الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/11/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث النواهي/الحكم الشرعي ومراحله بين الدلالة والثبوت

 

كان الكلام في ان انشاء الحكم بالمادة وصيغة الأوامر او النواهي او إيجاد الحكم في أي مرحلة يتحقق؟ او قل ما هو المعنى المستعمل فيه في مادة النهي او صيغته؟ بالدقة الاعلام يبحثون انه ما هي العلاقة بين مراحل الدلالة في الإنشاء والمتن الواقعي للحكم؟ فهل يا ترى من الأسباب الايجادية للمتن الواقعي للحكم هي آليات الانشاء؟ وكيف تتم هذه المراحل؟ وهل ان المتن الواقعي للحكم متأخر عن مراحل الانشاء او انه ما قبل مراحل الانشاء وانها صورة انشاء لكن حقيقتها اخبار؟ كل هذه البحوث مؤثرة في الوصول الى حقيقة متن الحكم سواء التكليفي او الوضعي؟

مثلا في الاحكام الوضعية أيضا اختلاف في انظار العلماء ان الحكم الوضعي هل هو امر تكويني كشف عنه الشارع كشفا مولويا في حقيقة الارشاد او ان الاحكام الوضعية حكم اعتباري او لا هذا ولا ذاك ينتزعه العقل من استعمال الانشاء للشارع؟ اقوال وآراء في الحكم الوضعي وبالتالي هناك ارتباط واشتباك بين واقع الحكم سواء التكليفي او الوضعي وبين مراحل الدلالة فتنقيح مراحل الدلالة لا تخلو من الأهمية والضرورة.

فحيث اتضحت الاقوال المختلفة في الانشاء التي مرت بنا امس فمراحل الدلالة لها دور وتأثير والان كلامنا في المعنى التصوري ثم الاستعمالي ثم التفهيمي ثم الجدي وامس مر بنا ان الجدي بوصف انه مدلول من شئون عالم الدلالة أما اذا بحثنا عن الجدي بما هو هو فيكون تقريرا الى واقعية الحكم ولا يخفى ان الجدي ليس بالضرورة ان يكون مرتبة واحدة بل في موارد عديدة ان المعنى الجدي قد يترامى وهذه نكتة مهمة في باب الظهور. ففيه جدي ابتدائي وفيه طبقات متوسطة وفيه جدي نهائي وكل منها يمكن ان يفرض متعددة عرضيا. بل حتى التفهيمي يمكن ان يكون متعددا عرضيا عند من يرى صحة استعمال اللفظ في اكثر من معنى وكذلك في المعنى الاستعمالي قد يكون متعددا عرضيا.

انما الكلام الان في ان المستعمل فيه مادة الامر وصيغته او مادة النهي وصيغته ما هو؟ طبعا هناك شيء آخر وهو ان مادة الامر لها خصوصيات تمتاز بها عن صيغة الامر واذا استعملت صيغة الامر في شئون مادة الامر فحينئذ تدل على الوجوب وسبق ان مرت هذه البحوث في باب الأوامر. مثلا مادة الامر انما يستعملها العالي للداني فغير ذلك مجاز وهو منطلق الوجوب واللزوم لا الندب. مثلا قالوا «اتأمرنا يا رسول الله» قال «لا انما انا شافع» فمادة الامر تدل على اللزوم. «لولا ان اشق على امتي لأمرتهم بالسواك» الامر هنا للزوم والا طلب الراجح موجود منه فاذا مادة الامر تمتاز بجملة من الفوارق عن صيغة الامر.

كذلك قال المشهور في مادة النهي وصيغته ان هناك امتيازات. فهنا يقرر البحث انه ما هو المعنى التصوري في مادة النهي وصيغته وما هو المعنى التفهيمي والاستعمالي والجدي؟

طبعا في بعض الاقوال انصافا هناك خلط بين المعنى الجدي والمعنى الاستعمالي والتفهيمي والمفروض ان لا يصير الخلط.

كما انه يقع الكلام في وحدة المعنى الماهوي «في بعد الماهية لا الوجود» في الاستعمالي والتفهيمي والجدي الأول او الثاني او النهائي هل الماهية واحدة او ليس ضروريا ان يكون الماهية واحدة؟ مثلا طباطبايي يقول لا ان الجدي يكون شيئا آخر. المعنى التصوري والاستعمالي والتفهيمي شيء والمعنى الجدي والضرورة في الوجود والامتناع شيء آخر. فاذا المعنى الماهوي مختلف عند بعض الاقوال.

مثلا السيد الخوئي يريد ان يوحد بين هذه المراحل في بعد الماهية فيقول في هذا البعد معنى وحداني وسنذكره ان شاء الله لكن هذا الذي يتبنى به السيد الخوئي لا يناسب المعنى التصوري ولا الاستعمالي لكن هو اصر على ان هذا هو المعنى.

المرحوم النائيني والاصفهاني غايروا بين المعنى الجدي النهائي للحكم والمعاني الاستعمالي الماهوية فهذه البحوث يجب التركيز عليها والالتفات اليها.

اصل هذا البحث كما مر بنا نهاية البحث امس أهميته هو الالتفات الى الخط الفاصل بين مراحل الدلالة ومراحل الثبوت للحكم وان كان هذا الثبوت للحكم معلولا لعالم الدلالة او الانشاء الدلالي.

اذا في الحقيقة هناك واقع ثبوتي سواء أ يوجد بالانشاء او يكشف عنه الانشاء. فواقع ثبوتي للحكم في عالم الاعتبار اوهناك تواجد اثباتي دلالي للحكم في مراحل الدلالة والانشاء فوجوده في عالم الدلالة والانشاء مراحل اثباتية او أسباب الثبوت حسب الاقوال لكنها ليست المتن الواقعي للحكم وان كان هذا المتن الواقعي للحكم معلولا للانشاء. يجب ان لا نخلط بين المقامين.

كما انه نقطة أخرى أيضا مهمة وحساسة ما مر بنا مرارا من مراحل الحكم الانشاءية والفعلية والفاعلية وهلم جرا ثمان مراحل. المراحل الانشاءية لا صلة لها بالدلالة الانشائية يعني ليست هي الانشاء في الدلالات. نعم الانشاء في الدلالات يوجدها او كاشف عنها حسب الاقوال التي مرت بنا لكن المراد من المراحل الانشائية الثلاث ليس المقصود من ذلك الانشاء في الدلالة و ان كان له ارتباط سبب ومسبب او الكاشف والمكشوف. فتلك المراحل مراحل ثبوتية في عالم الاعتبار والتقنين وليست عالم الدلالة. مع ان المراحل الانشائية الثبوتية ثلاثيتها يحتاج الى الدقة لكن هذه الثلاثية ثبوتية لا صلة بالانشاء مقابل الاخبار في عالم الاعتبار يعني ليست هي عينها.

المراد من تلك المراحل الانشائية الثلاث بحوث ثبوتية للحكم والوجود التنظيري والاعتباري التقنيني الكلي فيسمى الانشاء. مثل «انشأ الخلق ثم صور ثم قدر» فالانشاء بمعنى الايجاد في مقابل الفعلية التي هي جزئية. وليس هو الانشاء في قبال الإخبار.

اذا خارطة البحث عند الاعلام هذه اجمالا.

الان نستعرض الاقوال

المعروف عند المشهور ما عدا متاخرى هذا العصر في القرنين الاخيرين انه لا فرق في مادة النهي او صيغته ومادة الامر وصيغته في اصل المعنى وانما الفرق في المتعلق. ما هو اصل المعنى وما هو المتعلق؟

اصل المعنى يعني الطلب والنهي بقسميه والامر بقسميه فيهما طلب ويسمى النسبة الطلبية. الاختلاف في متعلق الطلب في جانب الامر طلب الوجود وفي جانب النهي طلب الترك.

بين القوسين يجب ان نلتفت لان هذه الأبحاث مثل معادلات تترامى. ان المتعلق في عالم الدلالة تقريبا هو المتعلق في عالم الحكم ثبوتا. مثل «صل» هيئته هي الامر لكن المادة هي الصلاة وهي المتعلق او «أوصاني بالصلاة ...» فالصلاة متعلق سواء أ قال اوصاني او امرني او قال «صل». فصيغة الامر تتعلق بالمادة وهي الصلاة والمتعلق. والمتعلق هو احد اضلاع القضية القانونية. «اقم الصلاة لدلوك الشمس» الدلوك قيد للهيئة وليس قيدا للصلاة ابتداء. الكلام يرتكز في الوجوب او الحكم الذي يأتي من الهيئة. فلابد ان نفرز بين المتعلق وقيود الامر والهيئة وهي الموضوع الاصولي وبين نفس الحكم والكلام يتركز على نفس الحكم.

كما ان الحال في الحكم الوضعي كذلك «احل الله البيع» البيع متعلق بلحاظ الحلية وان كان موضوعا اصوليا. طبعا في الحكم الوضعي الأمور بين عالم الدلالة وعالم الثبوت يجب التدقيق فيها. لانه كما مر مرارا في السنين السابقة من اهم الأمور في الاستنباط في الحكم التكليفي او الوضعي استكشاف الاضلاع الثلاثة يعني الحكم وقيود الحكم ومتعلق الحكم سواء في الحكم التكليفي او الحكم الوضعي.

فاذا نسب الى المشهور ان الهيئة والمادة في الامر والنهي معنى واحد وهو الطلب. طبعا فيه فرق بين مادة الامر وهيئة الامر انه في مادة الامر طلب اسمي وفي الهيئة نسبة طلبية ومعنى حرفي. هذا بحث آخر التمييز بين هيئة الامر ومادة الامر. امتيازات عديدة ومنها هذا الذي قلنا. لكن ليس الكلام فيه بل الكلام في اصل معنى النهي مادة وهيئة.

المرحوم الاصفهاني اصر وصحيح كلامه على ان مادة النهي وهيئة النهي معنى يختلف عن الامر. الامر طلب اما النهي زجر ومنع. فاصل المعنى في النهي وفي الامر مختلف. وعلى عكس المشهور يذهب المرحوم الاصفهاني يذهب الى ان المتعلق واحد «صل» و« لا تصل» بالنسبة الى المرأة الحائض. فالمتعلق في باب الأوامر والنواهي واحد وهو الفعل لكن في جانب الامر يأمر بوجوده وفي جانب النهي يزجر عنه ويمنع عنه.

طبعا الطباطبايي تلميذ المرحوم الاصفهاني والنائيني يتبنى هذا الرأي لكن يضيف عليه ويبلور اكثر ان المعنى التصوري والاستعمالي والتفهيمي للنواهي هو الزجر والمنع اما المعنى الجدي ضرورة الامتناع او الامتناع بنحو الضرورة وهذا هو معنى الحرمة والحرمان. فعلى مسلك الطباطبايي المعنى الاستعمالي والتفهيمي متناسب مع الحرمة وليس ماهية الحرمة بعينها والا المعنى الجدي وهو الحكم عند الطباطبائي يكون الامتناع بنحو الضرورة. لكن المولى يتوصل الى ذلك عبر المعنى الاستعمالي والتصوري والتفهيمي لمادة وصيغة النهي وهي الزجر او المعنى الانشائي.

القول الثالث الذي يتبناه السيد الخوئي ويطابق ما ذهب اليه السيد الخوئي في مبحث الانشاء والإخبار. لان حقيقة الانشاء عنده تختلف عن المشهور. عنده كاشف ومنكشف ومبرز وإبراز. يعني حقيقة الانشاء عند السيد الخوئي تقريبا تكون الإخبار والفرق انه في الإخبار عن وجود خارجي او تكويني ولكن في الانشاء ابراز او كاشف عن وجود اعتباري في افق المتكلم. حقيقة الانشاء اذا عند السيد الخوئي تختلف عن حقيقة الانشاء عند المشهور فالسيد الخوئي يقرر المعنى التصوري والاستعمالي والتفهيمي والجدي في عالم الدلالة وعالم الثبوت ان المعنى موحد وهو اعتبار الفعل في ذمة المكلف في الامر ومنع الفعل عن المكلف والحرمان او الحذر في النهي وهذا المعنى اعتباره هي الحرمة والمعنى التصوري والاستعمالي والتفهيمي ابراز او كشف عنها. اذا الاخبار والانشاء كلاهما عنده كشف والفرق انه في باب الاخبار كشف عن الوجود الخارجي او ما يناسبه وفي الانشاء كشف عن الوجود الاعتباري.

الانشاء الذي يستعمل ثلاث مراحل في المراحل الثمانية للحكم المراد به يعني الوجود الاعتباري الكلي. احد المعاني للانشاء يعني الوجود الاعتباري الكلي وهذا المعنى لا صلة له بآلية الاستعمال الانشائي في مقابل الاخبار. فالمراد من المراحل الثلاثة الثبوتية يعني الوجود الاعتباري الكلي في مقابل الوجود الجزئي الفعلي. فذاك انشاء وهذا المعنى للانشاء يحمله السيد الخوئي لنفس آلية الانشاء ويخالف المشهور. لكن يضيف عليه ان آلية الانشاء فيها الابراز. اللفظ الانشائي في «صل» هي حكاية هذا الوجود الاعتباري. والاخبار حكاية الوجود الخارجي.

هذه الاقوال مع التفاصيل تكون اكثر لكن هذه ثلاث اقوال رئيسية. مر بنا انه فيه القول ان الحكم هو الإرادة التشريعية. الان ما هو الفوارق والثمرات في مقام الاستعمال والتفهيم والجدي بين هذه الاقوال.

ان شاء الله في الجلسة اللاحقة نخوض فيه.