45/11/17
الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث النواهي/مراحل الدلالة ومراحل الحكم وتداعياتهما
كان الكلام في الاقوال عند الاعلام حول دلالة النهي ومر بنا ان هناك تقسيمات ثلاثية للحكم مبادئ الحكم ومراحل دلالة الحكم ومراحل متن الحكم. مراحل الحكم التي تمر علينا بالتكرار هي قسم مراحل متن الحكم. مر بنا ان الانشاء اللفظي في مقابل الاخبار لا يراد به عين الاصطلاح الذي يقال عن المراحل الانشائية للحكم. لان المراد من المراحل الانشائية من الحكم في القسم الخاص لمتن الحكم هي المراحل الاعتبارية الكلية بينما هنا المراد من الانشاء هو الانشاء اللغوي المقابل للاخبار. طبعا هذان الاصطلاحان ليسا عديما الصلة بل بينهما صلة وطيدة لكنهما اصطلاحان ومعنيان. فإذا عالم الدلالة عالم وعالم متن الحكم عالم آخر وأيضا اصطلاح الاثبات والثبوت اصطلاح نسبي لكن الثبوت بقول مطلق هو عالم متن الحكم والا الدلالة التصورية بالنسبة الى الدلالة الاستعمالية اثبات والاستعمالية أيضا بالنسبة الى التفهيمية اثبات والتفهيمية ثبوت لها وكذلك التفهيمية بالنسبة الى الجدية. هذا نمط من الاثبات والثبوت لكنه نسبي بخلاف المراحل الثمان التي مرت بنا انها مراحل ثبوتية بقول مطلق.
مثلا عالم القانون والتقنين يراد به تلك المراحل الثمانية. غالبا علم القانون الاكاديمي يركز على مراحل الثبوت وتركيزه على الاثبات امر نسبي وغالبا يكون عندهم تلكأ او توقف او حيرة لان مباحث الدلالة من البلاغة او ما شابه ذلك من الصرف والنحو ليست مقررة بتلك الدرجة في العلوم المقررة الآكاديمية لذلك اذا صار نزاع في الاثبات والدلالة غالبا علماء القانون الاكاديمي عندهم توقف وتلكأ.
طبعا المسير الحوزوي هناك من الاعلام من يركز على جانب القانون وهناك من الاعلام الكثير يركز على عالم الدلالة. سواء في علم الفقه الفروع او علم التفسير او علم الاخلاق او العقائد والكلام كذلك الحال. جنبة الاثبات او الثبوت فهذه مراحل الاثبات والثبوت مراحل حساسة من دون الانحباس في مراحل الدلالة ولابد من الوصول الى مراحل الثبوت. هل هناك نظام للثبوت المطلق سواء في فقه الفروع او العقائد او الاخلاق او الاداب او بقية العلوم الدينية هل هناك نظام معادلات وعلاقات للثبوت بما هو هو؟ نعم. المفروض على العالم ان يكتشفها وهذا النظام غير النظام الموجود في نفسه او العلاقة بين عالم الدلالة والثبوت. هذه جهات وحيثيات كثيرة موجودة ومهمة جدا. لان الاستنتاج غير منحصر بالدلالة.
تعبير ورد عنهم سلام الله عليهم: «حديث تدريه خير من ثلاثة احاديث ترويها» لماذا؟ ثلاثة دلالات. هذه الدلالة عندما تغوص فيها للثبوت يمكن ان تستنتج من المعادلات والمنظومات تزيد على المداليل السطحية لثلاث روايات «حديث تدريه خير من ثلاثة احاديث ترويها» وفي رواية أخرى «حديث تدريه خير من عشرة احاديث ترويها» وفي رواية أخرى حديث تدريه خير من الف حديث ترويه» بحسب قوة وقدرة الفقيه في اكتشاف المنظومة.
كلام اميرالمؤمنين سلام الله عليه: «حياة العلم بالدرايات لا بالروايات» طبعا بالدرايات للوحي. «رواة العلم كثيرون ورعاته قليلون» سواء رعاته على صعيد الدراية او رعاته على صعيد اقامته في المجتمع. فالمقصود يجب ان ندقق في هذه الأقسام الثلاثة ليس فقط في مبحث الأوامر والنواهي بل هذه في الحقيقة بوابة لكل عالم الدلالة والظهور والثبوت ومر بنا مرارا ان علم أصول القانون هو علم الثبوت بقول مطلق وهذا موجود في علم الأصول موازيا لعالم الدلالة من بدايته الى نهايته. بالتالي الدلالة أيضا فيها مراتب وفيها من يجمد على الدلالة الأولية وليس له حالة التحليل لذلك هناك فتوى للفقيه بما هو راوي وفتوى للفقيه بما هو فقيه. المهم ان يدققوا ويتفقهوا ويغوصوا في الدلالات. «عرف احكامنا ونظر في حرامنا وحلالنا» كما انه في زمن الأئمة علیهمالسلام جملة من الفقهاء فتاواهم فتاوى الرواة. هل هذا مجزئ او غير مجزئ وهل يصح الرجوع الى الفقيه بما هو راوي هذا بحث آخر. لانه في الآية الكريمة تشترط التفهم والتفقه وبدون الفقه والتفقه يصير خللا. المهم ان يعملوا التفقه. في بعض المسائل بسبب او بآخر قد يكون استنباطه بدون التفقه ويكون مثل استنباط الراوي.
نرجع الى خصوصيات النواهي
بين القوسين نكتة لطيفة ذكرها الاعلام وهي انه ليس من الضروري ان يكون النهي هو آلة انشاء الحرمة بل قد تنشأ الحرمة بمادة الامر او صيغة الامر او ليس من الاختصاص ان ينشأ الوجوب بمادة الامر او صيغة الامر بل قد ينشأ الوجوب بمادة النهي او صيغته. اذا ليس المدار في الوجوب والحرمة على مادة الامر والنهي وصيغتهما. نعم الغالب في مادة الامر وصيغة الامر ان ينشأ بهما الوجوب والعكس في النهي أيضا كذلك الغالب فيه ان ينشأ بهما الحرمة لكن قد ينشأ بالنهي الوجوب وبالامر الحرمة.
كما في الوضعي أيضا كذلك. ليس من الضروري ان ينشأ بمادة الامر وصيغة الامر الوجوب التكليفي بل قد ينشأ بهما الوجوب الوضعي وما الفرق بين الوجوب الوضعي والتكليفي؟ في المستحبات واجبات لكن واجبات وضعية. مع انه مستحب لكن المركب المستحب مشتمل على واجبات وضعية. فاذا مادة الامر وصيغة الامر قد ينشأ بهما الوجوب الوضعي وقد ينشأ بهما الوجوب التكليفي. وكذلك في الحرمة الوضعية والتكليفية قد ينشأن من النهي.
فاذا البحث موسع لذلك بعبارة أخرى ان الميرزا النائيني بلور هذه الأبحاث كثيرا في بحث اللباس المشكوك بشكل موسع والمرحوم الاصفهاني له مسامحات. فاذا لابد ان نلتفت اين اللسان الوضعي وأين اللسان التكليفي كما ان «احل» هل حلية تكليفية او حلية وضعية ويمكن ان يكون جامعا بين الحلية التكليفية والوضعية. فاذا حتى في النهي قد يكون نهيا تكليفيا وقد يكون نهيا وضعيا بالجمع بينهما. الحساب مفتوح للشقوق المتعددة. اذا مبحث الأوامر والنواهي ليس المراد به خصوص التكليفي والالزامي بل هو اعم. وهذا غير المباحث الأخرى التي اثارها الاعلام في المقام.
اجمالا نرجع الى التركيز في عالم الدلالة ومتن الحكم. لما يقال متن الحكم هذا بحث ثبوتي للقانون والدلالة انما هي طريق سواء آلية الايجاد او آلية الكشف او بينهما كما يبني على ذلك السيد الخوئي.
مثلا عند القدماء هذا التنقيح ليس كما عند متاخري الاعصار. عند القدماء المدلول الجدي والتفهيمي حكم والحال انها ليست حكما. الحكم بقول مطلق هو متن ا لحكم بما هو هو في عالم الاعتبار والمراحل التي مرارا مرت بنا. فلا نخلط بين هذين الجانبين. وكذلك الحكم الوضعي له مراحل وليس من الضروري ان يكون المراحل الثبوتية للحكم الوضعي على نسق واحد في كل الاحكام الوضعية. مثلا مبحث الحجية حكم وضعي او حكم شرعي على غالب الاقوال ولكن لها خصوصيات خاصة في مراحل الحكم تختلف عن الاحكام الوضعية الأخرى وتختلف عن الاحكام التكليفية الأخرى. اذا هذاا لبحث يقيمه الاصوليون انطلاقا دلاليا اثباتيا لمباحث الحكم باقسامه وانواعه وتداخلاته. هذه كلها يجب ان تأخذ بحسبان. هذا هو الذي اثاره حفيدة الميرزا النائيني وبلوره في باب الصلاة وباب اللباس المشكوك عموما. هذه الحيثيات وهذه التقسيمات يجب الالتفات اليه كثيرا.
نقلنا قول المشهور في الدلالة. قول المشهور في الدلالة ان النهي وصيغته والامر وصيغته يشتركان في اصل المعنى وهو الطلب او النسبة الطلبية. يتذكرون في الكفاية مر بنا الطلب الانشائي والطلب التكويني وهلم جرا. غالبا المعاني الانشائية التسعة او الأكثر اعتبارية ولها وجودات تكوينية بنحو الدواعي.
فقال المشهور ان معنى النهي وصيغته هي الطلب كما هو الحال في الامر. انما يختلف النهي الوضعي او التكليفي الالزامي او الأولوي عن الامر في المتعلق. متعلق الطلب في النهي هو الترك ومتعلق الطلب في الامر هو الوجود.
بالذات المرحوم الاصفهاني هنا عنده روائع ويقول ان هذا التعريف للنهي ليس تعريفا للنهي بل تعريف للوجوب ان الوجوب قد يتعلق بالوجود وقد يتعلق بالترك. مثلا الصوم انه وجوب لكن تعلق بالترك مع الاختلاف في حقيقة الصوم. بالتالي ليس التعريف للحرمة. مادام قولكم في الطلب فهو في الوجوب. سواء يبعث ويحرك نحو الفعل او الترك. اذا تكون فيه الباعثية والمحركية فهو الوجوب وليس حرمة. هذا اشكال المرحوم الاصفهاني وشيئا ما عند النائيني.
انما الحرمة زجر وليس طلبا. زجر عن الفعل والامر طلب للفعل. فكلا المتعلقين قد يكون الفعل وقد يكون الترك. زجر عن الفعل او زجر عن الترك. طبعا هناك زيادات أخرى عند الاعلام انه هل الفارق بين الوجوب والحرمة هو هذه الباعثية والزاجرية؟ أبحاث المتاخرين بين النائيني والاصفهاني والعراقي رأوا ان هناك مائز ادق بين الحرمة والوجوب وهو ان الوجوب ناشئ من المصلحة والفصل الماهوي والتكويني للوجوب ان يكون ناشئا من المصلحة. سواء المصلحة في الفعل او المصلحة في الترك سواء انشأ بصيغة الامر او انشأ بصيغة النهي. المهم ان يكون حقيقة المحركية ناشئة م المصلحة. اذا الوجوب ما نشأ من المصلحة سواء في الفعل او الترك. مثل الصوم انه مصلحة في الترك. والحرمة ما نشأ من المفسدة سواء في الترك او الفعل. اذا نشأ الحكم والانشاء من المفسدة فذلك هو الحرمة. انشأ بصيغة النهي ومادته او انشأ بصيغة الامر ومادته. فانطلاقه الأساسية في الوجوب والحرمة غالبا صحيح ان طبيعة الحرمة زاجرية لكن الفصل الأهم قضية الملاك.
يعني بعبارة أخرى قد ينشأ الوجوب بصيغة النهي سواء بالاستعمال المجازي او الحقيقي. تستعمل صيغة النهي مجازا وتستخدم في التحريك وليس في الزجر. وقد يستخدم الامر في الزجر وليس في التحريك ويحركك نحو الترك وليس هو المراد الأصلي بل المراد هو الانزجار عن الفعل. اذا المائز الثبوتي هو نشوء الحكم في الحرمة عن المفسدة ونشوء الوجوب عن المصلحة في الفعل او الترك.
هذا اجمال اقوال المتاخري الاعصار وشيء مرتب الى حد ما.
يبقى الان كلام السيد الخوئي رحمة الله عليه وحاول ان لا يعترف بهذه الضابطات باعتبار ان عنده مسلكا خاصا في الانشاء. ومن افضل من توسع الان في مبحث الانشاء في مقاب الاخبار المرحوم صاحب الكفاية سواء في الكفاية او تعليقه على الرسائل في تعليقاته على الكفاية.