الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

45/11/10

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/مبحث الأوامر/ الامر بالأمر بالفعل/حقيقة الامر بالأمر بالفعل تكميل الخطاب الشرعي

 

كان الكلام في الامر بالأمر هل انه يدل على ان المطلوب هو الفعل وأن الامر الوسيط ليس الا آلية لتعلق الامر بالمأمور به الثاني؟ باعتبار ان المأمور الأول من جهة ليس موصلا محضا ومن جهة كانما يكمل آمرية الامر الأول. هكذا عادة في الأمم ان الله عزوجل يخاطب انبياء الأمم بما هم أولياء الأمم ليوصلوا امره الى الرعية او القوم ففي الحقيقة ربما النمط الثاني، الامر بالامر بالشيء أكثر فالمأمور الأول له دخالة في طاعة الثاني وكماله مثل «قوا أنفسكم واهليكم نارا» يعني انه واضح ان الفعل من المحرمات ولكن دور الاولياء مكمل لآمرية الله تعالى فيكون سلسلة المراتب وهو كفائي بشكل طولي وليس بشكل عرضي كما ان الكفائي في الحقيقة ليس عرضيا محضا بل أيضا هو الأقرب والاقرب اشد مسؤولية. هذا التصوير للحكم قسم من اقسام الحكم كثيرا ما.

ورد في روايات المعراج ان حالات سيد الأنبياء ونبي كل قوم في الطاعة والرشادة تؤثر علي مجمل طاعة امته ورشادتها وهذا التعبير موجود في العرف العقلائي. كذلك المسؤولية على النخب والاعيان اشد من المسؤولية على بقية الرعية لكن هذا لا ينافي «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» في حينها هي طبيعة مسؤولية عامة طولية وتختلف من فئة الى فئة. هذا البحث يعتبر بمنزلة التكميل للواجب الكفائي والمسؤولية العامة. فالولي له مسؤولية تجاه نفسه ومسؤولية تجاه المولى عليه. اجمالا هذا المطلب هو الظاهر في كثير من موارد الامر بالامر.

ورد في أبواب أعداد الفرائض في كتاب الصلاة روايات متعددة كما في باب الحج كذلك امر الصبيان بالعبادات ومؤاخذتهم عليها ولو بنحو تمريني او شرعي. اجمالا هذا المطلب غالبا متاخروا الاعصار يذكرونها ان هذه الأوامر الواردة في الأبواب يستفاد منها مشروعية العبادات او انه تمرين محض ليس الا. اناط البحث في مشروعية عبادات الصبي بهذه القاعدة الأصولية «الامر بالامر بالفعل»

لكن كما مر ان هناك طريقة عند جملة من القدماء بشكل غير صريح لا سيما الشهيد الأول هو اصرح. ان هذه الأفعال هي في نفسها راجحة ومطلوبة ولدينا جملة من الروايات او البيانات عنهم علیهم‌السلام تبين انه يولد المولود على الفطرة وانما ابواه يمجسانه ويهودانه وينصرانه كما في البيان النبوي. ورد تفسير هذا الحديث النبوي الجامع في بيانات اهل البيت سلام الله عليهم. طبعا الان في صدد الأرضية والقابلية للطفل للخطاب الشرعي وهذا الامر مرتبط بالخطاب الشرعي او الحكم الشرعي؟ الكلام في هذا الصدد حسب القواعد الأولية وليس حسب الامر بالامر بالشيء. فالكلام في نفس قابلية الطفل في الخطاب الشرعي او الحكم الشرعي وبينهما فرق.

الخطاب الشرعي هي مرحلة بعضها اثباتي في الدلالة وتعتبر من المراحل الاثباتية للحكم والمراحل الدلالية للحكم. بعض مراحل الحكم اثباتية وليس من المراحل الثبوتية للحكم. بعض مراحل الحكم الثبوتية من مبادئ نشأة الحكم وملاك الحكم وهي أيضا دخيلة ولكنها في الحقيقة خارجة عن متن الحكم حقيقة وتلحق بمراحل الحكم وتسمى بمبادئ الحكم وهي من مراحل ثبوتية كذلك عندنا مراحل انشائية ثلاث وفعلية وفاعلية. هناك أيضا مراحل اثباتية للحكم مثل ان الامر يدل على ماذا او ان النهي يدل على ماذا او صيغة الامر او النهي تدل على ماذا. هذه المراحل اثباتية للحكم او مراحل دلالية للحكم. لاتندرج في المتن الثبوتي لمراحل الحكم لكنها قسم ثالث من مراحل الحكم. قسم مبادئ أحكامية وقسم مراحل ثبوتية ثمانية وقسم مراحل اثباتية للحكم. فهذا التقسيم الثلاثي موجود.

كثيرا ما يخلط بين هذه الأقسام الثلاثة ولكل قسم مراحل فلابد من التمييز بينها. كلمة الخطاب تارة تطلق على مراحل الدلالة ويطلق على الحكم والخطاب الشرعي وتارة يطلق على المرحلة الفاعلية التامة او الناقصة باعتبار انها لها احتكاك لتحريك وانبعاث المكلف فمن ثم تسمى الخطاب. على أي حال يطلق الخطاب على المراحل الثبوتية للحكم وتارة يطلق على المراحل الاثباتية والدلالة.

ههنا هل الكلام في قابلية الصبي للخطاب الشرعي او في نفس الحكم والالزام؟ مر ان المكلف كالرعية يكمل تفاعلهم وتحريك الحكم والامر لهم بتوسط الاولياء. سواء ولي الصبي او ولي الاسرة او ولي الامة وهلم جرا. فتكميل خطاب المولى برعاية تربية وولاية الاولياء فدور الاولياء هو تكميل وصول الارادات الشرعية الى عموم القصّر. فحتى لو افترضنا ان الصبي قاصر عن التخاطب او الانفعال مع أوامر الشارع الا ان الاولياء لهم دور تكميلي في رعاية الاحكام في الصبي ففي الحقيقة ولاية الآباء المقررة شرعا هي بنفسها دليل على ان القصور في الانفعال او تفاعل الصبي يكمل بولاية الاولياء كما في المجنون او المغمى عليه او غيره. هناك فتوى مسلم ان المغمى عليه أحرم عليه بل ربما في بعض النصوص ان من اغمي عليه قبل الاحرام فيحرم به ويوقف به ويجتزء بحجته مع ان المغمى ليس له قابلية. اذا هذه النكتة جدا مهمة انه عند قصور المكلف عن الخطاب الشرعي والانفعال يأتي دور الاولياء وهو مكمل للوصول وايصال الخطاب الشرعي ومكمل لدور الصبي او المكلف القاصر في التفاعل والانفعال مع هذا الامر الشرعي. «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» لطيف ان هذا الحديث النبوي يركز على الولاية ومسؤولية الانسان تجاه الولاية.

لكن مع ذلك الاعلام يتكلمون في بحث الصبي وفيه قواعد فقهية متعددة كما في المعاملات والايقاعات وباب الأسباب والمسببات التكوينية كالضمانات والنجاسات وكذلك عبادات الصبي. يعني ان الصبي فيه مبحث ست قواعد فقهية كلية ولكنا لسنا في صدد البحث بل في فهرسة البحث فقط ان الامر بالامر بالصبي كيف يقرأ بهذا النمط.

فيبحث الاعلام فهرسيا ان العقل النظري في الصبي ربما يبتدأ وهو جنين في رحم امه وفيه شواهد انه يدرك الوجود والعدم. مثلا ان الرضيع يدرك حليب الام قبل ان يدرك الام فقد ادرك الوجود والعدم. فاذا في البداية عند الصبي العقل النظري فيشتد شيء فشيء. السيد عبد الله الشبر في كتاب حق اليقين يجيء بهذه البيانات من الروايات انه كيف الصبي يدرك الوجود والعدم. يعني قبل ان يدرك الحليب ادرك اصل الوجود. وهو اصل ادراك واقعية الله عزوجل. فعنده ادراك فطري. فالعقل النظري يشتد.

اما كلام الاعلام في المميز يقصدون العقل العملي والا العقل النظري يبدأ وهو جنين في بطن امه. اما العقل العملي يعتمد على مدى نمو العقل الادراكي العملي للطفل في ثلاث سنوات او ربما سنتين او ربما سبع سنوات حسب الأطفال. هذا أيضا فيه الشدة والضعف.

المرحلة الثالثة ربما مراهقة عشر سنوات والبلوغ وهناك تشتد أعضاء وآليات الغرائض شيئا فشيء ونازعه أرواح الشهوات. على أي حال قضايا كثيرة ترتبط بالصبي.

متاخروا الاعصار كالسيد محسن الحكيم في المستمسك وربما محشي العروة قالوا ان العقل في الطفل مادام يشتد فلو بدر منه الايمان يصح لا بالتبع بل يصح منه الايمان بالاصالة. الان ما قبل التمييز او بعد التمييز او عند المراهقة المهم قبل البلوغ. مبحث الايمان مبحث حساس في الصبي. اذا قضية الادراكات العقائدية جملة من متاخري الاعصار رفعوا اليد عن قيدية البلوغ فيها. هذه من الفرائض والوظائف العظيمة واذا تسنى ويتصور في الصبي وظائف القلب فكيف بوظائف البدن التي هي دون تلك. اجمالا هذه نكتة لارضية التشريع. اما من جهة نفس مراحل نمو الطفل او بلحاظ ان الولي يكمل قابلية الطفل والقصر للتفاعل.

اما بالنسبة الى عموم ادلة الأوامر والنواهي الشرعية ففيه دائرة من هذه الأوامر والنواهي مسلمة انها مطلوبة وهي دائرة الحسبيات. مر ان الشارع ولو يصدر هذا الفعل من مجنون مطبق مبغوض عند الشارع او مطلوب عنده. ففيه دائرة من الأفعال مسلمة شمول الخطاب حتى لافعال الصبي او المجنون وان التشريع شامل.

ومن جهة أخرى دائرة أفعال القلب مرت بنا وهذا كله يقرب ان ادلة الأوامر والنواهي الأصل فيها الشمول للصبي والمجنون ولغيرهم. اخراجهم يحتاج الى دليل. اما قضية القصور في الصبي عن التفاعل مر بنا انه يكمل بما ورد من تحميل المسؤولية للاولياء «قوا أنفسكم واهليكم نارا» او الروايات «مروا صبيانكم بكذا» فهذا مكمل. بالتالي هذا القصور في التفاعل للصبي والمجنون ليس مانعا ويمكن تكميله بالاولياء.

اذا مقتضى القاعدة الأولية عند الشهيد الأول وجملة من القدماء ان الأصل شمول الأدلة الأولية في كل شيء للصبي. غاية الامر مسؤولية الآباء تجاه المسؤولية والمؤاخذة على الآباء. لا ان اصل التشريع منوط بالبلوغ بل تحمل المسؤولية منوط بالبلوغ. لا ان اصل التشريع منزوي عن الصبي او المجنون انما المسؤولية والتأديب والمؤاخذة تقع على الاولياء. فهذه الأفعال في نفسها اما مطلوبة من الشارع او مبغوضة عند الشارع وسواء هذه الأفعال اتصلب البعد الفردي او البعد المجتمعي.

عجيب ان السيد الخوئي وبعض المتاخرين يقبل العمومات فيهم ان عموم الأوامر الأولية يقبل شمولها للصبي الا ان حديث الرفع مانع عن العمومات ومخصص لها. هذه اخر المطاف وسنخوض فيها.

لكن قبل ان نخوض فيه مر ان الصبي فيه قواعد فقهية عديدة ومن ضمن القواعد الموجودة فيه ان عمد الصبي خطأ تحمله العاقلة. السيد الخوئي خصه بباب الديات لكن المشهور يقولون ان عمد الصبي خطأ حتى في الانشائيات وهذا يعبر عنه بقصور كلام الصبي وهو الصحيح وهذا مبحث عن الجهات المعقدة في الصبي. ويتكرر في الأبواب الفقهية كلها سيما في المعاملات. لان الكلام ليس في العبادات فقط بل الكلام في المعاملات أيضا. لسنا في صدد التفاصيل اجمالا نقول بهذه النقطة ان حديث الرفع او رفع القلم هل هو مانع ام لا؟

الميرزا النائيني في النصف الثاني من عمره خالف المشهور في كثير من المباني وهذه المخالفات بنظري القاصر ليست سديدة والحق مع المشهور. فجملة من تلاميذه ومنهم السيد الخوئي بنوا على هذا المطلب ومنه ان حديث الرفع وهو قواعد متعددة في رفع القلم عن ستة او سبعة نسبته مع الأدلة الأولية مخصص يعني ان هذه القواعد الست مرتبطة بالمرحلة الانشائية للاحكام. خلافا لما عند المشهور وهو الصحيح.

مر بنا مرارا أن حديث الرفع والقواعد الست فيه او التسع او الاثني عشر في بعض الروايات كل قاعدة قاعدة منها لها أسماء والسن في الأدلة متعددة. وهذا يوجب الغفلة عند الاكابر ان يؤاخذ بعضهم بعضا في هذا البحث.

المهم ان المشهور عندهم هذه القواعد لا تتصرف في مراحل الحكم ولا تخصص ولا تقيد. اذا ترفع التنجيز فقط والمؤاخذة.

ان شاء الله نكمله في الجلسة القادمة.

طبعا هذا البحث له صلة للموسع والمضيق وهو بحث في تعدد مراتب المركبات. هناك بحثنا عن القواعد الثانوية في الموسع والمضيق وهنا أيضا نبحث عنها وزوايا عديدة فيها. دائما عندنا شبكلية واشتباك وترابط وبتوسطه يحصل الابصار.