايقاعات كذلك وفي الاحكام التكليفية أيضا كذلك. الدواعي في مقابل المعاني المستعمل فيها.
اذا اعترف السيد الخوئي ان الطلب اعتباري او الإرادة الاعتبارية او الزجر الاعتباري تصدق على استعمال كلمة الانشاء في مقابل الاخبار اذًا يعترف ان المعنى التفهيمي ليس ماهية الوجوب والالتزام بالمطلبين كانما تدافع. لان هذا المعنى الاعتباري كيف حصل؟ باي معنى من معاني الحصول. المعنى التفهيمي مراد واما ماهية الحكم فهو اما معنى جدي اول او معنى جدي ثاني ونهائي وليس أولا. هو يقر ان هذه المعاني التي هي الدواعي وجودها الذهني التكويني هي بوجودها الاعتباري تصدق على تصدي المولى باستعمال الامر. تصدق بوجودها وعناوينها الاعتبارية. أصلا المعنى الاعتباري مما خلق وابرز؟ حينئذ يقبل السيد الخوئي الانشاء وله صلة ولو على صعيد المعنى التفهيمي او الجدي الأول. والصحيح من مجموع كلمات الاعلام ان هذه الاقوال صحيحة لكنها بترتيب وتراتب. المعنى التصوري في الامر نسبة باعثة او محرمة كما ذكره الكمباني وفي النواهي نسبة زاجرة و على ضوء المعنى التصوري قد يطابق المعنى الاستعمالي ثم المعنى التفهيمي ثم يأتي دور المعنى الجدي الأول او الجدي النهائي وهو ماهية الحكم. فماهية الحكم معلولة بلانشاء مقابل الاخبار لهذه المعاني. وهذه المعاني لها وجود بنحو الدواعي وهي وجود تكويني ولو نفساني ولها وجود اعتباري انشائي مقابل الاخبار وتتولد من الانشاء. هذا اثير بنفسه وببسط اكثر في الأوامر وسبق علينا.
فهناك فوارق في كيفية الانشاء مقابل الاخبار في الاحكام التكليفية عن الاحكام الوضعية كما مر بنا. أيضا اتضح ان المدار في الحرمة والوجوب ليس الامر والنهي بل المدار هو المصلحة في الوجوب والمفسدة في الحرمة. كما اتضح ان الصحيح انه ليس الفرق بين الوجوب والحرمة لا في صيغة الامر والنهي كذلك ليس المدار في متعلق الوجوب والحرمة. بل الصحيح هو المفسدة في الحرمة والمصلحة في الوجوب سواء كانت المصلحة في الترك او الفعل فهو وجوب وكذلك المفسدة في الترك او الوجود هو الحرمة.
مثلا لا تترك الصلة باهل البيت للمفسدة فهذا حرمة وترك الصلة لاهل البيت حرمة وليس وجوبا. مع انه تقتضي الصلة واذا كان في الصلة مصلحة أيضا كما هو الحال فيها فهناك حكمان. كما بنى عليه السيد الخوئي في كثير من كلماته في كتاب الصوم وفي الأصول. مثال الصوم اصل الصوم واجب وحكمه واجب لان المصلحة في الترك. مع انه تركي وعدمي لكن المصلحة في الترك لكن المشهور شهرة عظيمة ان الصوم في شهر رمضان فقط حكمان فيه. وجوب لمصلحة الترك وهناك حكم آخر هو حرمة تناول المفطرات وان عصى الانسان وجوب الصوم. مثل من لم ينوي الامتثال لوجوب الصوم ولم ينو عمدا فامتثال الوجوب انتفى وعصاه. هناك حكم آخر ان تناول المفطر فيه مفسدة وفيه كفارة. ومن ثم في المقاربة للزوجة لو تكرر تتكرر الكفارة. هذا ليس لاجل فوت الصوم بل لاجل الحرمة والمفسدة. تكرر الكفارة في الجماع دليل على تعدد الحكم. اذا لم ينو الصوم ولم يتناول المفطرات لا كفارة عليه. اذا تناول المفطرات فعليه الكفارة. لكن في الذهن الشريف للسيد الخوئي ان الصوم فقط وجوب لمصلحة في الترك وليس لدينا الحرمة في الفعل. بل في باب الصوم عندنا حرمة في الفعل والوجوب في الترك. وموارد عديدة كذلك.
سنتعرض الى مثال آخر وفيه مباحث كثيرة في النهي اثاره الميرزا النائيني والاصفهاني وان قضية تروك الاحرام من أي قبيل ان شاء الله.