45/11/13
الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث النواهي/حقائق الحكم الشرعي في عالم الدلالة والاعتبار
كان الكلام في مادة النهي في قبال مادة الامر وهي في كلا القسمين من الأوامر والنواهي في الحقيقة آليات لإنشاء الحكم الشرعي او ما قد يسمى بالدلالة وقد يسمى بالخطاب الشرعي، يعني بعض اقسام الدلالة مرتبط بالخطاب الشرعي وهو كل اقسامه بالدلالة او بعضه مرتبط بمرحلة الفاعلية للحكم وهي قسم من المراحل الثبوتية للحكم الشرعي وهذا غير مراحل مبادئ الحكم. فثلاثة اقسام لكل قسم مراحل.
وهل الحكم الشرعي وواقعه ومتنه متأخر عن الإنشاء او متقدم عليه، مختلف فيه بين الاعلام كما مر بنا، لأنه هناك من يذهب الى ان الحكم الشرعي هو إرادة تشريعية من الله تعالى متجلية في إرادة اولياءه وانبياءه واوصياءهم.
فمن يذهب الى ان واقع الحكم الشرعي هو الإرادة فيقول انها الإرادة التي قد يكون في طريقها الإبراز وليس صدق الحكم الشرعي على الإرادة مشروطا بأن تكون الإرادة مبرزة او منشأة بل هي نفس الإرادة مثل ما ذهب اليه جماعة من الاعلام.
فعلى هذا القول فيكون الانشاء آلية اثبات وليس آلية إيجاد للحكم الشرعي حتى لو قيل انه آلية إيجاد فانه آلية إيجاد مراحل أخرى من الحكم كالوجود الاعتباري والا فنفس الحكم هو الإرادة. يعني قبل ان يبعث الله عزوجل سيد الأنبياء رسولا في سن الأربعين برسالة عامة فالارادات التشريعية عند الله عزوجل وعند الملائكة او أرواح الأنبياء او سيد الأنبياء واوصياءه موجودة كحرمة الخمر وحرمة الفجور وبالنسبة الى العقائد الكلام الكلام. «اول ما خلق الله عزوجل قبل العرش ولايته وولاية رسوله وولاية علي صلى الله عليهما وآلهما» اذا اصل أصول الدين مقرر في عالم الذر وعالم الميثاق.
اذا ما جرى في عالم الدنيا او ما شابه ذلك من يوم الغدير او يوم الدار ليس الا الابراز لمراحل أخرى يعني التدريجية في البيان وليس تدريجية في الثبوت وكم يحصل الخلط بين التدريجية في الثبوت والتدريجية في البيان وفرق بين تدريجية البيان والكاشف والدليل وبين تدريجية الحكم في اللوح المحفوظ. على هذا القول ليس تدريجا في اللوح المحفوظ وانما التدريجية والمراحل في البيان والابراز وهو ليس دخيلا في اصل الحكم وواقعية الحكم وانما هو ان قيل فدخيل في بعض مراحل الحكم من الاعتبار ولكن ليس كل قوام الحكم في الأصول والفروع او العلوم الأخرى الدينية هو الانشاء والابراز.
هذا المبنى قويم بالجمع بين عدة شواهد وادلة.
شبيه ما يقال ان تبليغ الرسول لوحي الله أن اصل الوحي من الله ينزله عليه وهو مبلغ. طبعا ليس مبلغا كالراوي وهذا خطأ باطل. يعني ان التبليغ من النبي نفسه له موضوعية وهو سنخ من أنواع التقنين مثل الناطق الرسمي باسم البرلمان او باسم المحكمة الدستورية ان النشر الرسمي والابلاغ الرسمي دخيل في التقنين ولو لبعض مراحل التقنين لا انه طريق محض. هذا التبليغ هو نوع من التقنين والتفصيل واحد معاني ولاية تشريعية للنبي وبعده لاوصياءه صلوات الله عليه وعلى آله الطاهرين ان هذا التفسير الترجماني للوحي هو نوع من الوحي وهو نوع من التقنين وليس كالراوي او البريد العياذ بالله.
مثل دور البرلمان انه سلطة تشريعية لكنه بالدقة يبلغ بنود الدستور القانونية المجملة ويفصله لكن ليس كتفسير الفقهاء الذين يفسرون. حتى تفسير الفقهاء ليس كالرواة ان تفسير الفقهاء تقنين ويقال افتى وحكم لكن صلاحيتهم لا تقاس بصلاحية الأئمة لكن لهم نوع من صلاحية التقنين ويقال حكم وافتى وحرم واحل بهذا المعنى. وليس احل من نفسه بل احل يعني مفسرا بحلال الله وحرم يعني مفسرا بحرام الله. بلا قياس كما ورد في زيارة امير المؤمنين« اشهد انك احلت حلال الله وحرمت حرام الله» ليس تكرارا بل قضية ترجمان وحياني وتفسير تفصيلي وهذا التفسير والترجمان الوحياني تقنين مفصل وهذا احد المعاني الكبيرة لمعنى ولاية النبي في التشريع لانه لابد من مفسر تقنيني وليس كمفسر لغوي. شبيه ان السلطة التشريعية البرلماني تفسر الدستور او ان الوزارات تفسر وتفصل القوانين البرلمانية وكما ان البلديات والمحافظات تفسر وتفصل القوانين الوزارية. هذا التفسير والتفصيل نوع من التقنين. اجمالا هذا البحث من بحوث أصول القانون ومنظومته.
على ضوء هذا المطلب اذا مادة الامر او مادة النهي وصيغتهما اين تحتل مكانه في التقنين؟ وفي الدخالة في متن الحكم الشرعي سواء الحكم الشرعي في العقائد او الاخلاق او الاداب او الفروع او في أي علم من العلوم الدينية؟ اذا هذا القسم من الدلالة بين ان يكون طريقا وبين ان يكون تقنينا وبينا بين وكلا الخاصيتين فيه. بين ان يكون ابرازا وبين ان يكون انشاء وفي الحقيقة مزج بين الامرين.
الانشاء بداعي الاخبار مع ان الانشاء في مقابل الاخبار وفيه اخبار بداعي الانشاء وهذا بغض النظر عما مر بنا في أوائل مبحث الأصول ان كل انشاء ملازم للاخبار وكل اخبار ملازم للانشاء ولاينفك.
فاذا قسم الدلالة والخطاب للحكم الشرعي اين موقعه؟ والقسم الثبوتي اين موقعه؟ ومبادئ الاحكام اين موقعها؟ هذا المبحث كما اثير في مادة الامر وصيغة الامر كذلك اثير في مادة النهي وصيغة النهي على السواء. في الحكم التكليفي او الحكم الوضعي. هذا اجمال خارطة البحث.
من ثم يطرح هذا السؤال: ما صلةحقيقة المتن الواقعى للحكم الشرعي بالانشاء؟ على حسب الاقوال تتضح. ما هي صلة المراحل الثبوتية للحكم الشرعي مع مراحل الدلالة؟ تتضح على الاقوال التي مرت اجمالا.
فحينئذ نذكر الاقوال واقصد ان هذه الاقوال عندما ندرسه فعلى ضوء هذه الخارطة الكبيرة وقبل ان نخوض في الاقوال تفصيلا لا بأس ان نركز على نقطة فصلها وفسرها الاعلام في مبحث الأوامر.
مادة الامر او صيغة الامر او مادة النهي او صيغة النهي تكليفية او وضعية لها معنى تصوري ولها معنى استعمالي ولها معنى تفهيمي ولها معنى جدي. الانشاء اسم للاستعمال او للتفهيم او للجدي او للمجموع؟ كما ان الإخبار اسم للمعنى الاستعمالي او المعنى التفهيمي او المعنى الجدي؟ هذا مبحث وبالتالي المنشأ والمعنى الذي يلاحظ في مرحلة التصور او في مرحلة الاستعمال او التفهيم او حتى مرحلة الجد والمعنى الملحوظ مقام وشأن والمنشأ النهائي في الانشاء على القول بان الحكم واقعه عالم الاعتبار فقط لا صلة لها بالحكم الشرعي ذاتا بل انما مقدمة واعدادا. واقع الحكم الشرعي في نهاية المطاف هو الوجود الاعتباري وهو غير وجود المدلول التفهيمي وغير وجود المدلول الاستعمالي بل حتى غير وجود المدلول الجدي بما هو مدلول يعني بما هو في عالم اللحاظ. نعم ذات الجدي بما هو هو يكون شيئا واقعيا.
هذا البحث يقال للتفكيك بين عالم الدلالة ومراحل عالم الدلالة وبين المتن الثبوتي الواقعي للحكم. فعالم الاعتبار غير عالم مراتب الدلالة. ذاك عالم وهذا عالم. طبعا لا يخفى في الاصطلاح عند البلاغيين واللغويين ان التفهيم نوع من الاعتبار والاستعمال نوع من الاعتبار والوضع نوع من الاعتبار والمعنى التصوري نوع من الاعتبار وهو علقة اعتبارية بين اللفظ والمعنى والمعنى الجدي أيضا نوع من الاعتبار لكن هذه الاعتبارات كلها في علوم اللغة والادب وليس في عالم القانون. اعتبارات في العلوم اللسانية والأدبية اما الاعتبار في علم القانون يختلف عنها. كلامنا في الاعتبار الذي هو في علوم القانون وهو منفك عن عالم الدلالة.
من ثم المعنى التفهيمي او الاستعمالي او التصوري او الجدي بما هو ملون بالدلالة وبما هو موجود في ظرف الدلالة والعالم الذهني يبقى في الدلالة. نعم ما لوحظ بما هو هو مقررا وكائنا في اللوح المحفوظ يكون عالم الاعتبار القانوني والمتن الواقعي ويعبر عنه الاحكام الواقعية والوجود الواقعي للحكم.
اذا لابد ان نفكك حتى على القول الثاني من ان الحكم الشرعي وليد الاعتبار اللغوي لكنه ينفك كواقع اللوح المحفوظ عن مراتب الدلالة ويجب ان نلتفت.
فلماذا يتنازع الاصوليون او اللغويون عن المعنى الاستعمالي لمادة الامر وصيغة الامر هل هو الوجوب او ليس الوجوب؟ نعم المجال للنزاع موجود لكن لا ان المعنى التصوري والاستعمالي او التفهيمي بقيد الوجود التفهيمي او المدلول الجدي بقيده هي واقع الحكم بل هذه إعداد لما هو عالم قانوني شرعي او وضعي بشري. فنزاع الاعلام يسهل الطريق اذا كان نفسه هو الوجوب او الالزام فيسهل البحث في القسم الآخر عالم القانون والاعتبار. هذه المباحث اثارها النائيني والسيد الخوئي والعراقي وغيرهم من الاعلام من ان الحكم أي ماهية له؟ هل الحكم هو الوجوب؟ هل الحكم هو النسبة الطلبية او النسبة الزجرية ماهية وليس مرادهم التصوري او الاستعمالي او التفهيمي او الجدي في عالم الدلالة. هذا ليس حكما بل الماهية التي تتكرر تنوجد بوجود الدلالات ثم تنوجد في عالم الاعتبار الواقعي في اللوح المحفوظ فالكلام في الماهية. على القولين الذين مربنا او على الجمع بين القولين كما اخترناه.
بالتالي يبحث عن حقيقة الحكم وصلته باداة الانشاء مادة الامر والنهي وصيغتهما او جملة خبرية في الانشاء فتارة يقع الكلام عن ماهية الحكم. مثلا العلامة الطباطبايي عنده حاشية على الكفاية قيمة جدا وهو يذهب الى ان الوجوب هو الضرورة لا نفس رأي المتكلمين او الفلاسفة والحرمة ضرورة العدم والاستحباب هو الأولوية والكراهة هي الأولوية في الترك. فماهية الحكم ما هي؟ بغض النظر عن الوجود التصوري والوجود الاستعمالي. هذه الوجودات ليست وجودات واقعية للحكم بل لابد ان نفرق بينهما.
فهناك من يذهب الى ان المعنى والماهية المستعملة في الانشاء لا تطابق ماهية الحكم اذا ماهية الحكم شيء آخر ووجود الحكم في عالم الاعتبار شيء آخر. وجودا وماهية يختلف الحكم عن المعنى المستعمل في الانشاء بل المعنى المستعمل في الانشاء تمهيد وإعداد لايجاد الحكم. اذا لاحظ ان البحث عند الاعلام الان في البعدين بعد ماهية الحكم الانشائي بمراحلها الدلالية وبعد معنى الحكم نسبة طلبية او نسبة زجرية او انها ليست لها صلة بالنسبة الزجرية والطلبية. بعض الاعلام اختار ان معنى وماهية الحكم لا صلة لها بالمعنى والماهية المستعملة في الانشاء وله وجه. وان الحكم الشرعي ادراك عقلي ينتزع من المعنى الانشاءي هناك من يذهب الى هذا. انا في صدد تكرار هذه المباحث وفهرسته والتمييز بين المباحث. فهناك من يذهب الى ان الحكم حد ينتزعه العقل من المعنى الانشائي مثل ان العقل ينتزع من الامر بعنصر ضمن مركب الجزء والجزئية والشرط والشرطية والمانع والمانعية. ليس انتزاعا عقليا مستقلا انما تبعيا لكن هذا هو حقيقة الحكم الشرعي وادراك عقلي لمدرك شرعي. وهناك من يذهب الى ان معنى الحكم هو نفس المعنى الانشائي الماهوي ولكن المعنى الانشائي الماهوي وجوده دلالي في مراتب الدلالة والمعنى الماهوي بوجوده في عالم الاعتبار هو الحكم.
اجمالا هذه الاقوال في بحث الأوامر بعينها تأتي في النواهي بكل زواياها بلا اختلاف.
نعم هناك بحوث مختصة بالنواهي كما ان هناك بحوث مشتركة بين الأوامر والنواهي.
هذا الذي اثرناه الان في الاحكام الشرعية وعالم الدلالة وعالم اللوح المحفوظ بعينه يثار في باب المعاملات والايقاعات والحكم القضائي والحكم السياسي والفتوائي التشريعي من التفكيك بين مراحل الدلالات ومراحل عالم الاعتبار وعالم القانون المحض ويسمى الثبوت وفي علم الأصول يجب ان نميز بينها.
تأتي هذا البحث برمته في المعاملات يعني في التقنين العقلائي ونسبته مع التقنين من المتعاقدين ومن يحدق ويركز تنفتح له عقد وغوامض كثير من بحوث المعاملات والايقاعات وهو التفكيك بين عالم الدلالة وعالم الثبوت والتقنين.