الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/11/12

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث النواهي/النهي مادة وصيغة

 

وصل بنا البحث في النواهي ومادة النهي في مقابل مادة الأمر.

نكتة: البحث في مادة الامر والاوامر التي مرت والان في بحث النواهي لا ينحصر في الامر والنهي التكليفي بل أيضا شامل للأمر والنهي الوضعي وبالتالي شامل للارشادي والمولوي. فالبحث اعم.

كما مر بنا ان الوجوب يشمل جملة من الأقسام حتى الوجوب الوضعي كذلك الحال في النهي فالبحث اذا عام وليس خاصا.

نكتة أخرى: نستذكر نقطة سبقت هذه الأيام ان الحكم الشرعي له ثلاثة تقسيمات بلحاظ مراحله؛ مراحل ثبوتية وهي ربما ثمانية اقسام وله مراحل في الدلالة للحكم وهي أيضا مراحل كالتصوري والاستعمالي والتفهيمي والجدي وللحكم أيضا مراحل بلحاظ المبادئ مثل الملاك وتصور الملاك وشوق المولى والشارع للتشريع وكيفية بدء الانشاء.

فاذا مراحل الحكم متعددة في ثلاثة اقسام ثبوتية واثباتية في الدلالة ومبادئ الحكم ولابد ان نلتفت ان كل قسم فيه عدة مراحل. لا سيما بين مراحل الدلالة للحكم والمراحل الثبوتية خلط كبير. مثلا مادة الامر او صيغة الامر او مادة النهي او صيغة النهي ليست حكما شرعيا ثبوتا بل انما هي آليات لإنشاء الحكم. هذه الالفاظ وعالم الدلالة ذاتا ومتنا ليست هي الحكم بل هي آليات لانشاء الحكم وهذه نكتة مهمة وان كان كثير من الاعلام حديثا وقديما يحصل الخلط عندهم بين آلية الانشاء ونفس الحكم والحال انها تختلف.

اذًا الحكم ثبوتا سواء الاحكام الشرعية في الفقه او الاحكام الشرعية في الكلام او في الاخلاق او الآداب او في علم أصول الفقه لان تشريعات الشارع لا تنحصر في فقه الفروع بل تشمل كل هذه العلوم. فالحكم الشرعي ثبوتا في ماهيته وذاته اقوال ربما قولان رئيسيان في واقع الحكم الشرعي.

قول المتاخري الاعصار ان الحكم ثبوتا هو الاعتبار التقنيني سواء مدونة في اللوح المحفوظ او في عالم الاعتبار الشرعي. لسنا في صدد البحث في ذلك تفصيلا وانما في صدد فهرسة البحث كي لا تتداخل الأبحاث والاقسام والمراحل في كل قسم.

القول الثاني وهو قول قوي ان الحكم هو إرادة المقنن سواء ابرزت لعموم المكلفين او لبعض المكلفين او ابرزت لمن يعنيه الامر وان لم يتم ابرازه لعموم المكلفين. فهي إرادة تكوينية. طبعا البحث طويل والسيد الخوئي يحاول ان يرفضه بينما جملة من القدماء في بعض كلماتهم يتبنونه ومن المتاخرين المحقق النهاوندي يصر على هذا القول وكلا القولين متينان وعندنا ليس بينهما تنافي.

آغا ضياء الدين العراقي في كثير من ابحاثه لانه في الأصول وكثير من الموارد لا يستقر على مسلك واحد يعني انه دائما عنده خيارات بين المسالك وليس مثل النائيني لانه يمشي على مسار واحد. احد المسالك التي يتبناه المرحوم العراقي في حقيقة الحكم انه الإرادة وبعضهم يعبر عنه الإرادة الازلية. (لاحظوا: الإرادة مخلوقة والازلية وصف لماذا؟)

نكتة: طبعا الحكم الشرعي في العقائد يختلف عن الحكم الشرعي في الفروع وهذه نكتة جدا مهمة ويجب ان ندونها في ملف مهجور وهو تقسيمات الحكم الشرعي. المفروض ان هذا البحث برمته يحشر في ملف تقسيمات الحكم الشرعي ان الحكم الشرعي في العقائد والمعارف سيما أصول العقائد وسيما التوحيد يختلف عن الحكم الشرعي في الفروع وعن الحكم الشرعي في الاخلاق والاداب وعن الحكم الشرعي في الأصول. الاصوليون خاضوا خوضا مشكورا في التمييز بين الحكم الشرعي في علم أصول الفقه والحكم الشرعي في فقه الفروع وهذا انجاز مهم لكن أيضا من اللازم إقامة هذا البحث التمييز بين الحكم الشرعي في الفروع والحكم الشرعي في الآداب او الحكم الشرعي في الاخلاق او الحكم الشرعي في العقائد وهذا لم يتم التركيز الكبير عليه.

من باب الفائدة المرتبطة صميميا بهذا البحث: المرحوم الاصفهاني في قاعدة «كلما حكم به العقل حكم به الشرع» يذكر تدقيقات رائعة بغض النظر عن ان نوافقه او لا وتفيد في مباحث أخرى. المظفر في هذا المبحث يقرر كلام استاذه الاصفهاني لا النائيني. فيقول ان المراد من القاعدة ليس انشاء اعتباريا من الشارع على وفق الحكم الشرعي. بل المراد منها يعني ان للشرع إرادة يعاقب ويثيب عليها وحقيقة الحكم هي هذه ان يكون للشارع إرادة يعاقب عليها او يثيب عليها. كلام جيد.

اثير هذا المبحث لان جملة من المتكلمين او من الفقهاء او الأصوليين قالوا ان تصوير الحكم الشرعي في العقائد لا سيما في أصول الدين عموما ولا سيما في التوحيد غير متصور. هذا الكلام ليس صحيحا وعالجناه في كتاب الامامة الإلهية في الجزء الأول في مقدمات المجلد قبل ان ندخل في الفصل الأول. مرتبط بمنظومة من الأبحاث الأصولية. انا فقط في صدد فهرسة الأبحاث. للاخوان ان يتابعوا دورات الأصولية اكثر اكثر.

المرحوم الاصفهاني يقول ان المراد من «كلما حكم به العقل حكم به الشرع» ليس انشاء الحكم الشرعي الاعتباري بل المراد إرادة تكوينية تشريعية. النائيني يصر على وجود الإرادة التشريعية كمبادئ للحكم والاصفهاني يقول هي حكم والعراقي والمحقق النهاوندي يصر عليها. فالحكم الشرعي بهذا المعنى قابل للتصوير في العقائد.

عندنا بيانات متواترة في الدين « اول ما افترض الله على الناس هو التوحيد والايمان» كيف يمكن ان يكون فريضة. هذا بحث آخر. هذه نكتة مهمة.

في احكام الفروع عند القدماء الحكم التكليفي خمسة عشر قسما وهو الصحيح ومن ضمن التقسيمات الشرعية هي هذه وبحسب العلوم الدينية انه سنخا يختلف فيها.

اجمالا نرجع الى النقطة المركزية ان الحكم الشرعي ثبوتا هل هو اعتبار او هو إرادة تكوينية تسمى تشريعية؟ هذا مبحث عند الاعلام في العلوم الدينية كلها.

نقطة يشير الامام الهادي سلام الله عليه اليها في زيارة الغدير وهذه حقيقة مهمة يقول: ان جعل ونصب علي امير المؤمنين خليفة قد تم عند الله وعند رسوله منذ الأوائل وانما يوم الغدير ابراز وإعلان لهذا الجعل لا ان الجعل تم. جدا لطيف طبعا الامام الهادي في هذه الزيارة يعالج تحليل الغدير الوحياني ثلاث مرات او اربع مرات في فقرات متباعدة من زوايا عديدة.

في احد المرات التي يشرح فيها الغدير يقول ليس يوم الغدير يوم نصب علي سلام الله عليه وجعله بل إعلانه لعموم الناس تم في سنة العاشر. في فقرة أخرى يقول الامام سلام الله عليه هذا النصب لامير المؤمنين قد ابرزه الله في حياة مكية ومدنية عديدة لكن ليست بالانفجار في الدلالة كيوم الغدير.

مثلا آية «انما وليكم الله» هي نفس الغدير او قوله تعالى «ومن يرتدد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم .... انما وليكم ... ان حزب الله» يعني حزب امير المؤمنين ويأتي بملاحم قرآنية عديدة نازلة خاصة في امير المؤمنين ويقول كل هذه الايات هي نصب علي من قبل الله اماما. يعني زيارة الغدير من قبل الامام الهادي شرح كلامي عميق للامامة والولاية. فيقول في الغدير اعلن لعموم الناس لا انه اصل النصب والجعل.

في بيانات عديدة لأئمة اهل البيت في ذيل «انذر عشريتك الاقربين» في سورة الشعراء نزلت قبل ان يصدع الرسول باصل الإسلام ودعوة الناس للاسلام في الأيام الأولى في بعثة الرسول وبعد ذلك نزلت «فاصدع بما تأمر» اما الآية الأولى زمانا ورتبة بان ينذر بني هاشم قبل ان يعلن دعوته لعموم الناس. في هذه الحادثة التي سميت بحديث يوم الدار والاحاديث النبوية كل حديث له منزلة حديث المنزلة وحديث الطير وحديث الولاية وحديث الغدير. المرحوم الاميني غض عمره في حديث واحد حديث الغدير في ابعاده المختلفة. صاحب العبقات رحمة الله عليه تكفل البحث في جملة من هذه الاحاديث سندا ومتنا.

فحديث يوم الدار «من منكم يقوم وينصرني وكذا كذا فيكون وصيي وخليفتي ووارثي ومناصب عديدة. في ثلاث مرات لم يقم الا علي بن ابيطالب سلام الله عليه. طبعا في هذا الحديث كان بلحاظ الدائرة الاصطفائية الأولى لكن أيضا فيه عرض لمسؤوليات الدائرة الاصطفائية الثانية وقد قبل بها عموم بني هاشم عدا ابي لهب. بالنسبة الى مسؤوليات حملها رسول الله لبني هاشم كمسؤوليات الدائرة الاصطفائية الثانية كلهم قبلوها كابوطالب والحمزة والعبيدة وغيرهم. المسؤولية الدائرة الاصطفائية الأولى انما تميز بها امير المؤمنين سلام الله عليه.

ذكرت هذا المثال لنستبين ان الجعل الشرعي والحكم الشرعي سواء عقائدي او فقهي قد ينشأه الله بينه وبين خلفائه والمصطفين ثم يبرزه لعموم الناس. شبيه حرمة الخمر يقول جعفر بن محمد الصادق علیه‌السلام ان حرمة الخمر من عناصر الدين كله وكل نبي بعث باصول المحرمات كحرمة الخمر والفجور والربا وغيرها. فاذا كان من الدين لم يكن في عهد الله تحليلا للخمر ولا تحليلا لاصول المحرمات بل هي محرمة منذ آدم. ابرازها تدريجي لا انشاءها. من ثم أيضا الإسلام لم يكن بالشهادتين بل الإسلام من الأول كان بالشهادات الثلاث في يوم الدار وانما ابراز هذا الإسلام الكامل تم تدريجا. حتى في البداية لم يكن الشهادة الثانية «قولوا لا اله الا الله تفلحوا» لكن ليس معناه ان الإسلام هو لا اله الا الله وحده. تبيان حقيقة الإسلام تدريجي. «اليوم رضيت لكم الإسلام دينا» كان البيان الى يوم الغدير تدريجا لان البشرية لم يكن يتحمله وتظن انها عصبيات قبلية ولذلك اتى الحارث الفهري قال هل منك يا رسول الله او من الله؟ ثم دعا على نفسه «سأل سائل بعذاب واقع ليس له دافع للكافرين» فكان يتدرج كما يكون عندنا تدريجي البيان في الفروع.

بينت هذا المطلب وحينئذ يقع الكلام ان الحكم متقوم بالارادة او الانشاء؟ ثم أي انشاء؟ الانشاء بين الله واصفياءه الأنبياء والاوصياء او الانشاء وابرازه لعموم الناس؟ في هذه الحالة اختلاف بين الأصوليين.

بالتالي لازم ان ندخل انه كيف نميز بين مراحل الدلالة في الحكم سيما الانشاء والمبرز لعموم الناس وبين قسم من المراحل الثبوتية للحكم. عندنا مراحل ثبوتية وعندنا مراحل اثباتية دلالية غير مبادئ الحكم. اذا ثلاث تقسيمات لمراحل متعددة للحكم وكل قسم له مراحل متعددة. فالحكم ثبوتا يختلف عن مراحل الدلالة للحكم. عندما نبدأ مادة الامر وصيغة الامر ومادة النهي وصيغة النهي هذه الأبحاث من مباحث قسم الدلالة للحكم.

غدا نوضح ما هو المراد من الدلالة؟

حصل الخلط في كلمات جملة من الاعلام ولازم ان نميز واصل البحث الان في بيان التقسيم الثلاثي للحكم وكل قسم فيه مراحل. اصل الفكرة في هذا اليوم حول هذه النقطة الفهرسية المركزية.